اتجاهات الرأي العام الأمريكي قبل ساعات من تولى “ترامب” السلطة

مع اقتراب الـ 20 من يناير 2025، وهو اليوم الذي يعود فيه دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، كرئيس للولايات المتحدة بعد أربع سنوات من مغادرته منصب الرئاسة،- تتزايد المشاعر المتباينة بين الأمريكيين بشأن توقعاتهم لما يحدث خلال فترته الثانية، سواء كان الدعم الحماسي من مؤيديه أو القلق العميق من معارضيه.

الملاحظ أنه قبل وصول ترامب إلى منصب الرئاسة مجددًا، بدا الأمريكيون منقسمون بشكل غير مسبوق، ففي الوقت الذي يراه مؤيدوه بطلًا يستحق القيادة ويعِد بمستقبل أفضل، يعتبره معارضوه تهديدًا للقيم الديمقراطية، ويخشى البعض من التأثير السلبي لسياساته على مستقبل الولايات المتحدة.

اتجاهات مؤيديه:

يعتبر الكثير من الأمريكيين، خاصة الذين يعيشون في الولايات التي تعتبر معاقل جمهورية مثل فلوريدا وتكساس،- أن عودة ترامب إلى الرئاسة، يمثل انتصارًا طال انتظاره. قراءة وتحليل السوشيال ميديا الأمريكية، وما نشرته بعض الصحف ذات الشأن، يشير إلى أن مؤيدي ترامب، يعتبرونه بمثابة الشخصية القوية التي ستعيد “عظمة أمريكا” من جديد، وهو زعيم يستحق استكمال ما بدأه في ولايته الأولى. فـ “ترامب” بالنسبة لهؤلاء ليس مجرد رجل سياسي، بل هو بطل يقدم الحلول لمشاكلهم الحقيقية مثل البطالة، والهجرة غير الشرعية، والتجارة.

وعلى ما سبق، يمكن القول إن مؤيدي “ترامب” يترقبون بفارغ الصبر عودة السياسات التي وعد بها في حملاته الانتخابية، فهؤلاء يأملون في إعادة تفعيل السياسات التي تحسن الاقتصاد المحلي، وتعزز من قطاع الطاقة. كما أن وعد ترامب بإعطاء الأولوية للأمريكيين في الحصول على وظائف وفرص عمل جديدة، لقى ترحيبًا كبيرًا خلال الساعات الماضية من جانب مؤيديه الذين يصفونه برجل القرارات الصعبة، وهو ما يمكنه من وضع مصالح الولايات المتحدة في المقدمة، حتى وإن تطلب الأمر مواجهة العالم. تقول “ميغان روس”، وهي مؤيدة لترامب من ولاية فلوريدا، إن “ترامب رجل أعمال قوي، وقد أثبت قدرته على تحسين الاقتصاد، أعتقد أن عودته تعني مستقبلًا أفضل لنا جميعًا”.

وعليه، يمكن التأكيد على أن مواقف مؤيدي ترامب من عودته لم تقتصر على ما نُشر في الصحف أو في السوشيال ميديا، بل خرج هؤلاء في حشود إلى الشوارع للتعبير عن دعمهم لترامب، حيث ارتفعت مبيعات شعارات “اجعل أمريكا عظيمة مجددًا”، وأقيمت تجمعات في العديد من الولايات التي أظهرت إيمانهم بأن ترامب سيعيد البلاد إلى المسار الصحيح.

قلق وانقسام بين معارضيه:

على الجانب الآخر، عبر معارضو ترامب عن مشاعرهم من خلال الخوف والقلق من التأثيرات السلبية التي قد تأتي مع توليه السلطة مرة أخرى. فهؤلاء يعتقدون أن ترامب، يشكل تهديدًا للسلام الاجتماعي والسياسي في الولايات المتحدة، خاصة وأنهم يرددون بأن الفترة الأولى من رئاسته أظهرت توترات خطيرة وتهديدًا للديمقراطية الأمريكية.

ويعتبر معارضو “ترامب” أنه من أكبر مخاوفهم، هو الخطاب العدائي والمثير للانقسامات الذي يعتمد عليه ترامب في التعبير عن آرائه، هذا بالإضافة إلى أن تصريحاته أضافت مزيدًا من التوترات بين الجمهوريين والديمقراطيين، وبين البيض والأقليات. كما تركزت مخاوف معارضوه على السياسات التي نفذها ترامب في فترته الأولى، مثل محاولاته للحد من الهجرة والتهديدات المستمرة بإلغاء بعض برامج الرعاية الاجتماعية التي يعتبرها البعض أساسية. فتقول “لورا جونز”، معلمة من ولاية نيويورك، إن “ترامب لا يمثل القيم التي يجب أن ترتكز عليها أمريكا، كما أن سياساته السابقة أضرت” بالأقليات وأثارت الانقسامات.

يشير تحليل صفحات السوشيال ميديا إلى أن معارضي “ترامب” يرون أن رئاسته الثانية، قد تؤدي إلى تعزيز هذه السياسات المثيرة للجدل، خاصة بعد المسيرات الاحتجاجية في مدن كبيرة مثل نيويورك وواشنطن العاصمة، حيث خرج الآلاف للتعبير عن قلقهم من تصاعد الاستقطاب السياسي، وتدهور الأوضاع الاجتماعية. وعليه، يمكن القول إن هذه الاحتجاجات، قد تعد انعكاسًا للمخاوف الكبيرة التي يشعر بها أولئك الذين لا يوافقون على رؤية ترامب لبلادهم.

تشكيل المشاعر:

قراءة ومشاهدة وسائل الإعلام الأمريكية بمختلف أنواعها خلال الفترة الأخيرة، يشير إلى دورها الكبير في تشكيل الرأي العام الأمريكي قبل عودة ترامب إلى البيت الأبيض. فقد تلاحظ أن الإعلام المحافظ مثل “Fox News”  يعزز من صورة ترامب كرجل يتبنى سياسات قوية تهدف إلى إعادة بناء أمريكا، على العكس يوجه الإعلام الليبرالي، مثل “CNN” و”The New York Times”، انتقادات لاذعة لسياساته، ويؤكد على مخاطر انقسام المجتمع الأمريكي بسبب تصريحاته وسلوكياته. توضيحًا، يمكن القول إن استخدام وسائل الإعلام للأساليب المؤثرة في نقل الرسائل المختلفة، من المحتمل أن يزيد من حدة الجدل حول سياسات ترامب خلال فترته الثانية. ففي وسائل التواصل الاجتماعي، يظل تأثير هاشتاغات مثل “Trump2025″ و”NeverTrump”  كبيرًا، حيث يعبر الأمريكيون بحرية عن آرائهم ومشاعرهم تجاه هذه الفترة القادمة.

في المجمل، تثير عودة ترامب إلى منصب الرئاسة العديد من الأسئلة حول مستقبل العلاقات الدولية، خاصة مع الصين والمكسيك، حيث يترقب البعض سياسات ترامب في هذا السياق في ظل التصعيد المبكر في الحرب التجارية مع الصين، فهؤلاء يعتقدون أن هناك خطرًا كبيرًا من تصاعد التوترات الاقتصادية مع هذه الدول. علاوة على ذلك، يواجه ترامب تحديات في التعامل مع حلفاء أمريكا التقليديين مثل الاتحاد الأوروبي وكندا، الذين قد يشعرون بالقلق من السياسة الأمريكية المتغيرة نحو “أمريكا أولا”.

في النهاية، يمكن القول إن تحليل بعض وسائل الإعلام الأمريكية، وبعض منصات السوشيال ميديا، يشير إلى اتجاهات متباينة تجاه ترامب من قبل الأمريكيين قبل توليه السلطة، فبينما يحتفل ملايين من أنصار ترامب بعودته، يرى آخرون في ذلك تهديدًا مباشرًا للقيم الديمقراطية. هذه اللحظة تتسم بالانقسام العميق بين مؤيدي ومعارضي ترامب، لكنها في الوقت نفسه تُظهر بشكل جلي أن الديمقراطية الأمريكية تستوعب هذا النوع من التحديات. إذ لا يزال المستقبل الأمريكي غير واضح، وما سيحدث في الأيام المقبلة سيتحدد بناءً على كيفية تعامل ترامب مع الأمور الداخلية والخارجية التي تنتظره.

_______________________________

المصادر:

Pew Research Center. (2024). “Public Opinion on Trump’s Return to Office.”

The Washington Post. (2025). “Divided America: Emotions Ahead of Trump’s Inauguration.”

Fox News. (2024). “Supporters Rally for Trump’s Second Term.”

CNN. (2024). “Concerns About Trump’s Second Term.”

ديانا محسن

ديانا محسن- باحثة متخصصة في الشؤون الأمريكية، وحدة دراسات العالم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى