ما مهددات الانخراط التركي في القرن الأفريقي؟

تلعب تركيا في الآونة الأخيرة دورًا متزايدًا في القرن الأفريقي نظرًا لأهمية موقعه الاستراتيجي المتحكم في ممرات التجارة العالمية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وذلك من خلال قيامها بتعزيز شراكاتها الاقتصادية والعسكرية مع دول المنطقة، فضلاً عن قيام أنقره بلعب دور الوساطة بين الصومال وإثيوبيا لجعل نفوذها قوة إقليمية مؤثرة وللحفاظ علي مصالحها وتعزيز علاقاتها مع دول القرن الأفريقي بشكل خاص وأفريقيا بشكل عام، بالإضافة إلي توقيع أنقره اتفاقيات تعاون دفاعي مع كل من الصومال وجيبوتي في فبراير 2024، وتجدر الإشارة إلي أن السياسة الخارجية التركية اتجهت لسياسة الانفتاح على إفريقيا منذ عام 2005، ومن ثم بات القرن الأفريقي ضمن استراتيجيات تركيا لتعميق وتعزيز علاقاتها في المنطقة، خاصة في ظل تنافس القوي الكبري على إقامة مواطئ قدم لها في القرن الأفريقي لخدمة مصالح بلادهم. وعليه، تُثار التساؤلات حول دوافع تركيا من منطقة القرن الأفريقي، ومدي قدرتها على تعزيز وجودها في المنطقة في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها أنقرة علي الرغم من تنامي دورها في القرن الأفريقي.
أبعاد متعددة:
تهدف تركيا إلي تعزيز وجودها في منطقة القرن الأفريقي، نظرًا لما تتمتع به المنطقة من موقع استراتيجي حيوي والذي يطل على مضيق بابا المندب وخليج عدن والبحر الأحمر، فضلاً عن الموارد الطبيعة، لذلك هناك أبعاد أمنية وعسكرية وسياسية و استراتيجية وجيوسياسية تسعي أنقرة إلي تحقيقها من خلال تواجدها في منطقة القرن الأفريقي، ويمكن توضيح أبزها فيما يلي:
(*) البعد الأمني والعسكري: ترغب تركيا في تعزيز التنسيق الأمني مع دول القرن الأفريقي لمكافحة التنظيمات الإرهابية في المنطقة مثل حركة الشباب الصومالية والقرصنة، فضلاً عن دعم انتشاها العسكري في خليج عدن والبحر الأحمر من خلال إقامة قواعد عسكرية ومراكز تدريب لكسب موطئ قدم عسكري لها في المنطقة، كما تطمح تركيا في أن تصبح موردًا لمبيعات الأسلحة في القرن الأفريقي لحماية وتعزيز نفوذها في المنطقة، لذلك تسعي أنقرة لتحقيق الاستقرار الأمني في القرن الأفريقي لتعزيز أمنها القومي وتأمين مصالحها الاقتصادية والسياسية ومنع تدفق الأزمات إلي أراضيها. وعليه، قامت تركيا بتوقيع اتفاقيات تعاون دفاعي وأمني مع دول القرن الأفريقي لا سيما الصومال وجيبوتي وإثيوبيا.
1-الصومال: قامت تركيا في فبراير 2024 بتوقيع اتفاقية إطارية للتعاون الاقتصادي والعسكري مع مقديشو خلال اجتماع وزير الدفاع التركي مع نظيره الصومالي في أنقرة، وتضمن هذه الاتفاقية لتركيا نفوذًا عسكريًا شبة كامل على الصومال سواء برًا أو بحرًا أو جوًا، في مقابل دعم الصومال في جهود مكافحة التهديدات الخارجية والإرهاب والقرصنة والصيد البحري غير القانوني لحماية سواحل الصومال ومياهه الإقليمية، وذلك من خلال قوة عسكرية مشتركة بين البلدين، وهذه الاتفاقية لم تكن الأولي بين مقديشو وأنقرة، حيث بدأت أنقرة في التواجد العسكري في الصومال في عام 2017، إذ قامت بإنشاء أول وأكبر قاعدة عسكرية لها في إفريقيا والمتمثلة في معسكر “توركسوم” في مقديشو، وتهدف هذه القاعدة بالأساس إلي حماية المصالح التركية في الصومال وتعزيز الصناعات العسكرية التركية في المنطقة لتعزيز سوق الأسلحة التركية في إفريقيا، في مقابل دعم الجيش الصومالي في حربه ضد حركة الشباب، لذلك قامت تركيا في 2022 بتنفيذ ضربات بمُسيرات ضد حركة الشباب الصومالية، فضلاً عن قيامها في إبريل 2023 ببيع مسيرات من طراز بيرقدار TB-2 إلى مقديشو لمحاربة حركة الشباب.
2-جيبوتي: قام وزير الدفاع التركي ونظيره الجيبوتي في فبراير 2024 بتوقيع ثلاث اتفاقيات تعاون مع جيبوتي تشمل التدريب العسكري والتعاون المالي والعسكري، وبروتوكول تنفيذ المساعدات النقدية، وقد يكون الهدف الأساسي من هذه الاتفاقية هو التمهيد لإقامة قاعدة عسكرية لوجستية لتركيا في جيبوتي المطلة على مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وفي يونيو 2022 قامت تركيا بإعطاء جيبوتي طائرات بدون طيار من طراز بيرقدار TB-2.
3-إثيوبيا: وقعت أنقره و إثيوبيا في أغسطس 2021 على صفقة أسلحة لتزويد أديس أبابا بمجوعة من المُسيرات التركية من نوع بيرقدار TB-2 من أجل تعزيز قدراتها العسكرية لكي تتمكن من محاربة جبهة تحرير تيجراي، وفي عام 2020 زادت الصادرات التركية من الأسلحة إلى أديس أبابا من 203 آلاف دولار إلي 51 مليون دولار في عام 2021، وفي مايو 2013 وقعت البلدين اتفاقية دفاع مشتركة ودخلت حيز التنفيذ في مارس 2015، وتتضمن هذه الاتفاقية تعزيز التعاون بين أنقرة ومقديشو في مجال الصناعات الدفاعية، فضلاً عن دعم تركيا للجيش الإثيوبي، بالإضافة إلي تقديم أنقرة صفقة أسلحة لإثيوبيا تقدر بحوالي مليار دولار.
(*) البعد الاقتصادي: تسعي تركيا لتعزيز تجارتها واستثماراتها في دول القرن الأفريقي من خلال انتهاز الفرص الاستثمارية في مشاريع البنية التحتية والتجارة مع دول القرن الأفريقي، كما تسعي أنقرة لتوسيع أسواقها من خلال تصدير السلع والخدمات إلى دول القرن الأفريقي وزيادة مستوي التبادل التجاري، ووفقًا للاتفاقية الإطارية للتعاون الاقتصادي الموقعة بين تركيا والصومال في مجال النفط والغاز في مارس 2024، والتي تتضمن مساعدة تركيا في استخراج البترول والغاز الطبيعي من المياه الإقليمية الصومالية لمدة عشر سنوات، سوف تحصل أنقرة على 30% من عائدات المنطقة الاقتصادية للصومال، فضلاً عن اتفاقية استكشاف وإنتاج الهيدروكربون الموقعة بين أنقرة ومقديشو في يوليو 2024، بالإضافة إلى إرسال سفينة التنقيب “عروج ريس” لاستكشاف مناطق النفط البحرية الصومالية.
وتجدر الإشارة إلي توقيع تركيا اتفاقية مع جيبوتي في عام 2016 لبناء منطقة اقتصادية حرة على البحر الأحمر بمساحة 5 م2، وترغب تركيا من خلال تلك الاتفاقيات في تحقيق اكتفائها في مجال الطاقة من خلال تنويع إمداداتها النفطية وتأمين مصادر طاقة مستدامة، ومن ثم تقليل اعتمادها على مصادر الطاقة من روسيا وإيران، خاصة وأن أنقرة تستورد 90 % من احتياجاتها من النفط والغاز بتكلفة 42 مليار دولار سنويًا، لذلك تسعي تركيا للحصول على الطاقة من إفريقيا التي تمتلك 10% من الاحتياطي العالمي للبترول.
علاوة على ما سبق، سوف تقوم تركيا بإنشاء قاعدة لإطلاق الأقمار الصناعية في مقديشو وفقًا لتصريحات الرئيس الصومالي، مؤكدًا أن هذه القاعدة تتجاوز قيمتها 6 مليارات دولار من الاستثمارات، وقد تساعد هذه القاعدة أنقرة في اختبار الصواريخ بعيدة المدي واستكشاف الفضاء، الأمر الذي قد يمكنها من تعزيز علاقاتها مع دول القرن الأفريقي، وفي المقابل تتمكن مقديشو من زيادة الاستثمار وتوفير فرص العمل.
كما حرصت أنقرة على تعزيز علاقاتها مع إثيوبيا، إذ قامت تركيا باستثمار 2.5 مليار دولار في إثيوبيا من أصل 6 مليارات من استثمار الشركات التركية في إفريقيا وتحديدًا منطقة الصحراء الكبري، الأمر الذي جعلها تحصد المركز الثالث بعد الصين والسعودية ضمن أكبر المستثمرين في أديس أبابا.
(*) البعد السياسي: تتطلع تركيا إلي تعزيز علاقاتها مع الدول الإفريقية من خلال توسيع علاقاتها الدبلوماسية وزيادة دورها في المنظمات الدولية، فضلاً عن سعي تركيا لدعم الأنظمة الحليفة لها في القرن الأفريقي، الأمر الذي يُمكن تركيا من لعب دور الوسيط أو الشريك الموثق به في القضايا الإقليمية وهو ما تقول به تركيا الآن من لعب دور الوسيط بين إثيوبيا والصومال، حيث قامت بعقد ثلاث جولات للتفاوض بين مقديشو وأديس أبابا؛ ولكن الجولتين الأولي والثانية من المحادثات لم تُجني أي نتائج، أما الجولة الثالثة من المفاوضات التي عقدت في 11 ديسمبر 2024، فقد انتهت باتفاق البلدين على بدء “مناقشات فنية” التي من المقرر البدء بها في نهاية فبراير القادم ولمدة أربع أشهر، وذلك لحل الخلافات القائمة بين البلدين على أثر توقيع “مذكرة التفاهم” بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال الانفصالي، ومن المقرر أن يتجه الرئيس التركي في يناير الجاري إلي كل من مقديشو وأديس أبابا لمتابعة تنفيذ الاتفاق، مما يزيد من استقرار تلك الدول، ومن ثم يعزز من نفوذ أنقرة في المنطقة.
يضاف إلي ما سبق، حضور تركيا الاجتماع الوزاري التركي-الأفريقي الثالث في نوفمبر 2024 بدولة جيبوتي مع 14 دولة إفريقية، ويأتي هذا المؤتمر ضمن مجموعة من الخطوات التي اتخذتها تركيا لتعزيز علاقاتها بإفريقيا، فضلاً عن زيارة الرئيس التركي لأكثر من 30 دولة إفريقية في الفترة من 2008 و 2023، بالإضافة إلي إقامة أنقرة علاقات دبلوماسية مع 49 دولة من أصل 54 دول إفريقية في مطلع 2024، الأمر الذي جعل تركيا تحتل المركز الرابع من ضمن الدول الأكثر تمثيلاً دبلوماسيًا في إفريقيا، بعد الولايات المتحدة والصين وفرنسا.
(*) البعد الاستراتيجي والجيوسياسي: تسعي تركيا لتعزيز نفوذها كقوة إقليمية مؤثرة، خاصة في ظل وجود قوي كبري مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة، كما ترغب أنقرة في تأمين ممرات بحرية نظرًا لأهمية الموقع الاستراتيجي لمنطقة القرن الأفريقي لقربه من المحيط الهندي والبحر الأحمر، مما يتيح لتركيا قدرة على التأثير على التجارة البحرية العالمية، ومن ثم الوصول إلى أسواق جديدة في إفريقيا والشرق الأوسط، لذلك تعد الممرات جزءًا كبيرًا من استراتيجيات أنقرة الجيوسياسية في المنطقة.
تحديات قائمة:
بناءً على ما تقدم وبالرغم من الجهود التي تبذلها أنقرة لتعزيز وجودها في منطقة القرن الأفريقي، إلا أنها أمام تحديات كبري داخلية وخارجية، خاصة في ظل التحديات الأمنية والتنافس الدولي والإقليمي الذي تشهده المنطقة، يمكن توضيح أبرزها تلك التحديات في الآتي:
(&) التحديات الداخلية: بالرغم من أن تركيا خلال العامين الماضين نجحت في تحقيق نموًا اقتصاديًا ملحوظًا، وتمكنت من تعزيز وجودها في منطقة القرن الأفريقي من خلال عقد الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية لا سيما مع الصومال وجيبوتي وإثيوبيا، إلا أنها قد تواجه تحديات داخلية، خاصة وأن الاقتصاد التركي مُذبذب، لذلك قد تعاني تركيا من تحديات اقتصادية كبري؛ لأن تركيا قد تحتاج إلى استثمارات كبيرة لدعم مشاريعها في الصومال والقرن الأفريقي بشكل عام، مما قد يمثل ضغطًا كبيرًا على مواردها في ظل الأزمات العالمية والحرب المشتعلة، وقد يؤثر ذلك على قدراتها لدعم وتعزيز شراكاتها واستثماراتها في القرن الأفريقي، فضلاً عن أن الحركات الانفصالية الإرهابية داخل أنقرة قد تضعف قدرة الدولة على توجيه مواردها وقدرتها نحو الخارج، وفي حال قامت السياسة الداخلية التركية بترتيب أولوياتها، فمن المُحتمل أن تحدث تغييرات في السياسة الخارجية متمثلة في التركيز على القرن الأفريقي بشكل خاص.
(&) التحديات الخارجية: بجانب التحديات الداخلية التي تواجها أنقرة لتعزيز وجودها في القرن الأفريقي هناك بعض التحديات الخارجية، يمكن توضيح أبرزها فيما يلي:
(-) التنافس الإقليمي والدولي: تواجه تركيا تنافس إقليمي ودولي من دول مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة والسعودية وقطر، فتلك الدول تسعي لتعزيز نفوذها في القرن الأفريقي، الأمر الذي يزيد من حدة المنافسة في المنطقة، وبخاصة في دولة الصومال التي تواجه تنافس دولي وإقليمي في ظل معاناتها من توترات داخلية مع الحكومة الإقليمية في بونتلاند، كما قامت الإمارات بخفض التمويل الذي تقدمه إلى الجيش الصومالي وقد يرجع السبب إلى تزايد التعاون التركي في الصومال بعد عقد اتفاقية الدفاع بين البلدين، وفي مقديشو لم تكن تركيا القوة الوحيدة المتواجدة في البلاد، ففي فبراير 2024 وقعت مقديشو مذكرة تفاهم مع واشنطن لتأسيس خمس قواعد عسكرية جديدة في البلاد، فضلاً عن زيادة تدريب اللواء “داناب” التابع لها، بالإضافة إلى دور قطر والمملكة المتحدة والصين في مقديشو. وعلية، فإن التأثيرات الخارجية والمنافسة الدولية والإقليمية، والتوترات الداخلية في الصومال، قد تتسبب في عرقلة الاتفاقيات الموقعة بين أنقرة ومقديشو، ومن ثم عرقلة وجودها في منطقة القرن الأفريقي بشكل عام كون الصومال تُعد بوابة النفوذ التركي في المنطقة.
(-) تدهور الأوضاع الأمنية في القرن الأفريقي: تعاني معظم دول القرن الأفريقي من أزمات سياسية وصراعات داخلية مثل الصراع بين الصومال وإثيوبيا على آثر “مذكرة التفاهم” الأمر الذي يجعل التعاون مع تلك الدول أكثر تعقيدًا، ومن ثم صعوبة تنفيذ استراتيجيات أنقرة بفعالية في المنطقة، فضلاً عن تهديدات حركة الشباب الصومالية، بالإضافة إلى التوترات بين الحكومة الصومالية الفيدرالية والحكومة الإقليمية لمنطقة بونتلاند، كل تلك الأزمات تضع تركيا أمام تحديات صعبة يصعب التغلب عليها بسهولة، خاصة وأن منطقة القرن الأفريقي لا تخلو من الأزمات، كما أن زعزعة الاستقرار في المنطقة قد يتسبب في خسائر كبيرة في المصالح التركية، وتحديدًا في وقت تسعي فيه تركيا للاستثمار في مجال الهيدروكربونات من خلال اتفاقها مع الصومال، لذلك فإن الأهداف والمصالح التركية تعتمد على استقرار الوضع الأمني في المنطقة. وعليه، تكثف تركيا من جهود الوساطة التركية بين مقديشو وأدبس أبابا للحفاظ على مصالحها.
(-) العلاقات الدبلوماسية: تتطلب السياسة الخارجية لتركيا بذل مجهود مضاعف لبناء علاقات قوية مع دول القرن الأفريقي بشكل خاص والدول الأفريقية بشكل عام، فضلاً على الحفاظ على علاقاتها الدبلوماسية مع مصر تحديدًا، خاصة وأن التواجد المصري في الصومال ضمن اتفاقية التعاون الدفاعي، قد يترتب عليها تضارب في المصالح والجهود المبذولة من القاهرة وأنقرة، لذلك لابد من التنسيق والتعاون بين الدولتين لمنع تضارب المصالح التي قد تؤدي إلى قطع العلاقات مجددًا بعد سنوات من القطيعة، خاصة وأن منطقة القرن الأفريقي مهمة بالنسبة لمصر في قضيتها المتعلقة بسد النهضة مع إثيوبيا، لذلك فإن التحدي الأكبر بالنسبة لإثيوبيا هو تحقيق التوازن والحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في إفريقيا دون إحداث أي توترات مرة أخري مع مصر.
مستقبل محدد:
بالرغم من التحديات التي تواجهها تركيا إلا أنها نجحت في لعب دورًا محوريًا في القرن الأفريقي، حيث تمكنت تركيا من إثبات نفسها عسكريًا واقتصاديًا في المنطقة إلي حد كبير من خلال الاتفاقيات الدفاعية والاقتصادية المُوقعة مع الصومال وجيبوتي، ومن المُتوقع أن تشهد المرحلة المُقبلة حضورًا متزايدًا لتركيا في المنطقة. ومع ذلك، فإن أنقرة قد تكون المُستفيد الأكبر من تلك الاتفاقيات، خاصة وأن دول القرن الأفريقي تعاني من صراعات داخلية وإثنية قد تجعلها تُنفق عائدات الاتفاقيات على صفقات الأسلحة التركية.
وفي حال استمرت التوترات في القرن الأفريقي، فمن المُرجح أن تؤثر على مستقبل التمدد العسكري بالشكل التي تطمح تركيا في تعزيزه في المنطقة، لذلك يتوقف تحقيق طموحاتها ومصالحها في القرن الأفريقي إلى حد كبير على دور الوساطة بين الصومال وإثيوبيا وإبقاء البيئة الأمنية للمنطقة مستقرة، ووفقًا للمراقبين، ففي حال لم تتمكن أنقرة من النجاح في الوساطة بين الدولتين، فقد تضطر إلى تحقيق التوازن في علاقاتها مع مقديشو وأديس أبابا، وقد تعزز من علاقاتها بشكل أكبر مع الصومال للحفاظ على مصالحها كون مقديشو تتمتع بموقع استراتيجي حيوي.
أما في حال تمكنت أنقرة من إنجاح الوساطة بين البلدين، فقد يمثل تلك الدور نجاحًا دبلوماسيًا فارقًا في نفوذها المتنامي في المنطقة، ومن ثم الوثوق بها كشريك إقليمي مهم ومؤثر قادر على التوسط في الأزمات.
وعلاوة على ما سبق، فمن المتوقع أيضًا أن تستمر أنقرة في التعاون بشكل كبير مع الصومال في ظل خطة التعاون في استكشاف الطاقة، فقد تشهد المرحلة المُقبلة بداية التعاون في بناء البنية التحتية لنقل الطاقة وتنفيذ الاتفاقيات المُوقعة بين أنقرة ومقديشو، خاصة وأن أنقرة لن تتخلى عن طموحاتها في أن تصبح مركزًا لتوزيع الطاقة، وتعُد الصومال جزء أساسي في تحقيق أهدافها، ووفقًا للمراقبين إذ نجحت أنقرة في استكشاف الطاقة، فقد تصبح أنقرة مصدرًا لنقل الطاقة الصومالية إلى الأسواق الأوروبية. كما أن تعزيز نفوذها في مقديشو بشكل خاص والقرن الافريقي بشكل عام قد يساعدها على توسيع نفوذها بشكل أكبر في القارة السمراء، وهو ما يحتاج بذل جُهودًا مضاعفة من أنقرة وتحديد أولويات سياستها الخارجية للتغلب على التحديات التي قد تقف عائقًا أمام تحقيق طموحاتها في القارة.
وختامًا، يمكن القول إن مستقبل تركيا في القرن الأفريقي بشكل خاص وإفريقيا بشكل عام يعتمد على التحديات والفرص المتاحة، كما يعتمد على قدراتها على تحقيق التوازن بين مصالحها الداخلية والاستجابة للاحتياجات المحلية، فضلاً عن كيفية التعامل الفعال مع التحديات المتعددة التي تواجها دول المنطقة.