الوعي الثقافي المتبادل.. دعامة العلاقات المصرية التركية
د. طارق عبد الجليل- الملحق الثقافي لدى تركيا سابقًا
تمثل زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي تركيا، بعد أزمة دبلوماسية تجاوزت عقدًا من الزمان، تتويجًا لجهود مصالحة طويلة ودؤوبة بين الدولتين؛ ومن ثم تعتبر، أيضًا، إعادة تأسيس على مرتكزات استراتيجية للعلاقات الثنائية. كما يُعد انطلاق اجتماعات “مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى” بين البلدين مؤشرًا قويًا على رغبة مشتركة في تدشين علاقات استراتيجية مستدامة؛ تدعم المصالح المشتركة، وتراعي المصالح الخاصة، وتبني قواعد صلبة للحفاظ على هذه العلاقات.
ورغم أن العلاقات الدولية ترتهن بالمصالح المشتركة؛ الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، إلا أن خصوصية العلاقات الثنائية بين المصريين والأتراك، على مر العصور، تجعل الوعي الثقافي المتبادل بالمضامين التاريخية والاجتماعية والثقافية لكلا الشعبين أحد العوامل الأساسية في تعزيز هذه العلاقات، وتحقيق الاستفادة القصوى منها، وصونها، والحيلولة دون تدهورها أو تفسخها.
ولا شك أن عشر سنوات متواصلة مرت بها العلاقات الثنائية بأزمة دبلوماسية حادة، قد خلفت آثارًا سلبية متبادلة؛ تستلزم سنوات عديدة لمداواتها. فقد تصدعت أو اهتزت، على أقل تقدير، صورة الدولتين لدى كلا الشعبين، وتخرجت من الجامعات ملايين من الشباب والباحثين في غيبة عن الإدراك الواعي بالروابط التاريخية والثقافية المشتركة، وأيضًا بما يفترضه الواقع الجيوسياسي، بكل مكوناته، من حتميات التعاون الاستراتيجي العميق.
تفرض الحالة الراهنة مهامًا وواجبات على النخبة المثقفة المتخصصة من المصريين والأتراك تجاه ترميم جسور التواصل بين الشعبين المصري والتركي، وطرح الأفكار والآراء والخبرات بغية الإسهام الفعال في تقريب وجهات النظر وتعميق التفاهم المتبادل، وتشكيل الرأي العام في كلا البلدين، ودعم التعاون لتعزيز الهوية الثقافية المشتركة والتعريف بالخصوصية الثقافية والمجتمعية لكلا الشعبين.
تذخر كل من مصر وتركيا بالعلماء والمتخصصين البارزين في كل التخصصات، ومن ثمالتعاون بينهما يزدهم قوة إلى قوتهم. ويتأتىذلك من خلال تضافر جهود القطاعات: الأكاديمية والثقافية والإعلاميةفي كلا البلدين؛ تدعمهم أقسام اللغة التركية في مصر، وأقسام اللغة العربية في تركيا.
إن خلق مساحة للسعي المشترك نحو طرح حلول علمية منطقية للتحديات المشتركة على المستويات الثنائية والإقليمية والدولية من شأنه اختصار الطريق تجاه إعادة بناء الثقة بين مصر وتركيا. فمن الأهمية بمكان أن تشغل “تنمية الوعي الثقافي” حيزًا في جدول أعمال “المجلس الاستراتيجي”؛ بوصفها استثمارًا لا يستهدف، فقط، العلاقات الثنائية، بل يرنو أيضًا إلى تحقيق السلام والاستقرار والرخاء الإقليمي.