طرح بديل.. ما احتمالات عسكرة إسرائيل الحدود مع الأردن؟
يُشكل تصعيد الكيان الصهيوني وعملياته الحالية في الضفة الغربية، تهديداً واضحاً للأردن، لما له من مآلات مؤكدة علي الحدود الإسرائيلية – الأردنية، فقد أكدت مصادر إسرائيلية علي ضرورة فرض السيطرة العسكرية علي الحدود مع هذه الدولة العربية، بحجة القضاء على المخاطر والتهديدات التي قد تجد من الأردن بوابة للعبور.
ففي ظل ادعاء الكيان الصهيوني، باحتمالات تعرضه لضربات قاسمة من الحدود الإسرائيلية الأردنية، ورغبة “نتنياهو” في توسيع نطاق الحرب،- يبقى السؤال وهو: ما احتمال توجه إسرائيل نحو العسكرة الفعلية لحدوده مع الأردن، ومآلات ذلك علي الدولة الأردنية؟
مؤشرات ودلالات:
علي الرغم من أن العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي في مخيمات شمال الضفة الغربية لم تتوقف منذ 3 أعوام، إلا أن العملية الحالية التي بدأت الأربعاء 28 أغسطس 2024 تحت غطاء كثيف من سلاح الجوفي محافظات “جنين، طولكرم، مخيم الفارعة قرب طوباس”، تُعد الأكبر من ناحية عدد القوات المشاركة ومناطق تنفيذها ومدتها الزمنية، حيث تهدف إسرائيل من هذه العملية- حسب ادعاء قادتها، القضاء علي الخلايا المسلحة، والحد من التطور في صناعة المتفجرات، فتبرر دولة الكيان الصهيوني، قلقها وتنفيذها لهذه العملية بعدم عرقلة القتال في غزة ولبنان.
وفي صدد ما تشكله جبهة الضفة الغربية من مصدر قلق وخطورة لإسرائيل، حسب إدعاء قادة هذا الكيان، اتهم وزير الخارجية الإسرائيلي “يسرائيل كاتس” تزامناً مع العمليات الإسرائيلية في الضفة الغربية، لدولة إيران، بمحاولة إنشاء جبهة إرهابية شرقية ضد إسرائيل عبر الأردن، وذلك حسبما أفادت ” ذا تايمز أوف إسرائيل “، فقد أكد “كاتس” أن الحرس الثوري الإيراني يُهرب الأسلحة من سوريا إلي الأردن “في محاولة لزعزعة استقرار النظام وتحويل الحدود الإسرائيلية – الأردنية من حدود سلمية إلي جبهة متقلبة “، فضلاً عن تأكيده علي أن الأسلحة يتم جلبها بعد ذلك إلي الضفة الغربية، معتبراً بذلك أن طهران تعمل علي إنشاء جبهة شرقية ضد إسرائيل. وبناءاً عليه، دعا وزير الخارجية الإسرائيلي “كاتس” إلي ضرورة القيام بإجراء دفاعي متمثل في سرعة بناء سياج أمني علي الحدود الإسرائيلية – الأردنية. يذكر أن فكرة إنشاء السياج الأمني وعد بها رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” عام 2018 بهدف منع تسلل لاجئين من إفريقيا، وهو ما يشكل إعادة لفكرة مشروع طرحته إسرائيل قبل نحو 20 عاماً لبناء جدار علي طول 238 كم من بحيرة طبريا حتى خليج العقبة، لكن تراجعت عنه إسرائيل لأسباب مالية بينما الآن أصبح من الضروري تنفيذه.
فالتصريحات السابق ذكرها لوزير الخارجية الإسرائيلي “يسرائيل كاتس” عن ضرورة عسكرة الحدود الإسرائيلية – الأردنية للتصدي لهذه الجبهة من المخاطر،- جاءت بعد فترة وجيزة من إعلان الكيان الصهيوني، وعلي نحو مفاجئ، بتشكيل فرقة عسكرية إسرائيلية جديدة لنشرها علي الحدود مع الأردن، حيث ذكرت الإذاعة الإسرائيلية أن “الجيش الإسرائيلي سينشر قوات هذه الفرقة علي طول الحدود بين إسرائيل والضفة الغربية والأردن، امتدادا من منطقة بيسان شمال الأغوار إلي شمال إيلات جنوباً”، مبررة هذا القرار بأنه يأتي في أعقاب التهديدات الأمنية المتصاعدة عند الحدود، ويهدف وفقا لتبريراتهم إلى توفير رد أمني كامل، ونوعي أكثر في هذه المنطقة، خاصة في ظل المخاوف من محاولات إيرانية لتهريب كميات من الأسلحة عبر الحدود الأردنية. وعليه، تم وضع هذه المنطقة الحدودية، خاصة بعد تنفيذ عملية ” غور الأردن ” علي أجندة الجيش والأجهزة الأمنية والمستوي السياسي، الذين لم يدرجوا الحدود الشرقية مع الأردن منذ بداية أحداث غزة الأخيرة في تقييماتهم للوضع الأمني والخطط التي صادقوا عليها لتعزيز الجهوزية والاستعداد لضمان أمن الحدود علي مختلف الجبهات الحدودية.
بالإضافة إلي ما سبق، صرح المحلل العسكري “يوسي يهوشع” في صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، قائلًا إن “المشكلة في الضفة الغربية لن تنتهي بالعملية العسكرية الإسرائيلية ما لم تغلق الحدود مع الأردن في وجه تهريب السلاح والمتفجرات إلي الأراضي الفلسطينية”. وعليه، فقد لفت المحلل العسكري إلي أنه يجب السيطرة علي الحدود مع الأردن، مطلقاً عليه “محور فيلادلفيا الشرقي”، وأكد المحلل علي ضرورة أن يتم إقرار ميزانية فورية لبناء سياج أمني وبناء حاجز وتوفير أجهزة استشعار وأفراد عسكريين علي الحدود مع الأردن. كما ذكر بعض المحللين جملة من التسريبات الإسرائيلية التي تحدثت عن أخطار الحدود الأردنية مع إسرائيل خلال العامين الأخيرين، وكان من أبرز تلك التسريبات ضرورة إقامة جدار عازل علي طول الحدود الأردنية الإسرائيلية التي تعد أطول حدود عربية مع إسرائيل بطول 238 كيلومتراً .
وفقًا لما سبق، وبناءًا على التصريحات السابقة، يمكن التأكيد على أن قراءة ما ورد على ألسنة القادة الإسرائيليين، يعبر عن مؤشرات ودلالات قوية وواضحة لمشروع إسرائيلي يجري الإعداد له بخصوص الأردن، ومن ثم النوايا المؤكدة لدي الكيان الصهيوني وسعيه الفعلي نحو عسكرة حدوده مع هذه الدولة العربية، مستغلة في ذلك موجة التصعيد المستمر في مشهد الحرب علي غزة، وتزايد المخاوف المزعومة لدي إسرائيل من استخدام الأردن كثغرة يمكن من خلالها استهداف إسرائيل وإلحاق المخاطر بها من قبل محور المقاومة.
مآلات ومخاطر:
تأسيسا على ما سبق، يبدو أن هناك سعي فعلي من قبل الكيان الصهيوني لعسكرة حدوده مع الأردن، إما من خلال بناء سياج أمني أو إنشاء فرقة عسكرية إسرائيلية، الأمر الذي وصفه بعض المتخصصون العسكريون، بأنه مخالفاً لبنود اتفاق السلام بين الأردن وإسرائيل، وفقاً للملحق رقم (1) الذي يحدد ويضبط انتشار القوات علي الواجهات الحدودية، فضلاً عن شروط المعاهدة التي تبين حجم القوات العسكرية علي الحدود وعددها وبعدها من الجوار.
ووفقا لبعض المحللين العسكريين، فإن التحركات الإسرائيلية العسكرية تجاه الحدود مع الأردن، قد يقف وراءها أجندة ومناورة سياسية للمقايضة علي ملفات أخري، فعلي ما يبدو أن إسرائيل تخطط لترسيم الحدود مع الأردن، بشكل إجباري، فضلاً عن ترسيم الحدود بين فلسطين والأردن، ما يعد بمثابة إنهاء لحل الدولتين، ومخالفة لاتفاق أوسلو لترسيم الحدود بين الطرفين، ومن ثم إنهاء حدود الدولة الفلسطينية الشرقية، والسيطرة الكاملة علي منطقة غور الأردن المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية لإسرائيل، خاصة فيما يتعلق بالاستيطان الزراعي، فضلاً عن كونها منطقة أمنية هامة لإسرائيل.
وعليه، فإن فرض السيطرة الكاملة علي الضفة الغربية والتكريس لضمها، هدفه قطع الطريق علي أي تنازل أو حل سياسي يمكن أن يقدمه للفلسطينيين، ومن ثم الانتقال إلي السيناريو الأخر، وهو البدء في التهجير الفعلي للشعب الفلسطيني من الضفة الغربية باتجاه الأردن، خاصة بعد العمليات الإسرائيلية الحالية بالضفة الغربية، وهو الأمر الذي يتعلق بهوية الدولة الأردنية وأمنها الوطني ومصالحها العليا واستقرارها بالمنطقة. فضلاً عن أنه بمثابة، إخلال جوهري بمعاهدة السلام، فأي تحرك ديموغرافي من الضفة الغربية، يعد بمثابة إعلان حرب ضد الأردن. وعليه، فإن التواجد الإسرائيلي علي حدوده مع الأردن سواء من خلال بناء جدار حدودي أو إنشاء فرقة عسكرية، يُشكل انتهاكًا للسيادة الأردنية، الأمر الذي يجعل من الرد الأردني علي تلك الانتهاكات الحدودية أمراً ضرورياً ما من شأنه أن يُلحق الأردن بشكلً أعمق بمشهد الحرب في غزة.
ختاماً، نجد أن الأردن يقع تحت وطأة جملة من التهديدات الأمنية، خاصة فيما يتعلق بحدوده مع إسرائيل في ظل المشهد الراهن المُعقد، الذي تتصاعد فيه الأحداث يوماً تلو الآخر، فمع تصاعد تلك الأحداث واستمرار الجانب الإسرائيلي في فتح جبهات جديدة للحرب كانت أخرها القيام بعمليات إسرائيلية بالضفة الغربية، ما يعد بمثابة تهديداً واضحاً للحدود الإسرائيلية الأردنية، خاصة في ظل التهديدات المتزايدة للجانب الإسرائيلي عبر تلك الحدود، ومن ثم تزايد السعي الإسرائيلي نحو عسكرة الحدود الأردنية وإنشاء فرقة عسكرية إسرائيلية علي طول الحدود نظراً لوجود صعوبات مالية تواجه إنشاء جدار حدودي، فمن شأن هذه الفرقة أن تؤدي نفس الغرض الذي سيتم إنشاء الجدار من أجله، الأمر الذي يجعلنا نتوقع تواجد إسرائيلي فعلي ودائم علي طول تلك الحدود في حالة الاستمرار والتصعيد في الحرب.