متى تؤثر “بريكس” على هيمنة الدولار الأمريكي؟

كما قال الكاتب الفرنسي الكبير فيكتور هوجو، “لا يوجد شيء آخر في العالم، أقوى من فكرة حان وقتها”. لذلك تم نشر تقرير “تحسين النظام النقدي والمالي الدولي”، والذي شارك في تأليفه وزارة المالية في الاتحاد الروسي وبنك روسيا وشركة الاستشارات ياكوف وشركاؤه، وذلك عشية قمة بريكس في المنعقدة في قازان، روسيا خلال الفترة من من 22 إلى 24 أكتوبر.

وفي هذا السياق اقترحت روسيا وبصفتها رئيسة مجموعة بريكس لعام 2024، إنشاء مبادرة الدفع عبر الحدود لمجموعة بريكس (BCBPi ، حيث يستخدم أعضاء المنظمة عملاتهم الوطنية للتجارة، وهو ما يعد إعلان لتحدي هيمنة الدولار الأمريكي .كما ستنشئ مجموعة بريكس بنية أساسية بديلة للمراسلة للالتفاف على نظام سويفت للاتصالات بين البنوك، والذي تشرف عليه الولايات المتحدة ويخضع لعقوبات غربية أحادية الجانب. وسيشمل “نظام العملات المتعددة” آليات جديدة ليس فقط لإلغاء دولرة التجارة، ولكن أيضًا لتشجيع الاستثمار في أعضاء مجموعة بريكس وغيرها من الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، بما في ذلك منصة BRICS Clear، و”نظام جديد للمحاسبة والتسوية للأوراق المالية”، والأدوات المالية المقومة بالعملات الوطنية[1].

وسوف تقوم مجموعة بريكس بتجربة تكنولوجيا دفتر الأستاذ الموزع، وتعزيز استخدام العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs) حتى تتمكن الدول من تسوية اختلالات التوازن التجاري بشكل مباشر، دون الحاجة إلى نظام SWIFT والبنوك المراسلة الموجودة في دول ثالثة. كما أن هناك خطط لإنشاء بورصة حبوب بريكس ووكالة تسعير مرتبطة بها، مع مراكز للتجارة في السلع الأساسية مثل الحبوب والنفط والغاز الطبيعي والذهب، والتي يمكن استخدامها أيضًا لتسوية اختلالات التوازن التجاري[2].

نظرة تاريخية:

تأسست مجموعة بريكس في الأصل كتجمع للأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، يتألف من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا. وتوسعت المنظمة منذ ذلك الحين، وفي قمة بريكس لعام 2023 في جوهانسبرج بجنوب إفريقيا، تمت دعوة ست دول أخرى للانضمام: مصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأرجنتين. (كانت الحكومة الأرجنتينية ذات الميول اليسارية قد قبلت العرض في البداية، ولكن عندما تولى الزعيم اليميني المؤيد للولايات المتحدة خافيير ميلي السلطة في ديسمبر 2023، هاجم البريكس ورفض الانضمام). ويتم تناوب رئاسة بريكس على أساس سنوي، حيث تولت جنوب إفريقيا الرئاسة في عام 2023، وتلتها روسيا في عام 2024. وفي فبراير 2024، اجتمع وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية لمجموعة بريكس في ساو باولو بالبرازيل. حيث قال الممثلون الروس إنهم سيعدون تقريرًا “لزعماء دول بريكس بقائمة من المبادرات والتوصيات حول سبل تحسين النظام النقدي والمالي الدولي”. حيث يعتمد النظام الحالي على البنية التحتية المالية الغربية القائمة واستخدام العملات الاحتياطية.

ففي اجتماع فبراير هذا، أعلنت مجموعة بريكس عن خطط لإنشاء “منصة تسوية ودفع رقمية متعددة الأطراف” أطلقت عليها اسم BRICS Bridge، والتي “من شأنها أن تساعد في سد الفجوة بين الأسواق المالية لدول أعضاء مجموعة بريكس وزيادة التجارة المتبادلة[3]“.

الاحتكار الأمريكي:

ذكر تقرير رئاسة مجموعة بريكس الروسية، أن النظام النقدي والمالي الدولي ليس غير عادل فحسب، بل إنه غير فعال أيضاً، لأنه احتكار يعاني من “الاعتماد المفرط على عملة واحدة وبنية تحتية مالية مركزية”. وأشار التقرير إلى أن “النظام النقدي والمالي الدولي الحالي يخدم في المقام الأول مصالح الاقتصادات المتقدمة” – أي إلى حد كبير البلدان الغنية في الغرب. وعلاوة على ذلك، فإن “النظام النقدي والمالي الدولي الحالي يتميز بأزمات متكررة، واختلالات مستمرة في التجارة والحساب الجاري، ومستويات مرتفعة ومتزايدة من الدين العام، وتقلبات مزعزعة للاستقرار في تدفقات رأس المال وأسعار الصرف”.

إن الاحتكار الذي تمارسه الولايات المتحدة على النظام النقدي والمالي الدولي يضمن الطلب العالمي على الدولار، وبالتالي سمح لها بإدارة عجز هائل في الحساب الجاري لعقود من الزمن، في حين تسلح عملتها لخدمة مصالحها الجيوسياسية. كما تشن حكومة الولايات المتحدة حرباً اقتصادية في مختلف أنحاء العالم، وفرضت عقوبات أحادية الجانب على ثلث جميع البلدان، بما في ذلك 60% من الدول ذات الدخل المنخفض. كما استولت واشنطن وحلفاؤها في أوروبا على مئات المليارات من الدولارات من أصول خصومهم. وتضمن تقرير مجموعة بريكس قائمة بالدول التي جمّد الغرب احتياطاتها، بما في ذلك روسيا وفنزويلا وإيران وسوريا وليبيا وأفغانستان وكوريا الشمالية.

مؤسسات مالية ونقدية جديدة:

طرحت مجموعة بريكس مؤسسات مالية ونقدية بديلة عن مؤسسات بريتونوودز وهي للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والتي تم إنشاؤها في 1944 وعكست إرادة الدول الغربية في إنشاء نظام اقتصادي رأسمالي: وهذه المؤسسات التي طرحتها بريكس هي بنك التنمية الجديد واتفاقية الاحتياطي الطارئ في محاولة لتحويل النظام النقدي والمالي الدولي. كما اقترح التقرير الروسي إنشاء العديد من المؤسسات الجديدة، بما في ذلك مبادرة الدفع عبر الحدود لمجموعة بريكس، ومنصة بريكس كلير، وبورصة الحبوب لمجموعة بريكس. وتجدر الإشارة إلى أن بنك التنمية الجديد قد تأسس بهدف توفير التمويل لمشاريع البنية الأساسية في الدول النامية. وتعهد بنك التنمية الجديد بتقديم المزيد من القروض بالعملات الوطنية لأعضاء مجموعة بريكس، سعياً إلى إزالة الدولار تدريجياً.

لقد دعت الرئاسة الروسية لمجموعة بريكس إلى “زيادة قدرة بنك التنمية الجديد على التمويل بشكل كبير، جنبًا إلى جنب مع مراجعة متزامنة لمبادئه ومعايير التقييم لاختيار المشاريع بهدف توسيع خط أنابيب المشاريع”. ومع ذلك، كان هناك قدر أقل من التفاؤل بشأن اتفاقية الاحتياطي الطارئ. تم تصور هذه المؤسسة كمصدر بديل للسيولة للدول التي تواجه مشاكل في ميزان المدفوعات. ومع ذلك، منذ إنشائها، لم تكن اتفاقية الاحتياطي الطارئ نشطة للغاية، ويوضح الاقتراح الروسي أنها تعاني من الاعتماد على الدولار الأمريكي ونظام الرسائل بين البنوك SWIFT.

وهناك مصدر قلق خطير آخر بشأن وكالة إعادة التمويل المجتمعي يتمثل في أن عملياتها تخضع لإشراف صندوق النقد الدولي. وأشار التقرير إلى أن “المعاهدة التي أنشئت بموجبها وكالة إعادة التمويل المجتمعي تحد من حجم الموارد التي يمكن إطلاقها دون ترتيب مواز مع صندوق النقد الدولي بنسبة 30% من الحد الأقصى”، وأن أي صفقات يجب أن تتوافق “مع التزام صندوق النقد الدولي بالمراقبة والإفصاح”. علما بأن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تخضع لسيطرة القوى الغربية بشكل كامل. والولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تتمتع بحق النقض في كلتا المؤسستين .كما أن هناك اتفاق ضمني على أن كل رئيس للبنك الدولي هو مواطن أمريكي وكل مدير إداري لصندوق النقد الدولي هو أوروبي. وحتى الآن، استمر هذا النمط، حتى مع تغير الاقتصاد العالمي بشكل كبير. لكن كان هناك الكثير من الجدل حول ما إذا كانت مجموعة بريكس ستستطيع أن تنشأ وحدة حساب دولية لتحدي دور الدولار الأميركي كعملة احتياطية عالمية.

وفي الحقيقة، لم يدع تقرير روسيا المقدم إلى رئاسة مجموعة بريكس الروسية صراحة إلى إنشاء مثل هذه العملة الدولية، ولكنه أعرب عن اهتمامه بالمفهوم. وأشار التقرير إلى أن أقرب شيء موجود هو حقوق السحب الخاصة التي أصدرها صندوق النقد الدولي. وباعتبارها “أصل احتياطي بديل وحتى العملة العالمية الجديدة”، فإن حقوق السحب الخاصة لديها بالفعل إمكانات، كما ذكر التقرير، ولكن استخدامها “يظل محدودا”. حيث إن حقوق السحب الخاصة، التي تم إنشاؤها كأصل احتياطي دولي تكميلي، يمكن أن تلعب دورا أكبر”، وأصروا على “ضرورة بذل الجهود فيما يتعلق باستخدام حقوق السحب الخاصة في الاقتصاد الحقيقي”. ومع ذلك، فإن حقوق السحب الخاصة تواجه مشكلة. فقيمتها تستند إلى سلة من خمس عملات رئيسية: الدولار الأميركي، واليورو، والجنيه الإسترليني، والين الياباني، واليوان الصيني. وبالتالي، حتى لو لم يكن من الممكن تجميد أو مصادرة احتياطيات دولة ذات سيادة من حقوق السحب الخاصة، كما فعل الغرب مع خصوم يحملون سندات الخزانة، فإن أخذ القروض المقومة بحقوق السحب الخاصة لا يزال يشكل خطراً على سعر الصرف.

وعموما، يمكن لحقوق السحب الخاصة أن تساعد في القضاء على المخاطر المتأصلة في العملة السيادية القائمة على الائتمان وتمكين إدارة السيولة العالمية. وعندما لا تُستخدم عملة دولة ما كمقياس للتجارة العالمية وكمعيار للعملات الأخرى، فإن سياسة سعر الصرف في الدولة ستكون أكثر فعالية في تعديل الاختلالات الاقتصادية. وهذا من شأنه أن يقلل بشكل كبير من مخاطر الأزمة المستقبلية ويعزز القدرة على إدارة الأزمات.

بريكس والمؤسسات المالية:

اعتبارًا من عام 2023، تشكل دول بريكس الخمس الأصلية 32٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (مقاسًا بتعادل القوة الشرائية)، لكنها لا تمتلك سوى 13.54٪ من أسهم التصويت في صندوق النقد الدولي.من ناحية أخرى، تمتلك دول مجموعة السبع 41.27٪ من أسهم التصويت في صندوق النقد الدولي، على الرغم من حقيقة أنها تشكل 30٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (تعادل القوة الشرائية).

وقد بدأت الصين في الإبلاغ عن الاحتياطيات الدولية وميزان المدفوعات وبيانات موقف الاستثمار الدولي بحقوق السحب الخاصة والرنمينبي. كما أصدرت سندات مقومة بحقوق السحب الخاصة”، ومع ذلك، لم يبدأ المشاركون في السوق (على النقيض من الحكومات السيادية) في استخدام حقوق السحب الخاصة كوحدة حساب، ولا تزال البنية الأساسية للسوق لحقوق السحب الخاصة بعيدة المنال”.

وملخص الأمر، أن اقتراح رئاسة مجموعة بريكس الروسي قد أعرب عن دعم مشروط لفكرة وحدة حساب دولية مثل حقوق السحب الخاصة ودعا إلى “تعزيز استخدام حقوق السحب الخاصة في التجارة الدولية، وتسعير السلع الأساسية، والاستثمار عبر الحدود، والمحاسبة”؛ و”خلق المزيد من الأصول المالية المقومة بحقوق السحب الخاصة لتكون بمثابة أداة استثمارية”؛ و”إعادة تقييم وتعزيز دور حقوق السحب الخاصة كأصل احتياطي دولي، شريطة أن تكون التدابير الرامية إلى زيادة استخدامها في الاقتصاد الحقيقي ووسائل تبادلها ناجحة”.ولكن حقيقة أن حقوق السحب الخاصة يديرها صندوق النقد الدولي تعني أنها من غير المرجح أن تكون بديلاً جدياً في الأمد القريب، ما لم يتحول صندوق النقد الدولي نفسه بشكل أساسي.

إلغاء ظاهرة الدولرة في الاستثمارات والاحتياطيات:

وهنا لابد من التمييز بين إلغاء الدولرة في المدفوعات عبر الحدود من ناحية وإلغاء الدولرة في المدخرات والاستثمار من ناحية أخرى.في النظام المالي الدولي، لا تشكل التجارة في السلع سوى نسبة صغيرة من إجمالي المعاملات؛ حيث تنطوي الغالبية العظمى منها على تدفقات رأس المال إلى داخل وخارج السندات والأسهم وسوق الصرف الأجنبي، إلى جانب مئات تريليونات الدولارات من المشتقات المالية القائمة (الرهانات المالية) –  حيث بلغ 715 تريليون دولار اعتبارًا من يونيو 2023.

وفي المقابل، بلغ إجمالي التجارة العالمية في السلع في عام 2023 23.8 تريليون دولار وفقًا لمنظمة التجارة العالمية. وحسبت الأونكتاد أن التجارة العالمية في السلع في عام 2022 كانت حوالي 25 تريليون دولار، والتجارة العالمية في الخدمات كانت 6.5 تريليون دولار. وبعبارة أخرى، هناك فارق كبير بين التجارة العالمية والمعاملات المالية العالمية. ونظراً لهذا التفاوت الهائل، فمن الأسهل إزالة الدولرة من التجارة الدولية في السلع مقارنة بإزالة الدولرة من المدخرات والاستثمارات.ومع ذلك، اقترح تقرير رئاسة مجموعة بريكس الروسية أفكاراً حول كيفية القيام بالأمرين. هذا بالإضافة إلى الدعوة إلى إنشاء منصة BRICS Clear اللامركزية، دعا التقرير إلى “تطوير مركز استثماري في قارة دولة عضو في المنصة”، مع “أشكال جديدة من إصدار الديون بدلاً من السندات المقومة باليورو – المقومة ربما بالعملات الوطنية للدول المشاركة”.

وعليه، يجب على مجموعة بريكس أن تخلق “بديلاً لـ ANNA (رابطة وكالات الترقيم الوطنية)” والذي “سيسمح بتعيين وصيانة رموز ISIN وCFI وFISN الدولية للأدوات المالية المقومة بالعملات الوطنية للدول الأعضاء في مجموعة بريكس”. كما يتعين علي دول بريكس جعل “عملات الدول الأخرى (أو سلة من هذه العملات) أكثر جاذبية كمخزن للقيمة” وذلك من خلال إنشاء آليات توفير السيولة وتعزيز “انتشار أدوات الدخل الثابت المقومة بالعملات المحلية لتكون بمثابة أداة استثمارية”.

الحاجة إلى نظام اقتصادي دولي جديد:

شكلت الأسواق الناشئة 50.1٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي اعتبارا من عام 2023، فضلاً عن 66٪ من نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي في السنوات العشر السابقة (عند قياسه على أساس تعادل القوة الشرائية. كنا شكلت الدول الخمس الأصلية في مجموعة بريكس 32٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (تعادل القوة الشرائية) في عام 2024. وهذا أكبر من حصة الناتج المحلي الإجمالي العالمي لمجموعة السبع. وعليه، تنعكس هذه التغييرات جزئيًا في التحول في تدفقات التجارة الدولية. في عام 1995، كانت 10٪ فقط من تجارة السلع العالمية تتكون من التجارة بين الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية (EMDEs)؛ اعتبارًا من عام 2022، ارتفع هذا الرقم إلى 26٪؛ وقدر التقرير أنه سيصل إلى 32٪ بحلول عام 2032.

واعتبارًا من عام 2022، يتدفق 11% فقط من الاستثمار العالمي من الاقتصادات الناشئة والنامية إلى اقتصادات ناشئة ونامية أخرى، وقد ارتفع هذا الرقم بالكاد من 8% في عام 2010. ولا تزال الغالبية العظمى من الاستثمار العالمي تتدفق من الاقتصادات المتقدمة إلى الاقتصادات المتقدمة الأخرى: 63% في عام 2022. وقد انخفض هذا قليلاً من 72% في عام 2010، لكن الانخفاض ضئيل عندما نأخذ في الاعتبار أن الاقتصادات الناشئة والنامية شكلت 66% من النمو العالمي في نفس الفترة الزمنية.

إن هيكل النظام النقدي والمالي الدولي الحديث يخدم مصالح دول الشمال العالمي الغنية، التي استعمرت العالم، على حساب معظم البلدان ذات الدخل المنخفض في الجنوب العالمي، التي كانت مستعمرة. ولقد توصل الاقتصاديان في مختبر عدم المساواة العالمي، جاستوننيفاس وأليس سودانو، إلى مثل هذا الاستنتاج في ورقة بحثية نُشرت في أبريل 2024 تشير إلى أن الفجوة بين العائدات على الأصول الأجنبية والعائدات على الالتزامات الأجنبية – قد زاد بشكل كبير بالنسبة لأغنى 20٪ من البلدان (المرجحة حسب عدد السكان) منذ عام 2000. في الواقع، ونما الامتياز الباهظ للولايات المتحدة الذي لوحظ في العقود السابقة في الحجم والنطاق وأصبح امتيازًا للعالم الغني.

لقد أصبحت أغنى البلدان بمثابة البنوك العالمية، حيث تجتذب المدخرات الزائدة من خلال توفير أصول آمنة منخفضة العائد واستثمار هذه التدفقات في مشاريع أكثر ربحية. وتترجم هذه الامتيازات في تحويلات صافي الدخل من أفقر البلدان إلى أغنى البلدان بما يعادل 1% من الناتج المحلي الإجمالي لأكبر 20% من البلدان (و2% من الناتج المحلي الإجمالي لأكبر 10% من البلدان)، مما يخفف من عجز الحساب الجاري لهذه البلدان في حين يؤدي إلى تدهور عجز الحساب الجاري لأقل 80% من البلدان بنحو 2-3% من الناتج المحلي الإجمالي.

كما يظهر أن البلدان الغنية تتراكم مكاسب رأسمالية إيجابية، وهو ما يحسن من وضعها الاستثماري الدولي، وتستثمر في أصول أقل خطورة نسبياً مقارنة بالعالم، وهو ما يدحض الاعتقادات السابقة بأنها تكسب علاوة عائد للتعويض عن الخسائر المحتملة والمخاطر التي تتحملها.

وخلاصة الأمر، أنه يجب توجيه الجهود نحو إعادة تصميم النظام النقدي والمالي الحالي لتعزيز نظام أكثر مساواة. ورغم أن النظام ساهم في العولمة والتجارة والمالية والنمو الاقتصادي، فإنه فشل في معالجة التحديات المعقدة مثل تغير المناخ، والابتكار التكنولوجي، وتزايد التفاوت، والتغيرات الديموغرافية الطويلة الأجل، وتصاعد الصراعات الجيوسياسية في عالم متعدد الأنظمة. كما أن النظام النقدي والمالي الدولي الحالي غير محايد وان الدور الأولي للدولار كعملة عالمية مستقرة سمح للولايات المتحدة بأن تصبح القوة المهيمنة على العملة وأن تستحوذ على امتياز باهظ في حين تميل ميزان القوى الدولي لصالحها. وحتى الآن، لم تتنافس هيمنتها إلا جزئياً مع دول أخرى غنية موفرة للعملة. ورغم أن اقتراح روسيا لرئاسة مجموعة بريكس لن يحل كل هذه المشاكل البنيوية، فإنه يشكل خطوة في الاتجاه الصحيح.

ويمكن أن تتحد طموحات بريكس مع مجموعة الـ 77، التي تضم الآن 134 عضوًا من مختلف أنحاء العالم النامي، والتي سبق وان طالبت بإنشاء نظام اقتصادي دولي جديد كل عام تقريبًا منذ إصداره لأول مرة في عام 1974. ومؤخرا عقدت مجموعة الـ 77 والصين قمة في كوبا في يناير 2024، حيث ندد المشاركون “بالتحديات الكبرى التي يفرضها النظام الاقتصادي الدولي غير العادل الحالي على البلدان النامية”. وفي نفس الشهر، استضافت كوبا، بصفتها رئيسة مجموعة الـ 77، مؤتمر هافانا حول النظام الاقتصادي الدولي الجديد. علما بان جميع أعضاء مجموعة بريكس(باستثناء روسيا) جزء من مجموعة الـ 77، وقد دعمت موسكو منذ فترة طويلة الدعوة إلى إنشاء نظام اقتصادي دولي جديد. إلا أن الأمر لن يكن يسيرا على الصعيد التطبيقي والعملي ولابد من اتفاق دولي على وجود نظام نقدي ومالي عالمي أكثر حيادية وأكثر عدلا.

__________________________________________________________________

[1] – https://geopoliticaleconomy.com/2024/10/19/brics-russia-multi-currency-system-us-dollar/

[2]Ben Norton, BRICS plans ‘multi-currency system’ to challenge US dollar dominance: Understanding Russia’s proposal.

[3] – https://geopoliticaleconomy.com/2024/10/19/brics-russia-multi-currency-system-us-dollar/

د. مصطفى عيد إبراهيم

خبير العلاقات الدولية والمستشار السابق في وزارة الدفاع الإماراتية، وعمل كمستشار سياسي واقتصادي في سفارة دولة الإمارات بكانبرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى