لماذا ينخرط “الدبيبة” في الأزمة السودانية؟
منذ منتصف إبريل 2023 يخوض كل من الجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وميليشيا “الدعم السريع” بقيادة “محمد حمدان دقلو (حميدتي)” حربًا خلفت الآلاف من القتلى والملايين من النازحين واللاجئين وفقًا للأمم المتحدة ، ومنذ بداية الأزمة وحتي الآن لم تنجح طرق الحل السياسي و فشلت جميع المبادرات التي طرحت من وسطاء محليين ودوليين، انطلاقًا من منبر جدة السعودي الأمريكي في مايو 2023 مرورًا بمبادرة الهيئة الحكومية للتنمية الدولية “الإيجاد” في يناير 2024 وكذلك المفاوضات التي عقدت في المنامة عاصمة البحرين في يناير الماضي ومبادرة دول الجوار السوداني التي تبنتها مصر العام الماضي. فقد فشلت جميع المبادرات في دفع الطرفين إلى توقيع وقف إطلاق النار في السودان ودفع الأطراف نحوعملية بناء الثقة.
وتأسيسًا على ما سبق؛ فإن إعلان رئيس حكومة “الوحدة الوطنية” الليبية عبد الحميد الدبيبة مساء السبت 24 فبرايرعن مبادرة ليبية لإحلال السلام ووقف إطلاق النار في السودان يطرح تساؤلاً عن أسباب إنخراط “الدبيبة” في الأزمة السودانية ومدى إمكانية نجاح هذه المبادرة في حل الأزمة.
فرص محدودة
أعلن رئيس حكومة “الوحدة الوطنية” المؤقتة عبد الحميد الدبيبة مساء السبت 24 فبراير رسميًا ولأول مرة عن طرحه مبادرة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية (الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان و”الدعم السريع” بقيادة “حميدتي”) لإحلال السلام والاستقرار ووقف إطلاق النار في السودان، وجاء ذلك من خلال إتصال هاتفي أجراه “الدبيبة ” مع قائد “الدعم السريع”، حيث وجه “الدبيبة ” اهتمامه إلى السودان بشكل مفاجيء في ظل عجزه عن حسم الأزمة الليبية ما استدعي العديد من الانتقادات المحلية تجاه هذه المبادرة وذلك في ظل استمرار تعرض بلاده للانقسام السياسي وعدم الاستقرار.
(*) زيارة البرهان لطرابلس:
على خلفية الدعوة، توجه رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، إلى العاصمة الليبية طرابلس يوم الاثنين 26 فبراير الجاري، وعقد “البرهان” اجتماعين منفردين مع رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي و”الدبيبة “واتفق الأطراف خلال المباحثات على تبادل الوفود بين البلدين وتفعيل الاتفاقيات الموقعة بينهما ودعم سبل تطوير العلاقات الثنائية بين الدولتين.
وترى بعض الأوساط السياسية السودانية أن زيارة “البرهان” لليبيا محاولة منه للإيهام بأنه منفتح على أي مبادرات للتسوية، خاصة بعد ما ذكره في خطابه أمام قواته في 31 ينايرالماضي حيث أكد على أن أي حل من الخارج للصراع الدائر في البلاد “لن يصمد”، وتشديده على أنه “لا يمكن لأي جهة أن تفرض على السودان أي إجراءات”.
هذا كله في ظل الضغوط عليه التي من المرجح أن تتصاعد في الفترة المقبلة لاسيما بعدما أشيع عن رفضه التعاون مع الأمم المتحدة في ملف المساعدات الإنسانية وعدم سماح القوات المسلحة لوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي تسيطر عليها “الدعم السريع”.
بالإضافة إلى أن المؤتمر الصحفي الذي عقد بين”البرهان” و”المنفي” لم يأت على ذكر المبادرة التي طرحها “الدبيبة ” حيث اقتصرت المباحثات علي الحديث عن عمق العلاقات بين البلدين وتأكيد المنفي على دعم مخرجات “منبر جدة”.
(*) ترحيب “حميدتي”:
عبرمحمد حمدان دقلو “حميدتي” عن إمتنانه وترحيبه لهذه الدعوة ولجهود “الدبيبة” لدعم الأمن والاستقرار في السودان. وقال “حميدتي” : “شكرت الدبيبة، على دعوته لنا لزيارة ليبيا والتي سنلبيها في القريب العاجل، كما شكرته على مبادرته وجهوده في دعم الاستقرار والسلام في السودان، والذي ينعكس على أمن واستقرار المنطقة”.
دوافع “الدبيبة”
يري مراقبون أن “الدبيبة” يسعي لتوظيف زيارة البرهان في تنشيط التواصل الإقليمي والتغطية على الأزمة الأمنية والإنفلات الأمني في طرابلس، خاصة أن التحرك الليبي في الأزمة السودانية جاء بالتزامن مع تزايد أعداد اللاجئين السودانيين في ليبيا، فلم يجد عشرات الآلاف من المواطنين مفرًا من اللجوء إلى ليبيا عبر الطرق الوعرة هربًا من جحيم الحرب.
ولا ينفصل هذا التحرك وفقًا للمراقبين عن قلق الحكومة القائمة في طرابلس من تدخل الجماعات المسلحة السودانية في الأزمة الليبية بإرسال آلاف المقاتلين من السودان العامين الماضيين حسب تقارير الأمم المتحدة التي وثقت ذلك خاصة في ظل حالة عدم الاستقرار والانقسام التي تشهدها ليبيا.
كما يُنظر إلى مبادرة “الدبيبة” للتوسط، باعتبارها محاولة لكسب الاهتمام الدولي والعمل علي إبراز قوة الدبلوماسية الليبية ونجاحها في القيام بدورالوسيط في حل الأزمات الإقليمية ومن ثم تثبيت شرعية جكومته، إلى جانب توطيد العلاقات مع دول الجوار والعمل على تحقيق الإستقرار لهذه الدول مما سينعكس بالإيجاب على إستقرارالوضع الليبي.
وبناءًا على ما سبق، وعلى الرغم من سعي “الدبيبة” لإيجاد حل للأزمة السودانية وانخراطه بشكل مفاجيء في تلك الأزمة خاصة في ظل ما تعانيه بلاده من حالة عدم الاستقرار، وعلى الرغم من ترحيب قائد “الدعم السريع” بهذه المبادرة، وبالنظر إلى موقف رئيس مجلس السيادة السوداني من المبادرة في ضوء زيارته لطرابلس وعدم تطرقه إلي تلك المبادرة، نجد أن من الممكن أن تكون هذه المبادرة حالها حال العديد من المبادرات التي طرحت مسبقًا من العديد من الأطراف والوسطاء المحليين والدوليين التي لم تؤت ثمارها بعد ولم تنجح في تقديم حل للأزمة السودانية، حتي وإن وافق الطرفان على المبادرة والجلوس للتفاوض فيما بينهما لإيجاد حلول لتلك الأزمة نجد أنه من الممكن في مثل هذه الحالة أن يستمر كل طرف في التمسك بشروطه من أجل إنهاء وحل الأزمة، خاصة في ظل عدم امتلاك ليبيا لأي أوراق ضغط على الطرفين حتي تضمن نجاح هذه المبادرة التي لم تتضمن أي بنود واضحة يمكن مناقشتها.