هل يتطور الصراع على الحدود بين “حزب الله” وإسرائيل ؟
منذ اندلاع أحداث “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023 لم تهدأ عمليات القصف المتبادل بين “حزب الله” اللبناني وقوات الاحتلال الإسرائيلي على طول الحدود في جنوب لبنان، لكن التصعيد بين الطرفين شهد تطورًا ملحوظًا أمس بدءًا من شن “حزب الله” قصف بالصواريخ استهدف قواعد عسكرية في محيط مدينة “صفد” بالجليل الأعلى شمال إسرائيل مما أدى إلى مقتل مجندة وإصابة 8 عسكريين، وأسرعت إسرائيل بالرد على هذا القصف من خلال شن غارات مكثفة على عدة بلدات في جنوب لبنان أسفرت عن سقوط قتلي ومصابين.
تأسيسًا على ما سبق، فإن شن طيران الاحتلال الإسرائيلي اليوم الخميس، غارات على مناطق في جنوب لبنان وتأكيد “حزب الله” في المقابل قصفه موقعًا إسرائيليًا على الحدود، هذا بالإضافة إلى التطورات المتسارعة في المشهد الراهن، وضبابية مساراته، يطرح سؤالاً، هو: ما السيناريوهات المحتملة لتطورات الصراع على الحدود بين حزب الله وإسرائيل؟
ضربة موجعة:
اعتقد البعض أن ما يجري من تبادل للقصف بين “حزب الله” اللبناني وجيش الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء أحداث “طوفان الأقصى” في أكتوبر 2023، سيظل في سياق قواعد الاشتباك ولن يخرج عنه، إلا أن الواقع أتى مغايرًا لهذا التصور، حيث نفذ الحزب عملية نوعية باتجاه “صفد” وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية فإن ما حدث في “صفد ” لم يكن له مثيل منذ اندلاع الحرب وهو حدث استثنائي مع إطلاق الصواريخ نحو منطقة بعيدة نسبيًا عن الحدود، فالعمق الذي تمكنت تلك الصواريخ من الوصول إليه أهم ما يميز هذا القصف.
وأكدت إذاعة الجيش الإسرائيلي أنها رصدت 8 صواريخ أطلقت من لبنان استهدفت القيادة الشمالية والقاعدة الجوية في “ميرون” وقاعدة عسكرية في “صفد”، وأشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى استخدام “حزب الله” صواريخ دقيقة في قصفه للمدينة ولم تستطع القبة الحديدية اعتراض معظم الصواريخ ما أدى لسقوط بعضها في أماكن مفتوحة وأصاب صاروخٌ منزلاً في “صفد”، مما يؤكد مرة أخرى منذ اندلاع أحداث “طوفان الأقصى” إخفاق القبة الحديدية وفشل منظومة الدفاع الجوي في صد الهجوم.
لقد اعتبر البعض هذا القصف، بمثابة رسالة ردع واستعراض للقوة من “حزب الله” لإسرائيل وتأكيدًا منه على أنه لن يقف مكتوف الأيدي أمام ما يحدث في غزة وأن هذه الجبهة ستبقى مشتعلة وفقًا للتطورات الميدانية في القطاع خاصة في ظل القصف المكثف والعمليات العسكرية الإسرائيلية في مناطق عديدة بغزة والتهديد باجتياح وشيك لرفح الفلسطينية.
سرعة الرد الإسرائيلي وتوعد “حزب الله”:
أسرعت إسرائيل بالرد على هجمات “حزب الله” حيث قامت المقاتلات الإسرائيلية بقصف واستهداف مواقع عديدة في جنوب لبنان، وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي “هيرتسي هاليفي” يوم الأربعاء 14 فبراير 2024 “إن إسرائيل تستعد لحرب في المنطقة الشمالية (الحدود مع لبنان)” متوعداً بأن يستخدم الجيش كل “الأدوات والقدرات” المتاحة لديه حال اندلاع حرب في المنطقة.
وفقًا للمراقبين، فإن القصف للجانب الإسرائيلي، جاء بعد يوم واحد من توجيه رسائل قوية من الأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني حسن نصر الله، باعتبار أن إطلاق النار من جنوب لبنان لن يتوقف إلا بانتهاء العدوان على غزة، كما أكد بقوله “من يهددنا بالتوسعة في الحرب نهدده بالتوسعة كذلك” مشيراً إلى أن “إسرائيل القوية كانت خطرًا، أما الخائفة والمردوعة تشكل حالة أقل خطرًا وضررًا على شعوب المنطقة”.
وفي ظل التصعيد الإسرائيلي والرد السريع واستمرار شن الغارات الجوية الإسرائيلية على الجنوب اللبناني، أصدر الحزب تحذيرًا شديد اللهجة إلى إسرائيل، حيث أعلن أمس “هاشم صفي الدين” رئيس المجلس التنفيذي للحزب أن “عدوان اليوم في الجنوب لا يمكن أن يمر دون رد”.
وأعلنت الحكومة اللبنانية اليوم الخميس أنها تعتزم تقديم شكوى عاجلة ضد إسرائيل إلى مجلس الأمن الدولي في ظل استمرار الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان وسقوط العديد من القتلى والمصابين.
الموقف الدولي من التصعيد:
ومع ارتفاع وتيرة المواجهات العسكرية بين “حزب الله” وإسرائيل يشير الموقف الدولي إلى وضع تحذيرات للتصعيد واقتراح بعض الحلول والدفع نحو الحل الدبلوماسي والتهدئة لاحتواء الأزمة، فقد جاءت الأحداث الأخيرة بعد تحرك دبلوماسي فرنسي منذ أيام كمحاولة لاحتواء التصعيد ومنع الدخول في حرب واسعة من خلال تقديم مقترح لوقف القصف المتبادل بين “حزب الله” وإسرائيل على جانبي الحدود، كما أكدت الأمم المتحدة ضرورة وقف “التصعيد الخطير” للعنف، وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية “ماثيو ميلر”: “ما زلنا نعتقد أن هناك مسارًا دبلوماسيًا للمضي قدمًا وسنواصل الدفع قدمًا لمحاولة حلّ هذه القضية دبلوماسيًا”.
وبناءًا على ما سبق، وعلى الرغم من ردود الأفعال الدولية التي دعت جميعها إلى ضرورة احتواء الموقف والحيلولة دون التصعيد بين الطرفين وتجنب الوصول إلى حرب شاملة، جاء رد الفعل الإسرائيلي شديد السرعة وبه العديد من التهديدات باستعداده شن حرب في المنطقة الشمالية، حيث حدوده مع لبنان، وذلك في ظل مساعي رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” لإطالة أمد الصراع كمحاولة منه لاستعادة “هيبته ” التي مازالت تنهار مرة تلو الأخرى أمام الهجمات المتتالية التي يتعرض لها بدءًا من هجوم السابع من أكتوبر ومرورًا بهذا الهجوم الأخير لـ”حزب الله” اللبناني والتأكيد علي اختفاء أسطورة “الجيش الذي لا يقهر”، حيث أنه في مأزق كبير فهو لم يستطع أن يحقق أيًا من أهدافه في غزة، فقد لا يكون من المحتمل أن يلجأ إلى الحل الدبلوماسي لهذه الأزمة، خاصة في ظل استمرار توعد “حزب الله” اللبناني بشن العديد من الضربات ضد الجانب الإسرائيلي كرد فعل على استمرار الأخير في شن ضرباته على الجانب اللبناني، خاصة في ظل تمتع الحزب ببنية داخلية قوية وترسانة كبيرة وامتلاكه لصواريخ دقيقة التوجيه أظهرت كفاءتها خلال التصعيد الأخير، وعليه يمكن القول إنه من المحتمل تطور الصراع على الحدود بين “حزب الله” وإسرائيل؛ في محاولة منهما لاستعادة ما تكبداه من خسائر مادية ومعنوية منذ اندلاع أحداث “طوفان الأقصى” بشكل عام وهجمات “حزب الله” الأخيرة بشكل خاص.