التصعيد الكامن.. صراع الأفارقة المحتمل على ممرات الوصول إلى المنافذ المائية

تسعي بعض الدول الحبيسة في إفريقيا إلي الحصول علي ممرات سواء بطريقة مباشرة مثلما فعلت إثيوبيا بتوقيعها مذكرة تفاهم مع أرض الصومال لحصولها علي موطئ قدم لها في البحر الأحمر، أو بطريقة غير مباشرة عن طريق ممر للتجارة عبر دول أخرى ومثال علي ذلك المبادرة المغربية التي تتضمن تسهيل ولوج دول الساحل إلي المحيط الأطلسي، الأمر الذي قد يشعل الصراع علي الممرات، وبالتالي تثار المخاوف من فكرة تسارع الدول الحبيسة للحصول علي ممرات أيًا كانت الطريقة. وعليه، يبقي السؤال الرئيسي، وهو: ما مستقبل الصراع علي الممرات في إفريقيا؟

نماذج واضحة:

هناك نموذجين للصراع علي الممرات، إحداهما مباشر والآخر غير مباشر، ويتم توضيح ذلك بشكل أكثر تفصيلاً فيما يلي:

(-) المنافذ المباشرة: تتمثل في النموذج الإثيوبي، حيث تسعي إثيوبيا للحصول علي ممر مائي يمكنها من الحصول علي منفذ رئيسي دائم لها في البحر الأحمر، لذلك وقعت إثيوبيا مذكرة تفاهم مع أرض الصومال في مطلع يناير 2024، تتضمن السماح لأديس أبابا بالحصول علي موطئ قدم لها في البحر الأحمر؛ لأغراض تجارية وعسكرية وبالقرب من ميناء “بربرة” علي مساحة 20 كم2  لمدة 50 عامًا، في مقابل الاعتراف الإثيوبي بـ “أرض الصومال” كدولة مستقلة بعد استقلالها في عام 1991، إضافة إلي حصولها علي نسبة تقدر بـ 20% من الخطوط الجوية الإثيوبية؛ ولكن وفقًا لأحكام القانون الدولي، فإن هذا الاتفاق يواجه العديد من التحديات، منها عدم شرعية الاتفاق الذي تعتبره الحكومة الصومالية بمثابة انتهاكًا لسيادة ووحدة أراضيها، وفي المقابل أكد رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” أن الوصول للبحر الأحمر أمر بالغ الأهمية لاقتصاد إثيوبيا، حيث يساعد هذا الاتفاق علي تخلي إثيوبيا علي اعتمادها علي ميناء جيبوتي الذي يكلف الحكومة الإثيوبية رسوم تقدر بنحو ملياري دولار سنويًا، وقد تحقق أديس أبابا زيادة تقدر بـ 25%-30% من الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي يؤكد علي تمسك أديس أبابا بتنفيذ الاتفاق أيًا كانت النتائج.

(-) المنافذ غير المباشرة: عبارة عن تسهيل مرور التجارة بشكل غير المباشر عبر دول أخرى، علي سبيل المثال: المبادرة المغربية التي تدعم تسهيل ولوج دول الساحل إلي المحيط الأطلسي، بمعني مرور دول الساحل بشكل غير مباشر عبر المغرب إلي المحيط الأطلسي، وقد أطلق هذه المبادرة العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 6 نوفمبر المنصرم. وعليه، أكد العاهل المغربي أن “المغرب مستعدة لوضع بنياتها التحتية الطرقية والمينائية والسكك الحديدية”، كدعم لدول الساحل ولتعزيز مشاركتها في التجارة الدولية. كما قد تساعد هذه المبادرة دول الساحل والصحراء في توفير فرص كبيرة للتحول الاقتصادي للمنطقة، وبالتالي تحسين الظروف المعيشية.

كما قد عُقد اجتماع وزاري في مدينة مراكش في 23 ديسمبر 2023؛ بشأن المبادرة الدولية، بمشاركة مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، وانتهي الاجتماع بتعهد وزراء مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، بإنشاء فريق وطني من كل دولة لإعداد واقتراح سبل تفعيل هذه المبادرة، ومن ثم عرضها علي الملك محمد السادس ورؤساء الدول السابق ذكرها.

واستكمالاً للجهود المبذولة لتنفيذ المبادرة، زار رئيس الوزراء النيجيري “علي محمد لمين زيني” المغرب في12  فبراير 2024، وقد تم الإعلان آنذاك عن تقديم رسالة من رئيس المجلس الوطني لحماية الوطن الجنرال “دو بريكان  عبدالرحمن” إلي العاهل المغربي “محمد السادس”، وأكد الإعلام النيجري أن الرسالة كانت تتضمن مناقشة مبادرة الأطلسي لتيسير وصول بلدان الساحل إلي المحيط الأطلسي. وعليه، يسعي المغرب أن جعل نفسه وسيط بين الأنظمة الجديدة لدول الساحل التي عانت من انقلابات عسكرية.

وعليه، وقد تنجح هذه المبادرة في حال تم تقديم التمويل اللازم، فضلاً عن وجود إطار تنظيمي قوي، إضافة إلي معالجة التحديات التي قد تواجه تنفيذ المبادرة وأهمها القرصنة، وإلي الآن لم يحدد المغرب المدة والمسافة المسموحة للعبور من خلالها للمحيط الأطلسي.

ومما سبق، يمكن القول إن هاذان النموذجان قد يشكلا صراع سواء علي  البحر الأحمر أو المحيط الأطلسي، خاصة وأن الدول الحبيسة الأخري قد تسارع لتكرار أي من النموذجين.

خريطة الدول الحبيسة:

وبناءًا علي ما تقدم، يمكن توضيح خريطة الدول الحبيسة في إفريقيا التي قد تسعي للحصول علي ممرات، حيث يوجد في إفريقيا 16 دولة غير ساحلية، ففي غرب إفريقيا يوجد ثلاثة دول حبيسة، وهي: النيجر ومالي وبوركينا فاسو، وفي جنوب إفريقيا خمس دول، هي: زامبياوزيمبابوي وبوتسوانا وليسوتو وسوازيلاند، وشرق إفريقيا تضم أيضًا خمس دول، وهي: إثيوبيا وأوغندا وجنوب السودان ومالاوي وبوروندي، بينما في الوسط الأفريقي تقع تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطي ورواندا.

وعليه، هناك 16 دولة حبيسة من أصل 54 دولة إفريقية، لذلك زاد اهتمام الدول الحبيسة بالحصول علي ممرات، خاصة وأن الممرات في إفريقيا مهمة للتجارة الإقليمية وبل والدولية، كما أنها تقلل من نسب الفقر المرتفعة في العديد من الدول الحبيسة، وذلك من خلال التعاون مع البلدان المعنية بالممرات، حيث تساعد الممرات في تعزيز النمو الاقتصادي والتكامل الإقليمي، فضلاً عن تقليل الوقت والتكلفة لشحن البضائع علي المستويين الدولي والإقليمي، إضافة إلي زيادة سرعة انتقال البضائع عبر الحدود. ويمكن توضيح أهم الممرات الموجودة في إفريقيا التي يُمكن للدول الحبيسة الاستفادة منها

اسم الممر الدول المشتركة
أبيدجان-اوغادوغو ساحل العاج  وبوركينا فاسو
لامو للتنمية إثيوبيا وكينيا وجنوب السودان
مابوتو للتنمية موزمبيق وجنوب إفريقيا
ناكالا موزمبيق ومالاوي وزامبيا
أبيدجان واغادوغو-باماكو ساحل العاج وبوركينا فاسو ومالي
ساجسوت تنزانيا وزامبيا ومالاوي
باجس موزمبيق
داركار-باماكو السنغال ومالي
لومي-اوغادوغو توغو وبوركينا فاسو
كوتونو-نيامي                    بنين والنيجر
أبيدجان-باماكو كوت ديفوار ومالي
لوبيتو جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا
ترانس كالاهاي ناميبيا وبوتسوانا وجنوب إفريقيا وموزمبيق
بيرا-هراري زيمبابوي وزامبيا وجمهورية الكونغو ومالاوي وبوتسوانا

ومما سبق، يمكن القول إن هذه الممرات تسهل التجارة للدول الحبيسة في إفريقيا، فعلي سبيل المثال: يمثل ممر داكار-باماكو، وأبيدجان-واغادوغو حلقة الربط بين السكك الحديدية والطرق، في حين تعتمد باقي الممرات علي شبكات الطرق. كما تشكل موانئ داكار وأبيدجان محطات رئيسية لعدة ممرات، وتعد باماكو واغادوغو طرق رئيسية لهذه الممرات. كما يتميز ممر لوبيتو بنقل الثروات المعدنية من مناطق غنية بالمعادن في جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا إلي ساحل المحيط الأطلسي، لذلك يعتبر ميناء لوبيتو أفضل وأسرع الطرق لتصدير المعادن، خاصة مع تحديث وتوسيع الممر ليشمل محطة حاويات ومحطة للمعادن ومحطة نفطية عام 2014، وتقدر قدرة الميناء علي مناولة 3.7مليون طن، ووفقًا للمراقبين  من المتوقع أن تزيد عن 4.1مليون طن عند تشغيل سكة حديد Benguela، ومع ذلك يعاني الممر من ضعف البُني التحتية للسكك الحديدة والطرق، الأمر الذي يقلل من كفاءته.

كما يربط ممر ترانس كالاهاري وممر مابوتو أربعة دول وهي: ناميبيا وبواتسوانا وجنوب إفريقيا وموزمبيق، وذلك عن طريق البر من الشرق إلي الغرب لنقل البضائع، كما يوفر الممر فكرة نقل البضائع بالقطار من ميناء والفيس باي إلي غوبابيس. أما ممر بيرا-هراري، فهو منفذ مهم للتجارة الدولية للعديد من الدول الحبيسة، علي سبيل المثال: زيمبابوي وزامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالاوي وبوتسوانا.

وبالرغم من كثرة عدد الممرات الموجودة في إفريقيا، إلا أن البعض  منها يواجه تحديات عدة، أهمها: عدم كفاية الآليات المؤسسية والتنفيذية الخاصة بتشغيل الممر، والتي تتضمن تهالك البُني التحتية، والحواجز غير الجمركية، ومعابر الحدود الغير فعالة التي تضاعف من التكاليف، وبالتالي الحد من حركة التجارة.

انعكاسات محتملة:

هناك انعكاسات محتملة من الصراع علي الممرات، ويتم توضيح ذلك فيما يلي:

(&) تسارع الدول الحبيسة للحصول علي ممرات رئيسية: من المتوقع أن يزداد الإقبال من قبل الدول الحبيسة علي الممرات، وخاصة لأغراض التجارة، وقد تكون زامبيا النموذج القادم للوصول للممرات، خاصة وأن زامبيا قد صدقت علي استراتيجية الاقتصاد الأزرق التي تستهدف التكنولوجيا الحيوية والاستدامة البيئية والنقل المائي الداخلي وإدارة صيد الأسماك والموارد المعدنية تحت الماء، لذلك قد تساعد هذه الاستراتيجية في تحول زامبيا من دولة حبيسة إلي دولة ساحلية، ووفقًا للمراقبين، تطمح زامبيا لتحقيق طموحاتها المرتبطة بالصناعات البحرية من خلال الاستعانة بالتعاون الدولي والأطر القانونية لاتفاقية قانون البحار.

وقد تحقق زامبيا طموحاتها، خاصة وأنها تتمتع بموقع استراتيجي مميز، حيث تربط بين مختلف ممرات التجارة الإقليمية، وقد تستغل زامبيا التحول العالمي نحو الطاقة المستدامة وزيادة الطلب علي المواد الخام الحيوية التي تمتلكها من النحاس والكوبالت والليثيوم الذي من المتوقع أن يرتفع بنسبة 40% و70% و 90% علي التوالي، وفقًا لوكالة الطاقة، الأمر الذي يعد فرصة كبيرة  لزامبيا، وقد يكون ممر “لوبيتو” الذي يتشكل من خط السكك الحديدية بطول 1300، والرابط بين جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا بالمحيط الأطلسي عبر ميناء لوبيتو في أنجولا، هو البداية لتمكن زامبيا من عقد اتفاق مع أنجولا بشأن الاستفادة من ميناء “لوبيتو”، الأمر الذي قد يعزز من النمو الاقتصادي المحلي لزامبيا.

(&) تعزيز التنمية الاقتصادية: قد يساعد وصول الدول الحبيسة للممرات من تعزيز النمو الاقتصادي والتكامل الإقليمي للدول الحبيسة، من خلال معالجة البُني التحتية المتهالكة، والحد من التكاليف المرتفعة للتجارة والنقل، حيث تُمكن الممرات الدول من تقليل الوقت والتكلفة؛ لشحن البضائع علي المستويين الإقليمي والدولي، وبالتالي زيادة سرعة انتقال البضائع عبر الحدود المجاورة للدول الحبيسة، ومن ثم تحسين الظروف المعيشية لهذه الدول.

 (&) التنافس الدولي: من المؤكد أن يزداد التنافس الدولي علي الممرات والمنافذ البحرية، التي تعتبر محل تنافس جيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين وروسيا من جهة وأوروبا من جهة أخري، حيث تهتم واشنطن وبيجين وموسكو بالممرات والموانئ البحرية للدول الإفريقية نظرًا لأهمية الممرات في حركة التجارة العالمية، لذلك تسعي هذه الدول لعقد اتفاقيات مع الدول الساحلية للحصول علي الممرات من خلال تمويل الدول الإفريقية المثقلة بالديون، وتقديم الدعم لتحسين البُني التحتية المتهالكة لبعض الممرات والتي تعيق التجارة، وذلك بهدف استغلال الممرات لتحقيق مصالحها الاقتصادية والتجارية والحصول علي الموارد والثروات التي تمتلكها دول المنطقة، فضلاً عن سعي الدول المتنافسة للحصول علي امتيازات تُمكنهم من إدارة الممرات وبالتالي التحكم في الموانئ الاستراتيجية لسنوات عدة ومن ثم تعزيز نفوذهم العسكري في المنطقة.

 وعليه، تحاول روسيا في الوقت الراهن من تقوية علاقاتها السياسية والاقتصادية مع الدول الإفريقية، وخاصة دول غرب إفريقيا وإثيوبيا التي قد تحصل علي منافذ مباشرة وغير مباشرة، وذلك مع خلال تبادل الزيارات الرسمية مع هذه الدول، إضافة إلي تقوية علاقتها بالسودان وسعيها لإنشاء قاعدة بحرية في ميناء بورتسودان؛ لتعزيز وتحقيق طموحاتها في المنطقة.

يضاف إلي ما سبق، التنافس الأمريكي- الصيني علي ممرات التجارة في إفريقيا، حيث تتسارع  واشنطن وبيجين علي النفوذ في المنطقة لخدمة مصالح بلادهم، ويعد من أبرز الممرات التنافسية بين الدولتين ممر “لوبيتو” الأنغولي المطل علي المحيط الأطلسي غرب القارة، حيث تحاول واشنطن مواجهة النفوذ الصيني في إفريقيا المتمثل في مبادرة “الحزام والطريق” من خلال استثمار ملايين الدولارات لتطوير ممر لوبيتو، فقد تهدف واشنطن إلي تعزيز العلاقات مع الدول الإفريقية الغنية بالمعادن للانتقال إلي الطاقة النظيفة، فضلاً عن تقليل الاعتماد علي الصين كمُورد رئيسي للمعادن، وبالتالي تعزيز النفوذ الاقتصادي للولايات المتحدة في إفريقيا، ووفقًا للمراقبين تواصل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تطوير الممر وتوسيعه ليضم زامبيا كذلك.

(&) تنامي عمليات التنظيمات الإرهابية: من المرجح أن يؤثر سعي الدول الحبيسة للحصول علي ممرات، فضلاً عن التنافس الجيواستراتيجي بين الدول الغربية علي الممرات لتعزيز نفوذها في القارة السمراء، إضافة إلي الصراعات التي تواجها القارة إلي تنامي عمليات التنظيمات الإرهابية بين تنظيمي “داعش” و “القاعدة”، خاصة في منطقة الساحل والقرن الأفريقي نتيجة للاضطرابات الأمنية المستمرة في المنطقة.

وختامًا، يمكن القول إن الممرات تمثل عامل رئيسي ومهم في التجارة وتنمية الاقتصاد العالمي، لذلك تتسارع بعض الدول الحبيسة التي تعاني منذ سنوات من مضاعفة تكاليف انتقال البضائع عبر الحدود والتي تحد من حركة التجارة ومن ثم انتشار الفقر إلي الحصول علي ممرات سواء بطرق مباشرة ورئيسية أو بطرق غير مباشرة مؤجرة، الأمر الذي من شأنه أن يصاعد من حدة التوترات الجيوسياسية في المنطقة سواء علي المستوي الداخلي بين دول القارة أو القوي الدولية المتنافسة علي النفوذ داخل القارة السمراء. وعليه، قد يؤدي التنافس علي الممرات إلي زعزعة الاستقرار في المنطقة، وبالتالي تنامي نشاط التنظيمات الإرهابية والقرصنة.

عبير مجدي

عبير مجدي- باحثة متدربة بمركز رع للدراسات الاستراتيجية، عملت متدربة حتى انتهت مدة تدريبها في مارس ٢٠٢٥.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى