قراءة في انعقاد القمة العربية الإسلامية بالرياض

بعد أن أعلنت الخارجية السعودية بعد التشاور مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، ومفوضية الإتحاد الإفريقي تأجيل القمة العربية الإفريقية الخامسة التي كان من المقرر انعقادها في الرياض في العاشر من نوفمبر إلي موعد يحدد لاحقاً في ثالث تأجيل للقمة بعد تأجيلها في 2019،2020، وأعلنت الخارجية السعودية أن سبب التأجيل الحرص علي ألا تؤثر الأحداث السياسية في المنطقة -في إشارة إلي العدوان الإسرائيلي علي غزة الذي لم يذكره البيان نصاً- علي الشراكة العربية الإفريقية التي ترتكز علي البعد التنموي والاقتصادي.

انعقدت في الرياض القمة العربية الإسلامية المشتركة الطارئة لمناقشة سُبل وقف العدوان الإسرائيلي علي غزة الذي دخل شهره الثاني، مخَلفاً ما يزيد عن أحد عشر شهيداً فلسطينياً، إضافة إلي ألاف الجرحى والمصابين.

توضيحًا لما سبق، يتطرق هذا التحليل لأهم الفعاليات والأحداث واللقاءات التي تمت علي هامش القمة، مع وضع قراءة أولية لنتائج القمة كما عبر عنها بيانها الختامي، كذلك مواقف الدول والوفود المشاركة في القمة من خلال كلمات الرؤساء والزعماء وممثلي الدول المشاركة.

لقاءات علي هامش القمة:

(*) شهدت القمة الزيارة الأولي للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي للسعودية، بعد الاتفاق السعودي الإيراني بوساطة صينية في العاشر من مارس الماضي، والتقي الرئيس الإيراني مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سليمان، وبحث الزعيمان جهود وقف التصعيد العسكري في قطاع غزة، كما أعربا عن القلق البالغ تجاه التدهور المُتسَارع والخطير للأحداث، وشدّدَ الزعيمان علي ضرورة أن تتركز الجهود الدولية والإقليمية في الوقت الراهن علي وقف التصعيد والعنف، مع الرفض القاطع لفكرة تهجير الفلسطينيين والتي من شأنها تصفية القضية الفلسطينية بالكامل.

(*) التقي الرئيس عبدالفتاح السيسي، بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وناقشا سبل الوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي علي فلسطين المحتلة.

(*) التقي الرئيس السيسي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، حيث ناقش الزعيمان تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وبالطبع تطورات العدوان الإسرائيلي علي غزة، وأكد الرئيس الإيراني علي أنه ليس هناك لديّنا أي عائق أمام توسِيع العلاقات مع مصر الصديقة حسب بيان وكالة مهر الإيرانية، وأن اللقاء شهد تبادل وجْهَات النظر حول الأوضاع في قطاع غزة، ومسارات العمل لتخفيف وطأة المعاناة الإنسانية التي يتعرض لها الفلسطينيين في القطاع، وتطرق الرئيسان لأهمية عدم اتساع دائرة الصراع في المنطقة والحفاظ علي الأمن والاستقرار الإقليمي، حسب ما جاء ببيان الرئاسة المصرية. كما ناقش الطرفان بايجابية مثمرة، وبشكل تفصيلي القضايا ذات الاهتمام المشترك، وذلك بالنظر إلي السجلات الحضارية والتاريخية والمشتركات الثقافية بين البلدين، بما يتماشي مع المصالح المشتركة، فإنه من الضروري تمهيد الطريق والخطوات لتحقيق ذلك، من خلال مواصلة الحوار بين سلطات البلدين، حسب ما جاء بتقرير وكالة تنْسِيم الايرانية، وأضاف التقرير أن تعزيز التعاون والعلاقات بين البلدين لن يخدم مصالح البلدين فحسب،بل ستكون له آثار إقليمية ايجابية أيضاً.

(*) التقي الرئيس السيسي، بالرئيس السوري بشّار الأسد، وشهد اللقاء التباحث بشأن تطورات الأوضاع في غزة، حيث تم تأكيد الموقف الثابت للبلدين من حيث رفض تصفية القضية الفلسطينية، وتهجير الفلسطينيين، مع ضرورة وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات لقطاع غزة واستمرار الجهود لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفقاً للمرجعيات الدولية ذات الصلة، كما تمت مناقشة العلاقات الثنائية بين البلدين، وتطورات الأوضاع في سوريا وحرص مصر علي التسوية السياسية للمسألة السورية، بما يحقق المصالح العليا للشعب السوري الشقيق ويحفظ وحدة وسلامة سوريا ويستعيد الأمن والاستقرار، كما جاء ببيان الرئاسة المصرية.

(*) التقي الرئيس السيسي، برئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وأكد له مواصلة مصر لسياستها الثابتة والداعمة للسودان علي كافة المستويات، وتبادلا وجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.

(*) التقي الرئيس الإيراني، برئيس مجلس السيادة في السودان، وبحث الرئيسان سُبْل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وتطْويرها في شتي المجالات، وقدم البرهان شرحاً حول مجريات وتطورات الأوضاع في السودان.

مواقف رئيسية:

جاءت كلمات القادة والزعماء المشاركين في القمة العربية الإسلامية المشتركة الطارئة مُتَسِقة ومتوافقة مع مواقفها منذ بداية الأزمة، فقط عبّر الرئيس الإيراني عن أن الولايات المتحدة الأمريكية شريكة إسرائيل في حرب غزة، وأن المنظمات الدولية عاجزة، كما عبر الأمير تميم بن حمد أمير قطر أن جرائم الإبادة الإسرائيلية تضر بأمن دول المنطقة، وأن قطر ماضية في جهود إطلاق سراح الرهائن، في إشارة إلي جهود الوساطة التي تقوم بها قطر للإفراج عن الرهائن الإسرائيليين لدي قوي المقاومة، والمعتقلين في السجون الإسرائيلية، وانتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دول العالم الغربي، معتبرا أن الدفاع عن النفس الذي تدعيه إسرائيل ليس مبرراً لقتل النساء والأطفال. وذَكّر الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن الشعب الفلسطيني يتعرض لإبادة ليس لها مثيل، وأن إسرائيل تخطت الخطوط الحمراء، وطالب ولي العهد السعودي بوقف فوري للحرب في غزة، وأدان فشل المجتمع الدولي.

 كما أكد رئيس الوزراء اللبناني أن فلسطين قضية عربية أولاً وأخيراً، وشدد علي ضرورة العمل علي وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار وفتح المعابر، وإدخال المساعدات لقطاع غزة، وإطلاق مسار سياسي جدّي وفعّال يدفع باتجاه حل عادل وشامل ودائم للقضية. كما طالب الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد بتحرك دولي لإدانة انتهاكات الجيش الإسرائيلي، بعد أن أكد موقف بلاده الثابت والداعي لتحقيق آمال الشعب الفلسطيني، بالوصول إلي حل عادل وإقامة دولة مستقلة، كما طالب المجتمع الدولي بالتحرك الجاد لإدانة الانتهاكات الخطيرة التي يمارسها الجيش الإسرائيلي.

كما عبّر ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح عن إدانة الكويت لسياسة العقاب الجماعي التي تمارسها إسرائيل في قطاع غزة، وأنه لا يمكن تبرير تلك السياسة، وحَضْ المجتمع الدولي علي ممارسة دوره في إيقاف فوري للعمليات العسكرية ونزيف الدم المستمر.

قراءة في البيان الختامي:

جاء البيان الخِتَامي للقمة العربية الإسلامية الطارئة في واحد وثلاثين بند، بعد المقدمة التي أوضحت أن دمج القمتين العربية والإسلامية في واحدة، جاء للتعبير عن الموقف الواحد من إدانة العُدوان الإسرائيلي علي الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشريف، وتأكيداً علي التصدي معاً لهذا العدوان والكارثة الإنسانية التي يتسبب فيها، والعمل معاً علي وقف وإنهاء كل الممارسات الإسرائيلية اللاشرعية التي تُكَرسّ الاحتلال، وتحْرم الشعب الفلسطيني حقوقه، وخاصة الحق في الحرية والدولة المستقلة ذات السيادة علي كامل ترابّه الوطني.

كما رحب البيان بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم A/ES-10/L.25 الذي أصدرته في 26 أكتوبر الماضي، وتبنت القمة المبادرة العربية للسلام التي قدمها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز وتبنتها القمة العربية في بيروت عام 2002، والتي تتضمن مبدأ الأرض مقابل السلام وليس السلام مقابل السلام الذي دعت له إسرائيل، وإقامة دولة فلسطينية علي حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف، وأكد البيان أن السلام  العادل والشامل والدائم خياراً استراتجياً للدول العربية والإسلامية، وهو السبيل الوحيد لضمان الأمن والاستقرار لجميع شعوب المنطقة وحمايتها من دوامات العنف والحرب، وأنه لا سبيل لذلك دون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وحل القضية الفلسطينية علي أساس حل الدولتين.

وأكد البيان في مقدمته استحالة تحقيق السلام الإقليمي بتجاوز القضية الفلسطينية، أو محاولات تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني، في إشارة إلي الاتفاقات الإبراهيمية، وكذلك مفاوضات التطبيع مع المملكة العربية السعودية، وأن مبادرة السلام التي أيَدتّها منظمة التعاون الإسلامي تعتبر مرجعية أساسية، وحَمّل البيان إسرائيل مسؤولية استمرار الصراع بالمنطقة، وتفاقمه نتيجة عدوانها علي حقوق الشعب الفلسطيني، والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وسياستها الممنهجة وخطواتها الأحادية اللاشرعية التي تُكَرّس الاحتلال، وتخرق القانون الدولي، في إشارة إلي بناء المستوطنات.

كما قررت القمة إدانة العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة، اعتبار تلك الجرائم جرائم حرب وضد الإنسانية، وطالبت المدعي العام لمحكمة الجنائية الدولية باستكمال التحقيق جرّاء تلك الجرائم، كما رفضت القمة توصيف ذلك العدوان علي الشعب الفلسطيني دفاعاً عن النفس أو تبريراً لها تحت أية ذريعة، كما قررت القمة كسر الحصار المفروض علي قطاع غزة، وفرض إدخال المساعدات الإنسانية عربية كانت أو دولية، ودعوة المنظمات الدولية بالدخول إلي القطاع وحماية طواقمها، وتمكينها من أداء دورها، كما قررت القمة دعم مصر في كل ما تتخذه من من خطوات لمواجهة تبعات العدوان، كما طالبت القمة مجلس الأمن الدولي باتخاذ قرار حاسم وملزم يفرض وقف العدوان، ويدين تدمير إسرائيل المنهجي للمستشفيات في قطاع غزة،ومنع دخول الأدوية والغذاء والوقود اليها،وطالبت القمة جميع الدول بوقف تصدير الأسلحة والذخائر إلي إسرائيل، ووصف الجيش الإسرائيلي والمستوطنين الذين يستخدمون هذه الأسلحة ضد الشعب الفلسطيني بالإرهابيين.

كما دعت القمة أعضاء المنظمة والجامعة لممارسة الضغوط الدبلوماسية والسياسية والقانونية واتخاذ أية إجراءات لردع الاحتلال وقف جرائمه، كما استنكرت القمة المعايير المزدوجة في تطبيق القانون الدولي، والتحذير أن هذه الازدواجية تُقَوْض بشكل خطير صِدْقية الدول التي تُحَصِنْ إسرائيل من تطبيق القانون الدولي وتضعها فوقه، وأدانت القمة محاولة تهجير الفلسطينيين من شمال قطاع غزة إلي جنوبه واعتبار ذلك جريمة حرب وفق اتفاقية جنيف لعام 1949 وملحقها عام 1977، واتخاذ قرار جماعي من أعضاء الاتفاقية بإدانة تلك الممارسات، وأدانت القمة بشكل مبدئي قتل المدنين انطلاقاً من قِيَمِنا الإنسانية والتي تنسجم مع القانون الدولي، وأنه لا فرق بين حياة وحياة، أو تميز علي أساس الجنسية والدين والعرق، وكّلَفت القمة وزراء خارجية السعودية ومصر والأردن وتركيا وقطر وإندونيسيا ونيجيريا وفلسطين، ومن يرغب من الدول الأخرى والأمينين العامين للجامعة والمنظمة، لبدء تحرك دولي فوري باسم جميع الدول الأعضاء لبلورة تحرك دولي لوقف الحرب علي غزة والضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جادة وحقيقية لتحقيق السلام الدائم والشامل وفق المرجعيات الدولية، وأكدت القمة علي إطلاق سراح جميع الأسري والمعتقلين والمدنيين، وإدانة الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الأسري في السجون الإسرائيلية، كما أدانت القمة تصريحات الكراهية المتطرفة والعنصرية التي جاءت علي لسان وزراء في الحكومة الإسرائيلية، وكذلك أكدت القمة علي أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، كما دعت جميع الفصائل والقوي الفلسطينية إلي التوحد تحت مظلتها،في ظل شراكة وطنية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية،وأعادت القمة التمسك بالسلام كخيار استراتيجي لإنهاء الاحتلال وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي 242، 338،497،1515،2334  والتأكيد علي التمسك بمبادرة السلام العربية.

ختاماً، جاءت قرارات القمة مخاطبةً في مجملها المجتمع الدولي، للضغط علي إسرائيل لوقف العدوان بشكل فوري علي الشعب الفلسطيني، كما خاطبت المنظمات الدولية ممثلة في مجلس الأمن الدولي للقيام بدوره في الأمن والسلم الدوليين، وإصدار القرارات الملزمة لإسرائيل لوقف العدوان، ومحكمة العدل الدولية لمحاكمة إسرائيل علي ما ارتكبته من جرائم ضد الإنسانية، ولم تخاطب القمة في بيانها إسرائيل بشكل مباشر ربما لفقدها الأمل أن مازال هناك من يسمع لغة السلام، وأكدت القمة علي أن منظمة التحرير الفلسطينية مازالت هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، ربما تكون إشارة إلى الدور الذي سوف تلعب السلطة الفلسطينية فيما بعد الحرب من إدارة قطاع غزة، وفي نفس الوقت دعت كل الفصائل إلي الانضمام إلي منظمة التحرير، في إشارة إلي أن الانقسام الفلسطيني لم يعد مقبولاً.

د. حسام البقيعي

رئيس وحدة دراسات العالم، الباحث حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة القاهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى