إلى أي درجة يصل تصعيد “حزب الله” ضد إسرائيل؟

لا شك أن عملية طوفان الأقصى، تعد تحولاً هاماً في سياق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لا سيما أن هذه العملية وتوقيتها تأتي في سياق تطورات إقليمية ودولية مرتبكة ومعقدة، والأهم أن هذه العملية وما حَوتْه من عناوين تحتاج إلي أشهر وربما لسنوات للتخطيط وتحديد ساعة الصفر، وما تمثله هذه العملية بمجمل تفاصيلها تعد فشلاً إسرائيليا، علي كافة المستويات والأصعدة السياسية والأمنية والاستخباراتية.

 ومع أنه لا يمكن مناقشة الحق الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، باتت جميع المؤشرات تأخذ الجميع إلي أننا لسنا أما حرب خاطفة، كما تعودت عليها إسرائيل وربما المقاومة، وبالتأكيد العالم، ترد عبرها علي الهزيمة والإهانة التي لحقت بها، بل يبدوا أنه علي العالم وخاصة الشرق الأوسط، أن يستعد لأشهر من الحرب والصراع، ودائماً ما تفرض الحروب بتبديلاتها وقائع ومعطيات جديدة، تدور حول حسابات القوي الإقليمية والدولية والظروف والمعادلات التي تنتجها هذه الحروب.

ما تفعله إسرائيل في قطاع غزة، فتح أبواب التساؤلات والتأويلات علي مصراعيه، ليس فقط من جهة الخسائر المادية والبشرية التي لحقت بها في اللحظات الأولي للعملية، بل ثمة الكثير من الأسئلة الكبرى التي فرضتها العملية، والتي تنطلق من محددات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي عادت أبجدياته وعناوينه بقوة كَأُولي النتائج المؤكدة لطوفان الأقصى، عندما تمكنت المقاومة من التخطيط بل وتنفيذ ما تم التخطيط له بدقة، كإدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في المرحلة القادمة.

فحسابات وموازين القوي في الداخل والخارج، وإسرائيل تعيش حقيقةً واقع الصدمة، ويجب أن تبقي رهن هذا الواقع ولا يتم ذلك إلا عبر تكامل وتشابك الجبهات بما لا يسمح لإسرائيل بالتقاط أنفاسها واحتواء الصدمة، وأثارت العملية حتى اللحظة العديد من الأسئلة الكبرى حول اختبار منظومة محور المقاومة “وحدة الساحات”، وسؤالها الرئيسي، وهو: هل يتدخل حزب الله في عملية طوفان الأقصى سواءً لتخفيف الضغط الإسرائيلي المتوقع عن المقاومة الفلسطينية أو لاستغلال انشغال إسرائيل بالعملية لتحرير مزارع شبعا اللبنانية؟.

موقف الحزب من العملية:

تعددت الاجتهادات والاستنتاجات في معرض محاولة تقدير موقف حزب الله عقب بداية إطلاق حماس لعملية طوفان الأقصى، وما تفكر به قيادته المعنية مباشرة بما يجري علي الحدود وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك انطلاقاً من علاقات التحالف مع المقاومة الإسلامية في غزة، وخاصة حماس والجهاد الإسلامي ومبدأ وحدة الساحات، واستبعد بعض المحللين انخراط الحزب علي نطاق واسع في تلك المواجهة تحسباً لتكاليفها العالية، كما حسم البعض الأخر انضمام الحزب عاجلاً أو أجلاً لأسباب إستراتيجية، خاصة بعد اشتباكات الجنوب التي حدثت في اليوم الثاني من طوفان الأقصى، حيث حَمل استهداف حزب الله ثلاثة مواقع إسرائيلية في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، هي الرادار وزبدين ورويسات العلم بأعداد كبيرة من قذائف المدفعية والصواريخ عديد من الرسائل التحذيرية عن جاهزية الحزب لمساندة فصائل المقاومة في فلسطين عندما تستدعي الحاجة ضمن معادلة وحدة الساحات، كذلك تثبيت قواعد الردع والاشتباك في جنوب لبنان والمعمول بها بعد حرب 2006 بين إسرائيل والحزب.

وفي المقابل رد الجيش الإسرائيلي باستهداف المناطق المحيطة بتلال كفر شوبا وقصف الخيمة التي نصبها الحزب في مزارع شبعا.

وفي اليوم الأول للعملية، تضمن بيان حزب الله بعض النقاط الرئيسية, التي عبرت عن رغبة الحزب في توظيف سياسي مبكر للمعركة، من خلال قوله “إن طوفان الأقصى هي رسالة إلي العالم العربي والإسلامي والمجتمع الدولي بأسره وخاصة أولئك الساعين إلي التطبيع مع هذا العدو أن قضية فلسطين قضية حَيْة لا تموت حتى النصر والتحرير، وقد ذهب بتلك العبارة سريعاً إلي وضع عنوان سياسي للمعركة، لم تذهب إليه حماس نفسها، حيث وضعت طوفان الأقصى في إطار الرد علي الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وتَنَكْر الاحتلال للقوانين الدولية في ظل الدعم الأمريكي والغربي والصمت الدولي، حسب ما جاء في بيان القائد العام لكتائب عز الدين القسام محمد الضيف، ولذي أعلن فيه بداية عملية طوفان الأقصى، وركز البيان في نقاطه الأخرى علي دور حزب الله في المعركة، وإمكانية دخول الحزب مباشرة علي خط المعركة، من خلال تنفيذ عمليات أو شن حرب عبر الحدود اللبنانية مع إسرائيل.

فقد دعا الحزب الشعوب العربية والإسلامية والأحرار في العالم إلي تأييد ودعم الشعب الفلسطيني، وحركات المقاومة التي تؤكد وحدتها الميدانية بالدم والقول والفعل، وأكد الحزب أن قيادة المقاومة الإسلامية بلبنان تتابع عن كثب الأوضاع الميدانية باهتمام بالغ، وهي علي اتصال مباشر مع قيادة المقاومة الفلسطينية في الداخل والخارج، وتجري معها تقييماً متواصلاً للأحداث وسير العمليات”وختم بيانه بدعوة حكومة العدو الصهيوني إلي قراءة العبر والدروس الهامة التي كرستها المقاومة الفلسطينية في الميدان وساحات المواجهة والصراع،وذلك حسب ما جاء بالبيان.

إذاً وللوهلة الأولي لم يلبِ الحزب دعوة قائد كتاب القسام لمساندة المقاومة في فلسطين”أخواتنا في المقاومة بلبنان وإيران واليمن والعراق وسوريا للالتحام مع المقاومة بفلسطين” انطلاقا من نظرية وحدة الساحات التي تحولت لعقيدة مركزية في أدبيات محور المقاومة. خاصة، بعد أن رعي الحزب وإيران المصالحة بين حماس والحكومة السورية في سبتمبر2022  والتي أعادت علاقات حماس ومحور المقاومة إلي سابق عهدها قبل اندلاع الأحداث في سوريا قبل 2011.

 لم يغلق الحزب تماماً باب إمكانية انضمامه إلي المعركة من خلال تأكيد بيانه وحدة حركات المقاومة الميدانية بالدم والقول والفعل وأن المقاومة الإسلامية في لبنان تواكب التطورات وتتابع الأوضاع الميدانية، وعلي اتصال مباشر مع قيادة المقاومة الفلسطينية في الداخل والخارج وتجري معها تقيماً متواصلاً للأحداث وسير العمليات، مما يذَكْر بوجود غرفة عمليات مشتركة بين الحزب وحركات المقاومة الفلسطينية والتي أُعلن عنها عقب معركة سيف القدس عام 2021، وما أعلن عنه الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله في 25 يوليو2022، ومن قبله عضو هيئة أركان القسام محمد السنوار في 22 مايو 2022 من تشكيل غرفة أمنية مشتركة بين محور المقاومة قبل ظهور وحدة الساحات.

وتأتي دعوة بيان الحزب إلي الحكومة الإسرائيلية، العبر والدروس الهامة التي كرستها المقاومة الفلسطينية في ميدان وساحة المعركة، وهو ما يمكن اعتباره رسالة ردع لإسرائيل مفادها أن لا تذهب بعيداً في رد فعلها تجاه حماس ومحور المقاومة لأن ما حدث لها في جنوبها قد يتكرر في شمالها وربما في ساحات أخري.

وعلي الجانب الأخر إن رسالة الحزب إلي إسرائيل تحمل وتتضمن عدم رغبة الحزب في الدخول في معركة كبري وشامله معها إلا إذا اِضُطر لها، ما يعني أن يكون رد إسرائيل كبيراً وأكثر من المتوقع بالنسبة للحزب، كذلك إذا استشعر أن الرد سوف يقلب موازين القوي الراهنة بين حماس وإسرائيل لصالح الأخيرة،مما يضع نظرية وحدة الساحات لاختبار حقيقي ومصيري.

حسابات دقيقة:

قد يعيد طوفان الأقصى، النظر في إستراتيجية وحسابات محور المقاومة، وإعادة ترتيب أولويات المحور، لكن بحسابات دقيقة وليست متسرعة، فحزب الله ربما يكون وصل إلي أقصي درجات القوة والنفوذ في لبنان، ولا يقتصر علي الجانب السياسي فقط ولكن يشمل الجانب الأمني  والعسكري أيضاً، وتحول لبنان إلي بديلاً لسوريا بالنسبة للفصائل الفلسطينية الموالية لإيران، وأكد ذلك دعوة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إلي تصعيد المقاومة الشاملة من بيروت.

حزب الله، يتجنب معركة مباشرة مع إسرائيل ويفضل نظرية توازن الردع حتى لا تؤثر مواجهة مفتوحة علي وضعية حزب الله الشعبية والسياسية في لبنان، خاصة في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية التي يعيشها لبنان من فرغ رئاسي وأزمة اقتصادية لم تتكرر من قبل،فضلاً عن التكاليف الباهظة علي كافة الأصعدة، والدمار الذي يمكن أن تحدثه تلك المعركة، مع عدم توفر جهات دولية وعربية يمكنها أن تغطية إعادة الإعمار كما حدث بعد حرب يوليو2006، كما أن حزب الله كان العراب اللبناني لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، حيث ينتظر استخراج النفط والغاز من المياه الإقليمية اللبنانية، مما يساهم في تخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية، ويصور نفسه في موقع المنقذ والقادر علي حماية ثروات لبنان.

تحديات مانعة:

يسود اعتقاد بأن ما حدث من اشتباكات علي الحدود اللبنانية بين إسرائيل وحزب الله خلال الأيام الماضية، تشير إلي استعداد الحزب للدخول في معركة طوفان الأقصى، ويغلب اعتقاد لدي الأوساط الرسمية والسياسية يرجع لفكرة أنه لا الحزب ولا إسرائيل يريدان الحرب في لبنان، كما أن الاشتباكات التي حدثت في الفترة الماضية تبقي تحت سقف هذه القاعدة.

ولكن هناك أسباب حقيقة تمنع انخراط الحزب في المواجهات التي تحدث عادة بين إسرائيل والفلسطينيين وخاصة المواجهة الحالية، أهمها:

(1)- أن عنصر المفاجئة الكبرى في عملية طوفان الأقصى، أعطي الحزب مكاسب دون أية تكاليف أو اشتراك في المعركة، وأن الحزب بغني عن فتح جبهة الجنوب اللبناني، حيث كان الخوف الإسرائيلي من اقتحام قري الجليل والشمال الإسرائيلي، فجاء ما كانت تخشاه من الجنوب، وفي مواقع استيطانية وعسكرية غير متوقعة .

(2)- مخاوف الجيش الإسرائيلي من فتح جبهة الشمال مع لبنان، مما جعله يزيد من التعزيزات العسكرية علي تلك الجبهة مما خفف الضغط علي غزة دون الحاجة إلي عمل عسكري.

(3)- أن النجاح الذي تحقق للمقاومة الفلسطينية من خلال الموجه الأولي للهجوم ونتائجه علي كافة المستويات، والفشل والعجز غير المسبوق الذي ظهرت به الدولة الإسرائيلية، سيبقي طاغياً مهما كانت تكاليف الرد الإسرائيلي البشرية والاقتصادية التي توجب التحرك علي الجبهة اللبنانية.

(4)- إن النتائج الإستراتيجية التي تحققت نتيجة مفاجئة إسرائيل بعملية طوفان الأقصى، يمكن أن تتضاءل في حالة توسعة المواجهة وتخطيها الجبهة الفلسطينية.

(5)- حزب الله، يراهن علي استخراج النفط والغاز من البلوك 9 قبالة الشاطئ الجنوبي، والذي قطعت شركة توتال إنيرجي شوطاً كبيراً في الاستكشاف والحفر، مما يدخل الحزب في ملف الطاقة، ويجعله شريكا في مكاسبه، ودخوله الحرب يحول دون ذلك.

في النهاية، يمكن القول إن المعطيات المحيطة بظروف معركة طوفان الأقصى، ترجح حصر العمليات العسكرية ضمن نطاق إسرائيل قطاع غزة، وذلك في ظل تأني محور المقاومة في خوض معركة شاملة مع إسرائيل وتعديل قواعد الاشتباك معها في كافة عموم المنطقة، ورغم ذلك الأمر يتعلق علي سير العمليات العسكرية وحجم الرد الإسرائيلي بعد إعلان الحرب وتأثيراته الإستراتيجية، ولا يعني عدم اشتراك الحزب في المعركة عدم مؤازرته لحماس، حيث تقوم غرفة العمليات المشتركة التي تتخذ من بيروت مقراً لها بديلا عن الاشتراك الفعلي. وقد يكتفي الحزب بهذا الحد من توحيد الساحات، وهو ما يشكل احد البدائل اللفظية لعدم توحيد الساحات ميدانياً،وفي عام 2021 وأثناء تعرض غزة للعدوان الإسرائيلي سُئل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله كيف ومتى تنجدون المقاومة الإسلامية في غزة؟ ليجيب بشكل واضح نحن علي تنسيق دائم ومتواصل وعندما تطلب منا ذلك يدرس هذا الطلب ونقوم باللازم، ومع إسقاط ذلك علي الوضع الحالي فإن تطورات الوضع في غزة هي ما تحرّك القرار عند الحزب، لذا طالما الأمور محصورة بقصف انتقامي ولا دخول بري لغزة فلا داعي لتدخل الحزب أما في حالة حدوث ذلك فإن الحزب سوف يدرس بشكل جدي فتح الجبهة الشمالية.

د. حسام البقيعي

رئيس وحدة دراسات العالم، الباحث حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة القاهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى