COP27.. رسالة مصر للعالم

عبد السلام فاروق- مفكر وكاتب مصري

تستقبل مدينة شرم الشيخ زعماء 197 دولة مشاركين فى قمة المناخ COP27 فى الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر الجاري كجزء من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخى.. وقد تم انتخاب مصر لاعتبارات حضارية وجغرافية ومناخية؛ فهى تتمتع بطقس مشمس وموقع مركزى وريادة إقليمية تاريخية عربياً وإفريقياً. لهذا يمثل المؤتمر فرصة نادرة لمصر لاستغلالها لصالح الدول النامية فى قضايا المناخ من أجل الضغط على الدول الصناعية الكبري للوفاء بتعهداتها بتقديم التمويل اللازم لتحقيق مختلف توصيات القمة بشأن مكافحة آثار التغيرات المناخية.

مصر لسان إفريقيا والعرب:

تؤكد التقارير أن التصحر والجفاف وارتفاع الحرارة تعدمن أسوأ آثار التغيرات المناخية ، وكلها تهدد أشد ما تهدد قارتنا السمراء التى تعانى مسبقاً من تلك المشاكل الكبري التى تهدد حياة الآلاف بالجوع والعطش والحر القاتل. وفى تقرير المنتدى الإنسانى العالمى لعام 2009 جاءت الإحصاءات لتؤكد أن الدول النامية وعلى رأسها الدول الإفريقية تعانى من 99% من الخسائر الاقتصادية المرتبطة بالتغيرات المناخية المتهم بإحداثها العالم الصناعى المتقدم، بينما لا تسهم 50 دولة نامية إلا بأقل من 1% من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى. ما يعنى أن التمويل الذى تعهدت الدول الصناعية الكبري بتقديمه للدول النامية ليس إلا اعتذاراً ضمنياً بالجريمة التى تسببت بها تلك الدول لنا على مدار عقود طويلة من حرق وقود وبث أدخنة وملء السماء بأطنان من أبخرة مصانع لا تتوقف ليلاً ولا نهاراً عن الدوران ، فلماذا نتحمل نحن تكلفة ما اقترفه غيرنا؟!

  يأتى فى مقدمة الرسائل التى ستطرحها مصر فى مؤتمر المناخ الضغط على الدول والشركات العالمية المشاركة فى المؤتمر لتحويل تعهداتهم الورقية النظرية القديمة بتقديم تمويل لا يقل عن مائة مليار دولار للدول النامية فى إطار تنفيذ بنود توصيات القمم السابقة والمؤتمر الحالى الخاصة بمكافحة التغير المناخى حتى تعمل جميع الدول والجهات لتحقيق تلك الغاية بشكل متناغم متزامن.

  لقد قدرت منظمة الصحة العالمية عدد ضحايا التغيرات المناخية منذ عام 1950 بنحو 160 ألف قتيل! أما عن الأضرار الاقتصادية فحدث ولا حرج؛ إذ تصل الأضرار فى بعض التقديرات خلال عام ونصف فقط إلى رقم يقترب من 300 مليار دولار كفاتورة تكبدتها مختلف دول العالم جراء الكوارث الناجمة عن تلك التغيرات الخطيرة خلال النصف الأول من عام 2022 والعام الذى يسبقه!

  مصر سبقت بمبادرات لزراعة الأشجار وتوسيع الرقعة الزراعية لمواجهة خطر التصحر شأنها فى هذا شأن دول ساحل المتوسط من الشمال الإفريقي وكلهم يواجهون مشكلة اتساع الصحراء وانسحابها إلى داخل المدن لتتآكل الرقعة الخضراء وتمتد على حسابها كف الرمال الصفراء ثقيلة الوطء. ومصر تعد من بين الدول الإفريقية الأكثر تضررا من جراء التغيرات المناخية باعتراف المنظمات الدولية ذاتها.

كيف أثر التغير المناخى على مصر؟:

طبقاً لأحدث دراسة بيئية تمت فى مصر أن درجات الحرارة سوف تواجه ارتفاعاً تدريجياً فى الحرارة خلال المائة عام القادمة مما سيؤدى لحدوث انكماش فى مساحة الرقعة الزراعية مع خلل فى توقيتات الدورات الزراعية بما يقلل الإنتاج الزراعى تزامناً مع زيادة سكانية متوقعة وهو ما سيؤدى لحدوث فجوة غذائية تتزايد مع الوقت. كذلك فإن التغير المناخى أثر على بعض أنواع الكائنات والأحياء البرية النادرة فى سيناء والمحميات الطبيعية.الأهم من هذا وذاك ما قد تواجهه مصر من خطر التصحر وتآكل الرقعة الزراعية بالإضافة لاحتمالية ارتفاع منسوب البحر بالسواحل الشمالية وهو ما قد يتسبب فى كارثة إنسانية محتملة.

  كل هذه المخاوف وغيرها ستكون على مائدة المؤتمر؛ وهو ما حدا بوزيرة البيئة لتخصيص أيام غير رسمية على هامش المؤتمر كل منها يناقش إحدى تلك الهموم المصرية والقضايا المناخية والبيئية العاجلة كالزراعة والطاقة والمياه والتنوع البيولوجى والتكنولوجيا والطاقة وخفض الكربون والمرأة والشباب والتمويل وصلة هذا كله بمشاكل مصر البيئية. وتتبنى مصر سياسات فاعلة فى هذا الصدد منها زيادة مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة وتعظيم كفاتها واستبدال الطرق القديمة بأساليب صديقة للبيئة فى بعض القطاعات الحيوية، والاتجاه للحد من انبعاثات غازات الانبعاث الحرارى، وتوسعة الرقعة الخضرا بالتشجير. هذا بخلاف الاستعدادات المسبقة للتغيرات المناخية المحتملة بتطوير البنية التحتية والخدمات المعاونة وبناء القدرات وإدخال التقنيات اللازمة لمواجهة تحديات المناخ القائمة.. غير أن كل هذا لا يمكن أن يتم بمعزل عن الجهود الدولية المتزامنة من أجل تحقيق أثر ملموس، كما أن مسألة التمويل ضرورية لتحقيق الغاية من هذا المؤتمر وما سبقه من مؤتمرات.

فاعليات واستعدادات:

  كل المؤشرات تؤكد أن قمة المناخ المصرية سوف تكون شاهداً على ما حدث من تطور فى مصرتحت قيادة الرئيس السيسي بشكل عام وفى مدينة شرم الشيخ بوجه خاص؛ فهناك استعدادات بالمدينة غير مسبوقة وطفرات ظهرت كأنها السحر.. كتطوير سقالة خليج نعمة وتشجير 10 آلاف شجرة ومضاعفة القدرة الاستيعابية للمنتجعات والفنادق والمواصلات. هذا بخلاف توسعة المطار ورفع كفاءة الخدمة الطبية لتشمل لانشات الإسعاف السريع وتحويل مستشفى شرم الشيخ الدولى لأول مستشفى أخضر مع رفع كفاءة العمل بها كماً وكيفاً. ولم تقتصر الاستعدادات على ما تم فى شرم الشيخ فقط بل فى مصر كلها..فعلى المستوى الدبلوماسي شارك عدد من سفراء الدول بمصر فى حملات ترويجية طرحوا فيها عدداً من الأفكار والحلول البيئية المبتكرة تحت شعار ” فريق أوروبا، متحدون من أجل المناخ” ، ومنهم سفراء بلجيكا وبلغاريا وكرواتيا وقبرص وألمانيا..

والواقع أن سائر المؤسسات والوزارات كان لها نصيب من المشاركة فى فاعليات المؤتمر المناخى الذى لا يتكرر مثله إلا نادراً.. لهذا قامت وزارة الشباب والرياضة برفقة جيرمى هوبكنز الممثل المقيم لمنظمة اليونيسيف بتخصيص قافلة توعوية للتثقيف البيئي بمختلف محافظات مصر. وحتى على المستوى الأكاديمى حدثت فاعليات مهمة منها ما تم ببعض جامعات مصر من نماذج محاكاة لمؤتمر المناخ كجامعة القاهرة وحلوان وأسيوط وغيرهم.

قمة القمم..هى الأخطر والأهم:

  لقمة المناخ الحالية أهمية عظمى تختلف عن كل سابقيها.. فمن ناحية أنها تمثل محصلة لعدد من التوصيات والنتائج والاتفاقيات التى لم يحدث منها إلا أقلها ، ومن المفترض أن تكون هذه القمة مفصلية فى تحويل التوصيات الورقية إلى واقع فعلى يتم عى الأرض. وأن يكون للدول النامية النصيب الأوفر من دعم الشركات الكبري والدول الصناعية. ومن ناحية أخرى أن القمة تأتى فى أعقاب معضلات وكوارث تعرضت لها مختلف دول العالم.. فمن جائحة كورونا إلى الحرب الروسية الأوكرانية إلى موجات الجفاف لأنهار أوروبا وأمريكا وموجات الاحترار والحرائق والفيضانات التى تواترت وتكثفت خلال الشهور الأخيرة بشكل غير مسبوق وكان النصيب الأكبر من الضرر الناجم عن الانقلابات المناخية قد جرى فى أوروبا ، ما يعنى أن مخاوف الدول المتقدمة باتت حقائق نراها رأى العين.

  سبب آخر يعظم من أهمية قمة المناخ الحالية هو الأزمة الاقتصادية العالمية التى تلقى بظلال داكنة على سائر مناحى الحياة، ومن المتوقع أن تحاول الدول المانحة التنصل من التزاماتها تجاه قضايا المناخ تحت زعم وجود أولويات أخرى، ولهذا تَحتم على مصر كمستضيفة للمؤتمر ولدورها الإقليمى المركزى إفريقيا وعربيا أن تضغط فى اتجاه تفعيل الوعود الدولية فى تمويل جهود مكافحة التغيرات المناخية فى الدول النامية ومنها مصر. فهل ستفى تلك الدول بوعودها المتكررة أم تتذرع بالحجج ودعاوى الأولويات؟

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى