ماذا تقدم “روسيا” لـ “إفريقيا” بعد سان بطرسبرج؟

اختتمت الجمعة أعمال القمة الروسية الأفريقية المشتركة التي تهدف لتعزيز التعاون الاقتصادي بين روسيا والقارة السمراء، في وقت ازدادت فيه مخاوف الدول الأفريقية من التداعيات السلبية التي قد يتركها القرار الروسي بعدم تمديد اتفاقية الحبوب الأوكرانية، الأمر الذي قد يزيد من أوجاع القارة الاقتصادية.

وتعتبر هذه القمة هي الثانية التي تستضيفها روسيا بعد قمة سوتشي في 2019،وجاءت القمة الروسية الأفريقية في توقيت لافت وحساس على المستوى العالمي، في خضم الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، وانشغال روسيا بواجهة الهجوم الأوكراني المضاد، وعقب تعليق روسيا مشاركتها في اتفاقية الحبوب بأيام، الأمر الذي يشير إلى أن القارة الأفريقية تحظى بأهمية كبيرة على الأجندة الروسية، وأنه لازالت هناك ثقة في الحليف الروسي في القارة.فما هي مظاهر الاهتمام الروسي بالقارة السمراء ؟، وما مدى نجاحها في كسب تأييد الأفارقة؟.

ورقة قوية:

تعتبر القارة الأفريقية ذات أهمية كبيرة بالنسبة لروسيا بوجه عام، وتحديدا منذ حربها في أوكرانيا، هذه الأهمية التي جعلت من أفريقيا هدفا للدعاية الروسية مؤخرا، وذلك لعدة أسباب، منها:

  1. رغبة روسيا في الحصول على شرعية سياسية ودبلوماسية لحربها في أوكرانيا، بالذات وأن موسكو تواجه عزلة دولية شديدة منذ الحرب، وتعتبر القارة الأفريقية بإمكاناتها المحدودة وظروفها الاقتصادية المتواضعة بيئة مناسبة لتغلغل روسي بشكل مكثف. وقد يكون توطيد العلاقات مع روسيا باعتبارها دولة شبه مع منغلقة على حربها في أوكرانيا كان الهدف من جوالات سيرجي لافروف المكثفة للعواصم الأفريقية لكسب دعمهم قبل انطلاق القمة الإفريقية الأخيرة في سان بطرسبورغ.
  2. محاولة من قبل روسيا لإيجاد سوق بديل لمنتجاتها النفطية وغير النفطية بعيدا عن الأسواق الأوروبية، على إثر العقوبات التي فرضتها الدول الأوروبية على التعاملات مع روسيا بأنواعها. وذلك بهدف تصريف منتجاتها وضخ إيرادات جديدة هي في أشد الحاجة إليها طالما استمرت الحرب الأوكرانية.
  3. روسيا تحصل على مواد خام، لا سيما الذهب، في مقابل دعمها للحكومات الأفريقية، كما هو الحال في مالي وليبيا وأفريقيا الوسطى، وغيرها، وذلك من خلال الانخراط العسكري لقوات فاجنر، التي تقوي بدورها من النفوذ الروسي في القارة الأفريقية.
  4. كما تعتبر القارة الأفريقية سوق خصبة لصادرات الأسلحة الروسية، وقد ذكر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن روسيا كانت مصدر 44 ٪ من الأسلحة التي تم بيعها إلى الدول الأفريقية بين 2017 و2021.

وعليه، تحتاج روسيا لتوثيق العلاقات مع الدول الأفريقية، وتحديدا التي تعاني نقصا في الحبوب كمدخل، ولهذا تعهدت موسكو بتأمين شحنات حبوب روسية جديدة، وأيضا ضمان استقرار سوق الأسمدة باعتبارها من أهم منتجي الأسمدة في العالم، بما يعزز نفوذها في القارة. هذا دون إغفال الجانب العسكري، حيث تعتبر روسيا ثاني أكبر مصدر للسلاح في أفريقيا بعد الصين، متفوقة على الولايات المتحدة وفرنسا، حتى أصبح الوجود الروسي في أفريقيا ورقة هامة في مواجهة النفوذ الفرنسي تحديدا.

ماذا عن القوة الناعمة الروسية؟

لجأت روسيا خلال السنوات الأخيرة إلى تنويع استراتيجياتها لضمان تموضعها في دول معينة، بعيدا عن الوسائل العنيفة أو السياسية المعتادة، حيث كثفت بشكل كبير على من استخدام قوتها الناعمة لجذب مؤيدين أفارقة جدد.

فلجأت روسيا للأداة الدعائية، من خلال توظيف وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الحملات والبروباغندا الروسية، والتي ثبت نجاحها في بعض الدول، وبشكل خاص ما تفتقر منها لوجود صحافة حرة ومستقلة، وتنخفض بها نسبة الوعي بشكل كبير.

ومثال على ذلك، نشر قوات فاجنر لفيديوهات رسوم متحركة يظهر مقاتليها في مواجهة مباشرة مع جنود فرنسيين في شكل زومبي، وتم تصوير أحد الجنود الفرنسيين على إنه يقول إنه أحد “شياطين ماكرون ومالي بلدنا”. وذلك بهدف إذكاء المشاعر المعادية للغرب.

كما قامت شبكة “آر تي” الدولية المحسوبة على الحكومة الروسية بتوسيع تواجدها في أفريقيا، من خلال توقيع اتفاقيات ومشروعات إضافية بالتعاون مع مؤسسات إعلامية أفريقية، لنشر مواد إعلامية تبث مشاعر معادية للغرب، مثل مؤسسة Afrique Media ، مع وجود اتهامات أيضا لصحف أفريقية مثل صحيفة “ندجوني سانغو” وإذاعة ” لينغو سونغو” في جمهورية إفريقيا الوسطى بتلقي تمويلات روسية.

وما يساعد على أن تلقي السياسة الإعلامية الروسية في أفريقيا صداها في الشارع هو كون روسيا ليست قوة استعمارية سابقة، حتى أن الاتحاد السوفييتي كان يدعم حركات التحرر في العالم الثالث خلال الحقبة الاستعمارية.

كما بدأت تستخدم أساليب جديدة للدعاية لتثبت أقدامها في أفريقيا، من خلال تقديم الدعم لبعض المؤثرين والمعروفين ب ” الإنفلونسرز ” على مواقع التواصل الاجتماعي لجذب مؤيدين للحضور الروسي في القارة، وتحديدا من فئة الشباب والمثقفين، مما أثار الشكوك بأن هؤلاء يؤثرون لصالح الكرملين، مثل كيمي سيبا وفرانكلين نيميسا، وناتا ليامب.

فكيمي سيبا ( ناشط في الوحدة الأفريقية )، يقوم بعقد مؤتمرات ونقاشات في بيوبيني ( بلده في فرنسا ) مع الشباب، خصوصا المثقفين من الشتات الأفريقي،ويتابعه قرابة ٢ مليون شخصا على مواقع التواصل الاجتماعي. ويعتبر سيبا مؤسس قبيلة كاو وهي حركة راديكالية مستوحاة من حركة الفهود السوداء، وعبر في أكثر من مناسبة عن عدائه للفرانكفونية والنفوذ الفرنسي، حتى أنه قام بحرق الفرنك، وهو _ وفقا لتقارير غربية _ ما لفت نظر بريغوجين، وأشارت التقارير عن تلقيه دعم مالي من بروجين، وتصنفهم تقارير أمريكية على أنهم جواسيس وعملاء لدى بروجين.

وأعلن سيبا أكثر من مرة عن دعمه للانقلابين الأفارقة باعتبارهم موالين جدد للروس، كما حدث في  بوركينا فاسو ومالي، وحاليا النيجر، كما وجه تهديدات لرؤساء أفارقة حاليين أيضا، كما هو الحال في السنغال وقد ديفوار.

فرانكلين نيميسا، وهو أستاذ فلسفة في مدينة روان الفرنسية، من أصول إيفوارية، اعتمد  في أسلوبه على السخرية من السياسات الفرنسية في أفريقيا، كما يتهم فرنسا بتسليح وتمويل الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل، واعتاد على إظهار تعاطفه مع الكرملين وألكساندر دوجين المفكر الروسي المقرب من بوتن.

وفقا للمؤثرين فإن الحرب بين بوتن وبريجوجين ليست سوى ذريعة سياسية تخفي نواياها الحقيقية ضد الغرب، وبالتالي فإن الكرملين وبريغوجين يتمتعان برعاية مزدوجة من المؤثرين، وبخطاب الكراهية المباشر يمكنهم التأثير على بعض العقول.

تحديات واقعية:

رغم عوامل القوة العديدة التي يمتلكها النفوذ الروسي في أفريقيا، إلا أن الأمر لا يخلو من بعض التحديات، لعل أبرزها:

 تمرد فاجنر: وهي حادثة أربكت الكرملين إلى حد كبير خلال الأسابيع الأخيرة، ومن الممكن أن تؤثر في مستوى الثقة الأفريقية في موسكو وقدراتها بشأن توفير مزيد من الدعم والحماية للحكومات الأفريقية، خاصة وأن قوات فاجنر ووجوده في أفريقيا كان له باع كبير في اتجاه دول أفريقية نحو موسكو بدلا من الاعتماد على الشريك الأمريكي التقليدي فقط.

التنافس الصيني والغربي: يشكل التنافس الصيني والغربي _ لاسيما الولايات المتحدة وفرنسا _ أهم التحديات التي تواجه الحضور الروسي في أفريقيا، إذا ما أخذنا في الاعتبار امتلاك الأولى لعناصر القوة الشاملة إذا ما قورنت بروسيا،وباعتبار أفريقيا منقطة نفوذ تاريخية للثانية، ناهيك عن الاهتمام الصيني اللافت بالقارة الأفريقية على المستوى الاقتصادي والعسكري، حيث تعتبر بكين المصدر الأول للسلاح في القارة الأفريقية. كل هذا في ظل ضعف الإمكانات الروسية نتيجة لانهماكها في الحرب الأوكرانية منذ عام ونصف تقريبا.

تكلفة الدعم:ففي ظل التنافس الصيني الأوروبي والأمريكي على القارة الأفريقية، هناك العديد من علامات الاستفهام حول مدى قدرة روسيا على الحفاظ على موقعها أو الانخراط أكثر في شؤون القارة السمراء، بالذات في ظل استمرار الحرب الأوكرانية وما نتج عنها من كلفة عسكرية ومالية، الذي قد يؤثر على قدرتها في الوفاء بالتزاماتها تجاه القارة السمراء.

نجاح متدرج:

لاشك أن روسيا نجحت خلال السنوات الأخيرة في التواجد بقوة بأشكال مختلفة، وتحديدا الجانب العسكري، على الساحة الأفريقية، وقد ساعد على ذلك نجاح قوات فاجنر في التغلغل في دولها، كذلك بفضل أدواتها الدعائية في الترويج لأهمية التواجد الروسي، والأهم سخط بعض الدول على التواجد الفرنسي بها وآثاره على عملية التنمية.

وغالبا فالدول الأفريقية تميل في الغالب إلى التعاون مع روسيا، وليس الغرب، وهو أمر له خلفياته التاريخية منذ الحقبة الاستعمارية، وخلفيته الثقافية والاقتصادية أيضا، حيث لم ينعكس التواجد الغربي، والفرنسي تحديدا، على القارة بشكل إيجابي في أي مجال في غالبية الدول القارة، وبالتالي فهناك محاولات أفريقية للبحث عن بديلا خلافا للولايات المتحدة وفرنسا، بالذات وأن روسيا تقدم وعودا بمساعدة عسكرية واقتصادية وإنسانية.

وعلى سبيل المثال، روسيا لديها مجموعة من الموارد التي تزيد من نفوذها في أفريقيا وعلى سبيل المثال  محصول الحبوب الذي وعدت بتصديره لست دول بالمجان في غضون ثلاث أو أربع أشهر، ناهيك عن شحن ما بين 40 إلى 50 طن من الحبوب الى بقية الدول، وهي خطوة من المتوقع نجاحها في ظل توقف العمل باتفاقية الحبوب رغم اعتراضات الغرب. وهذه خطوة قد تشجع الدول الأفريقية على تعاون أعمق مع موسكو، وقد يكون ذلك بداية بالانضمام مثل هذه الدول _ الفقيرة تحديدا _ إلى الدب الروسي، كما من شأنها ان تعيد الثقة روسيا حال اهتزت بعد أحداث تمرد فاجنر.

مما دفع محللون للقول بأن الأمر لا يتطلب حتى منافسة من روسيا، حتى تقرر الدول الأفريقية تجديد شراكاتها، باعتبار أن التواجد الغربي في القارة الأفريقية منذ أكثر من خمسة عقود لم ينعكس على عملية التنمية تحديدا بأي شكل إيجابي، بل على العكس فإن فرنسا تتهم دوما بالهيمنة والفوقية.

ومع ذلك، يبدو ان التردد الأفريقي في الاتجاه نحو موسكو لازال حاضرا، حول ما إذا كانوا سينضمون للمعسكر الروسي في ظل التقاعس الغربي تجاههم، وتحديدا الدول الأفريقية التي عانت النفوذ الفرنسي، ويأتي هذا التردد من خلال المقارنة بعناصر القوة التي يمتلكها كلا المعسكرين، فأكثر الدول قربا وتماهيا مع الروس هي التي شهدت حضروا فرنسيا كبيرا وانقلابات عسكرية خلال السنوات الأخيرة، مثل مالي وغيرها. في حين يبدو التردد على غالبية العواصم الأفريقية.

وقد انعكس هذا التردد في عدة مواقف، أهمها؛ عدم الإجماع الأفريقي تجاه التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة الغزو الروسي على أوكرانيا في فبراير٢٠٢٢. الذي تجلى في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة في فبراير الماضي، على قرار يدعو إلى سلام شامل وسحب فوري للقوات الروسية، حيث امتنعت ١٥ دولة أفريقية عن التصويت.

كذلك في ثقل ومستوى الحضور المتفاوت لممثلي الدول الذين حضروا القمة الروسية الأفريقية في سان بطرسبرج، حيث لم يحضر سوى ١٧ رئيسا فقط من أصل ٤٩ دولة كانت ممثلة في القمة. الأمر الذي بررته روسيا بازدحام أجندة رؤساء المنطقة وتضارب موعد القمة مع ارتباطات أخرى، ومحاولات الغرب إثناء الزعماء الأفارقة عن الحضور من أجل مزيد من العزلة لروسيا.

ختاما، لا يزال المشهد ملتبسا بشأن رد فعل القوى الغربية لمواجهة التغلغل الروسي في أفريقيا، خاصة وأنه حتى الآن لم نشهد خطوة فعلية في هذا الشأن سوى انتقادات شكلية، ولكن بالتأكيد هناك انزعاج غربي من النفوذ الروسي في أفريقيا، خاصة وأن القمة تزامنت مع انقلاب في النيجر، أثار انتقادات فرنسا تحديدا في أرسلت انقلابات متلاحقة خلال السنوات الأخيرة.

وردة عبد الرازق

باحثة في الشئون الأوروبية و الأمريكية، كانت تعمل في مركز رع للدراسات رئيسة لبرنامج الدراسات الأوروبية والأمريكية. الباحثة حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، جامعة بنى سويف، الباحثة مهتمة بدارسة الشأن التركي ومتابعة لتفاعلاته الداخلية والخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى