لماذا تصاعد نفوذ حركة 23 مارس في الكونغو؟

فوزية صبري-باحث مشارك
شهد منتصف فبراير الماضي توسع غير مسبوق لحركة 23 مارس المسلحة والمعروفة باسم إم 23 بسيطرتها على مدينة بوكافو -ثاني أكبر مدينة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية– ويأتي ذلك عقب رفض حكومة كينشاسا إجراء مباحثات مباشرة مع الجماعة المسلحة.
تعد حركة إم 23 واحدة من ضمن أكثر 100 جماعة مسلحة تقاتل الجيش في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتعود جذورها إلى المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب وهي ميليشيا تكونت عام 2006 من جنود من التوتسي الكونغوليين المتمركزين في مقاطعة شمال كيفو.
جدير بالذكر أن الحركة تأسست رسميًا في عام 2012 على يد قوات متمردة منبثقة عن فشل عملية التفاوض عام 2009 بين المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب (CNDP) والحكومة الكونغولية الذي دعا إلى دمج مقاتلي التوتسي في الجيش، وحماية الأقليات، بالإضافة إلى التوزيع العادل للموارد. في أواخر عام 2012 سيطرت الحركة على أراضي في مقاطعة نورد كيفو وعاصمتها جوما، فضلًا عن تصاعد أعمال العنف حيث شاركت الحركة بين عامي 2012 و2013 في أكثر من 20% من جميع أحداث العنف السياسي في جمهورية الكونغو الديمقراطية، بالرغم من ذلك تمكت القوات المسلحة لكينشاسا وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في نوفمبر 2013 إلى إلحاق خسائر فادحة بالحركة واستسلام زعيمها وانسحاب أعضائها إلى روندا وأوغندا.
في أعقاب هزيمة الحركة تراجعت أحداث العنف السياسي حتى عام 2021، ولقد عادت الحركة كجهة فاعلة في الصراع وزادت نشاطها بنحو ثلاثين ضعفًا في عام 2022 مقارنة بالعام السابق مما جعلها ثاني أكبر جماعة مسلحة غير حكومية نشاطًا في جمهورية الكونغو الديمقراطية والأولى في مقاطعة شمال كيفو.
سياقات التصعيد
يمكن الوقوف على تطورات الصراع في شرق الكونغو على النحو التالي:
(*) تصعيد عسكري غير مسبوق: مع بداية العام الحالي شنت حركة 23 مارس عمليات عسكرية مكثفة أسفرت عن سيطرتها على مدينة جوما في أواخر يناير الماضي وتعد جوما أكبر مدن شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية وأخر معقل للقوات الحكومية مع رواندا، كما أنها تتمتع بالعديد من الموارد الطبيعية؛ مما يمكن الحركة من استغلالها للحصول على تمويل، كما يجب الإشارة إلى أن الحركة منذ أكثر من عام تسيطر على منطقة روبايا لتعدين الكولتان حيث تدر نحو 800 ألف دولار شهريًا. كما نتج عن تلك العمليات مقتل 17 من قوات حفظ السلام الأجنبية وعلاوة على ذلك هاجم مواطنون كنغوليين السفارات الأجنبية في كينشاسا نتيجة لفشل المجتمع الدولي في وقف القتال.
كما تمكنت الحركة من السيطرة على مدينة بوكافو_ ثاني أكبر مدينة في شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية- في منتصف فبراير الماضي– ويأتي ذلك عقب رفض حكومة كينشاسا إجراء مباحثات مباشرة مع الجماعة المسلحة؛ وعليه نستنتج تفوق القوة العسكرية للحركة وتنامي الدعم اللوجيستي والعسكري الذي تحصل عليه.
كما يجب الإشارة إلى أن عدد القتلى وصل إلى حوالي8500 شخص منذ تصاعد القتال في أواخر يناير الماضي.
(*) عوامل العودة: عادت حركة إم 23 كجهة فاعلة في الصراع مع قوات جمهورية الكونغو الديمقراطية بسبب عدة عوامل رئيسية أبرزها:
- التوترات العرقية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ حيث تتكون الحركة بشكل أساسي من التوتسي الكونغوليين الذين يعانون من اعتداءات وتهديدات في شرق البلاد وعلاوة على ذلك عجز الحكومة عن التنفيذ الكامل لاتفاقية السلام 2009.
- الدعم الرواندي؛ حيث تتواجد رواندا عسكريًا ولوجستيًا في الكونغو ويوجد بها حوالي 3000: 4000 عسكري رواندي يقاتلون بجانب قوات 23 مارس في شرق الكونغو الديمقراطية.
- ضعف وتراجع قدرات حكومة جمهورية الكونغو في مقابل تنامي قدرات حركة، وعلاوة على ذلك عجز القوات الأممية (مونوسكو) على منع التصعيد العسكري للحركة.
- أهمية الاقتصادية للمنطقة؛ حيث تمتك جمهورية الكونغو 80% من إجمالي الاحتياطات العالمية من معدن الكولتان الذي يستخدم في صناعة المفاعلات النووية ومحركات الطائرات والصواريخ، كما أنها تمتلك الذهب والتانتاليت. بالإضافة إلى ذلك تسيطر الحركة على بوناجانا الحدودية الواقعة بين جمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا، وأيضًا روتشورو وماسيسي التي تقع بالقرب من حدود روندا وتمثل تلك المناطق حركات مرور ضحمة للشاحنات التجارية مما يمكنها من جمع ضرائب غير رسمية.
(*) الأطراف الفاعلة وتأثيرها على الصراع: تسعى حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى محاصرة حركة 23 مارس وتقويض نفوذها لكنها تواجه صعوبات تتمثل في تنامي نفوذ الحركة والدعم الذي تحصل عليها من الدول المجاورة، وحتى الآن ترفض جمهورية الكونغو الديمقراطية التفاوض مع حركة 23 مارس رغم العديد من الضغوط الدولية عليها، لكنها ترحب بالتفاوض مع رواندا التي تتهمها بدعم الحركة. يجب الإشارة إلى أن جمهورية الكونغو الديمقراطية أغلقت مجالها الجوي أمام الطائرات القادمة من رواندا.
وتتهم جمهورية الكونغو الديموقراطية والأمم المتحدة والعديد من الدول روندا بدعمها للحركة وتتباين التقييمات حول حجم هذا الدعم، وتنفي الحكومة الرواندية باستمرار وجود أي دور لها في تأسيس الحركة وإدارتها بشكل مباشر، وبالرغم من ذلك لا يمكن استبعاد دعم روندا للحركة نظرًا للعلاقات التاريخية القوية بين روندا وجنود المؤتمر الوطني للدفاع. بالإضافة إلى ذلك رغبة روندا في حماية الأمن القومي حيث أنها تتهم جهورية الكونغو الديمقراطية بتوفير الملجأ والحماية للقوات الديمقراطية لتحرير رواندا، وعلاوة على ذلك تأمين مصالحها الاقتصادية حيث يتمتع شرق جمهورية الكونغو بكميات كبيرة من الذهب، ويجب الإشارة إلى ارتفاع صادرات روندا من الذهب الكونغولي من 1% عام 2014 إلى 47% خلال عام2020.
وعلى صعيد الدور الإقليمي أعلن الرئيس الأوغندي ’’يوري موسيفين‘‘، أن قوات بلاده المنتشرة في الكونغو الديمقراطية؛ تستهدف محاربة القوات الديمقراطية المتحالفة وحماية مشاريع البنية التحتية، وليس مواجهة متمردي حركة 23 مارس. وشدد على ضرورة حل النزاع بين الحكومة الكونغولية والمتمردين عبر المفاوضات، مؤكدًا نشر قوات إضافية في مقاطعة إيتوري لمنع العنف العرقي.
وأرسلت بوروندي كتيبة إضافية إلى شرق الكونغو الديمقراطية؛ من أجل مساعدة الجيش الكونغولي في التصدي لحركة 23 مارس، ويجب الإشارة وجود 16 كتيبة بوروندية منتشرة حاليًا في جنوب كيفو، كما أرسلت نحو 10000 جندي منذ أكتوبر 2024. كما أعلنت بوروندي استقبال 10000 لاجئ كونغولي في السابع عشر من فبراير الماضي.
(*) الموقف الإقليمي: عقدت دول شرق إفريقيا ودول تنمية إفريقيا الجنوبية اجتماعًا في 24 فبراير الماضي لمناقشة التطورات الميدانية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وقد تم تعيين ثلاثة زعماء سابقين لعملية السلام في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية وهم ’’كينياتا‘‘ من كينيا، ’’أوباسانجو‘‘ من نيجيريا، ’’ديسالين‘‘ من إثيوبيا، ويأتي هذا الاجتماع عقب لقاء جيوش قادة إفريقيا في نيروبي الذي أوصى بتشكيل قوة مختلطة لمواجهة تنامي نفوذ 23 مارس.
(*) الموقف الدولي: صرح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأن الوضع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية “يمر بلحظة مفصلية”، كما عقد مجلس حقوق الإنسان الأممي اجتماعًا طارئًا في 7 فبراير الماضي من أجل فتح تحقيق في الانتهاكات في شرق جمهورية الكونغو. بالإضافة إلى ذلك صوت البرلمان الأوربي بأغلبية ساحقة على قرار تجميد الدعم المباشر لميزانية رواندا وتعليق مذكرة التفاهم حول المعادن الاستراتيجية؛ حتى تتوقف رواندا عن دعم حركة 23 مارس. كما أعربت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين عن قلقها من تنامي نفوذ الحركة في شرق جمهورية الكونغو.
وفي ذات السياق، صرح وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي بأن توسع حركة 23 مارس وقوات الدفاع الرواندية في بوكافو يعد انتهاكًا لسيادة جمهورية الكونغو الديمقراطية. كما قادت بلجيكا حملة تهدف إلى منع رواندا من الوصول إلى التمويلات التنموية، وعلاوة على ذلك فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على وزير رواندا للشئون الخارجية المكلف بالتعاون الإقليمي ’’جيمس كاباريبي‘‘ والمتحدث باسم حركة أم23 ’’لورنس كانيوكا كينغستون‘‘ وردًا على ذلك وصفت حكومة رواندا بأن هذه العقوبات غير مبررة وأنه يجب على المجتمع الدولي أن يدعم جهود التواصل إلى اتفاق سياسي.
وفي سياق متصل أدان الاتحاد الأوروبي اتفاق وقف إطلاق النار المقرر ضمن عملية لواندا وطالب رواندا بسحب قواتها فورًا ووقف دعم الجماعات المسلحة وردًا على ذلك اتهمت رواندا الاتحاد الأوروبي باتباع نهج انتقائي لصالح كينشاسا. بالإضافة إلى ذلك اعتمد مجلس الأمن في 21 فبراير الماضي قرارًا يدعو إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في جمهورية الكونغو. ومع تقدم الحركة نحو الحدود البوروندية أصدرت السفارة الأمريكية في بوروندي أوامر لعائلات موظفيها بالمغادرة. وعلاوة على في الخامس والعشرين من فبراير الماضي فرضت بريطانيا عقوبات على رواندا تمثلت في إنهاء الحضور رفيع المستوى في الأحداث التي تستضيفها الحكومة الرواندية والحد من أنشطة الترويج التجاري معها وإيقاف بعض المساعدات المالية الثنائية المباشرة لكومة رواندا وردًا على ذلك اتهمت رواندا بريطانيا بالانحياز لجمهورية الكونغو كما أنها ستتمسك بأمنها وأمن مواطنيها.
وختامًا لما سبق يعد الصراع بين حركة 23 مارس وحكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية من أكثر الصراعات تعقيدًا بالمنطقة؛ حيث تتشابك العوامل العرقية والسياسية والاقتصادية في تأجيجه. وتنامي نفوذ الحركة واستمرار الدعم الخارجي للحركة وضعف القوات الحكومية، يرجح استمرار التصعيد العسكري، ما لم تؤدي الضغوط الدولية والإقليمية إلى تسوية سياسية. يبقى مستقبل الاستقرار في شرق الكونغو مرهونًا بقدرة الأطراف الفاعلة على التوصل إلى حلول توازن بين المصالح الأمنية والسياسية والاقتصادية لجميع الأطراف.