مواقف متباينة: هل تستجيب الميليشات العراقية للتهديدات الأمريكية؟

عبرت بعض الفصائل العراقية المسلحة عن استعدادها للتفاهم حول مسألة نزع السلاح، وهذا وفقا للمراقبين بهدف تجنب خطر تصاعد حدة الصراع مع إدارة ترامب المتغطرسة، خاصة بعد تزايد الضغوط الأمريكية على وكلاء طهران وعلي القيادة العراقية معًا. يذكر أن بعض القوى العراقية رفضت نزع سلاحها، يٌعد من أبرزهم حزب الله العراقي.
تأسيسًا على ما سبق، يطرح هذا التحليل سؤال عن حجم التهديدات الأمريكية، وحدود خطورتها في ظل عدم استجابة بعض الفصائل المسلحة العراقية، مع قراءة مستوى التفاهمات بين الحكومة العراقية، وقادة الفصائل حول الاستجابة لنزع السلاح.
التهديد الأمريكي:
منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مرة أخرى، وجهت إدارته العديد من التحذيرات شديدة اللهجة إلى الحكومة العراقية، بشأن الميليشيات المسلحة في العراق والمدعومة إيرانياً. وقد تضمنت هذه التهديدات فرض عقوبات محتملة ضدها أو استهدافها بغارات جوية في حال لم يتم نزع سلاحها. يذكر أن هذه المجموعات قد تشكلّت في فترة الفوضي التي أعقبت الغزو الأمريكي للعراق في 2003، بدعم وتدريب إيراني، وباتت ذات ثقل عسكري مؤثر كما لو أنها جيش نظامي. ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة في أكتوبر 2023، شنت هذه الميليشات عدد من الهجمات بطائرات مسيّرة وبعض الصواريخ ضد الاحتلال الإسرائيلي ضمن إطار “محور المقاومة” في المنطقة ودعماً لحركة حماس الفلسطينية، بالإضافة إلي توجيه عدد من الضربات للأهداف والمصالح الأمريكية داخل الأراضي العراقية، وعلي الحدود مع كل من سوريا والأردن. وبعد انهيار غالبية الأذرع الإيرانية في المنطقة تباعاً، يبدو أنه وفقًا للإدارة الأمريكية جاء الدور علي الميليشيا الشيعية المسلحة في العراق لتعلن استسلامها وخضوعها لسلطة بغداد لا لسلطة طهران.
ووفقاً لتصريحات بعض المسئولين في الحكومة العراقية، أنه خلال الاتصالات التي أُجريت بين رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ووزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث، في منتصف مارس الماضي، قال فيها الأخير أنه “عليهم منع الفصائل المسلحة في العراق من تنفيذ هجمات انتقامية على قواعد إسرائيلية وأمريكية في المنطقة دعماً لحلفائها”. وجاء ذلك عقب الضربات الأمريكية التي وجُهت لتنظيم الحوثي في اليمن. وفي تصريحات للتلفزيون العراقي من قبل أحد مستشاري رئيس الوزراء العراقي السابقين، قائلاً إن “الولايات المتحدة تضغط على القيادة في بغداد منذ فترة طويلة لنزع سلاح الفصائل الشيعية المسلحة، ولكن واشنطن ربما لا تقبل الرفض هذه المرة، وإن لم نستجب تلقائياً وذاتياً قد يُفرض الأمر علينا من الخارج وبالقوة”. يذكر أن بعض المسئولين في إدارة ترامب الحالية، أبلغوا بغداد بأنه ما لم تتخذ إجراءات لحل الفصائل النشطة على أراضيها، فإن واشنطن قد تستهدفها بغارات جوية.
موقف الفصائل:
بدأت المناقشات تدور بين رئيس الوزراء العراقي وعدد من قادة تلك الفصائل المسلحة، وفقاً لما صرّح به بعض المسئولين في الحكومة العراقية، وأن هذه المناقشات قد وصلت إلى مرحلة جيدة من قبول هؤلاء القادة لتفاهمات محددة حول نزع السلاح الخاص بهم، وأن بعض الفصائل قد اخلت مقراتها الرئيسية بالفعل وقلصت إلى حد ما تواجدها العسكري في المدن الكبرى مثل الموصل والأنبار. وصرح فرهاد علاء الدين، مستشار رئيس الوزراء للعلاقات الخارجية رداً على استفسارات حول محادثات نزع السلاح إن “رئيس الوزراء ملتزم بضمان أن تكون جميع الأسلحة في العراق تحت سيطرة الدولة من خلال حوار بناء مع مختلف الجهات الفاعلة الوطنية”. ولكن المؤكد حتى الآن أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بين الحكومة العراقية وبين قيادات الفصائل لنزع السلاح بشكل نهائي، وأن المسألة ما زالت قيد النقاش حتى اللحظة الراهنة، كما أن الخيارات المطروحة تشمل تحويل تلك الفصائل لأحزاب سياسية أو دمجها في القوات المسلحة العراقية. ومصير أي عملية لنزع السلاح بشكل تام غير واضح، لكن الجديد في هذه المناقشات أنه للمرة الأولى تبدي الفصائل الشيعية المسلحة استعدادها للامتثال للضغوط الغربية. وربما أن هذه المرونة التي تبديها بعض تلك الفصائل، نابعة من الموقف العصيب الذي يمر به محور المقاومة وحلفاء طهران في المنطقة بشكل عام.
وعلي الجانب الآخر يأتي الرفض حول نزع السلاح نهائياً وعدم الرضوخ للضغوط الخارجية، رغم تهديدات ترامب الفجة، حيث أن كتائب حزب الله العراقي ترفض نزع سلاحها وتؤكد أنه جزء أساسي من استراتيجيتها في مواجهة أية تهديدات، سواء كانت من قبل القوات الأمريكية أو أية أطراف أخرى، في وقت يواجه فيه العراق تحديات كبرى بسبب المتغيرات الجيوسياسية في المنطقة. وفي تصريحات نقلتها وكالة “رويترز” عن كتائب حزب الله، أكدت فيها “رفضها لنزع السلاح جملة وتفصيلاً”، وأصرت “على موقفها الثابت في الحفاظ على سلاحها كجزء رئيسي من استراتيجياتها العسكرية والسياسية في البلاد”.
وعلى الرغم من حجم التهديدات الأمريكية هذه المرة، وخطورتها التي قد تلحق بالعراق، إلا أن حزب الله العراقي، أعلن بشكل رسمي تمسكه بسلاحه ورفضه التام لأية إملاءات أو ضغوط خارجية، ويعتبر أن هذا حقه في المقاومة. وربما يعكس هذا الرفض أيضاً صورة للمشهد السياسي الداخلي في العراق، حيث أن بعض الفصائل تجد في سلاحها أداة هامة للبقاء في الساحة السياسية والترتيبات الأمنية، وليس مجرد وسيلة للدفاع عن مصالحها.
أما عن موقف إيران الداعم الرئيسي لحزب الله العراقي، فيبدو أنها لن تسمح بتقويض نفوذها في العراق من خلال إضعاف هذه الكتائب المسلحة وتخليها عن سلاحها، خاصة بعد انهيار معظم أذرع الأساسية في المنطقة، ولكنها في المقابل قد تناور بمنع هجمات واسعة النطاق على الأهداف والمصالح الغربية. وقد تحدثت عدة تقارير إيرانية عن توجه طهران لتجنيب بغداد تداعيات تصاعد حدة التوتر مع واشنطن، حيث اجتمع عدد من المسئولين في الحرس الثوري الإيراني، ببعض من قيادات الفصائل في الحشد الشعبي العراقي وبحضور مسئولين في الحكومة العراقية لمنع أية هجمات على المصالح والقواعد الأمريكية في البلاد، ووصل الأمر إلي درجة التهديد باتخاذ إجراءات قانونية بحق من يخرق هذا التوجه.
في النهاية، يمكن القول إن الحكومة العراقية تمر بموقف صعب، ما بين التعامل مع الضغوط والتهديدات الأمريكية من جهة، واحتواء الفصائل الشيعية المسلحة من جهة أخرى. وتبقي الغاية الكبرى هي حفظ أمن واستقرار العراق، في ظل ما يعانيه الإقليم من توترات. ومع وجود مخاوف حقيقية من تفاقم الأوضاع الأمنية في البلاد في حال لم تستجب تلك الفصائل لتعليمات الحكومة أو حتى التوجه الإيراني المعلن من قبل الحرس الثوري في التعامل مع المصالح الأمريكية.