أزمات خانقة: لماذا خرجت الأوضاع الداخلية في إيران عن السيطرة؟

تواجه إيران أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وصحية حقيقية، عمقت كثيرًا الفجوة الموجودة أصلًا بين النظام السياسي والشعب، التي كان من شأنها أن يعاني المواطن الإيراني أزمات معيشية واقتصادية خانقة، أزمات اضطرته إلى الخروج والتظاهر ضد النظام السياسي وسياساته الخارجية مرات عديدة، والتي جعلت لحلفاء “محور المقاومة” الذي تقوده إيران، الأولوية على حساب رفاهية الشعب الإيراني، ففي الوقت الذي يرفع فيه هذا النظام شعار الدفاع عن الفقراء والمستضعفين في الأرض، نجد أن المواطن الإيراني يعيش أوضاعًا اجتماعية بائسة اضطرته إلى الأكل من حاويات القمامة، أو اللجوء إلى ظواهر اجتماعية أصبحت مألوفة في إيران، وذلك من خلال تعاطي الحبوب المخدرة، من أجل الهروب من هذا الواقع المأساوي الذي يعيشه المجتمع الإيراني.
في ظل هذه الظروف الصعبة التي يعيشها المواطن الإيراني هل ستكون النتيجة إسقاط النظام الثيوقراطي الديني الشمولي الذي يقوده المرشد؟ أم ستكون هناك إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية عاجلة، قد تلجأ إليها الحكومة الإيرانية لاستيعاب الزخم الجماهيري الحاصل، أم سيكون الحل باستخدام السطوة الأمنية للحرس الثوري وقوات التعبئة العامة “الباسيج”، ليتطور الأمر بالاستعانة بميليشيات إيران في المنطقة، لضبط الوضع الأمني في إيران، خصوصًا إذا ما خرجت الأوضاع عن سيطرة الحكومة الإيرانية وأجهزتها الأمنية؟ أسئلة كثيرة تفرض نفسها الآن، وتحتاج إلى إجابات واضحة، لتكتمل الصورة عند المتابع والمتلقي.
الصراع بين نظريتين:
يعتمد المرشد الإيراني ” على خامنئي” على استخدام نظرية العدو الخارجي في الأزمات الداخلية، وذلك بهدف حشد الداخل، إذ وصف المحتجين في مرات عديدة ومنها أحداث تظاهرات ديسمبر 2017 بالعملاء، مهددًا إياهم بالإعدام، وما لبث أن طالب بإصلاحات اقتصادية جذرية وتحقيق ما يسمى بـ«الاقتصاد المقاوم»، وزعم المرشد الإيراني أن ما يحدث في بلاده من احتجاجات على فترات متباينة بالمؤامرة الخارجية تهدف إلى خلق فجوة بين النظام والشعب، مطالبًا الجميع بعدم الاستسلام، كما فعل على مدار السنوات الأربعين الماضية.
أزمات اقتصادية ضاغطة:
تظل الدعوات مكثفة تطالب روحاني بإجراء تعديلات وزراية هامة وتطبيق تغييرات في مناصب البلاد الاقتصادية، فوفق مدعي طهران العام فإن البرلمان الإيراني تقدم بشكوى ضد البنك المركزي، متهمًا إياه بالعجز وعدم قدرته على إدارة أزمة البلاد الاقتصادية، خاصة بعد تبعات الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي وتأثر الاقتصاد الإيراني، حيث أن الشعب الإيراني هو أكبر المتضررين ومن يدفع الثمن في النهاية، وإن لم يكن كامل الشعب فالطبقات البسيطة والمتوسطة -وهم المكون الأكبر للمجتمع الإيراني- هم للأسف من سيدفع ثمن أفعال صانعي القرار الإيراني، وهم من سيضطرون إلى مواجهة تحديات وضغوط إضافية في سوق العملة الصعبة ونقص الإنتاج، مما سينعكس على مستويات الأسعار، وهم من سيواجهون التباطؤ في التشغيل والتجارة والأعمال، مما سينعكس على معدلات البطالة والفقر وجودة الحياة، ولربما يحمل المستقبل إما مزيدًا من التدهور، حيث تراجعت إيرادات صادراتها بسبب العقوبات وكورونا، ويفرض عليها الواقع تصحيحاً لهذه الأوضاع الخطيرة، وهو أمر مرهون بمدى عقلانية ورشد صانعي القرار هناك وتقديمهم لمصلحة مواطنيهم على صراعاتهم الخارجية وأحلامهم العابرة للحدود.
خسائر حادة ومدمرة:
خسرت إيران نحو نصف إيراداتها من النفط والسياحة والتجارة والصناعات غير النفطية والخدمات. وتراجعت إيرادات صادراتها، خاصة من النفط بنحو أكثر من 80% بسبب العقوبات الأمريكية وتداعيات جائحة كورونا، فقد أضرت العقوبات والجائحة بالمصالح الإيرانية في العمق كما لم تفعل ذلك الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، وأحدثت اختلالات قد تظهر في الأمد القريب وتنعكس على استقرار النظام الإيراني.
وفي ظل تراجع الإيرادات فقد تواجه إيران نفاذ احتياطاتها المالية وتآكل ثرواتها السيادية على المدى المتوسط، وقد يتسارع ذلك إذا زادت عزلة النظام إقليمياً ودولياً واستمرت سياساته العدوانية، ومن المتوقع أن يزيد اهتمام الحكومة الإيرانية بتوفير موارد ضرورية لإنقاذ البلاد من الدخول في كساد قد يقود إلى فوضى اجتماعية، ومن المحتمل أن يكون ذلك على حساب انكماش الإنفاق على مخططات توسيع النفوذ الإيراني في المنطقة.
كورونا.. كان أكثر خطورة:
أثرت جائحة فيروس (covid 19) والتي أودت بحياة (58,256) ألف إيراني على الأقل من بين أكثر من 1.4 مليون حالة حسب البيانات الأخيرة التي وفرتها الناطقة باسم وزارة الصحة “سيما سادات لاري”، كإحصاء رسمي غير دقيق، عن مواطن ضعف كثيرة في النظام الإيراني وتوازناته المالية، والتي من المتوقع أن تؤثر سلباً وبشكل منقطع النظير على الاستقرار الداخلي السياسي والاجتماعي خاصة بعد تعرض البلاد إلى أكبر كارثة صحية وإنسانية منذ 1918.
وهناك دراسات تشير إلى أنه من المرجح أيضاً -في ظل تذبذب أسعار النفط وهو شريان اقتصاد إيران- أن تؤدي الجائحة إلى ظاهرة كساد قد تتسبب في عشرات الآلاف من العاطلين عن العمل، ناهيك عن زيادة عزلة البلاد وتقلص تدفق الاستثمارات.
وسجل قطاع الطاقة والسياحة والتجارة في إيران أكبر ضرر منذ 40 عاماً سيدفع إيران إلى إجراءات تقشف غير مسبوقة قد تؤدي إلى زيادة الاحتقان الشعبي الداخلي وسخطه على النظام المرتبك في إدارة تداعيات الجائحة المستمرة في الانتشار، ووجود شبه انهيار في البنية التحتية الصحية والاقتصادية، وبسبب زيادة معدلات الفقر والبطالة والتضخم قد لا يتحمل الشعب الإيراني مزيداً من الضرائب التي تعتبرها الحكومة الإيرانية بديلاً عن تراجع إيرادات النفط.
صعوبات التعافي:
تواجه صادرات النفط الإيرانية صعوبات في التعافي مستقبلا بعد الإصابة بفيروس كورونا. وحتى قبل اندلاع الجائحة، كانت صادرات النفط الإيرانية في انخفاض نتيجة العقوبات الأمريكية، ومن المرجح أن يتقلص نمو الاقتصاد الإيراني بنسبة (5% سلبي) خلال العام الجاري نظرًا لانخفاض الصادرات وارتفاع نسبة التضخم، ونتيجة تأثيرات جائحة كورونا، وذلك في ضوء توقعات صندوق النقد الدولي حول الركود العالمي الأشد خلال القرن المنصرم، انخفضت عائدات النفط الإيراني قبل جولة العقوبات الجديدة من 60 مليار دولار سنويًا إلى ملياري دولار فقط عام 2020، وسجل كذلك حجم أصول صندوق استقرار النفط الإيراني هو صندوق ثروة سيادي تراجعًا إلى نحو 24 مليون دولار، وفي تصريحات سابقة، فقد اعترف وزير الاقتصاد الإيراني “ديز باساند”، في وصفه للوضع الاقتصادي الحالي لإيران بأنه “ليس لإيران عائدات من النفط هذا العام!” وحتى لو ارتفع سعره وعادت صادراته إلى ما كانت عليه، لا تزال الأموال لا تصل إلينا بسبب العقوبات”.
كما شهدت إيران أيضاً احتجاجات للعديد من الموظفين والعمال في القطاعين العام والخاص خاصة في المنشآت الصناعية بسبب عجز الحكومة والشركات الخاصة عن دفع الرواتب والأجور نظراً لتدهور الوضع الاقتصادي جراء العقوبات الأميركية المستمرة، بالإضافة إلى أنه ظهرت نتائج دراسة استقصائية أن 78٪ من الأشخاص الذين فقدوا أعمالهم نتيجة لتفشي وباء كورونا لم يحصلوا على تعويضات من التأمين لأنهم كانوا يعملون بموجب قانون العقود المؤقتة، كما يصف بعض خبراء الاقتصاد أن موازنة إيران لعام 2021 بأنها ورقة من فشل كبير على مدار حكومات رفعت شعار الإصلاح ظاهريا، وأنها (الميزانية) ستنتهي إلى مزيد العجز.
كل هذه المشكلات تعاني منها الحكومة الإيرانية والتي تعكس تردياً في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بين شرائح المجتمع، بمثابة “نار تحت الرماد”، وقد تؤدي لخروج احتجاجات جديدة على غرار ما حدث العام الماضي، ويظل هو التحدي الأكبر الذي يواجه إيران، فقد جاءت تصريحات روحاني خلال الاجتماع الـ 182 للجنة التنسيق الاقتصادي، والذي أكد على أولوية إعداد لائحة الميزانية على أساس الحقائق الاقتصادية، بهدف الاستمرار في برامج تحقيق التنمية في البلاد وتحسين الاوضاع المعيشية خاصة لفئات ذوي الدخل المنخفض، خاصة في ظل تفشي فيروس كوفيدـ19، وأن إيران تعد البلد الأكثر تضرراً من هذا الوباء، ويبقى الأمل في اللقاحات التي وصلت أولى جرعات لقاح سبوتنيك-في الروسي المضاد لفيروس كورونا الخميس 4 فبراير إلى إيران، حيث وصلت أول طائرة تحمل لقاح كورونا الروسي حطت في مطار الإمام الخميني”، من دون أن تحدد عدد الجرعات التي تقلها، على أن سترسل الدفعتان الثانية والثالثة لجرعات اللقاح إلى طهران في 18 و28 فبراير الجاري على ما أوضح سفير إيران في روسيا “كاظم جلالي”، كما حظر المرشد الأعلى للجمهورية “علي خامنئي” في يناير الماضي استيراد اللقاحات المصنعة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قائلا “لا ثقة بهم”.