الرجل المصري.. ضمير الأمة الذي لا يجوز المساس به

ردٌّ على تصريحات د. هبة قطب حول “لطافة الرجل في الحرام”
في عصرٍ تتداخل فيه المهنية مع الرغبة في الظهور الإعلامي، تخرج علينا بين الحين والآخر أصوات تحمل صفة “الخبير” أو “المتخصص”، لكنها تنجرف خلف موجة “الترند” والإثارة، متجاوزةً الخطوط الحمراء التي تحكم الخطاب العام المنضبط، وخاصةً في الأمور المتعلقة بالقيم والأعراف والمكونات الأخلاقية للمجتمع.
وقد فجّرت الدكتورة هبة قطب، التي تُقدّم نفسها بصفتها استشارية في الطب الجنسي والعلاقات الأسرية، جدلًا واسعًا بتصريحها في أحد البرامج التلفزيونية حين قالت إن “الرجل المصري لطيف جدًا في الحرام” في تعميمٍ غير منضبط ولا يستند إلى قاعدةٍ علميةٍ أو اجتماعيةٍ سليمة.
نص التصريح محل الجدل، قالت د. هبة قطب في لقائها الإعلامي (نصًا كما ورد في الفيديو المتداول): “الرجل المصري بيعرف يكون لطيف وحنون جدًا بس في الحرام، لما بيحب واحدة بره الجواز بيطلع أحلى ما فيه، لكن جوه الجواز بيبخل على مراته بالمشاعر دي.”
تحليلٌ أخلاقيٌّ ومعنويٌّ للتصريح:
1. التشهير المعنوي بطبقةٍ مجتمعيةٍ كاملة: إن التعميم بهذا الشكل يدخل في نطاق المساس بسمعة المواطن المصري، ويقع من حيث الوصف تحت بند التحقير العام لفئةٍ مجتمعية، وقد يتعارض مع قوانين النشر والإعلام التي تُجرّم بث الكراهية أو تقويض الثقة داخل الأسرة.
2. إشاعة ثقافة الشك في العلاقات الأسرية: من شأن هذا التصريح أن يترك أثرًا نفسيًا سلبيًا لدى النساء، ويخلق مناخًا من التوجس والريبة داخل البيوت المصرية، ويؤسس لفكرة أن كل رجلٍ صالحٍ في الظاهر وخائنٍ في الخفاء.
3. الخطورة على الأمن الاجتماعي: خطابٌ كهذا يُغذّي النزاعات الزوجية، ويفتح المجال أمام تبرير سلوكياتٍ خاطئة بدعوى أنها “طبيعة الرجل المصري”، وهو أمرٌ خطيرٌ يُنذر بتصدعاتٍ اجتماعيةٍ وأسرية.
4. تجاوزٌ لآداب المهنة الطبية والإعلامية: فآداب مهنة الطبيب تقتضي عدم الإفصاح عن أسرار مرضاه، إلا إذا كانت التجربة شخصية؛ ففي هذه الحالة يحق له أو لها شرح تجربته.
الرجل المصري •• نموذجٌ يُحتذى لا يُسخر منه:
من الإنصاف أن نقول: إن الرجل المصري هو الذي يتحمّل ضغوط المعيشة ويُضحّي بكل ما يملك لأجل أسرته.
وهو الزوج المحبّ الذي يعمل في الداخل والخارج من أجل أبنائه. وهو الجدّ الحنون، والأخ السند، والابن البار. مئات الآلاف من الرجال يسهرون الليالي لتوفير حياةٍ كريمةٍ لأسرهم في صمتٍ وكرامةٍ. فهل يُكافأ هذا الرجل بنعته بـ اللطيف في الحرام؟
علميًا ومنهجيًا •• أين الخلل؟
تصريحات د. قطب تفتقر إلى الآتي: لم تذكر إحصاءاتٍ رسميةً أو دراساتٍ منشورةً تدعم مزاعمها. لم تُفرّق بين السلوك الفردي والطبيعة العامة للمجتمع. لقد تجاهلت عوامل عديدة تؤثر في العلاقات الزوجية مثل الضغوط النفسية، والتربية، والثقافة، والتوافق العاطفي.
كما لم تُراعِ أن الإعلام ليس منبرًا للفضفضة أو التحليل السطحي، بل مسؤولية أمام الله والمجتمع والقانون.
التوصيات لضبط الخطاب العام:
1. دعوة الجهات الإعلامية إلى فرض رقابة على المحتوى المتخصص، لاسيما في مجالاتٍ حساسة كالعلاقات الأسرية.
2. حظر التعميمات التي تمس كرامة المواطن أو سلوكياته.
3. أهمية مراجعة السلوك المهني للضيوف الدائمين على الشاشات.
4. إخطار نقابة الأطباء لمراجعة التصريحات الصادرة من أعضاء يحملون لقب “طبيب مختص” خارج الإطار العلمي.
5. تفعيل الرقابة القانونية عند نشر آراء قد تُعد تحريضًا أو إهانةً جماعية.
رسالة إلى د. هبة قطب:
الشهرة لا تبرر الانفلات اللفظي، والحرية الإعلامية لا تعني إلقاء الأحكام العامة دون دليل. إذا كان حديثك مبنيًا على حالاتٍ فرديةٍ من عيادتك، فهذه لا تُمثل المجتمع ولا يجوز تعميمها. فالأَوْلى أن تبقى شخصية لا تُحمَّل على الملايين من الرجال.
إن الرجل المصري لا يحتاج شهادةً منك ليُثبت معدنه، فهو يُثبت رجولته كل يومٍ في أفعاله، لا في كلامٍ يُقال.
في النهاية، إن احترام الرجل ليس احترامًا لفردٍ فحسب، بل احترامٌ لمنظومة قيمٍ وأخلاقٍ وعطاء، ولبنيانٍ أسريٍّ قائمٍ على المودة والتكامل.
كل كلمة تُقال عن الرجل المصري تحكي عن: الأب الذي علّمنا النُبل، والزوج الذي ساندنا، والأخ الذي حمانا، والجدّ الذي ألهمنا.
ولذلك فإن كل خروجٍ عن هذا الإطار، تحت أي ذريعةٍ إعلاميةٍ أو تخصصيةٍ، مرفوضٌ قانونًا وأخلاقيًا ومهنيًا. فلنحمِ خطابنا العام من الانزلاق في منحدرٍ لا تُحمد عُقباه، ولنقدّر من يُحافظ على أسرته بشرف.
وليكن معيارُنا دائمًا: الكلمة مسؤولية وليست وسيلة إلى الترند.
وفي الختام، أتقدم بخالص الشكر والعرفان والتقدير لمعالي المستشار أسامة عيسى، المحامي بالنقض والإدارية العليا، مدير مكتب الأستاذ الدكتور يحيى الجمل القانوني سابقًا، على مراجعته القانونية لهذا المقال، حيث إن الهدف هو: التأكد من عدم وجود قذفٍ أو تشهير.
مراجعة الامتثال للقوانين والأنظمة المحلية والدولية. ومنع نشر معلوماتٍ كاذبةٍ أو مضللة. وضمان عدم وجود تحريضٍ أو خطاب كراهيةٍ أو عنصرية. وحماية الجهة الناشرة من المخاطر القانونية. والمساهمة في بناء محتوى موثوقٍ.