تشكيلات المرتزقة بجيش الاحتلال في حربه على غزة

منذ التدخل البري لجيش الاحتلال الإسرائيلي في أراضي غزة، الذي حدث منذ شهر تقريبا،- يطرح الخبراء، سؤالًا على المقربين من ساحة المعركة، هو: هل عدد القتلي من جيش الاحتلال، البالغ 133 فراد بالمقارنة بعدد الآليات العسكرية الإسرائلية المدمرة التي اقتربت من 800 معدة حربية، هو رقم حقيقي، أهم أن هناك قتلى من عناصر الجيش الاسرائيلي لا تُعد ضمن الأرقام المعلن عنها؟، وما هي حقيقة وجود مرتزقة تقاتل مع الجيش الإسرائيلي في غزة، وما هي طرق تجنيدهم وحدود تأثيرهم؟

تاريخ مرتزقة جيش الاحتلال:

استعانة الكيان الصهيوني بالمرتزقة يعود إلى سنة 1948، عند تأسيس هذا الكيان، حيث قام عدد من الجنود وكبار الضباط اليهود ممن شاركوا في الحرب العالمية الثانية بجانب دول الحلفاء باستقدام عدد كبير العسكريين من هذه الدول للانضمام إلى العصابات الصهيونية في حربها ضد العرب نظرا للخبرة الكبيرة والقدرة القتالية العالية التي يتمتعون بها مقابل مبالغ مالية طائلة، وكان عددهم حينئذ حوالي 494، ما دفع “دافيد بن غوريون” إلى تكريم 84 فردا من هؤلاء المرتزقة ومنحهم الجنسية الصهيونية والأوسمة الرفيعة تقديرا لهم على مساهمتهم وقتالهم ضد الجيوش العربية، وقد تم اعتماد الاحتلال بصورة أساسية على تلك العناصر من أجل تكوين قواته العسكرية نظرا لنقص العنصر البشري للكيان بالمقارنة بأي جيش عربي آخر والذي يكون أعضاؤه من القوات النظامية الدائمة.

وكان للكيان الصهيوني قواعد قتالية وضعها “بن غوريون” تنص على عدد من الأساسيات الواجب على الصهاينة اتباعها مثل (التطوير المستمر في عمل الجيش، والاعتماد على غير اليهود في المواجهات العسكرية لتقليل نسبة الخسائر البشرية وسط اليهود، وعدم الإضرار بكثافتهم الطبيعية بأي حال من الأحوال)، لذا تم العمل علي زيادة أعداد هؤلاء المرتزقة داخل صفوف جيش الاحتلال، وأصبحوا جزءا أساسيا في المؤسسة العسكرية الصهيونية وخاضوا كافة الحروب مع ذلك الكيان بداية من حرب 1956 و1967 و1973، وكذلك مشاركتهم في اجتياح جنوب لبنان عام 1982، ومشاركتهم في الكثير من العمليات داخل وخارج الأراضي المحتلة تحت إشراف جهاز الاستخبارات العامة (الموساد)، ومنذ عام 1950 وحتى الآن تُخصص ميزانيات ضخمة للارتقاء بالمرتزقة وتطوير عملهم.

وفي كتاب صدر عام 2002، ل “العيزر إسحاق” عقيد في جيش الكيان، تحدث فيه عن مرتزقة الذين يقاتلون لصالح الكيان الصهيوني، وفكرة إنشائها وأن من يتم الاستعانة بهم ليسوا قوات مرتزقة عادية بل عصابات من المافيا الروس تحديدا والتي ظهرت مع انهيار الاتحاد السوفيتي لذا كان قدوم هؤلاء للقتال لصالح الاحتلال بكثرة في عامي 1991 و 1992، وجزء كبير منهم لا يحمل الديانة اليهودية، وقد وجد الاحتلال ضالته في هذه المافيا، وتم اقتراح أن يصبح هناك وحدة عسكرية خاصة بهم داخل الجيش، ولكن القيادة الصهيونية حينئذ رفضت، كون ذلك قد يمثل عبئا فيما بعد إذا حاولت هذه الوحدة أن تصبح قوة مستقلة موازية، لذلك تم توزيع المرتزقة من جميع الجنسيات علي كافة وحدات جيش الاحتلال، لكي يخضعوا لتعليمات من هم أعلي منهم.

في الآونة الأخيرة أصبح عدد مرتزقة الاحتلال أكثر من 7 آلاف فرد، ويخدمون في أغلب الوحدات العسكرية. ولا هدف لهم إلا جمع المال. ينتشرون في جميع أنحاء الأراضي المحتلة، بدءا من صحراء النقب أقصى وحتى الحدود الشمالية المشتركة مع لبنان. ويمثلون أهمية كبيرة للكيان الصهيوني، وهي الأهمية التي زادت بشدة خلال الفترة الأخيرة في ظل تصاعد وتيرة الانتفاضة الفلسطينية، الأمر الذي دفع بالاحتلال الإسرائيلي لتوفير شركات  وسماسرة متخصصين لاستقدامهم وإقناعهم بالانضمام إلى جيشه. ويُقدم لهم كل ما قد يحتاجونه من متطلبات تساعدهم على الاندماج داخل المجتمع، بالإضافة إلي الميزانية الحكومية الضخمة لاستيعابهم هم وعائلاتهم.

خريطة المرتزقة:

كشف تقرير حقوقي “للمرصد الأورومتوسطي” في نوفمبر الماضي 2023، عن وجود مئات المرتزقة الأوروبيين الذين يتطوعون للخدمة العسكرية في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي، ضمن قوات خاصة، شاركت في قتل المدنيين الفلسطينيين، لاسيما في قطاع غزة بدءا من حرب 2004 وحتي العدوان الحالي 2023. حيث أن هنالك منظمات ترتبط بشكل مباشر بجماعات يهودية ومسيحية يمينية داخل أوروبا، تقوم بتنظيم مشاريع وحملات لدعوة الأوروبيين للالتحاق بجيش الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك للانضمام إلى حملات دعم عمليات المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.

وتفيد المعلومات الواردة في هذا التقرير أن إحدى هذه المنظمات الفاعلة في تجنيد الشبان الأوروبيين للقتال في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي تدعى “ماحال” وتمتلك مكتبا لها في العاصمة البريطانية لندن، والتي تعمل على إرشاد الأجانب للالتحاق بجيش الاحتلال، من خلال تنظيم حملات إعلامية وتوعوية في الدول الأوروبية، وقد انضم بالفعل الآلاف من المتطوعين من نحو 40 دولة أجنبية، معظمهم من أوروبا. وتقوم هذه المنظمة أيضا باستهداف الفئات الشبابية من الجنسين وتجنيدهم لصالح جيش الاحتلال من خلال تدريبات تمتد لـ 18 شهرا، ويُشترط أن يكون عمر الشاب أقل من 24 عاما، وتكون عمر الفتاة أقل من 21 عاما.

شركات التجنيد:

يعتمد الكيان الصهيوني على شركات عسكرية خاصة في تجنيد هؤلاء المرتزقة مقابل أجور مرتفعة، ومن أبرزهم شركة”غلوبال سي إس تي” والتي يُتهم المرتزقة القادمين عبرها بلرتكابهم جرائم مروعة ضد الإنسانية في النزاعات التي شاركوا فيها في كل من أمريكا اللاتينية وإفريقيا وغيرهم. ويمكن تحديد أهم برامج التجنيد وجغرافية استيراد المرتزقة على النحو التالي:

(1) الجندي الوحيد: “الجندي الوحيد” هو برنامج تعتمد عليه دولة الاحتلال في الحصول على المرتزقة، حيث يعمل البرنامج على استقطاب وتجنيد الأجانب الذين ليست لهم عائلات، ويفضل أن يكون الجندي يهوديا. ويُعرف عن المنتميبن لهذا البرنامج تمتعهم بالشراسة والخطورة والعنف والتنكيل، ويتمتعون بمزايا خاصة مقارنة بالجنود العاديين، إذ يدفع لهم جيش الاحتلال أجورا مرتفعة مقابل العمليات الإجرامية التي يقومون بها، كما يُسمح لهم بالعمل الخاص، ويتلقون تدريبات عسكرية علي أعلي مستوي، ويطلق عليهم الجنود الوحيدون. وقد جري استقطاب آلاف الجنود الوحيدين من حوالي 70 دولة، 80% منهم أجانب، والبقية يهود.

(2) روافد غير تقليدية: المرتزقة ليسوا للتجنيد فقط، لم يقتصر الأمر في الاستعانة بالمرتزقة خاصة من أوروبا على التجنيد في صفوف جيش الاحتلال فقط؛ بل تعداه الى قيام جماعات متطرفة إلى تجنيد المئات من الدول الأوروبية لمساندة المستوطنين في عملياتهم ضد المدنيين الفلسطينيين في الداخل المحتل.

فلقد كشفت صحيفة “هارتس” العبرية في إحدى تقاريرها، عن قيام جماعات يهودية متطرفة بإنشاء “رابطة الدفاع اليهودية الفرنسية” والتي يترأسها الحاخام (مائير كاهانا)، والتي تقوم بتجنيد يهود من داخل أوروبا من ذوي الخبرة القتالية والعسكرية للدفاع عن المستوطنات وقمع المظاهرات الفلسطينية ضد الاستيطان وكذلم إرهاب فلسطيني الداخل المحتل. وذكرت أن هذه المنظمة تدعو إلى تجنيد اليهود المتشددين وأنها تابعة للفرع الفرنسي لجامعة الدفاع اليهودية ” كاخ”، وهي منظمة أنشأها مائير كاهانا في أواخر الستينيات، وتم حظرها في أمريكا وإسرائيل، في حين مسموح لها بالعمل بشكل علني في فرنسا.

الوحدات الخاصة:

هنالك وحدات غاية في الأهمية والخطورة داخل صفوف جيش الاحتلال، تُوكل إليها مهام القتل والاغتيال والاعتقال، سيما في مدن الضفة الغربية المحتلة ومخيماتها. إضافة إلى عملها في ساحات أخرى خارج الحدود، ومنها:

(*) وحدة اليمّام: هي فرقة تدخل سريع تابعة لجهاز الشرطة الإسرائيلي. تتلخص مهامها الأساسية في تنفيذ العمليات الخاصة، مثل الاغتيالات الدقيقة، وملاحقة المقاومين وأسرهم، وتم تأسيسها عام 1974، ومعظم عناصر هذه الوحدة هم من جنود جيش الاحتلال السابقين الذين خدموا في وحدات القتال الخاصة. كما تتمتع باستقلالية تامة عن باقي الوحدات، ويتم تجهيز أفرادها بمعدات وأسلحة متطورة، إضافة إلى طاقم طبي خاص بهم وتعزيزات مادية ومعنوية أخري. وتنقسم وحده اليمّام إلى عدة فرق هي:

(&) فريق المستعربين: من أخطر الفرق داخل الكيان الصهيوني، إذ أن أفراده متخصصون في التمويه والانخراط بين الفلسطينيين للقيام باعتقالهم أو اغتيالهم. ويتميزون بصفات خاصة كإتقان اللغة العربية بشكل دقيق وكذلك إتقان اللهجات الفلسطينية المختلفة طبقا لطبيعة المنطقة التي يعملون فيها، والدراية التامة بالعادات والتقاليد الفلسطينية، وأداء الواجبات الدينية، لذا يتم اخيار أصحاب الملامح العربية للعمل بهذا الفريق وقد شاركوا في العديد من عمليات الاعتقال والاغتيال ضد المقاومين الفلسطينيين.

(&) فريق الدهم والاختراق: يقوم بدهم البيوت والمباني التي يتحصن فيها المقاومون للسيطرة عليها، ومن ثم تنفيذ عمليات الاغتيال أو الاعتقال.

(&) فريق القرود: مجموعة من المقاتلين المتخصصين بمهارات التسلق والتزحلق والسقوط السريع.

(&) فريق القناصة: يتكون من عناصر لديهم دقة عالية في التصويب والقتل من مسافات قصيرة وطويلة، مجهزين بأحدث بندقيات القنص الخاصة.

(&) فريق المتفجرات: يتعامل مع المتفجرات بكل أنواعها، من خلال تفكيكها وإبطال مفعولها.

(&) الفريق الصامت: يختص بعمليات تحرير الأسرى وتطوير تكتيكات مواجهة المقاومين والمسلحين واختبار المعدات والأسلحة الجديدة.

(*) وحدة دوفدوفان “الكرز”: هي وحدة قتالية خاصة تعمل في جميع الأراضي المحتلة مع التركيز في السنوات الأخيرة على الضفة الغربية وتم تأسيسها عام 1986، هذه الوحدة تعمل من دون توقف لمنع الأنشطة التي تقوم بها فصائل المقاومة الفلسطينية. وفي بعض الأحيان تعمل بشكل علني تحت ذريعة “محاربة الإرهاب”. وفي أحيان أخرى، تعمل بشكل سري من خلال استخدام فرق “المستعربين” وتظل على أهبة الاستعداد على مدار الساعة، إذ يقوم مقاتلوها بتنفيذ العديد من الأنشطة العملياتية بناء علي طلب عاجل من جهاز (الشاباك)، مثل الاعتقالات والاغتيالات وكذلك إفشال خطط المقاومة الهجومية.

(*) وحدة ماجلان: تعد هذه الوحدة الخاصة من أهم الوحدات العاملة في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي، تم تأسيسها عام 1986، كواحدة من نتائج حرب أكتوبر 1973، حيث أرادت القيادة الصهيونية إنشاء وحدة سرية متخصصة تعمل علي كل الجبهات. يتميز مقاتلوها بالكفاءة واللياقة البدنية العالية، ويستخدمون الخرائط الطبوغرافية بمهارة فائقة. كما يخضع جنودها لدورات تدريبية على القفز بالمظلات والقتال عن قرب، ويتدربون أيضا علي سلاح المشاة، ومهارة الاستطلاع. لذا يخصص لهذه الوحدة ميزانية عالية وتمتلك معدات قتالية متطورة. وقد عملت الوحدة وما زالت، في قطاع غزة والضفة الغربية، من خلال تنفيذ الاعتقالات النوعية وإلقاء القبض على المقاومين، كما شارك عدد من جنودها في عمليات جنوب لبنان.

ختاما، يبدو أن هذا الجيش يعاني من اضطراب في بنيته وتركيبه، لذا فهو يلجأ للأساليب الملتوية من خلال قوات المرتزقة والوحدات الخاصة داخل صفوفه وكذلك في أوساط المستوطنين لممارسة الأعمال الهمجية والوحشية، كقتل المدنيين، والتمثيل بجثامينهم والتنكيل بالأسري والفلسطنيين بشكل عام وممارسة الإرهاب في الداخل المحتل. نحن لسنا أمام جيش نظامي بل نحن أمام قتلة إرهابيين ومجرمي حرب.

سارة أمين

سارة أمين- باحث في شئون الشرق الأوسط، الباحثة حاصلة علي ماجستير في العلوم السياسية، شعبة العلاقات الدولية، متخصصة في دراسة شئون الشرق الأوسط والخليج العربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى