كيف يتزايد الدور الخيري في رمضان؟

أشرقت الجلاد

باحثة بوحدة دراسات مصر

تضافرت جهود الدولة المصرية من خلال أجهزتها وهيئاتها المختلفة مع جهود المؤسسات الأهلية، على أعتاب شهر رمضان الفضيل؛ لتسيرا جنبًا إلى جنب في مهمة قومية لرفع معاناة الفئات الأشد فقرًا وتخفيف حدة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على المواطن المصري في الشهر الكريم، فتوسعت الأدوار لتشمل العديد من الوظائف الاقتصادية، والاجتماعية، والطبية؛ التي تمثلت في مواجهة الأمراض المهددة لأمن المجتمع، فضلًا عن التكافل الاجتماعي الذي يعد جوهر العمل الخيري.

في ضوء ما سبق، يرصد التحليل الفواعل الأبرز في إطلاق وتنظيم المبادرات الخيرية، وأنماط العمل الخيري، وآليات ممارسة هذا العمل بالكفاءة المثلى لخدمة المواطنين، وتاثير ذلك على كفاءة التوزيع.

جهود مزدوجة:

التحالف الوطنى للعمل الأهلى يقدم دعما شهريا لمدة عام لـ400 ألف أسرة بتكلفة 2.4 مليار جنيه - اليوم السابع

شهدت الفترة الحالية إطلاق مجموعة من المبادرات الخيرية؛ بهدف تحقيق التكافل الاجتماعي، وتوفير الدعم لكافة المواطنين، وقد تعددت الفواعل التي تمارس هذا الدور، ومنها:  

أ ـ  فواعل تدعم وتواجه الفقر من أموالها ومن موازناتها الخاصة، دون أن تعلن عن نفسها، يصنف أغلبها ضمن أجهزة الدولة المصرية، أو يتبع بعض وزاراتها، وظهر دورها بكثافة خلال شهر رمضان الجاري، وتم رصدها على النحو التالي:

(*) جهاز الشرطة المصرية: أطلقت مراكز الشرطة و اقسامها على مستوى الجمهورية، مبادرة لدعم الأهالي من محدودى الدخل بكل دوائر المراكز وأقسام الشرطة؛ لتوزيع عبوات غذائية، بمناسبة قرب حلول شهر رمضان المبارك، حيث قامت وزارة الداخلة بالتنسيق مع مديريات أمن (السويس، الإسماعيلية، أسوان، البحيرة، الشرقية، الوادى الجديد، البحر الأحمر، دمياط، كفر الشيخ) بتوزيع المنتجات والسلع الغذائية على المواطنين الأشد فقرًا في تلك المحافظات، وفي سياق آخر، تواصل وزارة الداخلية فعاليات المرحلة الثالثة والعشرين من مبادرة (كلنا واحد) تحت رعاية  رئيس الجمهورية والتي تستمر حتى نهاية شهر رمضان لعام 2023 لتوفير كافة السلع الغذائية وغير الغذائية ايضا بأسعار مخفضة عن الأسواق بنسبة تصل إلى 60% بالمنافذ .

(*) القوات المسلحة: تقوم القوات المسلحة بتوفير السلع الأساسية بكميات كبيرة لتلبية احتياجات المواطنين فى شتى أنحاء الجمهورية، حيث قام جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بضخ المنتجات من كافة السلع  إلى السوق المحلى عبر 1200 منفذ متحرك و 212 منفذا ثابتا فى جميع المحافظات لضافة الى زيادة فى الكميات المعروضة بأسعار مناسبة للوضع الاقتصادي الحالي، وأيضا قامت هيئة الإمداد والتموين من خلال إدارتها التخصصية بتجهيز وتعبئة أكثر من مليون ونصف عبوة غذائية لطرحها فى الأسواق ودفعها إلى جميع المحافظات التي تقع فىي نطاق الجيوش الميدانية والمناطق العسكرية.

(*) وزارة التضامن الاجتماعي: وفرت وزارة التضامن توزيع كرتونة تكافل وكرامة يأتي في إطار التعاون المثمر من قبلها بالتعاون مع مؤسسة بنك الطعام المصري و تستهدف وزارة توزيع كرتونة رمضان على 20 ألف أسرة، إضافة إلى 10 آلاف أسرة بشكل احتياطي، وقامت وزارة التموين والتجارة الداخلية معا بمعارض أهلا رمضان 2023 في جميع محافظات الجمهورية ، بخصومات تصل إلى 30% على أسعار المنتجات الغذائية ، والتي تقدر بـ 100 منفذ موزعة في جميع أنحاء المحافظة ، حيث تم تجهيز 80 منفذا حتى الآن والباقي لا يزال قيد التجهيز في الأيام المقبلة.

(*) وزارة الصحة: قدمت وزارة الصحة نصائح للمرأة الحامل فى رمضان و حرص على الكشف خلال فترة الحمل وعلاج بالمجان ضمن مبادرة رئيس الجمهورية للعناية بصحة الأم والجنين، استخدام الأجهزة الخاصة بالكشف المبكر عن الإصابة بعض الأمراض مثل فيروس بي، فيروس نقص المناعة البشري، و مرض الزهري للسيدات الحوامل و ذلك من خلال مبادرة 100 مليون صحة التي هدفها للقضاء على فيروس سي والكشف عن الأمراض غير السارية من خلال تكليف كافة قطاعات الدولة بالمشاركة وفي مقدمتها وزارة الصحة والسكان بتقديم الدعم الكامل لتلك المبادرة للكشف المبكر عن الإصابة بفيروس سي والأمراض لأكثر من 50 مليون مواطن مصري.

ب ـ المؤسسات الأهلية: ترتكز جهود الجمعيات الأهلية في مصر على محور أساسي، هو تعبئة جهود الأفراد والجمعيات لإحداث التنمية في المجتمع، لصالح هؤلاء الأفراد والجماعات لحل مشكلاتهم والإسهام في تلبية الاحتياجات الإنسانية، الاجتماعية ، الاقتصادية للمجتمع و الاهتمام بميادين مختلفة مثل رعاية الأطفال، الأمومة، رعاية الأسرة، التنمية الاقتصادية للأسرة وتنمية الدخل، رعاية الفئات الخاصة والمعاقين و غيرها، من ابرز المؤسسات مؤسسة “صناع الخير للتنمية” وهى رائدة في مجال الرعاية والخدمات الطبية لغير القادرين وتقديم المشروعات التنموية، بالإضافة الى تقديم الخدمات الصحية المجانية لعلاج ومكافحة الأمراض الأكثر انتشارا لتوفير حياه كريمة لغير القادرين، و”جمعية رسالة” التي تهدف الى رعاية الايتام، خدمة المسنين، إيواء أطفال الشوارع، خدمة المكفوفين،  الصم و البكم و ذوي الاحتياجات الخاصة ، محو الامية ، معارض الملابس المستعملة ، التبرع بالدم ، مساعدات للمحتاجين ، قوافل الخير للقرى الفقيرة ، القوافل الطبية ، علاج الإدمان، اطعام المساكين، و”بنك الطعام المصري” الذى يهدف الى تأمين غذاء صحي للمستحقين بهدف التخفيف من معاناة الجوع من خلال القضاء على الجوع في مصر، التخصص في توفير احتياجات الغذاء للأشخاص الأكثر استحقاقاً ، استمرارية  توفير الغذاء على المستحقين على مدار السنين والحرفية في الوصول الي جميع محافظات مصر.

جـ ـ مؤسسات أنشأتها الحكومة، وترعاها إعلانيا، وتتلقى تبراعات وصدقات وأموال زكاة، وهذه المؤسسات تنافس بقوة مؤسسات العمل الخيري القديمة مثل مصر الخير وبنك الطعام والأورمان في عملية جمع التبرعات لأنها تلقى دعم من الدولة، ومثال ذلك صندوق ” تحيا مصر “، الذي يلقى رعاية ودعما من قبل مؤسسة الرئاسة، وهو له دور واضح في مكافحة ” فيروس سي” في مناطق الفقر.

أنماط متغيرة:

بـ«3 ألقاب في موسوعة جينس».. «تحيا مصر»: 2021 عام العبور للعالمية - الأسبوع

(-) الدعم النقدي: يرجع تنامي أفكار التحول إلى الدعم النقدي لتلافى سلبيات الدعم العيني الذي أنتج ما يُسمى بـ”المستفيد الدوار” الذي يتلقى الإعانات من جهات متعددة في ظل ضعف قواعد بيانات المستفيدين. وتتمثل أبرز الإسهامات في مجال الدعم النقدي فيما يقدمه برنامج تكافل وكرامة.

(-) الدعم العيني: يستند الدعم العيني إلى تقديم إعانات للمحتاجين والفقراء، مثل: الإعانات الغذائية، وموائد الرحمن فى شهر رمضان وإطعام غير القادرين، سواء بشكل شهري أو موسمي. فعلى سبيل المثال، قدر عدد من استهدفهم بنك الطعام المصري 25 مليون مواطن مستفيد في 3000 قرية مختلفة خلال عام 2022.

(-) تطوير القرى الأكثر احتياجًا: يُعد تطوير القرى الأكثر احتياجًا أحد أبرز مجالات العمل الخيري، ومنها -على سبيل المثال- حياة كريمة التي تستهدف الفئات الأكثر احتياجا في الريف المصري، والتي أسهمت في إنشاء 123 ألف وحدة، وإعادة بناء 8 آلاف منزل في عام2022. عن دور “الأورمان” في تجديد ألاف المنازل في 550 قرية مصرية من القرى الأكثر احتياجًا، وذلك بالتعاون مع صندوق “تحيا مصر”.

(-) العمل التطوعي: يقوم العمل التطوعي على بُعدَيْن أساسيين؛ الأول تطوع الأفراد في جميع أنشطة المؤسسات الخيرية، مثل جمع التبرعات العينية والنقدية من المتبرعين. أما البُعد الثاني فإنه يرتبط بالتطوع المؤسسي؛ حيث تقوم المؤسسة بإرسال فريق من موظفيها للتطوع في نشاط معين وفي أيام محددة بالاتفاق مع المؤسسات الخيرية.

(-) التدريب والـتأهيل والرعاية الصحية: حيث تهدف بعض المؤسسات إلى تدريب وتأهيل الفقراء، بهدف إكسابهم حِرَفًا تُساعدهم مستقبلا في التحول إلى فئات منتجة، ورعايتهم طبيًّا، مثل: تقديم خدمات العلاج، ومكافحة الأمراض الأكثر انتشارًا في المجتمع المصري.

أسباب متعددة:

خريطة مشروعات مصر | المبادرات

تتنوع أسباب انتشار العمل الخيري والتي تعود إلى عدد من العوامل يمكن إبراز أهمها في الآتي:

(#) تجذُّر قيم العطاء داخل المجتمع المصري: يُعد العطاء الخيري من القيم المتجذرة تاريخيًّا داخل المجتمع المصري، فإقبال الأفراد على التبرع لمؤسسات العمل الخيري، يُسهم في مساندتها باقي أشهر العام لتنفيذ أنشطتها التي تحتاج إلى ديمومة العطاء، وعدم اقتصاره على وقت محدد.

(#) تداعيات الازمة الاقتصادية العالمية: فقد تأثر الاقتصاد العالمي بأزمتين كبيرتين أولها جائحة كورونا، وثانيها بالحرب الروسية الأوكرانية، وكان هناك تداعيات أثرت على الأسواق المالية، حيث تم وقف حركة التجارة الدولية وتعطيل سلاسل التوريد، وغيرها من الآثار السلبية، ولم يكن الاقتصاد المصري بمعزل عما أصاب اقتصاد العالم حيث ضعف حصيلة النقد الأجنبي، والمتحقق لمصر عبر الكثير من الروافد، كالسياحة، وعوائد العاملين بالخارج، وإيرادات قناة السويس والاستثمار الأجنبي والصادرات من السلع المختلفة.

(#) انخفاض قيمة الجنية المصري أمام الدولار، والتغير في سعر الصرف، أدى إلى ارتفاع تكلفة استيراد السلع الأساسية والوقود، وتراجع الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، واضطراب حركة السياحة و ناتج عن ذلك ارتفع مؤشر التضخم في مصر حيث وصل لأعلى مستوى منذ 5 سنوات مدفوعا بزيادة كبيرة في أسعار المواد الغذائية وأغلب السلع والخدمات الأخرى، متأثرة بانخفاض العملة المحلية، وارتفعت أيضا أسعار المستهلكين بنسبة 4.7 بالمئة في يناير الماضي مقارنة مع 2.1 بالمئة في ديسمبر، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

آلية جديدة:

برلماني: مبادرة «كتف في كتف» ترفع المعاناة عن كاهل الأسر الفقيرة | بوابة أخبار اليوم الإلكترونية

 رأت الدولة المصرية ضرورة إيجاد آلية للتنسيق بين جهات العمل الخيري، والربط بينها، ومنع ازدواجية أنشطتها، وتحديد المستفيدين من الفقراء والمرضى والمحتاجين لضمان وصول التبرعات والخدمات إلى من يستحقها، لضمان كفاءة التوزيع.

و يتمثل تدخل الدولة فى عمل مبادرة “كتف في كتف” للتنسيق الجهود بين جميع المؤسسات و أطراف العمل الأهلي والتنموي للعمل تحت مظلة واحدة، بالتكامل مع جهود الحكومة والقطاع الخاص، لتقديم الدعم اللازم للأسر الأكثر احتياجًا بجميع محافظات مصر لتخفيف العبء عليهم من حدة الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية العالمية و لتقديم العمل الخيري لهم .

برغم تعدد وتنوع الجهات والمؤسسات التي تقوم بخدمات خيرية، واتساع دورها وتنوعه في مناطق الفقر في مصر، فإن غياب التشبيك والتنسيق فيما بينها يُترك فراغ اجتماعي في مناطق كثيرة، و لكن التنسيق بين جميع المؤسسات ساهم فى تحقيق الكفاءة التوزيع ليستفيد أكبر عدد من المواطنين فى مختلف المحافظات .

في النهاية، توسعت جهات العمل الخيري في مصر، وظهرت على ساحة العمل الإنساني العديد من المبادرات الهادفة، ولقد أسهمت الدولة والمؤسسات الأهلية بدور فاعل في تقديم المساعدات الخيرية من خلال أنماط مختلفة، ولضمان تحقيق كفاءة التوزيع ظهرت مبادرة (كتف في كتف) لتتضافر بها جهود الدولة والمؤسسات الأهلية في تحقيق الهدف المنشود من المبادرات بمختلف المحافظات والمناطق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى