د. أبوالفضل الإسناوي يكتب.. مفهوم الوطن والدولة في فكر الشرفاء الحمادي

كشفت التظاهرات التي قامت بها عناصر جماعة الإخوان حول بعض السفارات المصرية في دول العالم، بالأخص في تل أبيب،- عن أن تنظيم الإخوان لديه كراهية غير محدودة، ولم تكن وليدة اللحظة تجاه الدولة المصرية، بل هي كراهية معمقة ومعلنة من قبل قيادات الجماعة التي لم تتخوف من الإعلان عن مشاعرها، فقد قال مؤسس الجماعة الإرهابية حسن البنا، “أننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة، وليس بالحدود الجغرافية”. وقال سيد قطب “ما الوطن إلا حفنة من تراب عفن”، وقال أحد قيادات الإخوان الهاربين” نحن لا نعترف بالوطنية، الوطنية على الجزمة القديمة، نحن لا نؤمن بالحدود”.
تلك المشاهر والمفردات السابقة التي تكشف عن حدود كراهية جماعة الإخوان للدولة المصرية والوطن المصري، وغيره من الأوطان العربية المستقرة، دفعتنا إلى البحث عن المفهوم الحقيقي للوطن في القرآن والإسلام عند المفكرين العرب، فلم يكن أمامنا، إلا أن تناول ونناقش التأصيل المنضبط علميًا لمفهوم الوطن والدولة الذي وضعه المفكر العربي على محمد الشرفاء الحمادي، فتعريفه للوطن لم يكن ردًا على جماعة الإخوان الإرهابية فقط، بل بمثابة طريق للأجيال الجديدة، هدف منه تعميق الولاءات الفوقية بالمقارنة بالولاءات التحتية، وهذا ما يرسخ مفهوم الدولة الوطنية عن الشباب والمتأثرين بالفكر المشوه.
فقد عرف الشرفاء الحمادي، الوطن بأنه يضم كل الذين ولدوا على ترابه، يقدمون أرواحهم في الدفاع عنه، والشعب مزيج من الديانات والمذاهب، يحتضنهم وطن واحد، يعيشون فيه، ويحافظون على أمنه واستقراره. معتبرًا الهوية من البديهيات، فلا محل للخلاف والمزايدة على ضرورة المحافظة على هوية الوطن.. لذا ما نعنيه أن الهوية وطن، أما الدين فهو عقيدة، يختار كل إنسان عقيدته بكل الحرية والاستقلال، ويمارس هذه العقيدة في حماية الدولة، وقد تكفل الدين الإسلامي بحماية كل الناس في أموالهم، وأعراضهم، وعقائدهم لأن الله سبحانه وتعالى اختص وحده بحسابهم، تأكيدًا لقوله تعالى: ‘وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ'”.
الجيوش الوطنية:
قال “الشرفاء” لو نظرنا لكل الحروب في الماضي، لم تكن إلا لصراع على السلطة وحب الدنيا، وكل طرف يدعي بأنه يدافع عن الإسلام، والإسلام لم يأمرهم بقتال الناس من أجل أن يدخلوا في الدين، فهم مجموعة استحوذ عليهم الشيطان وزين لهم أعمالهم، بالعمل بكل الوسائل للوصول للسلطة واغتصابها، مستخدمين الدين سلمًا للوصول إلى أهدافهم، وجماعة الإخوان وغيرها من الفرق المختلفة على مر التاريخ، وظفوا الإسلام في السياسة لتحقيق مآرب دنيوية. لقد حدث نفس الشيء في المسيحية عبر التاريخ، تمثل في الحروب الصليبية، وهي حروب استعمارية للاستيلاء على الثروات واستعمار الأوطان”.
حدود الوطن:
لقد قال “الشرفاء” إن “عقيدة الإخوان أن المجتمع المسلم في مصر، وغيرها من الوطن العربي، يعيشون في جاهلية، وهو مجتمع كافر. لذلك استغلوا المساجد لنشر دعوتهم الباطلة باستقطاب الشباب، وتوسيع قاعدة المنتمين لجماعة الإخوان في مختلف المحافظات بتخطيط جهنمي، مكنهم من التغلغل في الأجهزة الحكومية، بغرض خدمة أهدافهم السياسية والاقتصادية، والعبث بمقدرات الدول”.
ودلل الشرفاء على تغلغل الإخوان في جميع القطاعات، وذلك في وجهة نطره من أجل التحكم في مفاصل المجتمع، ونشر أفكارهم الفاسدة، إنشاء بنك فيصل الإسلامي في مصر عام 1976، على يد بعض عناصر الإخوان والمتحالفين معهم، حيث كان من بين أعضاء مجلس إدارته حينها؛ يوسف القرضاوي، عبداللطيف الشريف، يوسف ندا. ومن بين المؤسسين عمر عبدالرحمن المرشد الروحي لتنظيم الجهاد، حيث وجهت سياساته حينها لدعم الإخوان ليس في مصر فحسب وإنما في كل المنطقة العربية”.
خيانة الأوطان:
قال “الشرفاء” إنه منذ تأسست جماعة الإخوان عام 1928 على يد البنا، تم التعاون بينهم وبين المخابرات البريطانية عن طريق دعمهم ماليًا، حيث كان الهدف الرئيسي لبريطانيا وأمريكا مواجهة المد الوطني والقومي الذي اتخذ من شعار الحرية والاستقلال عن الاستعمار شعارًا”.
مفسرًا ما سبق من أجل تحقيق أغراض الاستعمار القذرة، وجدت بريطانيا في جماعة الإخوان المسلمين قوة مترابطة، وتنظيمًا متماسكًا، كذلك اعتمد فلسفة الماسونية طريقًا لبناء منظومته، فقررت الولايات المتحدة توظيف جماعة الإخوان المسلمين، لتنفيذ أجندتها في العالم العربي، ليتحقق لها السيطرة الكاملة على ثرواته”.
وأوضح الشرفاء أن “المخابرات الأمريكية جندت ‘سعيد رمضان’ نسيب البنا، وأطلقت عليه عميلًا في (السي أي إيه)، وساعدته أمريكا في محاولة الانقلاب على الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. كما تم الاعتماد على الجماعة لتوظيفهم في الحرب على الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، تحت شعار الجهاد في مواجهة الشيوعية الملحدة. وتشكلت نتيجة لذلك كثير من الفرق الضالة مثل تنظيم ‘القاعدة’ وجماعة ‘التكفير والهجرة’ الذين اتخذوا من الإسلام شعارًا ففرقوا وقتلوا الأبرياء، وأثاروا الفوضى في الوطن العربي، واتخذوا طريقًا لإسقاط الأنظمة، وانهيار الدول، بدعم غير محدود من أجهزة المخابرات الأمريكية التي تصب في مصلحة الصهاينة ودولة إسرائيل، ليتحقق حلمها من النيل إلى الفرات”.
وقال “الشرفاء” إن “موقف الإخوان أثناء الحرب العراقية الإيرانية المتعاطف تجاه إيران (رغم عداء الإخوان للشيعة)، بوصفها صاحبة الحق في نشر الإسلام، وفتح البلدان انتصارًا لله والمؤمنين، مقابل الكفار والطواغيت،- يعكس فكرهم المشار إليه. على العكس تعاون الإخوان مع المعارضة الإيرانية أيام حكم الشاه عام 1936 أثناء زيارة (سيد روح الله مصطفى الموسوي الخميني) إلى مقر جماعة الإخوان في مصر، وعقد لقاء خاص مع البنا يؤكد نفس الرؤية – تعاون الجماعة مع من يعادي الوطن”.
وكشف الشرفاء في كتاباته، حدود استحقار الجماعة لمفهوم الوطن (الدول المدنية)، واعتبار الاعتزاز والحفاظ على الحدود الوطنية وثنية، استجابة لرسائل مرشدهم الأول. فتجد من عناصر الجماعة من يعلن ذلك صراحة، مثل؛ “ناصف الدفراوي” القيادي الإخواني، يقول عبر صفحته على إكس: “أكبر عملية اغتصاب فكري حدثت بعقولنا؛ هي إقناعنا بأن الشجر والحجر والرمال والحدود الوهمية وطن. وأننا يجب أن نموت فداءً للأسلاك الشائكة التي رسمها سايكس بيكو.. وسموا الحظيرة بداخلها بالوطن.. وقاموا بإعطاء الأشخاص داخل الحظائر بطاقة الهوية والجنسية والقومية والعرق.. لكي يعرفوا الأشخاص تمامًا كما يصبغون الماشية لكي يعرفها أصحابها”.
وأوصى الشرفاء بالوطن وبحدود الدولة وكيفية الحفاظ عليه والدفاع عنه، مفسرا هذا من القرآن الكريم، فقد ذكر في القرآن بالدلالة عليه بلفظي (الديار، الأرض). قال تعالى: ‘قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا’ (البقرة: 246). ففي الآية بنو إسرائيل يسألون الله أن يكون لهم ملك يقاتلون معه، دفاعًا عن وطنهم، حين أُخرجوا من ديارهم. فجعل الله لهم ملكًا يقاتل معهم، ولم ينكر المولى عليهم رغبتهم في الدفاع عن وطنهم، لكنهم جبنوا ولم يقاتلوا. يستنبط من التفسير للآية أن مفهوم الدفاع عن الوطن، إن كان منكرًا في ذاته، ما كان الله استجاب لطلبهم بإعانتهم على الدفاع عنه، بل كان المولى عز وجل طلب منهم تصحيح نيتهم في القتال.
في ذات السياق؛ مدلول الوطن جاء بلفظ الديار في قوله تعالى: ‘لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ’ (الممتحنة: 8). لقد جعل الله الضابط في الآية الذي يوجب القتال بدء الاعتداء من الطرف الآخر، بالإخراج من الديار. بمعنى آخر؛ من لم يبدأ قتالك في وطنك يكون محرمًا عليك قتاله. جاء مدلول الوطن كذلك في قوله تعالى: ‘وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا’ (الإسراء: 76). فالخطاب موجه للنبي بأن الكفار سيخرجونه من وطنه.
في النهاية، يمكن القول إن جماعة الإخوان الإرهابية، هي تنظيم كاره للدولة المصرية وغيرها من الدول العربية المتماسكة، فهي تستبيح خيانة وطنهم الأصلي لصالح دول أخرى إذا اقتضت مصلحة الجماعة ذلك، فالأمثلة من التاريخ القريب والبعيد لا حصر لها، حيث تجد بعضهم، مثل صبحي صالح القيادي الإخواني، يصرح بقوله: “اللهم توفني على الإخوان”. فالجماعة لا ترى مانعًا من أن يحكم مصر مسلم من أي جنسية أخرى، فقد صرح مهدي عاكف بأنه “يفضل أن يحكم مسلم ماليزي على أن يحكمنا مسيحي مصري”.