عوامل مؤثرة: هل يتراجع المركز المالي لبنك القاهرة؟

تأسس بنك القاهرة عام 1952، وهو ما يعني أن البنك يعمل في الجهاز المصرفي المصري لمدة 72 عاماً، وهي مدة كبيرة للغاية، تقتضي أن نلقي الضوء على الأداء المالي للبنك خلال الفترة الأخيرة، حتى نقف على مواطن الضعف التي يحتاج البنك إلى التركيز عليها، ليظهر بشكل أقوى في السوق المصرفي المصري، وينافس غيره من البنوك في السوق، إذ أن نتائج الأعمال أوضحت تراجعه بالنسبة للبنوك الأخرى، وهو مؤشر خطير لابد أن ينتبه له البنك.

وتـأسيساً على ما سبق يتطرق هذا التحليل إلى التعرف على الأداء المالي لبنك القاهرة بالمقارنة مع البنك الأهلي، فضلاً عن التطرق إلى المشكلات التي يواجهها عملاء البنك، وتوصيات حلها.

الأداء المالي:

يُمكن التعرف على الأداء المالي لبنك القاهرة من خلال النقاط التالية:

(-) حجم الأصول: ارتفعت حجم أصول بنك القاهرة من 321.58 مليار جنيه في عام 2022 إلى نحو 478 مليار جنيه في عام 2024، أي ارتفعت بنسبة 48.64%، ولكن بالمقارنة مع البنك الأهلي المصري يتلاحظ الانخفاض الشديد لأصول بنك القاهرة كما يوضح الشكل (1)، وهو ما يُهدد مركز البنك بين البنوك الكبرى، إذ ارتفعت أصول البنك الأهلي من 3.78 تريليون جنيه في عام 2022 إلى 7.394 تريليون جنيه في سبتمبر عام2024، أي ارتفعت بنسبة 95.6%، ومن هنا يتضح أن بنك القاهرة يحتاج إلى رفع قيمة أصوله بشكل أكبر بحيث يستطيع المنافسة مع أكبر بنك حكومي في السوق المصري وهو البنك الأهلي.

الشكل (1) يوضح إجمالي أصول بنك القاهرة خلال الفترة من 2022 إلى سبتمبر 2024

المصدر: التقارير المالية لبنكي القاهرة والأهلي

(-) حجم  القروض والودائع: تُشير حجم القروض والودائع إلى مدى نجاح نشاط البنك، وقدرته على استقطاب العملاء المختلفة، وبالرغم من ارتفاع قروض البنك من 134.22 مليار جنيه في عام 2022 إلى 202.7 مليار جنيه في سبتمبر 2024، أي ارتفعت بنسبة 51.02%، وارتفاع الودائع من 250.18 مليار جنيه في عام 2022 إلى 347.22 مليار جنيه في سبتمبر 2024، أي ارتفعت بنسبة 38.79% كما يوضح الشكل (2)، ولكن مع استقبال البنك الأهلي ودائع بقيمة 3.58 تريليون جنيه في عام 2023، ومنحه قروض بقيمة 2.26 تريليون جنيه، يتضح الأداء الضعيف نسبياً لبنك القاهرة بين بنوك القطاع المصرفي المصري.

الشكل (2) يوضح إجمالي حجم القروض والودائع لدى بنك القاهرة( بالمليار جنيه)

(-) مؤشر السيولة: يُعتبر مؤشر السيولة من أهم المؤشرات التي تعكس مدى درجة الأمان التي يتمتع بها البنك عند إدارة نشاطه الرئيسي، وهو منح القروض والتسهيلات، إذ أنه يوضح قدرته على الوفاء بالالتزامات المالية، ومدى تعرضه للتعسرالمالي في بعض الأوقات، ويُمكن حساب هذا المؤشر من خلال نسبة القروض إلى الودائع، ويُفضل في هذا المؤشر ألا يرتفع عن نسبة الـ 35%؛ حتى يظل البنك في الوضع الآمن، ومن الشكل (3) يتضح أن النسبة سجلت 53.65% في عام 2022، وارتفعت إلى 57.57% في عام 2023، ثم ارتفعت إلى 58.38% في سبتمبر عام 2024، وهو الأمر الذي لابد أن يحذر منه البنك، إذ أن هذا الارتفاع يدل على أن البنك يُسرف في منح القروض بالنسبة لحجم الودائع التي لديه.

الشكل (3) يوضح مؤشر السيولة لدى بنك القاهرة (%)

(-) مؤشر الربحية: هناك العديد من النسب التي توضح مؤشر الربحية داخل البنوك المُختلفة، فمن هذه النسب صافي الربح إلى إجمالي حقوق الملكية، وصافي الربح إلى إجمالي الأصول، وباستخدام هذه النسبة الأخيرة التي يُعبر عنها الشكل (4)، يُمكن القول أن البنك استطاع تحقيق أرباح خلال الفترة محل الدراسة، أي استطاع توليد أرباح من الأصول التي يمتلكها، ولكن يُفضل أن ترتفع هذه النسبة بشكل أكبر.

الشكل (4 ) يوضح مؤشر ربحية بنك القاهرة

(-) نسبة المخاطر: إن تقييم المخاطر من الأمور الهامة في التحليل المالي، فهذا التقييم يُطمئن المودعين على أموالهم داخل البنك، كما أنه من المؤشرات التي تدل على سلامة وضع البنوك داخل القطاع المصرفي، ويتضح من الشكل (5) أن هذه النسبة مرتفعة للغاية في بنك القاهرة، إذ أنها بلغت في عام 2023 أقصى قيمة لها وهي 79.4%، وفي سبتمبر 2024 انخفضت إلى 72.6%، ولكنها تظل عند معدلات مرتفعة للغاية، تدل على أن البنك يعتمد على الودائع في تمويل الأصول بنسبة مرتفعة، وعليه لابد أن يعمل البنك على تخفيض هذه النسبة؛ حتى يكون في وضع آمن.

الشكل (5 ) يوضح نسبة المخاطر في بنك القاهرة

(-) معدل الانتشار الجغرافي: ارتفعت فروع بنك القاهرة من 221 فرع في عام 2018 إلى 249 فرع في عام 2023، أي بمعدل 4 فروع في كل عام، وهو معدل بسيط لا يتناسب مع الزيادة السكانية في المحافظات، واحتياج الأهالي إلى فروع البنك بشكل منتشر في محافظتهم،وبالمقارنة مع عدد فروع البنك الأهلي المصري التي تبلغ 643 فرع، يتضح أن البنك يحتاج إلى اهتمام كبير بنشر  فروعه بين المحافظات المختلفة، وبالإضافة إلى ذلك يمتلك البنك حوالي 1640 ماكينة صراف آلي، وهو عدد لا يكفي عملاء البنك.

تهديدات جمة:

يواجه عملاء بنك القاهرة العديد من العقبات عند التعامل مع الخدمات المختلفة، وهي كالتالي:

(*) مشاكل فنية: تعددت المشكلات الفنية التي أبداها عملاء البنك، إذ أبدى البعض رغبته في النقل إلى بنك أخر؛ بسبب أن خدمة الرسائل الهاتفية الخاصة بـ السحب من الرصيد غير متوفرة، خاصة عند أصحاب المعاشات، كما اشتكوا أن في مواعيد سحب المعاشات تكون بعض الماكينات خارج الخدمة، وهو الأمر الذي يتسبب في زحام شديد،  بالإضافة إلى أن هناك خصم من حسابات العملاء لقيم نقدية تصل إلى 250 جنيه بدون إبداء أسباب، وبالإضافة إلى ذلك أبدى العملاء استيائهم من التطبيقات التي يصدرها البنك، ووصفها البعض ” بالتطبيقات العقيمة” بمعني أنها لا تتضمن خدمات أو تحويل من الحساب، أو الاستعلام عن المدخرات، وهذا فضلاً عن انخفاض جودة ماكينات الصرف الآلي، كما أن سيستم البنك يتعرض للانهيار في أوقات عدة.

(*) قلة الفروع والماكينات: العملاء يحتاجوا في المقام الأول توزيع عادل لفروع البنك وماكيناته بين المحافظات المختلفة، ولكن هذا لا يتحقق في بنك القاهرة، فعلى الرغم من ارتفاع عدد فروعه بالمقارنة بعام 2022، إلا أن عددها أقل بكثير بالنسبة للبنوك المنافسة، إذ أن العديد من العملاء يبدون شكوتهم من انخفاض عدد الفروع والماكينات، وهو ما يجعلهم يقطعوا مسافات؛ للحصول على الخدمة، وهو الأمر الذي دفع المواطنين يسأموا من الضغط والتكدس الكبير في الفروع المختلفة.

(*) تعقيد الخدمة: إن الخدمة المُعقدة من أهم المشكلات التي يواجهها عملاء البنك، إذ يتطلب الحصول على بعض الخدمات الذهاب إلى فرع البنك، فقد اشتكى بعض المواطنين من هذه المشكلة في استلام الفيزا، حيث أنه لا توجد خدمة توصيل إلى مقر سكن العملاء، كما أن خدمة العملاء غير مفعلة بشكل مستمر، وهو ما يستدعي أن العميل يذهب إلى الفرع بنفسه؛ لحل المشكلة، فضلاً عن أن الرسوم والعمولات على الخدمات المصرفية مرتفعة بالنسبة للبنوك الأخرى، كما أن فتح الحسابات أو الحصول على بعض الخدمات تستغرق وقتاً أطول من المتوقع في بعض الأحيان، وهو الأمر الذي يضفي قدر كبير من التعقيد على الخدمات التي يُقدمها البنك، ويجعل العملاء تفاضل بينه وبين البنوك الأخرى.

توصيات مهمة:

هناك العديد من التوصيات التي يتطلب على البنك اتخاذها خلال الفترة المُقبلة، والتي تتمثل في الآتي:

(-) زيادة حجم الأصول: يتعين على بنك القاهرة العمل على زيادة حجم أصوله، إذ أن إنخفاض حجمها يُعد مؤشر خطير يعمل على تقليل المركز المالي للبنك بين بنوك القطاع المصرفي المصري، ويُمكن زيادة حجم الأصول من خلال تحسين كفاءة إدارة الأموال، وهو ما يتحقق من خلال جذب المزيد من الودائع من خلال تقديم حسابات توفير جاذبة بأسعار فائدة تنافسية، فضلاً عن إطلاق شهادات إدخار بعوائد مرتفعة؛ لجذب أموال العملاء، ومن ناحية أخرى يُمكن تنويع مصادر الدخل والاستثمار، من خلال استثمار الأموال في السندات الحكومية وأدوات الدين الآمنة، والدخول في شراكات استثمارية مع مؤسسات مالية أخرى.

(-) تحسين الكفاءة التشغلية: يُمكن تحسين الكفاءة التشغلية لبنك القاهرة، من خلال تطبيق التحول الرقمي؛ لتقليل التكاليف التشغلية وزيادة الأرباح، مع استخدام الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات؛ لتحسين استراتيجيات الإقراض وإدارة المخاطر، بالإضافة إلى ضرورة تطوير برامج إدارة الأصول؛ لتعظيم العائد على الاستثمارات.

 (-) تحسين تجربة العملاء: إن الشكاوي المختلفة التي يُعاني منها العملاء يُمكن معالجتها من خلال خلق آلية تواصل فعالة بين البنك وعملاءه، إما عن طريق الهاتف أو البريد الإلكتروني؛ للحصول على أسرع استجابة، كما أنه لابد من رفع كفاءة موظفي خدمة العملاء، وأن يتم إتاحتهم بشكل مستمر، كما أن تحسين خدمة العملاء يتم من خلال تقليل فترات الانتظار داخل الفروع من خلال أنظمة الحجز المسبق أو زيادة عدد الموظفين في أوقات الذروة،  كما أنه لابد من التركيز على الخدمات والتكنولوجيا من خلال تحسين تطبيق البنك والموقع الإلكتروني ليكون أكثر سهولة وسرعة، وتوفير خدمات مصرفية رقمية متكاملة مثل فتح الحسابات، القروض، والاستثمارات عبر الإنترنت، وتقديم ميزة الذكاء الاصطناعي (روبوتات الدردشة)؛ للإجابة على الاستفسارات البسيطة بسرعة.

(-) التوسع في الفروع وتحديث الماكينات: من الضروري أن يعمل البنك على زيادة عدد الفروع وأجهزة الصراف الآلي في الأماكن الأكثر احتياجًا، فضلاً عن تطوير تصميم الفروع ليكون أكثر راحة، مع أماكن انتظار مريحة وخدمة سريعة، وتوفير أجهزة صراف آلي تدعم الإيداع الفوري وتحويل الأموال دون الحاجة لزيارة الفرع.

وعليه يُمكن القول، إن بنك القاهرة يُعاني من العديد من التهديدات التي تؤثر بالسلب على مركزه بين بنوك القطاع المصرفي الأخرى، وهو ما يتطلب من البنك وضع استراتيجية متكاملة تعمل على مواجهة هذه التهديدات بشكل سريع، حتى يُحافظ على العملاء الحاليين ويستطيع استقطاب عملاء جدد ، وهو الأمر الذي يعمل على زيادة حجم أصوله وأرباحه،ويُساعد على وجود قطاع مصرفي قوي قادر على تمويل متطلبات الاقتصاد القومي.

رضوى محمد سعيد

رئيس وحدة الدراسات المصرية، ومدير برنامج الدراسات المصرفية بالمركز. الباحثة حاصلة على بكالوريوس اقتصاد، كلية اقتصاد وعلوم سياسية- جامعة القاهرة، الباحثة مهتمة بتحليل القضايا الاقتصادية الكلية، عملت كباحثة متخصصة في تحليل السياسات العامة المصرية بالعديد من الشركات المتخصصة ومراكز الفكر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى