كيف قرأت الصحافة الأمريكية خطاب “ترامب” في حفل تنصيبه؟

يمثل الـ 20 من يناير 2025، مرحلة جديدة في تاريخ الولايات المتحدة، ففي هذا اليوم ألقى الرئيس “ترامب” خطابًا، عكس طموحات كبيرة وتحديات جسيمة للولايات المتحدة الأمريكية والعالم أجمع، كما حمل رؤية استراتيجية لولاية الرئيس الثانية، حيث ركز “ترامب” وفقًا لما تداولته الصحافة الأمريكية على تعزيز الوحدة الوطنية وتحفيز الاقتصاد، بالإضافة إلى تأكيده على موقفه الحاسم في الملفات الداخلية والخارجية. ما تضمنه خطاب “ترامب” من تفاصيل ومحددات لمسار عمل فترته الرئاسية الثانية، عنونته الصحافة الأمريكية، ونقاشت بناءًا عليه مواقف الأطراف المعارضة في الداخل الأمريكي، كما حملت أغلب منشتات الصحافة الأمريكية الصادرة في اليوم التالي لخطاب التنصيب، سؤال مركزيًا، حاولت تفسيره، هو: ما مدى قدرة ترامب على تنفيذ تعهداته في ظل الانقسامات السياسية العميقة التي تشهدها البلاد؟
الوحدة الوطنية واستعادة القوة:
افتتح ترامب خطابه بالدعوة إلى توحيد الأمريكيين عبر كافة التوجهات السياسية، مؤكدًا أن هذا الهدف الأول، حيث قال “أنا اليوم هنا، لا لأكون مجرد رئيس، ولكن لأعيد بناء هذه الأمة لتكون أقوى من أي وقت مضى”. وأضاف: “سنكون أمة واحدة، أمة تعمل يدًا بيد من أجل النجاح، حيث لا مكان للانقسامات أو التعصب”.
وفي تعليقها على هذه النقطة، اعتبرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن الدعوة للوحدة لا تكفي وحدها، مشيرة إلى ضرورة اتخاذ خطوات ملموسة لتحقيقها. وقالت الصحيفة: “في ظل الانقسام السياسي العميق الذي يعصف بالبلاد، لم نلحظ أي تغيير جوهري في أسلوب ترامب الذي يثير الانقسامات بدلاً من الدعوة للتعاون. فالوحدة لا تكون بالكلمات فقط، بل من خلال سياسات شاملة”.
من جانب آخر، رأت صحيفة “فوكس نيوز، أن “الخطاب يحمل رسالة إيجابية نحو توجيه البلاد للتغلب على الانقسامات الداخلية، وعلقت: “يبدو أن ترامب اليوم يعبر عن لغة توحيدية قد تكون ضرورية بعد سنوات من الانقسامات العميقة”. أما “CNN”، فقد اعتبرت أن خطاب ترامب للوحدة يبدو بعيدًا عن الواقع السياسي. وعلقت: “رغم حديثه عن الوحدة، يواجه الرئيس تحديات هائلة لإقناع أطياف سياسية وشعبية واسعة بنواياه الحقيقية، خاصة بعد سنوات من السياسات المثيرة للجدل.
قضية الهجرة:
أكد ترامب في خطاب تنصيبه على موقفه الثابت بشأن الهجرة، مشددًا على أهمية تأمين حدود البلاد. فقد قال “ترامب”: “أمريكا أولًا، ولن نسمح لأي تهديد أن يمس أمننا أو يستفيد من نظام الهجرة الضعيف”. كما أضاف الرئيس المنتخب، أنه سيواصل بناء الجدار الحدودي مع المكسيك، بما في ذلك توسيع الجدار في ولاية تكساس. وعليه، انتقدت صحيفة “نيويورك تايمز” هذا النهج بشدة، معتبرة أنه يتجاهل القيم الإنسانية التي تأسست عليها أمريكا. وذكرت الصحيفة: “من المؤسف أن تُعالَج قضايا الهجرة بهذا الشكل، خاصة أن الهجرة جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي للولايات المتحدة.” وأضافت أن هذه السياسات قد تزيد من الانقسامات بدلاً من إيجاد حلول واقعية.
في المقابل، دعمت صحيفة “فوكس نيوز” سياسات ترامب، معتبرة أن تعزيز الحدود وتنظيم قوانين الهجرة سيساهم في تعزيز الأمن القومي. قالت الصحيفة: “تؤكد هذه التصريحات على التزام ترامب بحماية الشعب الأمريكي من تهديدات الهجرة غير الشرعية، مما قد يساعد على استقرار البلاد على المدى البعيد.” أما “CNN”، فقد أثارت تساؤلات حول مدى فاعلية هذه السياسات، قائلة: “التركيز على بناء الجدران يعكس نهجًا أحاديًا لمعالجة قضية معقدة مثل الهجرة، في حين أن الحلول الأوسع تتطلب إصلاحًا شاملاً لنظام الهجرة الأمريكي بأكمله.”
الاقتصاد والوظائف:
في خطابه أعاد “ترامب” التأكيد على ضرورة استمرارية تخفيض الضرائب على الشركات الكبرى، مؤكدًا أن ذلك سيسهم في تعزيز الاقتصاد الأمريكي. وقال: “لقد أعادت سياستي الاقتصادية أمريكا إلى مكانتها الريادية، ونحن ماضون في خفض الضرائب لدعم الطبقة الوسطى وتعزيز صناعة الطاقة”. كما أشار إلى خطط لتوسيع الصناعات المحلية مثل الفولاذ والسيارات. وعليه، انتقدت صحيفة “نيويورك تايمز” هذه السياسات، قائلة إنها قد تؤدي إلى زيادة العجز الفيدرالي في وقت تعاني فيه البلاد من ضغوط على الخدمات العامة. وذكرت الصحيفة: “بينما قد تكون هذه السياسات مفيدة لبعض الشركات الكبرى، إلا أنها لا تعالج الفجوة الواسعة بين طبقات المجتمع.”
من جهة أخرى، أشادت صحيفة “فوكس نيوز” بتوجه ترامب، معتبرة أن تخفيض الضرائب سيسهم في تحفيز الاقتصاد الأمريكي. فقد قالت الصحيفة: “هذه السياسات ستمكن الشركات الأمريكية من العودة إلى الوطن، مما سيخلق فرص عمل جديدة ويعزز القدرة التنافسية.” أما “CNN”، فقد تناولت التداعيات المحتملة لتخفيض الضرائب بواقعية، قائلة: “رغم أن هذه السياسات قد تؤدي إلى بعض الانتعاش في القطاع الصناعي، إلا أن مخاوف العجز الفيدرالي وغياب رؤية شاملة لدعم الطبقات الأقل حظًا يثير تساؤلات حول استدامة هذا النهج الاقتصادي”.
الأمن الوطني والقوة العسكرية:
في خطابه أعلن ترامب عن خطط لزيادة الإنفاق العسكري وتعزيز قدرة الولايات المتحدة الدفاعية. قالًا: “قواتنا المسلحة ستكون الأقوى في تاريخ العالم، وسنبقى صامدين في وجه أي تهديد”. كما أشار إلى تعزيز الأسلحة النووية والدفاعات الصاروخية. وعليه، يمكن التأكيد على أن صحيفة “نيويورك تايمز” كانت حذرة في تقييم هذه السياسات، مشيرة إلى أن الزيادة في الإنفاق العسكري قد تؤدي إلى تفاقم الديون الوطنية. كما قالت الصحيفة: “في وقت تعاني فيه البلاد من تحديات اقتصادية، فإن تخصيص المزيد من الأموال لصالح الدفاع قد يُعتبر خطوة غير حكيمة.”
أما صحيفة “فوكس نيوز”، فقد دافعت عن هذه السياسات، معتبرة أن تعزيز القوة العسكرية أمر ضروري في مواجهة التهديدات من قوى مثل الصين وروسيا. وقالت الصحيفة: “هذه الخطوات ضرورية للحفاظ على الأمن الوطني وضمان تفوقنا العسكري في الساحة العالمية.” أما “CNN”، فقد أشارت إلى أن الإنفاق العسكري الكبير قد يحمل تداعيات اقتصادية وسياسية. وقالت: “زيادة الإنفاق الدفاعي قد تعزز موقف أمريكا عالميًا، لكنها قد تفتح أيضًا الباب لسباق تسلح جديد مع القوى الكبرى مثل روسيا والصين”.
قناة بنما (panama canal):
في حديثه، أكد ترامب على ضرورة تعزيز النفوذ الأمريكي في قناة بنما، وهي نقطة استراتيجية هامة في التجارة العالمية. قالًا: “سنتأكد من أن قناة بنما ستظل تحت سيطرة مصالحنا الوطنية، وسنعمل على تطويرها لصالح الاقتصاد الأمريكي”. وأضاف أن الولايات المتحدة ستسعى لتوسيع التبادل التجاري عبر هذه القناة الحيوية. وعلقت عليه صحيفة “نيويورك تايمز” معتبرة أن هذه الخطوة، قد تثير قلق دول أمريكا اللاتينية، حيث قالت: “أي محاولة لزيادة النفوذ الأمريكي في قناة بنما قد تُحدث توترات مع دول المنطقة.”
في حين أن “CNN” كانت أكثر حذرًا في تقييمها، مشيرة إلى أن العلاقة مع دول أمريكا اللاتينية تحتاج إلى مزيد من العمل الدبلوماسي لتعزيز الثقة. وعلقت معنونة: أنه “رغم أهمية قناة بنما، فإن التحديات السياسية في المنطقة تتطلب سياسات ذكية ومستدامة لضمان التعاون الفعلي”.
نائب الرئيس جي دي فاناس:
في خطابه أعلن ترامب عن تعيين جي دي فاناس نائبًا للرئيس، مشيرًا إلى أنه سيكون له دور رئيسي في تعزيز الأجندة السياسية خلال الولاية الثانية. وقال إن “جي دي فاناس سيكون شريكًا حقيقيًا في قيادة هذه الأمة نحو نجاحات غير مسبوقة، فهو شخص ذو رؤية واضحة لمستقبل أمريكا ويستحق هذه المسؤولية.” وتعليقا على هذا أشادت صحيفة “فوكس نيوز” بتعيين فاناس، واعتبرت أنه يمثل تقدمًا في قيادة الولايات المتحدة نحو استعادة القوة. فقد قالت الصحيفة إن “فاناس معروف بمواقفه الثابتة تجاه القضايا الداخلية والخارجية لأمريكا، وهو إضافة قوية لفريق ترامب في المرحلة القادمة.” أما “CNN”، فقد ركزت على التحديات التي قد تواجه بنس، قائلة إنه “مع وجود خلافات داخلية بين الحزب الجمهوري، سيكون على بنس لعب دور رئيسي في توحيد الرؤية داخل الإدارة”.
في الختام، يمكن القول إن خطاب ترامب في حفل تنصيبه، يشير إلى أنه- أي ترامب عاد ليؤكد من جديد على رسالته الرئيسية حول “إعادة العظمة لأمريكا”. فقد وأوضح قائلاً: “نحن على أعتاب بداية جديدة ستعيد أمريكا إلى مكانتها الرفيعة. سنكون أقوى، أغنى، وأكثر تأثيرًا من أي وقت مضى”. لكن حتى هذه الرسالة التعميمة الشاملة لم تسلم من قراءة وتحليل صحف أمريكا، فقد اعتبرت صحيفة “فوكس نيوز” أن هذا الخطاب في مجمله، يمثل بداية فصل جديد للولايات المتحدة في ظل قيادة ترامب، حيث علقت: “ترامب يخطو خطوة جريئة نحو تنفيذ السياسات التي ستعيد أمريكا إلى القمة”. على النقيض، انتقدت صحيفة “نيويورك تايمز” هذه التصريحات، مشيرة إلى أن العودة إلى العظمة لا تتم إلا من خلال تبني قرارات أكثر توازنًا في السياسة الداخلية والخارجية. وأضافت: “من أجل إعادة أمريكا إلى العظمة، يجب على ترامب أن يتجاوز الشعارات ويركز على معالجة القضايا الحقيقية التي يعاني منها الأمريكيون.” من جانبها، علقت “CNN” بأن الخطاب كان طموحًا ومليئًا بالوعود، لكنها أضافت: “التحدي الأكبر يكمن في قدرة الإدارة على تنفيذ هذه الرؤية وسط انقسامات سياسية وتحديات اقتصادية داخلية وخارجية”.
___________________________-
الباحثة اعتمدت في قرأتها على وسائل الإعلام الأمريكية لعدد من الصحف الصادرة في اليوم التالي لحفل تنصيب ترامب، مركزة على ما عنونته وسائل الإعلام The New York times ،Fox news ،CNN