السيناريو الأقرب: كيف يتحرك “ترامب” تجاه الملف الإيراني؟

تحديات عديدة يواجهها دونالد ترمب الرئيس الـ47 للولايات المتحدة الأمريكية، في ولايته الثانية، خاصة في ظل الإرث المذموم الذي تركه له الرئيس جوزيف بايدن، سواء علي الناحية السياسية، كالانخراط الأمريكي التام في حرب روسيا وأوكرانيا منذ عام 2022، والدعم المطلق لإسرائيل في عدوانها علي قطاع غزة منذ عام 2023، ورفض الاستجابة لأية محاولة تهدئة أو وقف إطلاق نار طوال الفترة المتبقية من حكم بايدن. وكذلك الناحية الاقتصادية، كالتضخم والخسائر الاقتصادية الكبيرة وإهدار موارد البلاد في نشر أجندة اليسار الليبرالي المتطرف، وأخيراً خسائر حرائق كاليفورنيا. جميعها ملفات وقضايا هامة ستتطلب من الرئيس ترامب التعاطي معها بعقلانية أكثر، خاصة محاولات احتواء التصعيد في منطقة الشرق الأوسط، مع الأخذ في الاعتبار بأنه لا يجب أن يُنظر إليه أيضاً علي أنه الرئيس المُنقذ.
وتحتل منطقة الشرق الأوسط، مكانة مرموقة فى دوائر السياسة الخارجية الأمريكية، وتعود هذه المكانة إلي عوامل عدة أبرزها: وجود إسرائيل، الحليف الأهم والابن المدلل لواشنطن، ودول الخليج التى ذات المكانة الجيوستراتيجية الهامة والإسهام المحوري في أمن الطاقة العالمى، والدور الكبير الذى يقوم به الشرق الأوسط بشكل عام فى تأمين سلاسل الإمداد من النفط أو البضائع، إلى مختلف أنحاء العالم، فضلاً عن وجود إيران التي تؤرق الوجود الإسرائيلي، وتؤثر علي المصالح الأمريكية. كما أن المنطقة توصف بأنها “ساحة للتنافس الجيوسياسي”، بين دعاة “القطب الواحد” بقيادة الولايات المتحدة من جهة، وروسيا والصين من جهة أخري من خلال دعوتهما إلى قيام نظام عالمى “متعدد الأقطاب” ما يضفي المزيد من الأهمية علي هذه المنطقة.
وعليه، بترتيب محورية الملفات بالنسبة لسياسة الرئيس ترامب تجاه منطقة الشرق الأوسط، نجد أن الاهتمام سينصب في المقام الأول علي كل ما له علاقة أولاً بطهران وتحجيمها من جانب وأمن تل أبيب من الجانب الآخر. وهل يسعي البيت الأبيض لاحتواء أية محاولات تصعيد بينهما؟ وكيف سيكون تعامل ترامب المرتقب مع طهران؟
الملف الأبزر(إيران وإسرائيل):
يتصدر ملف إيران وإسرائيل أولويات السياسة الأمريكية فيما يتعلق بملفات الشرق الأوسط الشائكة، ويتزايد الأمر مع قدوم الرئيس الجمهوري ترامب. كما أن موقع كل من إيران وإسرائيل في سياسة البيت الأبيض، يمثل المتغير الأهم في سياستها بالشرق الأوسط بشكل عام. فطبقاً للخبراء، فإن موقعهما لا يتسم بالاستقرار الذي تنعم به علي سبيل المثال السعودية، أو مصر، أو تركيا. فإيران الثورة لديها كثير من الملفات الساخنة مع دول الجوار، وتدخل في شئونها الداخلية، ما أسفر عن علاقات غير مستقرة، إلي جانب طموحها النووي الذي يتصادم مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية. أما إسرائيل فهي كياناً غريباً عن النسيج الاجتماعي والسياسي للمنطقة العربية يرفض التعاطي مع العرب من مطلق الاحترام؛ وهي سمات أساسية للكيانات الاستطانية، كما أنها آخذة في التوسع جغرافياً متى سنحت لها الفرصة والتعدي علي سيادة غيرها، وما أنشطتها الأخيرة في سوريا ببدع من القول. فلاشك أن أجندة ترامب في المقام الأول ستركز علي هذا الملف، سيما في ظل المساعي الإيرانية الحثيثة في برنامجها النووي.
هل تُعقد صفقة بين واشنطن وطهران؟
بات واضحاً أن سياسة الضغط القصوى التى فرضها دونالد ترامب على إيران فى نوفمبر ٢٠١٨، ومن قبلها الانسحاب من الاتفاق النووى، مع مجموعة (5+1) فى مايو ٢٠١٨، لم يحققا أى نتيجة واقعية، بل أدي إلى زيادة مستويات تخصيب اليورانيوم (من نحو ٣.٧٪، المنصوص عليها فى الاتفاق النووى، إلى ٦٠٪ ويمكن أن تصل إلى ٩٠٪ ) أي أنها المستويات اللازمة لإنتاج القنبلة النووية فى أى وقت. كما أن فرض العقوبات القاسية على صادرات النفط والبتروكيماويات الإيرانية لم يؤدِ إلى قطع المساعدات العسكرية والاقتصادية الإيرانية عن حلفائها فى المنطقة العربية، لذا نحن أمام سيناريوهين محتملين في تعامل إدارة ترامب مع إيران، وهما:
(*) السيناريو الأول: هو البحث عن آلية أخري غير سياسة الضغط القصوي التي استُخدمت سابقاً، من أجل البحث عن محاولات تقود إلى السلام والاستقرار الذى يدعو إليه ترامب، وهو ما قد يدفعه إلي عقد صفقة مع إيران تُفضى إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة، وهذا يتماهي إلي حد ما مع الجانب الإيراني، في ظل وجود الرئيس الإيراني الإصلاحي مسعود بزشكيان، والذي يميل بأفكاره إلي التعاون مع الغرب وحلحلة الخلافات بينهما، ربما قد تشمل أيضاً تأكيد إيران نيتها عدم دخول مجال التسليح النووي عبر ضمانات مختلفة، وذلك بهدف تخفيف التوترات في المنطقة، وربما قد تشهد الصفقة مع طهران، عدم وجود ميليشيات مسلحة ولا وحدة للساحات، وهو مسار آخر قد يؤدي إلي خلافات بين التيار الإصلاحي والتيار المتشدد في الداخل الإيراني.
(*) السيناريو الثاني: العودة إلي السياسة السابقة لترامب وهي الضغط والتصعيد عبر عقوبات اقتصادية واسعة تشل الاقتصاد الإيراني المنهك بطبيعة الحال، وربما تصل لمستوى ضربات عسكرية لإيران والمزيد من الدعم المُقدم لإسرائيل للقضاء على أذرع إيران خاصة في العراق واليمن.
مبادرة سعودية لاحتواء مرتقب:
جميع الدول في منطقة الشرق الأوسط تترقب دوراً إيجابياً فعالاً من الرئيس ترامب فيما يتعلق بإحتواء التصعيد بين إيران وإسرائيل، وكانت المملكة العربية السعودية في صدارة المشهد، خاصة عقب تنصيبه بشكل رسمي، وجاء ذلك علي لسان وزير خارجيتها فيصل بن فرحان والذي صرح قائلا “لا أعتقد أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ستزيد من احتمالات اندلاع حرب بين إسرائيل وإيران، بينما تبذل جهود لنزع فتيل التوتر في المنطقة بعد عقد الدولة العبرية اتفاقيتين لوقف اطلاق النار مع حزب الله وحماس المدعومتان من طهران”. في إشارة تبدو واضحة أيضاً إلي دعوة إدارة ترامب لحل أزمة الملف النووي الإيراني بطريقة سلمية، والحيلولة دون التصعيد بين تل أبيب وطهران وهو الأمر الذي شكّل مصدراً من مصادر الخوف والتهديد في المنطقة منذ بداية العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة في أكتوبر 2023.
وأضاف الوزير بن فرحان خلال الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في سويسرا “دافوس”، أنه “يأمل في أن يُقابَل نهج ترامب تجاه إيران باستعداد طهران للتعامل بشكل إيجابي مع الإدارة الأمريكية ومعالجة قضية برنامجها النووي”. وتأتي مبادرة الرياض في هذا الصدد للتأكيد علي أن اندلاع حرب بين طهران وتل أبيب، أو أي حرب في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، هو أمر يجب محاولة تجنبه قدر الإمكان، وتُرجح المملكة علي لسان وزير خارجيتها الاعتقاد بأن “الإدارة الأمريكية الجديدة لن تُسهم في خطر اندلاع الحرب، بل على العكس من ذلك، كان الرئيس ترامب واضحاً تماماً في أنه لا يحبذ الصراع”. كما يُذكر أن الرياض قد استأنفت علاقتها مع طهران بعد عقد اتفاق لتطبيع العلاقات برعاية صينية في عام 2023، وهو ما يؤكد رغبة المملكة العارمة في تهدئة الأوضاع في الإقليم والدعوة إلي الاستقرار.
ختاماً، يبدو أن العديد الأطراف الإقليمية والدولية تميل إلي تطبيق سياسة الاحتواء ومنع تفاقم الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، والتي تعج بالفعل بالكثير من القضايا والملفات شائكة، جعلتها تعيش حالة غير مسبوقة من التوتر وتفاقم للأزمات، وهنا تظهر النوايا الحقيقية لكل طرف، حال تم تطبيق هذه السياسة بالفعل سواء اتفقت مع مصالحه أم تعارضت، وهو ما سيتضح خلال الفترة المقبلة، فالرئيس ترامب يدعو إلي السلام والاستقرار وإنهاء الحروب في المنطقة، وإيران أبدت أملاً في الإدارة الأمريكية تحت قيادة ترامب بأن تتبع نهجاً جديداً في العلاقات المشتركة بين البلدين قائماً علي احترام المصالح.