دلالات وانعكاسات: ماذا تُحقق زيارة “البرهان” لمصر؟

في 29 أغسطس 2023، توجه رئيس مجلس السيادة السوداني “عبد الفتاح البرهان” إلى مصر، في زيارة هي الأولى من نوعها للبرهان خارج بلاده منذ اندلاع الأزمة السودانية في 15 أبريل الماضي بين الجيش بقيادته وقوات الدعم السريع بقيادة “محمد حمدان دقلو”. وخلال لقائهما بمدينة العلمين الجديدة الواقعة بالساحل الشمالي لمصر ناقش الرئيس “عبدالفتاح السيسي”، والبرهان تطورات الأوضاع في السودان، وسبل وقف إطلاق النار وإنهاء الأزمة، والسماح بتنفيذ عمليات الإغاثة الإنسانية، وبحث سُبل تعزيز العلاقات بين البلدين ودعمها وتطويرها بما يخدم شعبي مصر والسودان، بالإضافة إلي القضايا ذات الاهتمام المشترك.

ويرجع اختيار البرهان لمصر في أول زيارة خارجية، إلي العلاقات القوية بين البلدين وثقة القيادة السودانية في دعم مصر الدائم للسودان في أزماته.

وفي ضوء ما سبق، يحاول هذا التحليل التطرق لتحديد دلالات وانعكاسات زيارة البرهان لمصر في ظل الأوضاع التي تشهدها السودان.

دلالات هامة:

 تعددت الأقوال حول زيارة قائد الجيش السوداني “عبد الفتاح البرهان” لمصر التي استغرقت يومًا واحدًا، بلقائه مع الرئيس “عبد الفتاح السيسي”، حيث تشير هذه الزيارة لعدد من الدلالات الهامة، تمثلت في الآتي:

(*) الوساطة المصرية: تعد زيارة البرهان محاولة ما لتوسط مصر للتنسيق والتواصل مع أطراف إقليمية ودولية، لبحث سبل إنهاء الحرب وبدء حوار سياسي بين طرفي الصراع في السودان، مما قد يساعد علي إيجاد حلول لإنهاء الحرب، ويعني ذلك زيارات خارجية أخري للبرهان لبعض دول الإقليم ودول الجوار.

وجدير بالذكر، استضافة مصر لقمة دول جوار السودان في يوليو الماضي، وهو ما يؤكد جهود مصر الدائمة للوساطة لحل الأزمة بكل الوسائل المتاحة، ومن جانبه أكد البرهان في كلمة له عقب اللقاء، أن الجيش السوداني لا يسعى للاستمرار في الحكم، وإنما إجراء انتخابات حرة ونزيهة على أن يختار الشعب السوداني من سيحكمه.

(*) حماية ومساعدة الشعب السوداني: تضمن اللقاء التشاور حول الجهود الرامية لتسوية الأزمة في حدود وحدة وتماسك السودان وحماية مصالح شعبه، فضلاً عن مناقشة سبل التعاون والتنسيق لدعم الشعب السوداني، من خلال تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية.

(*) دعم مصر الدائم لأمن واستقرار السودان: أكد الرئيس “عبد الفتاح السيسي” على دعم مصر الثابت بالوقوف إلى جانب السودان، من خلال دعم أمنه واستقراره ووحدة وسلامة أراضيه ودعم وتعزيز العلاقات الثنائية المشتركة بين البلدين، ومن جانبه أشاد البرهان بالمساندة المصرية الصادقة والواضحة للحفاظ على سلامة واستقرار السودان في ظل الأزمة التي يمر بها علي مدار نحو خمسة أشهر، وذلك من خلال استضافة مصر لقمة دول الجوار أو مباحثاتها مع الأطراف الدولية والإقليمية لإيجاد تسوية للأزمة.

(*) مناقشة عدد من القضايا الهامة: دارت مناقشات هامة بين الرئيس “عبد الفتاح السيسي” والفريق أول “عبد الفتاح البرهان” حول بعض القضايا التي تركز على تحقيق مصالح الشعب السوداني في ظل الأزمة الراهنة، ووفقًا لتصريحات وزير الخارجية السوداني “علي الصادق”، تناولت المباحثات قضية المدارس السودانية في مصر، نظرًا لاقتراب العام الدراسي الجديد، إضافة إلى مناقشة أزمة التكدس الواقع عل المعابر البرية بين البلدين، وما يسببه من أضرار على حركة المواطنين والبضائع وحركة الصادرات والواردات بين القاهرة والخرطوم، وتسيير رحلات جوية بين القاهرة وبورتسودان.

وعليه، أكدت زيارة البرهان، الترابط بين مصر والسودان، حيث تعد القاهرة طرفًا فعليًا في عملية إنهاء الأزمة السودانية والحلولة دون انزلاقها لحرب أهلية، وكان ذلك واضحًا في تحركات مصر وتحديدًا بعد قمة دول جوار السودان التي دعت لها مصر، بالإضافة إلى التنسيق المصري-الأمريكي لبحث تطورات ملف السودان، ويؤكد ذلك دور مصر الكبير في التواصل بين القيادة السودانية والأطرف الدولية من أجل إيجاد حلول لإنهاء الحرب.

ومن المرجح أن يكون لمصر دور في محاولة التقريب بين طرفي الأزمة، من خلال الصلات القوية بين مصر والسودان، وربما سوف تشهد الأيام المقبلة تحرك مصري تجاه القوي الدولية والإقليمية لبحث طرق محتملة لإحلال السلام في السودان.

كما تؤكد أيضًا زيارة البرهان علي عودة انفتاح السودان على العالم لتعزيز وضعه الإقليمي والدولي، بعد الحرب التي دمرت العاصمة وتسببت في مقتل آلالاف الأشخاص وشردت الملايين، وأحدثت دمارًا وانتهاكات واسعة.

والجدير بالذكر، أن الجهود تزايدت تجاه الملف السوداني منذ انعقاد “مؤتمر دول الجوار” في مصر، وتشكيل لجنة وزارية لبحث تطورات الأزمة السودانية مع القوي الدولية والإقليمية، بالإضافة إلي التنسيق الأمريكي المصري الأخير في ملف السودان، وأيضاً دور السعودية بالتعاون مع واشنطن في عقد عدة اجتماعات ومباحثات في مدينة جدة السعودية بهدف إنهاء الصراع، وجاءت زيارات البرهان للتأكيد علي أهمية التوصل إلي الخطوات الأولي لإنهاء الحرب القائمة.

انعكاسات إيجابية:

بعد رصد ومتابعة أهم الدلالات في الزيارة التي أجراها رئيس مجلس السيادة السوداني مع الرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي”، نتج عن تلك الزيارة العديد من الانعكاسات الإيجابية، كالتالي:

() تسيير الرحلات الجوية بين القاهرة وبورتسودان: بعد زيارة البرهان لمصر، أعلنت الشركة الوطنية “مصر للطيران” في 30 أغسطس الماضي عن بدء رحلاتها الجوية المباشرة من مدينة القاهرة إلي مدينة بورتسودان الواقعة شمال شرق دولة السودان، بداية من أول سبتمبر 2023، وبواقع رحلة واحدة يومياً، وجدير بالذكر أن الشركة الوطنية مصر للطيران قد علقت رحلاتها الجوية إلي العاصمة السودانية الخرطوم في أبريل الماضي منذ اندلاع الأزمة، ويأتي هذا القرار استجابة للمطالب السودانية لمعالجة أضرار التكدس الواقع على المعابر بين البلدين.

(-)  الاتفاق علي زيادة سعة المعابر وتوفير الاحتياجات العاجلة للسوادن: شهدت الزيارة بين رئيس مجلس السيادة السوداني “البرهان” والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال محادثاتهما في العلمين الاتفاق علي ضرورة تسريع العمل بالمعابر البرية بين البلدين، إضافة إلي زيادة سعتها، نظراً للتكدس التي تشهده المعابر بين البلدين في زيادة استخدامها من قبل أعداد كبيرة من السودانيين، وكشف عن الاتفاق القائم بأعمال السفارة السودانية بالقاهرة “محمد عبد الله التوم”، ويأتي هذا القرار من أجل دعم وتطوير التعاون بين البلدين في العديد من المجالات ومنها،  تسهيل حركة رجال الأعمال بين مصر والسودان بغرض دعم وتنشيط حركة التجارة؛ لتطوير سُبل التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، إضافة إلى توفير العديد من السلع والاحتياجات العاجلة للسودان في ظل الأزمة التي يمر بها.

(*) البدء في تشكيل “حكومة تصريف أعمال سودانية”: بعد زيارة البرهان لمصر من المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة تشكيل حكومة تصريف أعمال  في “بورتسودان” تعمل بفاعلية، خاصة أن الولايات الآمنة تحتاج إلى مؤسسات مدنية تعمل على تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد.

وعليه، ترى الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة “ياسر عرمان”، أن عزم البرهان على تشكيل حكومة في بورتسودان من الممكن أن يعمق الانقسامات الوطنية، إضافة إلى تعميق تبعية مؤسسات الدولة والقوات المسلحة برموز النظام السابق في عهد “عمر البشير”، لذا تقترح الحركة على البرهان بأن يقوم بإجراء مشاورات واسعة مع كل القوى الوطنية والديمقراطية، والعمل على التوصل لحلول مع الأطراف الدولية والإقليمية لحل الأزمة.

من مجمل ما سبق،  يمكن القول إن زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني للعلمين توضح أهمية مصر بالنسبة للسودان، وحرصه على توضيح موقف الجيش السوداني للأطراف الداعمة لوحدة وبقاء الدولة السودانية وتحديدًا للقيادة المصرية قبل أي أطراف إقليمية أو دولية، خاصة وأن مصر تعتبر من أكثر الدول تأثرًا بما يجري في السودان، كما تعد مصر دولة ذات ثقل إقليمي ودولي يمكنها من التوسط لفتح الأبواب المغلقة في وجه السودان، إضافة إلى قدرتها على إقناع طرفي الأزمة والقوى المعنية بضرورة إيجاد تسوية سياسية للأزمة الحالية، واستئناف مسار انتقالي يضمن نقل السلطة إلى حكومة منتخبة بعقد انتخابات حرة نزيهة وأن يختار الشعب السوداني من سيحكمه.

ومن المتوقع أن تبدأ “مرحلة جديدة” في السودان، تشهد إجراء زيارات إقليمية ودولية قادمة، بهدف إنهاء هذا الصراع، فقد تشهد الأيام المقبلة زيارة خارجية ثانية لقائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، إلى جوبا عاصمة جنوب السودان، فضلًا عن أنباء زيارته المحتملة إلي المملكة العربية السعودية، للتشاور حول  تطورات الأوضاع السودانية، والحصول على الدعم خلال المرحلة المقبلة لمواجهة التحديات التي تواجه السودان وأمنه وسلامة أراضيه، مما يشير إلى رغبة البرهان في تأكيد الانتصار (المؤجل) للجيش في معركة بقاء السودان واستمرار مؤسساته الوطنية ورفض أي مبادرة أو حل لا يتضمن تلك المحددات أو يعيدها لصيغة انتقالية غير توافقية ولا تضمن بنود محددة لدمج المسلحين في الجيش السوداني.

عبير مجدي

عبير مجدي- باحثة في الشئون الإفريقية بالمركز، حاصلة علي بكالوريوس علوم سياسية- جامعة 6 أكتوبر، الباحثة في مرحلة الماجستير بقسم العلاقات الدولية- بجامعة حلوان، ومهتمة بدراسات التطرف والإرهاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى