نتنياهو يعترف.. إسرائيل في عزلة والإعلام آخر محاولات الهروب

في سابقة نادرة، اعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخراً بأن إسرائيل تواجه عزلة دولية متصاعدة، وأن عليها إنفاق الأموال على الإعلام العالمي لتحسين صورتها.

هذا التصريح لم يأتِ من معارضة إسرائيلية أو مراقب خارجي، بل من رأس الهرم السياسي، ما يكشف عمق الأزمة التي تعيشها تل أبيب نتيجة سلسلة من السياسات المتطرفة، والقرارات المتهورة، والانتهاكات المتكررة للقانون الدولي.

اعتراف نتنياهو يؤكد وجود أزمة داخلية وخارجية

تصريح نتنياهو ليس مجرد ملاحظة عابرة، بل يُعبّر عن إدراك داخلي بأن:

شرعية إسرائيل السياسية والأخلاقية تتآكل عالمياً، لا سيما بعد الجرائم المرتكبة في غزة، والتوسع الاستيطاني، وانتهاك المعايير الإنسانية.

الدعم التقليدي من الغرب بات هشاً ومتردداً، خاصة من بعض شرائح المجتمع المدني في أوروبا وأمريكا.

الرأي العام العالمي أصبح أكثر وعياً لطبيعة السياسات الإسرائيلية، ولم يعد يكتفي بالرواية الصهيونية التي كانت تهيمن على الإعلام الغربي لعقود.

كيف وصلت إسرائيل إلى هذه العزلة؟

1. العدوان المتواصل على غزة: الاستخدام المفرط للقوة، واستهداف المدنيين، وتدمير البنى التحتية بشكل متعمّد، كلها عوامل أدت إلى إدانات أممية وشعبية واسعة.

2. انهيار صورة الضحية: لسنوات، عملت إسرائيل على تصدير صورة الدولة الصغيرة المحاصرة، لكن الواقع الإعلامي الحديث فضح هذه الصورة وأظهر التفوق العسكري الهائل مقابل شعب أعزل.

3. التمادي في السياسات اليمينية المتطرفة: تحت قيادة نتنياهو، أصبحت إسرائيل أكثر تطرفاً عبر سن قوانين عنصرية، وشرعنة الاستيطان، والتضييق على الفلسطينيين في الداخل والخارج.

4. تجاهل القانون الدولي والمنظمات الأممية: تكرار رفض إسرائيل لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن بشأن القضية الفلسطينية، ورفضها الخضوع لتحقيقات، أفقدها احترام المجتمع الدولي.

نتنياهو يلجأ إلى الإعلام المأجور:

إقرار نتنياهو بضرورة تمويل حملات إعلامية لتغيير الصورة يعني أن:

١. إسرائيل أدركت أن الحقيقة تسبقها إلى الإعلام العالمي، ولم تعد الرواية الصهيونية مقنعة.

٢. هناك خسارة واضحة في معركة الرأي العام العالمي، خاصة في الجامعات، ومنظمات حقوق الإنسان، والمنصات الرقمية الكبرى.

٣. اللجوء للإعلام المأجور يعكس يأساً لا خطة فعّالة، لأن الصورة الذهنية التي تكونت عن الاحتلال يصعب تزييفها في عصر الشفافية والإعلام الحر.

توصيات إستراتيجية للأمة العربية: كيف نستثمر العزلة الإسرائيلية؟

1. تعزيز الحضور الإعلامي العربي والدولي: تمويل منصات إعلامية محترفة وموجهة للرأي العام الغربي بلغته وقيمه، لتكريس السردية الفلسطينية وتفكيك الأساطير الصهيونية.

2. تحريك الجاليات العربية والمسلمة: دعم حملات الضغط داخل برلمانات الدول المؤثرة، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا، عبر قنوات الجاليات والناشطين الحقوقيين.

3. التنسيق العربي الرسمي لتدويل جرائم الحرب: إنشاء فريق قانوني عربي موحّد يتولى رفع ملفات الجرائم الإسرائيلية أمام المحكمة الجنائية الدولية والهيئات الأممية.

4. الاستثمار في الدبلوماسية الإنسانية: تركيز الرسائل العربية على معاناة المدنيين، الأطفال، والنساء في غزة والضفة، وهو خطاب مؤثر يحرّك الضمير العالمي أكثر من البيانات السياسية.

5. عزل إسرائيل دبلوماسياً واقتصادياً: فرض ضغوط على الدول التي لا تزال تدعم إسرائيل دون قيد، وفتح مسارات مقاطعة اقتصادية ومدنية مؤثرة، على غرار تجربة جنوب أفريقيا.

حين يعترف نتنياهو بأن إسرائيل تعيش في عزلة، فإن ذلك اعتراف ضمني بفشل نهج القوة والغطرسة، وبأن الصورة التي حاولت تل أبيب ترسيخها لعقود قد تهاوت تحت ضغط الحقائق.

الفرصة الآن سانحة للعرب ليس للشماتة بل للاشتغال بذكاء، وتنظيم الجهود، ومواصلة فضح الاحتلال، والدفع نحو تحوّل حقيقي في المواقف الدولية تجاه القضية الفلسطينية.

لقد أصبحت إسرائيل محاصرة أخلاقياً، ومعزولة سياسياً، ومكشوفة إعلامياً، وما على العرب إلا أن يتصرفوا ككتلة واعية تُحسن استثمار اللحظة، وتعيد القضية إلى موقعها الطبيعي: قضية تحرر وكرامة وعدالة إنسانية.

لواء أحمد زغلول

اللواء أحمد زغلول مهران، مساعد مدير المخابرات الحربية الأسبق، وعضو الهيئة الاستشارية العليا لمركز رع للدراسات الاستراتيجية، وهو نائب رئيس حزب المؤتمر رئيس الهيئه العليا للحزب. كما أنه خبير متخصص في الشؤون العسكرية والأمنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى