ما فرص نجاح المبادرة الأمريكية في تسوية الحرب السودانية؟
أعلنت الولايات المتحدة في 23 يوليو الجاري عن مبادرة جديدة برعاية سعودية-سويسرية، ودعت أطراف الصراع في السودان لضرورة العودة للمحادثات لوقف الحرب وتمكين توصيل المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، ومن المقرر أن تبدأ المباحثات في 14 أغسطس المُقبل في سويسرا، وسوف يشارك في المبادرة أطراف فاعلة قد تلعب دور المراقب كالأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومصر والأمارات.
وتأسيسًا علي ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلي تقدير فرص نجاح المبادرة الأمريكية الجديدة لوقف القتال في السودان.
أهداف واضحة:
جاءت مبادرة الولايات المتحدة للعودة لإجراء المباحثات مع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في وقت يشهد فيه السودان أسوأ أزمة إنسانية في العالم، خاصة وأن الملايين من المدنيين السودانيين علي حافة المجاعة، حيث يعاني حوالي 26 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد، فضلاً عن نزوح أكثر من 11 مليون شخص قسرًا، وفقًا للأمم المتحدة، إضافة إلي تدمير البُني التحتية للبلاد ومقتل عشرات الآلاف من الأشخاص وإصابة آخرين.
وعليه، تهدف واشنطن إلي عقد المباحثات مع طرفي الصراع من أجل التوصل إلي وقف القتال والانتهاكات العنيفة التي يعاني منها الشعب السوداني، وتمكين وصول المساعدات الإنسانية، والتشديد علي ضرورة تطوير آلية قوية للرصد والتحقيق لضمان تنفيذ أي اتفاق بين طرفي الصراع، لذلك تصر واشنطن علي حضور طرفي الصراع للمحادثات لحماية المدنيين وإنقاذ أرواحهم، وإيجاد حل سلمي لوقف القتال، في ظل المعاناة الإنسانية والدمار في البلاد.
كما أكد وزير الخارجية الأمريكية “أنتوني بلينكن” أن المحادثات ” لا تهدف إلي معالجة القضايا السياسية الأوسع”، مؤكدًا علي ضرورة لعب المدنيين دور قيادي في تحديد عملية معالجة القضايا السياسية، واستعادة التحول الديمقراطي في السودان.
مواقف الأطراف:
كان موقف “الدعم السريع” واضحًا، حيث رحبت مجموعة حميدتي بالمشاركة في مباحثات سويسرا، وفي المقابل اتسم موقف الجيش بالغموض، في حين رحبت العديد من القوي السياسية والمدينة بالمبادرة، ويتم توضيح ذلك بشكل أكثر تفصيلاً فيما يلي:
(&) ترحيب “الدعم” بالمشاركة في المباحثات: جاء رد “الدعم السريع” من خلال الموقع الرسمي علي منصة “أكس” حيث رحب محمد حمدان دقلو “حميدتى”، بالدعوة التي أعلن عنها “بلينكن”، مؤكدًا علي مشاركته في محادثات وقف إطلاق النار في 14 أغسطس القادم بسويسرا، مشددًا علي الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية وسويسرا للمشاركة في المحادثات، مشيرًا إلي مشاركته مع المجتمع الدولي في الهدف المُتمثل في وقف شامل لإطلاق النار في البلاد، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، إضافة إلي تطوير آلية قوية للرصد والتحقيق؛ لضمان تنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه. كما أكد حميدتى استعداده للتعاطي مع المحادثات بشكل بناء، والتطلع إلي تشكيل خطوة كبيرة نحو السلام والاستقرار لتأسيس دولة سودانية جديدة قائمة علي العدالة والمساواة والحكم الفيدرالي، الأمر الذي يجعل موقف الميليشيا قويًا أثناء المحادثات برغم من الانتهاكات التي ارتكبتها في حق الشعب السوداني.
(&) غموض موقف الجيش السوداني من المشاركة: جاء رد الجيش السوداني غامضًا، حيث أكدت وزارة الخارجية السودانية علي تلقيها دعوة من الولايات المتحدة للمشاركة في محادثات وقف إطلاق النار، مؤكدة أنها ستجري مشاورات مع جهات أخري لحسم موقفها من حيث الشكل والمضمون.
وعليه، في حال تعهد طرفي النزاع بإرسال مفاوضين رفيعي المستوي، مع الالتزام بجديه إنهاء الصراع، فسوف يشارك وزير الخارجية الأمريكية “أنتوني بلينكن” والمندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة “ليندا توماس غرينفيلد” في المفاوضات، ويعد هذا الأمر أعلي تمثيل دبلوماسي أمريكي في مساعي حل النزاع، وفقًا لمجلة “فورين بوليسي”.
(&) ترحيب القوي السياسية والمدنية: رحبت القوي السياسية والمدنية بالمبادرة الأمريكية، مؤكدين أن هذه الخطوة امتداد لمساعي الجهود الأمريكية المستمرة لوقف الحرب، وشددوا علي ضرورة قبول الدعوة من قبل الأطراف المتنازعة، ومع ذلك أكدت بعض القوي علي أن نجاح المبادرة مرهون بالضغط علي أطراف الصراع.
جهود سابقة:
منذ بداية الحرب السودانية بين الجيش و”الدعم السريع” تقدم كافة الأطراف الدولية والإقليمية، مساعيها وتطرح العديد من المبادرات والوساطات لوقف القتال، وعلي قائمة هذه المبادرات، المبادرة السعودية-الأمريكية المعروفة بـ “منبر جدة”، إضافة إلي مبادرة منظمة “الإيجاد” و “الاتحاد الأفريقي”، ومؤتمر قادة دول جوار السودان الذي عقد في القاهرة، ومبادرات من جامعة الدول وتنسيقية “تقدم”، ومن ثم مفاوضات البحرين، مرورًا بـالوساطة الليبية-التركية غير المباشرة، وجهود أديس أبابا والقاهرة، وأخيرًا محادثات جيبوتي بشأن السودان في الفترة من 24-26 يوليو، وبالرغم من كثرة المبادرات والوساطات الدولية والإقليمية لم تنجح مساعي الأطراف الفاعلة في وقف القتال في السودان.
ومما سبق، تحاول الولايات المتحدة أن تضغط علي الأطراف في المباحثات القادمة، حيث تكثف واشنطن جهودها لإقناع كبار المفاوضين من جانبي الصراع للمشاركة في المحادثات، لحضور طرفي الصراع، لأن عدم حضور أي من الطرفين يؤكد فشل المباحثات قبل عقدها.
علاوة علي ما سبق، شهدت الفترة ما بين 10 و 20 يوليو الجاري، عقد مناقشات أولية في جنيف بين طرفي الصراع في السودان بوساطة من الأمم المتحدة، وتضمنت المناقشات التركيز علي تقديم المساعدات الإنسانية وحماية المدنية، ومع ذلك لم يتم التوصل إلي اتفاق بشأن ما تم التركيز عليه.
فرص النجاح:
يتوقف نجاح المباحثات السويسرية علي ركيزتين أساسيتين، ويتم توضيح ذلك علي النحو التالي:
(*) الركيزة الأولي،- قبول الحكومة السودانية للمبادرة الأمريكية: قبول الجيش السوداني للمبادرة الأمريكية والعودة للمفاوضات، والرجوع عن مواقفه الرافضة لمشاركة الإمارات، خاصة بعد المحادثات الهاتفية التي جرت بشأن وقف الحرب في السودان بين رئيس الإمارات الشيخ “محمد بن زايد آل نهيان” وقائد الجيش السوداني الفريق أول ركن “عبدالفتاح البرهان”، والسماح للاتحاد الأفريقي بتمثيل دور المراقب، خاصة وأن السودان يواجه أسوء كارثة إنسانية وأمنية واقتصادية في البلاد.
كما يتطلب من واشنطن أن تطمئن الحكومة السودانية علي الالتزام بما تم التوصل إليه في “إعلان جدة” في 11 مايو 2023 قبل أي استئناف أو تفاوض،؛ لأن هذا الأمر هو السبب الرئيسي في عدم مشاركة الجيش في العديد من المبادرات والوساطات السابقة، حيث يتخوف الجيش من الرجوع عن ما تم الاتفاق عليه في “منبر جدة”، وبالتالي يتحفظ الجيش من العودة للمفاوضات؛ ولكن مشاركة الجيش هي الأساس في نجاح المباحثات، كما أنها قد تساعد الجيش في الحفاظ علي أجندة “منبر جدة”، فضلاً عن توضيح موقف الجيش السوداني مما حدث وما سوف يحدث، إضافة إلي منع استغلال ميليشيا “الدعم” عدم مشاركة الجيش؛ لتقوية موقفها في مباحثات سويسرا.
(*) الركيزة الثانية،- دور الوساطة الدولية والإقليمية: لاشك أن هذه المبادرة تختلف عن المبادرات السابقة، لكونها تجمع الفاعلين الدوليين والإقليميين المؤثرين علي طرفي الصراع، وبالتالي قد يكون لهذه الأطراف دور مؤثر للضغط علي الأطراف المتنازعة للتوصل إلي اتفاق لوقف الحرب، وقد يكون لواشنطن الدور الأكبر في إقناع الجيش السوداني بالمشاركة في المباحثات السويسرية بجانب “الدعم السريع”، خاصة في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية والأمنية والاقتصادية في البلاد. وفي حال لم تتمكن واشنطن من الضغط علي طرفي الصراع، لابد وأن تفرض عقوبات شديدة علي طرفي الصراع؛ لإقناعهم بالتفاوض ومن ثم وقف القتال.
علاوة علي ما سبق، لم تتوقف واشنطن علي دعوة الجيش السودان للمشاركة في المباحثات، بل من المقرر أن يزور المبعوث الأمريكي الخاص إلي السودان “توم بيلرييلو” السودان في 8 أغسطس القادم، لبحث الوساطة الأمريكية لإنهاء الحرب في السودان عبر مباحثات سويسرا، فضلاً عن إقناع المبعوث للبرهان بالمشاركة في المباحثات، بالإضافة إلي مناقشة المبادرة الجديدة وفرص نجاحها لوقف القتال.
وختامًا، يمكن القول إن المبادرة الأمريكية الجديدة قد تكون حاسمة أكثر من أي وقت مضي في حال استخدمت واشنطن أوراق ضغط قوية علي طرفي الصراع لوقف القتال، بمشاركة كل من الفاعلين الدوليين والإقليميين من أصحاب النفوذ كالأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومصر والإمارات والسعودية، التي قد تلعب دور مؤثر في الضغط أيضًا علي الجيش السوداني “الدعم السريع”، ومع ذلك لابد وأن تخضع الإرادة السياسية السودانية (طرفي الصراع) للمفاوضات والتخلي عن الأطماع السياسية التي أدت إلي تدمير السودان، وبالتالي استجابة الطرفين لهذه المحادثات خطوة مهمة وحاسمة للبلاد، خاصة مع تصاعد الانتهاكات الإنسانية وتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية، الأمر الذي قد يحول الأزمة السودانية إلي كارثة تؤدي إلي تمزيق السودان وانهياره.