لقاء مرتقب.. دلالات زيارة الرئيس الصيني للسعودية

أعلن الأمير “فيصل بن فرحان” وزير الخارجية السعودي، الخميس ٢٧/١٠/2022، عن زيارة مرتقبة للرئيس الصيني ” شي جين بينج” إلى المملكة، مما أثار عدد من التكهنات حول مغزى هذه الزيارة وتوقيتها، والتي تأتي في ظروف مضطربة بالعلاقات الدولية، التي يبدوا عليها الآن حالة من التقاربات المحسوبة. وعليه، ويحاول هذا التحليل الإجابة عن التساؤلات المثارة حول دلالات زيارة الرئيس الصيني المرتقبة للسعودية؟، ومدى تأثيرها في طبيعة العلاقات السعودية الأمريكية من جانب، وفي مستقبل العلاقات السعودية الصينية من جانب آخر؟.

محركات التقارب بين البلدين:

من المتفق عليه في حقل العلاقات الدولية، أن العلاقات بين الدول لا تسير على وتيرة واحدة، وفي هذا الصدد، كان الاقتصاد هو عنوان العلاقات السعودية الصينية؛ فرغم أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين تم تفعيلها في عام 1990، إلا أن العلاقات الرسمية بدأت في نوفمبر 1985، عندما انعقد أول اجتماع رسمي بين الصين والسعودية، وانطلقت العلاقات الاقتصادية وبدأ التبادل التجاري فعلياً، في عام 1988، حيث قفز التبادل التجاري بين الرياض وبكين من 3 مليارات دولار في عام 2000، إلى 67 مليار دولار في 2020، أي أنه تضاعف أكثر من 22 مرة خلال عقدين، حتى أصبحت الصين في الوقت الحالي الشريك التجاري الأول للسعودية.

وتعد الصين أكبر مستهلك للطاقة والمملكة العربية السعودية أكبر منتج للنفط، فقد صدّرت السعودية ما معدله 1.8 مليون برميل يوميا في نوفمبر 2021، متراجعة عن معدل 2.06 مليون برميل يوميا في نوفمبر 2020، ومع ذلك حافظت على تقدمها على روسيا التي بلغت صادراتها إلى الصين 1.67 مليون برميل يوميا بشكل مستقر، وهذه الكميات المهمة من الصادرات النفطية السعودية للصين، جعلت الميزان التجاري لصالح الرياض بـ11 مليار دولار، حيث صدرت للصين 39 مليار دولار، واستوردت منها 28 مليار دولار في 2020، بحسب بيانات موقع ITC Trade.

وتمكنت السعودية أيضا في أغسطس 2022، من إمداد الصين بما يقرب من مليوني برميل نفط يوميا، هذه الزيادة عكستها النسبة السنوية لارتفاع صادرات البترول التي فاقت ٥%، بعدما عززت الرياض مكانتها كأكبر مصدر للنفط عالمياً بمتوسط ٧ ملايين برميل يوميا، هذا قبل قرار الخفض الذي أعلنت عنه أوبك+ في أكتوبر2022.

ومن الواضح أن الرياض وبكين تتخذان من مرتكزات القوة التي تتمتع بها كلاً منهما، منطلقات أساسية لعلاقاتيهما، فالمملكة التي تتوسط ثلاث قارات، تمثل موقعاً استراتيجياً لإنشاء مركز إقليمي للمصانع الصينية، والذي يتعزز أكثر بتوافر سلاسل إمداد الطاقة، وهو القطاع الأبرز في معاملات البلدين، خاصة بعد ارتفاع صادرات النفط السعودية إلى الصين، والتي وصلت في يوليو 2022، إلى 1,54 مليون برميل يومياً.

كما شكلت زيارة الملك “سلمان بن عبدالعزيز” إلى الصين في 2017، نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين، باعتبارها أول زيارة رسمية لمسؤول سعودي إلى بكين، وجاءت عقب زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للرياض في 2016، وعلى هامش زيارة الملك “سلمان” لبكين وقّع الطرفان اتفاقيات بأكثر من 65 مليار دولار.

منطلقات جديدة:

لا يعد النفط، هو الدافع الوحيد للعلاقات بين البلدين، فهناك منطلقات أخرى لتعزيز فرص التعاون المشترك، أهمها:

(&) تنويع الشركاء الاستراتيجيين: يعد تراجع الدور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، من أهم محركات التقارب السعودي الصيني، خاصة مع مجيء إدارة الرئيس الأمريكي”بايدن”، الذي كان قد أعلن في برنامجه الانتخابي أنه سيحول السعودية إلى دولة منبوذة، مما دفع الرياض إلى الابتعاد نوعا ما عن الحظيرة الأمريكية؛ فاتجهت لتأسيس علاقات مع دول جديدة تشاركها رؤية ٢٠٣٠، التي تسعى لتنويع السلة الاقتصادية للمملكة، وتنويع مصادر الاقتصاد وعدم الاعتماد الكلي على النفط، أضف إلى ذلك ابتعاد إدارة “بايدن” عن السعودية بالتحديد، وتصريحها بأن قرار أوبك + الذي تتزعمه السعودية بخفض الانتاج النفطي؛ هو عمل عدائي ويخدم المصالح الروسية.

وتعاني الصين من الوضع الجيوسياسي العالمي، والذي يفرض استمرار هيمنة وسيطرة الولايات المتحدة على النظام الدولي، وتسعى بكين لتغيير هذه الوضعية من خلال خلق شراكات إستراتيجية جديدة؛ تقوم على استراتيجية رابح – رابح، فهي تأخذ ما تريد من موارد وخدمات وتمد الدولة الأخرى بما تحتاجه من تكنولوجيا وخبرات وتوطين للصناعات، خاصة وأنها تعد شريك مقبول لكونها تبتعد عن القيود والمشروطات السياسية.

بالمقابل تسعى الرياض إلى تنويع شركائها الاستراتيجيين، وتعزيز مجالات التعاون مع القوى الكبرى في العالم، لاسيما الصين وروسيا والهند، حيث تنامت العلاقات السعودية مع تلك الدول في الفترة الأخيرة، وهو ما يعكس رغبة سعودية في توازن علاقاتها بالقوى الكبرى خلال الفترة المقبلة.

في الوقت ذاته، أدركت الرياض أن بكين تمثل ملاذ أمن من تقلبات السياسة الأمريكية تجاه المملكة، وتخشى كذلك من تقلبات الدولار الذي يعد العملة الأساسية للاحتياطي النقدي السعودي، وبالتالي هناك حاجة لتنويع سلة العملات النقدية السعودية، وعدم قصرها على الدولار فقط، ويعد اليوان الصيني والروبل الروسي، من العملات المرشحة بقوة للاعتماد عليها إلى جانب الدولار.

(&) مبادرة الحزام والطريق: تلعب مبادرة الحزام والطريق دوراً مهماً في تأكيد التقارب المشترك بين البلدين، بعدما استحوذت السعودية على النسبة الأكبر من استثمارات مبادرة الحزام والطريق في مجال الطاقة؛ في الوقت ذاته كانت السعودية أكبر متلق لهذه الاستثمارات بنحو أربعة ونصف مليارات دولار.

وتسعى الرياض إلى الاستفادة من الإمكانات الصينية في مجال صناعة الفضاء والتقنية العسكرية والموانئ، وخاصة ميناء جازان الذي طورته الصين ضمن مبادرة الحزام والطريق، حيث اتجهت السعودية لاستبدال التقنية الأمريكية بالصينية؛ نظرا لأن التقنية الأمريكية مقيدة بالاستعمالات ولا تبيعها خالصة، ولكنها تبيعها مقيدة وعليها العديد من الشروط والقيود، بعكس الصين التي تبيع التقنية والمعرفة من خلال برامج التعاون وأيضا تعمل على توطين الصناعات وهو ما  يتوافق مع رؤية المملكة بحسب الاستراتيجية الوطنية للتصنيع التي أطلقها ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”.

(&) الطاقة النووية السلمية: تمتد المشاريع المشتركة بين الرياض وبكين إلى التعاون في مجال الطاقة النووية السلمية، ومساعدة المملكة على الدخول لمجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية والذي يمثل مسار جديد لبناء شراكة إستراتيجية شاملة بين البلدين، انطلقت فعليا عام ٢٠١٩، في إطار مجالات التنمية التي تشملها مبادرة الحزام والطريق الصينية، وهو ما ينسجم مع رؤية المملكة ٢٠٣٠، وأيضا لكون الصين أحد الدول الخمس الكبار ومن الدول دائما العضوية في مجلس الأمن الدولي.

وقد دفع التوجه العالمي نحو استخدام الطاقة النظيفة، إلى اتجاه السعودية نحو تعزيز فرص الاستفادة من الطاقة الخضراء، ولاستعانة بالخبرات الصينية في هذا المجال، حيث تعد الصين من أكبر الدول في مجال استخدام الطاقة الشمسية والطاقة النووية السلمية والهيدروجين الأخضر، وبالفعل تمتلك الصين خبرات كبيرة في مثل هذه المجالات وهو ما تسعى اليه السعودية في إطار مساعيها باتجاه تنويع مصادر الطاقة والاقتصاد وعدم الاعتماد على النفط وأيضا تحولها للطاقة النظيفة من صلب رؤية المملكة ٢٠٣٠.

(&) توطين الصناعات العسكرية: هناك تعاون متنام بين الرياض وبكين في عمليات التعاون العسكري والتصنيع الحربي، في ضوء مساعي الرياض تنويع مصادر السلاح لديها، لا سيما بعد مناقشة واشنطن مسألة فرض عقوبات على الرياض تتعلق بوقف إمدادات السلاح وقطع الغيار إلى الرياض؛ كعقاب لها على قرار أوبك + بخفض إنتاج النفط.

في الوقت ذاته، تسعى السعودية إلى توطين الصناعات العسكرية، مثل الدرون والصواريخ الباليستية، وأن تكون جزءا من مدخلات الصناعة الوطنية السعودية، ويعد ملف التعاون العسكري من أبرز الملفات المطروحة على أجندة الزيارة الصينية المرتقبة، فمن المتوقع أن تناقش وجود مناورات عسكرية وتدريبات مشتركة، إضافة إلى مساعدة الصين للرياض في عملية توطين الصناعات العسكرية، كما أعطت الصين الرياض مؤشرات حول تعاون مضاعف في منظمة شنغهاي للأمن والتعاون، وهو بدوره يعزز العلاقات ويوطدها أكثر.

استنادا إلى ما سبق، وبالرغم من أن الطاقة هي العامل الأبرز والحاكم للعلاقات السعودية الصينية، لكنها ليست الدافع الوحيد للتقارب بين الرياض وبكين، فهناك دوافع أخرى تدفع بتعزيز العلاقات أكثر بين البلدين، كما أن مساعي بكين لاستغلال توتر العلاقات بعض الشيء بين الرياض وواشنطن لبسط نفوذها الاقتصادي والتعاون مع المملكة والاستفادة من أهم حلفاء واشنطن، لكن في الوقت ذاته – برغم زيادة التقارب بين الرياض وبكين في الفترة الأخيرة- إلا أن علاقات البلدان لم تصل إلى مستوى العلاقة بين الرياض وواشنطن، فلا زالت العلاقات مع الصين لم ترتقي إلى مستوى العلاقات الاستراتيجية التي تشكل العلاقات السعودية الأمريكية، والتي تمتد إلى العديد من المجالات والملفات، خصوصاً الملفات الأمنية والعسكرية.

وبالتالي من الصعب فك الارتباط بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السـعودية، ولكن كل ما تسعى إليه المملكة، هو تنويع مصادر الإمداد، والحفاظ على عملتها من خلال سلة عملات وليس اعتمادها على الدولار فقط، وأيضا الاستفادة من الخيرات الصينية والتقنيات المتاحة لدى بكين، فضلا عن القيام بمناورة سياسية، تمكنها من تحقيق المزيد من المكاسب وإظهار عدم الخضوع لواشنطن، لدرجة التحكم في المصير .

بالنهاية، يمكن القول أن المملكة تمارس سياسة تنويع الشركاء الاستراتيجيين، فهي تسعى لتخفيف الاعتماد على الولايات المتحدة والاستفادة من الكيانات الاقتصادية الصاعدة وتنويع واكتساب العديد من الخبرات التى تساعدها في تحقيق رؤيتها ٢٠٣٠، مستغلة في ذلك إمكاناتها من موارد نفطية، وما يترتب عليها من ثروات، خاصة في هذه الفترة مع ارتفاع أسعاره، وأيضا تسعى الرياض لاستغلال موقعها الاستراتيجي؛ لتحقيق المزيد من المكاسب، ضمن مبادرة الحزام والطريق الصينية، والتي تمثل عامل بالغ الأهمية في تنامي العلاقات السعودية الصينية.

 

طه هلال

باحث بوحدة دراسات الخليج، حاصل على بكالوريوس علوم سياسية من جامعة بني سويف، مهتم بدراسة الشأن الخليجي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى