غزة تحترق وخريطة إسرائيل الكبرى تُرسم بالدم

في قطاع غزة، لا يُقاس الوقت بالساعات، بل بعدد القذائف التي تسقط على المنازل. في كل لحظة يُقتل طفل، تفقد أم أبنائها، وتُدفن عائلة تحت الأنقاض. هذا ليس خيالاً، بل واقع تعيشه غزة منذ أكثر من عام، في ظل صمت عالمي مخزٍ وتواطؤ واضح.

الموت اليومي.. روتين غزة منذ سنوات:

أنا المواطن أحمد أبو يوسف من حي الشجاعية؛ دفنت والديَّ بيدي، وفقدت أشقائي الأربعة في لحظة واحدة. لم يتبقَّ لي إلا أطفالي الذين أُعِدُّ لهم وجبة من الخبز والماء، وأغطي آذانهم حين يسقط الصاروخ بجوارنا.

ما أقدمه هنا ليس مجرد مأساة شخصية، بل قصة متكررة يعيشها آلاف الفلسطينيين يوميًّا في القطاع المُحاصر.

الغذاء والماء في غزة .. بحثٌ عن الحياة وسط الركام:

الحصول على رغيف خبز أو لتر ماء نقي يُعد معركة؛ تنتظر النساء لساعات أمام نقاط التوزيع، ويُصاب الأطفال بالإسهال والأمراض نتيجة شرب المياه المالحة أو الملوثة.

لا طعام متنوع، لا حليب للأطفال، لا دواء، ولا رعاية صحية؛ حتى أبسط مقومات الحياة محرومة في غزة عمداً وبقرار سياسي.

كل مكان هدف.. لا ملاذات آمنة في غزة:

قُصفت المدارس والمستشفيات والكنائس والمساجد ومراكز الإغاثة، وحتى خيام النزوح. كل مكان قد يتحول في لحظة إلى مقبرة جماعية.

كل فلسطيني في غزة يعيش حالة نزوح داخلي يُجبر على الهرب من حيّه إلى آخر، فقط ليجد القذائف قد سبقت خطاه.

موت بطيء في المستشفيات.. بلا أدوية ولا كهرباء:

أصبح المستشفى في غزة محطة وداع لا للعلاج؛ مرضى السرطان يُتركون دون جرعاتهم، وجرحى الحرب يموتون على الأبواب، والأطباء يجرُون عمَلياتٍ بدون مخدرٍ كافٍ.

الأجهزة الطبية متوقفة، لا كهرباء كافية، ولا وقود، ولا حتى أكياس دم. يموت الناس، والعالم يتحدث عن هدنة إنسانية بلا مضمون.

المنظمات الدولية.. عيون ترى وقلوب لا تنبض:

رغم أن مشاهد الدمار تُبث للعالم لحظة بلحظة، فإن استجابة المنظمات الدولية لا تزال خجولة وباهتة وفاقدة للفاعلية. أين هي المواثيق؟ أين الحماية الدولية للمدنيين؟ أين الردّ الفعلي على جرائم حرب موثّقة بالصوت والصورة؟. فالصمت العالمي.. تواطؤ بغطاء قانوني، حيثكل دقيقة من الصمت الدولي تُمنح كرصيد للآلة الحربية الإسرائيلية. هذا الصمت شجّع الاحتلال على التمادي؛ فزاد القتل، واتسع التدمير، وتكررت المجازر. فالمجتمع الدولي اليوم شريك بالجريمة بصمته، وعاجز عن تمثيل القيم التي يتغنّى بها في المؤتمرات.

بالصوت العالي.. قادة الاحتلال يعلنون نواياهم بلا خجل:

في مشهد نادر في التاريخ، لم يعد الاحتلال يخفي نواياه، بل يعلنها صراحة على لسان قياداته، فذه تصريحات رسمية خطيرة:

  1. بنيامين نتنياهو: «لن تُقام دولة فلسطينية، ولن نُغادر غزة بعد الآن.»
  2. إيتمار بن غفير (وزير الأمن القومي): «الحل الوحيد هو إخراج الفلسطينيين من غزة… يجب تهجيرهم بشكل كامل.»
  3. بتسلئيل سموتريتش (وزير المالية): «من يستضيف قادة حماس سيكون هدفًا عسكريًا، ومن يُفكر في دعم فلسطين سيدفع الثمن.”

أما الترجمة الحقيقية لتلك التصريحا، فهي:

  1. إعلان نية لارتكاب تطهير عرقي شامل.
  2. إنهاء الحلم الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة.
  3. ترهيب الفلسطينيين في غزة لدفعهم نحو الهجرة القسرية.
  4. تهديد مباشر لدول ذات سيادة فقط لأنها تستضيف قيادات فلسطينية.

هذه التصريحات تُشكّل جرائم حرب معلنة، وهي تمهيد علني لخطة «إسرائيل الكبرى» التي تستهدف السيطرة الكاملة على فلسطين التاريخية وطرد سكانها الأصليين.

الضفة الغربية والقدس:

مستوطنات تنمو فوق الجراح، بينما تُدك غزة بالنار، تنفّذ إسرائيل مخططًا استيطانيًا غير مسبوق في القدس والضفة الغربية. وتتمثل الحقائق على الأرضفيما يلي:

  1. هدم مئات المنازل سنويًّا بحجج إدارية.
  2. منح امتيازات ضخمة للمستوطنين لبناء وحدات سكنية جديدة.
  3. سرقة الأراضي الفلسطينية بالقوّة الغاصِبة.
  4. اقتحامات يومية للمسجد الأقصى، وإجراءات تهويد متسارعة.

فالهدف الواضح، هو: القضاء الكامل على الوجود الفلسطيني الجغرافي والديموغرافي، وتكريس واقع استيطاني دائم لا رجعة فيه.

الدين لا يُقصف .. غزة تصلي تحت الرماد:

رغم تدمير المساجد والكنائس، لم يتوقف أهالي غزة عن أداء طقوسهم الدينية. المآذن المهدمة لم تُسْكِت صوت الأذان، والأجراس المتوقفة لم تُنهِ الصلاة.

هنا لم يُستخدم الدين للقتل كما يفعل المحتل، بل أصبح وسيلة للتشبث بالحياة والكرامة.

المساعدات لا تكفي .. لا نريد طعامًا بل كرامة:

المساعدات الطارئة التي تصل إلى غزة لا تكفي، ولا تُلبّي الحد الأدنى لاحتياجات البقاء. ما يُرسَل من غذاء لا يُقارن بما يُدمر من حياة.

الفلسطيني لا يريد صدقة، بل حرية وحق وعدالة. أين أنتم يا أمة المليار؟ أين الجيوش العربية والإسلامية؟ أين المواقف الموحدة؟ أين الشعوب؟ فلسطين لا تحتاج شعارات أو قمم تُعقد وتُنفض بلا أثر.

نحتاج قرارات حاسمة، خطوات فعلية، ووقفة جادة تليق بمكانة القدس وغزة والمسجد الأقصى في قلوب المسلمين.

التوصيات العاجلة:

  1. تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة في تصريحات قادة الاحتلال حول التهجير القسري.
  2. رفع الحصار فورًا عن غزة وفتح الممرات الإنسانية بشكل دائم.
  3. تحريك دعوى جنائية عاجلة في محكمة الجنايات الدولية ضد قادة الاحتلال.
  4. وقف فوري للاستيطان في الضفة الغربية والقدس، ومحاسبة المسؤولين عن هدم المنازل.
  5. فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على الحكومة الإسرائيلية.
  6. تكثيف واستمرار الدعم العربي والإسلامي للشعب الفلسطيني سياسيًا وإعلاميًا ومادّيًا.
  7. تنشيط حملة دولية شعبية وإعلامية لدعم غزة وكشف جرائم الاحتلال.
  8. رفض صريح لخطة «إسرائيل الكبرى» التي تستهدف اقتلاع الفلسطينيين من وطنهم.

لن نُغادر .. ولن ننكسر: غزة ليست جرحًا، بل نداءً  ليست مأساةً، بل مقاومة:

نحن لا نُقاتل من أجل الموت، بل من أجل الحياة. لا نُغادر أرضنا، لأن الأرض هي نحن، والمقاومة ليست خيارًا بل قدر.

كل بيت يُهدم، نبنيه بالإرادة.

كل طفل يُستشهد، نُقسم بالثأر له بالعلم والصمود.

كل لحظة صمت من العالم، نقابلها بصيحة كرامة.

أيها العالم:

إذا كان صمتكم هو قراركم، فإن كلمتنا هي البقاء. إذا كان تواطؤكم هو خياركم، فإن مقاومتنا هي عهدنا. وإذا كنتم تنتظرون نهايتنا فغزة والقدس والضفة تقول لكم نداءً من قلب الركام: هل من مُغيث؟

غزة لا تموت فقط بالقصف، بل تموت بصمت العالم، بتخاذل القريب، بتواطؤ البعيد. نحن لا نطلب صدقات، بل نطالب بحقوقنا الإنسانية. نُخاطب ضميركم، نُناشد قلوبكم، نُذكّركم بأنكم بشر مثلنا— فارفعوا هذا القهر، وقولوا كلمة حق في وجه هذا الاحتلال الغاشم.

هذا التقرير لا ينقل فقط يوميات فرد من غزة، بل هو صرخة من قلب كل فلسطيني؛ صرخة نكتبها بدماء شهدائنا، ودموع أمهاتنا، وآلام أطفالنا. العالم كله مسؤول، والتاريخ لا ينسى.

لواء أحمد زغلول

اللواء أحمد زغلول مهران، مساعد مدير المخابرات الحربية الأسبق، وعضو الهيئة الاستشارية العليا لمركز رع للدراسات الاستراتيجية، وهو نائب رئيس حزب المؤتمر رئيس الهيئه العليا للحزب. كما أنه خبير متخصص في الشؤون العسكرية والأمنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى