صناعة الخصوم: من أين تحصل “أنصار الله” على الصواريخ “الفرط صوتية”؟

في تطور نوعي بين ميليشيات الحوثيين باليمن، وإسرائيل، أعلن العميد يحي سريع، المتحدث الرسمي باسم قوات أنصار الله، أن قواتهم قد نفذت عملية (في أوائل شهر سبتمبر الجاري) باتجاه تل أبيب من خلال صاروخ قطع مسافة 2040 كم في غضون 11 دقيقة ونصف فقط. وهو ما يعني أن سرعة الصاروخ، قد بلغت نحو 13 ماخ أي ما يصل لنحو 15000 كلم في الساعة. ويذكر أن الحوثيين قد سبق لهم استخدام الصواريخ الفرط صوتية في مارس 2024 عندما أعلنت الجماعة عن استخدام صاروخ سرعته 8 ماخ- أي نحو 10000 كلم في الساعة، ويعمل بالوقود الصلب.

تأسيسا على ما سبق، يحاول هذا التحليل الإجابة عن سؤال، هو: ما هي الصواريخ الفرط صوتية، وما تحدياتها، وإلى أين وصل التنافس الروسي الأمريكي في إنتاجها؟

تحديات قائمة:

 وفقًا للمصادر المعلنة فإن السلاح “فرط الصوتي” هو عبارة عن صاروخ يمكنه الانطلاق بسرعة “5 ماخ إلى 20 ماخ” – أي أسرع خمس مرات من سرعة الصوت على الأقل – وهو ما يعني أن بإمكانه اجتياز ميل (1.6 كيلومتر) في الثانية الواحدة. على الأقل. ويجري تطوير نوعين من أسلحة فرط صوتية، الأول الصواريخ “الجوالة” المزودة بمحركات نفاثة تدفعها لاجتياز سرعات الصوت، والآخر “الرؤوس الحربية فرط الصوتية” التي يمكن إطلاقها من مقاتلات. وهناك بالفعل أنواع من الصواريخ الجوالة “كروز” تنطلق بأسرع من الصوت مثل “توما هوك” .لكن الصواريخ فرط الصوتية مختلفة، لأنها تعتمد على الإطلاق في الطبقات العليا من الغلاف الجوي – أعلى من الصواريخ الباليستية التقليدية – ثم تنفصل منها الرأس الحربي فرط الصوتية بسرعات هائلة نحو مستويات أدنى (إلى الأهداف المحددة). ويمكن لهذا النوع من الصواريخ حمل رؤوس نووية أو رأس حربي تقليدي ينطلق بسرعات هائلة لتدمير أهداف بدقة شديدة دون الحاجة لوقود دافع – بل باستخدام الطاقة الحركية فقط. وتعد الصواريخ الباليستية الحالية سريعة للغاية لكنها ليس لديها القدرة على المناورة بنفس درجة الصواريخ الجوالة التي تتميز بقدرتها على المناورة. أما الصواريخ فرط الصوتية، فقد جمعت بين السرعة الخارقة والقدرة على المناورة وتجنب الرادارات مع التحليق على أطوال موجية قصيرة وضرب وتدمير أهداف بعيدة المدى.

ورغم الاستخدام المتزايد للصواريخ الفرط صوتية، إلا أن ثلاثة تحديات تكنولوجيا تواجهها، هي: كيفية التعامل مع الحرارة الشديدة الناتجة عن احتكاك جسم السلاح مع الغلاف الجوي أثناء طيرانه بأضعاف سرعة الصوت. وضمان دقة مسار الصاروخ إلى الهدف. وزيادة كفاءة القدرة على المناورة والإفلات من الصواريخ الأخرى. علمًا بأن، هذا النوع من الأسلحة لا يخضع حتى الآن لاتفاقات الحد من التسلح التي تنظم أعداد وتسليح الصواريخ المتوسطة المدى أو العابرة للقارات.

حدود التطور الروسي:

في 18 مارس 2022، استخدمت روسيا للمرة الأولى صاروخا فرط صوتي لضرب هدف تحت الأرض في أوكرانيا. ويشار إلى أنه ووفقا لتصريحات قائد القيادة الاستراتيجية العسكرية للولايات المتحدة المسئولة عن الدفاع الاستراتيجي، أن الولايات المتحدة ودول حلف الناتو لم يطوروا حتى الآن تكنولوجيا هذه الأسلحة إلى مرحلة الاستخدام الميداني، بينما روسيا والصين تملكانها منذ عام 2019 على الأقل، متاحة للاستخدام في مسرح العمليات، كما أن الولايات المتحدة لم تطور أي أسلحة مضادة لها.

ويتميز الصاروخ أفانغارد الروسي، بقدرته الفائقة على المناورة لمنع وسائل الدفاع المعادية من تحديد مساره، وإرسال معلومات عنه لاعتراضه، وتبلغ سرعته، 20 ماخ، وقد تصل إلى 27 ماخ، أي ما يعادل 27 مرة سرعة الصوت وأكثر من 33 ألف كيلومتر في الساعة. وهو قادر أيضا على تغيير الاتجاه والارتفاع والمناورة. ولقد أعلن الجيش الروسي في ديسمبر 2018 أنه سيتم نشر أول دفعة من صواريخ “أفانغارد” في منطقة أورنبرغ في الأورال. وإضافة إلى صاروخ “أفانغارد” الخارق للصوت والعابر للقارات، كشف بوتين في 2022 في رسالته السنوية إلى البرلمان الروسي، عن مجموعة جديدة من الأسلحة المتطورة الأخرى تتمثل في صواريخ “كينجال”، والصواريخ المجنحة العاملة بمحركات نووية، وغواصات الدرون النووية، والليزر القتالي.

مستوى الصناعة الأمريكية:

تشير التقارير الصادرة من وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن الاختبارات اللازمة للصواريخ الفرط صوتية تقدر بنحو 1.4 مليار دولار. وتعتزم الولايات المتحدة استخدام طائرات “بي -52 إتش” في إطلاق هذه الصواريخ عندما تصبح جاهزة لنشرها ميدانيا .وتواجه الشركات المعنية بتطوير البرنامج الأمريكي لإنتاج ونشر الصواريخ الفرط صوتية صعوبات أدت إلى تأجيل اتخاذ قرار بإنتاج 12 صاروخا في شهر يناير2022، إلى ما بعد انتهاء الاختبارات الفنية والعسكرية اللازمة.

وفي هذا السياق، عقد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أكثر من عشرة اجتماعات خلال فبراير 2022 مع قيادات صناعات الأسلحة الفرط صوتية لمناقشة سبل الإسراع بتنفيذ البرنامج. وطبقا لبيان أصدره البنتاجون عن اجتماع عُقد في الأسبوع الأول من فبراير 2022، ضم قيادات شركات “رايثيون” و”لوكهيد مارتن” و “نورثروب” و” بوينغ” و”الـ-3 هاريس” و”بريتش ايروسبيس” وغيرها، أكد وزير الدفاع الأمريكي على أهمية الإسراع في إنتاج ونشر الصواريخ الفرط صوتية لتلبية احتياجات القدرات الدفاعية والهجومية للولايات المتحدة.

كما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في الأسبوع الأول من مارس 2022 عن إجراء تجربة على نموذج من صاروخ فرط صوتي، وأشار البيان أن الصاروخ قد وصل إلى قاعدة “إدواردز” الجوية في كاليفورنيا، وأن التجربة ستجري بعد يومين من وصول الصاروخ إلى القاعدة، لكنه قرر قبل يوم واحد من إجراء التجربة تأجيلها، لمدة شهر. وهو ما يعني أن التجربة من المفترض أن تكون قد تمت في الأسبوع الأول من شهر أبريل.

وتعمل وزارة الدفاع الأمريكية على تضييق الفجوة التي تفصلها عن روسيا والصين. وأكدت وكيل وزارة الدفاع لشؤون التكنولوجيا (البحوث والهندسة) في كتاب صدر في شهر فبراير 2022 على ضرورة الاهتمام بالبحوث ومجالات التكنولوجيا المختلفة ونقلها من حيز البحوث والاختبارات وتحويلها إلى قدرات عسكرية عملياتية يتم نشرها في الميدان.

في المقابل، وفي شهادة أمام لجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ في الأسبوع  الأول من مارس 2022، قال تشارلز ريتشارد قائد القيادة الاستراتيجية العسكرية للولايات المتحدة المسئولة عن الدفاع الاستراتيجي، بما في ذلك الصواريخ والأسلحة النووية، إن ” الولايات المتحدة لم تشهد في تاريخها وضعا مثل الذي تشهده الآن من حيث أن دولتين من أقرانها (في إشارة منه إلى الصين وروسيا) باتا تمتلكان قدرات على شن هجمات في أي مكان في العالم، وفي أي وقت، باستخدام كافة وسائل القوة بما فيها الأسلحة النووية”. وأوضح في شهادته أن الولايات المتحدة ما تزال تعتمد حتى الآن على أسلحة للدفاع الاستراتيجي تم إنتاجها منذ عقود مثل الصواريخ الباليستية العابرة للقارات “مينيتمان-3” والقاذفات من طراز “ب-52 “التي بدأ إنتاجها في الستينات، والصواريخ الباليستية طراز “أوهايو” التي تطلق من الغواصات المنتجة في الثمانينات من القرن الماضي. وأكد على أن هذا التخلف الأمريكي من شأنه أن يغذي الشهية العدوانية لدى خصومها. ويزيد من احتمال انتشار النزاعات العسكرية، وتراجع مصداقية وفاعلية حلف الأطلنطي. وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة قد بدأت مبكرا في تطوير تكنولوجيا الأسلحة الفرط صوتية، ونجحت فعلا في اختبار طائرةاكس15 والتي تعمل بمحرك فرط صوتي عام 1967، لكنها توقفت بسبب تكرار الفشل في التجارب، وعلى اعتبار أن تطوير هذه التكنولوجيا المكلفة جدا لم يعد ضروريا. خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في تسعينات القرن الماضي.

على الرغم من ذلك، صرّح وزير الدفاع الأمريكي “لويد أوستن” لشبكة «سي بي إس» الأمريكية معلقا على استخدام روسيا للصواريخ الفرط صوتية قائلا «لا أراها أسلحة تحدث فارقاً»، رافضاً في الوقت نفسه تأكيد أو نفي استخدام موسكو لهذا النوع من الصواريخ. واعتبر وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، أن الصواريخ الفرط صوتية التي تقول روسيا إنها استخدمتها لتدمير أهداف عسكرية في أوكرانيا لا تحدث فارقاً في مواجهة مقاومة الجيش الأوكراني.

وفيما يتعلق بالصين: وفق لصحيفة “فاينانشال تايمز”، ذكرت أن الصين قد اختبرت الصاروخ “فرط الصوتي” والقادر على حمل رأس نووي في أغسطس 2021. وتمت عملية الإطلاق بواسطة صاروخ من طراز “لونغ مارتش”، وهي صواريخ تعلن الصين عادة عن إطلاقها، في حين بقيت تلك العملية ذاتها سرية.

مصدر صواريخ الحوثيين:

وفقا لمصادر إعلامية إسرائيلية، فإن جيش الدفاع الإسرائيلي، قد أكد بعض جوانب ادعاء الحوثيين، وقال إن “صاروخ أرض-أرض أطلق من اليمن باتجاه الأراضي الإسرائيلية، في الساعة 6:21 صباحًا”، وقال الجيش: “يشير التحقيق الأولي إلى أن الصاروخ ربما انفجر في الجو”، ودوت صفارات الإنذار في إسرائيل في الساعة 6:32 صباحًا – مما يعني أن وقت الرحلة الذي ادعى الحوثيون أنه دقيق نسبيًا، يسمح هذا بحساب سريع للسرعة التقريبية للصاروخ: حوالي 177 كيلومترًا في الدقيقة. يذكر أن السرعة الأسرع من الصوت، تُعرف بأنها أعلى من 5 ماخ، أو أكثر من خمسة أضعاف سرعة الصوت، أي أكثر من 102 كيلومتر في الدقيقة. وتجدر الإشارة إلى أنه في 2023، زعمت إيران أنها كشفت عن صاروخ فرط صوتي، قائلة إنها طورت صاروخًا يمكن إطلاقه ثم ينفصل، حيث يعود جزء منه إلى الغلاف الجوي للأرض. ولم يكن من الواضح ما إذا كان الإيرانيون قد أكملوا هذا الصاروخ واختبروه ( الصواريخ بسرعة 5 ماخ معروفة منذ منتصف القرن العشرين).

وترى المصادر الإسرائيلية إن مزاعم الحوثيين بشأن سلاح “أسرع من الصوت”، لا تهدف إلا إلى نشر الدعاية حول إنجازاتهم. ومع ذلك تدور في المجتمع الإسرائيلي وبين خبرائه السؤال الرئيسي: وهو ما إذا كان الصاروخ الحوثي – الذي يعتمد على الأرجح على التكنولوجيا الإيرانية – قادرًا على المناورة بسرعات عالية داخل الغلاف الجوي؟، وهل هو نوع من صواريخ كروز أم صاروخ باليستي؟ ويرون أن هذه أسئلة رئيسية، وأنه يتعين اتخاذ القرارات بناءً على الإجابات على هذه التساؤلات. وعما إذا كان الحوثيون قد طوروا بالفعل أسلحة خطيرة جديدة، فمن المهم للمجتمع الدولي أن يفرض عقوبات على هذه المجموعة. لقد أثبت الحوثيون بالفعل خطورتهم على الشحن وعلى المنطقة (وهو ما يعني إجمالا أنه مازال هناك لغط داخل المجتمع الإسرائيلي وعدم تأكد من نوعية الصاروخ المستخدم).

وفي ضوء ما تقدم، فانه يجب على الولايات المتحدة وحلفائها نشر تدابير فعالة لتعطيل مثل الأنظمة التسليحية ومواجهتها لدى ميليشيا الحوثيين. ففي الوقت الحاضر، تركز الولايات المتحدة وشركاؤها في التحالف بشكل أساسي على اعتراض الصواريخ المضادة للسفن والطائرات بدون طيار التابعة للحوثيين. لذا، يجب نشر استراتيجية اعتراض الصواريخ الباليستية بشكل مناسب.

خلاصة القول، رغم التكنولوجيا العالية المستخدمة في مثل هذا النوع من الأسلحة، إلا أن استخدام كل من روسيا والصين، وبعض المصادر الإعلامية إلى كوريا الشمالية أيضا قد أجرت تجارب على هذا النوع من الأسلحة. فمن الواضح أن عصر جديد سيظهر في مجال إنتاج واستخدام الصواريخ. وأن الصواريخ الباليستية، يمكن أن تكون من أسلحة التاريخ، وإن عمليات نقل التكنولوجيا وتسارعها قد تنقل مثل هذه التكنولوجيا إلى دول في الشرق الأوسط في الأجل المتوسط. وهو ما يتضح في استخدام ميليشيا أنصار الله، وهو ما يشير إلى امتلاك إيران لهذا النوع من الأسلحة وأيضا حزب الله، وهو ما يعني أن توسع نطاق الحرب في المنطقة قد يدخلها في مراحل جديدة من المواجهة مما يهدد السلم والأمن الإقليمي والدولي.

د. مصطفى عيد إبراهيم

خبير العلاقات الدولية والمستشار السابق في وزارة الدفاع الإماراتية، وعمل كمستشار سياسي واقتصادي في سفارة دولة الإمارات بكانبرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى