كيف استغلت “الإخوان” أحداث فلسطين ضد مصر؟
تعودت جماعة الإخوان الإرهابية، على توظف الأحداث الداخلية والدولية، في الاستغلال السياسي للمناطق الشعبية في مصر، ومحاولة تحريض سكانها ضد الدولة المصرية. فمنذ اليوم الأول الـ 7 من أكتوبر للاشتباكات بين الفصائل المسلحة للمقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي، التي أشعلها أسر “كتائب القسام” لعدد من الأسري والرهائن المدنيين من الإسرائيليين- تحاول ” الإخوان” تشويه الموقف المصري من الحرب، على إثر غلق معبر رفح الحدودي بين مصر وفلسطين، كحماية للأمن القومي المصري.
يذكر أن الجانب المصري، حرص منذ الاشتباكات الأولى التي أسفرت عن وقوع جرحي، على تقديم يد العون للأشقاء الفلسطيين، كذلك الدعوة بكل السبل إلى وقف إطلاق النار، مع تأمين الحدود المصرية، وتقديرات تصاعد العنف الإسرائيلي، فضلا عن تخبط التصريحات من الجانب “الاحتلال” بشأن الرغبة في توطين الفلسطينيين في سيناء، وهو ما عقد من كيفية التعامل مع المشهد، خاصة وأن هناك محاولات سابقة لجماعة الإخوان الإرهابية عام 2013، دعت فيها إلى فكرة التطوين.
تأسيسًا على ما سبق، وتفسيرًا له، يحاول هذا التحليل الإجابة عن التساؤلات التالية، هي: ما الهدف “الإخوان” من إثارة الرأي العام المصري في هذا التوقيت ضد الحكومة؟، وما السيناريو الذي تسعى الجماعة إلى تحقيقه استغلالاً للأحداث؟، وما مرجعية محاولاتها المتكررة، ولعبها في مساحة الأمن القومي المصري؟، وكيف حولت المشهد إلى صراع ديني؟
استغلال مقصود:
تلاحظ منذ اللحظة الأولى للاشتباكات بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي، قيام جماعة الإخوان الإرهابية، بمحاولة إثارة الرأي العام المصري عبر آلتها الإعلامية، ضد الحكومة المصرية، مستخدمة في هذا المشهد المأساوي لشهداء فلسطين تحت القصف الإسرائيلي، وعليه كانت إدعاءتها على النحو التالي:
(*) رسالة مضللة: ترويج إعلام الجماعة، كذباً أن معبر رفح المصري قصف أربع مرات من قبل إسرائيل دون رد من الجانب المصري، وهذا يتناقض مع تحريضها الشباب على عبور حدود غزة للتظاهر، كما يتناقض مع غضب عناصرها من تصريح للقيادة المصرية، بأن أمن مصر مسئولية الرئيس الشخصية.
(*) تشويه مقصود: ترويج أبواق الجماعة عبر برامجها خلال الـ 4 أيام السابقة، بأن المخابرات المصرية حذرت الجانب الإسرائيلي من عملية “طوفان الأقصى” قبل عشرة أيام من تنفيذها، وذلك لتصدير صورة مغلوطة، تفاصيلها أن المؤسسات السيادية المصرية تعمل لمصلحة إسرائيل، ورغم نفي جيش الاحتلال والمؤسسات الإسرائيلية لهذه السردية، إلا أن شاشات فضائيات جماعة الإخوان، ما زالت تذيع هذه الأكذوبة حتى تاريخ النشر.
(*) تأجيج مشاعر المصريين وخلق خصومة فلسطينية تجاه الدولة المصرية: حاولت جماعة الإخوان، الترويج لتصريح المتحدث الإسرائيلي الموجه للفلسطينيين (روحوا مصر)، الذي نفي من الجانب الإسرائيلي فيما بعد، فأرادت الجماعة من خلال تكرار هذا التصريح المكذوب، احتقان المشاعر من جانب الفلسطينيين تجاه مصر التي لا تملك فتح حدودها دون ضابط أمني، وتأجيج المشاعر في الداخل المصري بين مؤيد ومعارض بسبب هذا الموقف.
(*) تضليل متعمد: تروج فضائيات الجماعة وأذرعها الإعلامية، منذ اليوم الأول للاشتباكات، بأن شاحنات المساعدات المصرية، توقف عن المرور، بسبب التحذيرات الإسرائيلية بعدم السماح بدخولها واحتمالية استهدافها.
(*) فصل الموقفين الرسمي والشعبي تجاه ما يحدث فى غزة: تحاول “الإخوان” إثارة الرأي العام المصري، ضد القيادة المصرية، حيث تروج كذبًا بتخاذل الموقف الرسمي تجاه ما يحدث في غزة بالمقارنة بالموقف الشعبي.
وعلى ما سبق، يمكن القول إن المتأمل للادعاءات الإخوانية ضد مصر، يجد هدفها الرئيسي، هو عزل موقف الشارع عن الموقف الرسمي للحكومة، ومحاولة الزج بمصر في صراع نتائجه صفرية يغرق البلاد في دمار تريده الجماعة، فنجد عناصر “الإخوان” يدافعون عن بشار الأسد لأول مرة بسبب تصريحاته، وبالعكس تصدير صورة سلبية عن دولة الإمارات، بسبب محاولاتها لتهدئة الأوضاع.
وعليه؛ يأتي تنكر الجماعة لدور مصر التاريخي في دعم القضية الفلسطينية، عزل الشارع عن السلطة، وبالتالي حدوث تأثيرات سلبية على عملية التصويت في الانتخابات الرئاسية، فالدولة المصرية قبل عامين أعلنت تخصيص مبلغ ٥٠٠ مليون دولار لصالح أعمار غزة، بالإضافة لمبادرة الدولة المصرية بتقديم المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني في كل الأزمات، فضلًا عن مسارعة الجانب المصري لمساعي الوساطة المصرية لوقف إطلاق النار والتوصل لحلول سلمية لضمان أوضاع إنسانية أفضل للشعب الفلسطيني.
محاولة تحسين الصورة:
تفاصيل ما سبق، تشير إلى أن “الإخوان” تسعى من خلال أذرعها الإعلامية لتمجيد دور حركة حماس وحزب الله اللبناني وإيران ومحاولة سكب النار على البنزين لاتساع دائرة الصراع، وتصدير القضية على أنها صراع ديني، وليس حق شعب محتل في استرداد أرضه، بالتالي تساعد الجماعة من خلال إعلامها على اتساع دائرة استعداء الغرب وزيادة عدد الضحايا من الجانب الفلسطيني دون هدف سوى مصلحة الجماعة، حيث تؤكد الجماعة على أيديولوجيتها من خلال استخدام قاموس ألفاظ الجماعة (الجهاد، المجاهدين، الحركة الإسلامية، الثبات وغيرها).
الجدير بالذكر؛ أن الجانب الذي أسقطته الجماعة من سياق تصريحاتها الإعلامية، هو أن حركة حماس ذات المرجعية الإخوانية قد ورطت الشعب الفلسطيني في أتون حرب غير محسوبة الأهداف والنتائج، ربما نتيجة تقديرات موقف غير دقيقة، وهو ما ترتب عليه رد الفعل العنيف من قبل جيش الاحتلال تجاه الشعب الفلسطيني، واعترف الجانب الإخواني أن القصف الإسرائيلي لم يوثر على حماس، وتأكدت تلك المعلومة من خلال الجانب الإسرائيلي.
نتيجة لذلك؛ لم تجني حركة حماس من وراء الاستهداف سوى أسر بعض الأسري والرهائن الإسرائيليين والاستعراض بتلك المشاهد للرهائن والأسرى، فالمُحزن في هذا المسلك، هو تنازل إسرائيل عن استبدال هؤلاء الأسرى واختارت بعض الأصوات داخل إسرائيل تفعيل بروتوكول “ها نيبال” الذي صاغته إسرائيل في فترات سابقة، حيث يبيح البروتوكول للأسرى قتل أنفسهم أو أن تقتلهم القوات الإسرائيلية، معنى ذلك أن الجانب الفلسطيني لن يجن حتى فائدة استبدال الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لديهم بأخريين من الفلسطينيين، الذين يملئون سجون الاحتلال، والقصف الغاشم العشوائي لغزة دون اعتبار لوجود أسرى ورهائن إسرائيليين في القطاع يدعم تلك المعلومات.
على الجانب الآخر؛ تدعوا جماعة الإخوان من خلال إعلامها، لدخول حزب الله اللبناني كطرف في الأحداث، مما على حرصها على عدم تهدئة الصراع ولو على جثث الفلسطينيين. فرغم العداء الإخواني المعروف للشيعة، إلا آن الجماعة تتحالف مع أي طرف يخدم أهدافها في المنطقة، ونفس المسار يتخذه الإعلام الإخواني، حيث مناداته لأذرع إيران المسلحة للمشاركة في نصرة الشعب الفلسطيني.
تديين الحرب:
حاولت جماعة الإخوان خلال الفترة السابقة، استغلال الاشتباكات في التأكيد على منظومتها الفكرية، خاصة فيما يتعلق بتجنيس العقيدة، بمعنى اعتبار الإسلام النواة لتعريف المواطن أتباعاً لتأصيل مرشدها الأول “حسن البنا”، حيث قال في كتاب “رسائل الإمام الشهيد”: “أما وجه الخلاف بيننا وبينهم: أننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة، وهم يعتبرونها بالتخوم الأرضية، فكل بقعة فيها مسلم يقول (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وطن عندنا..”، لذلك أحيت الجماعة من خلال إعلامها خاصةً على “السوشيال ميديا” تلك المفاهيم لتثبيت أتباعها، والتأكيد لهؤلاء الأتباع بأنهم على الحق، خاصة في فترة تاريخية تمر فيها الجماعة بأصعب المحن.
بناء عليه؛ تعالت الأصوات الإخوانية التي تبشر بقرب فتح الحدود، إشارة إلى مؤامرة الجماعة لتوطين الفلسطينيين داخل سيناء، وهو المخطط الذي كانت تسعى الجماعة لتحقيقه أثناء تواجدها في حكم مصر ٢٠١٣، فالجماعة لا تعترف وفق أدبياتها بالمفهوم الدولي والسياسي للوطن، فهي بذلك تتشاطر نفس الأيديولوجية الأصولية مع الفكر الصهيوني، الذي أسس له “تيودور هيرتزل” خلال مؤتمر بازل ١٨٩٧ م، فكل طرف يعتقد بأنه شعب الله المختار، وأنه مفوض من الله بسيادة العالم.
الجدير بالذكر؛ أن الجماعة حاولت تنفيذ مخطط أغراق مصر في الفوضى، تمهيداً لتقسيمها عدة مرات، ففي التاريخ القريب تم بمساعدة حركة حماس وحزب الله اللبناني والجماعات متطرفة في سيناء وقتها، تمكنت عناصر جماعة الإخوان المسلمين من اقتحام السجون المصرية عام ٢٠١١، وأطلق المسلحين ـ تسللوا عبر الأنفاق من قطاع غزة إلى شمال سيناء -سراح ٣٤ عضو من قيادات جماعة الإخوان، بينهم محمد مرسي وآخرين من أعضاء حركة حماس وحزب الله من السجون المصرية، فقد اعتادت الجماعة الإرهابية على القيام بأعمال إجرامية تمس أمن الوطن باعتبارها لا تؤمن بالوطن.
في ذات السياق؛ حُكم بالإدانة على قادة جماعة الإخوان في قضايا تخابر مع حماس وجهات أجنبية أخرى عدة أثناء وجود الجماعة في حكم مصر، بالإضافة إلى ثبوت وقائع التخطيط لتسليم جماعة الإخوان وثائق سرية تخص الأمن القومي المصري في نفس الفترة من حكم مصر.
بناء على التحليل السابق لفكر الجماعة، والوقائع التاريخية المثبتة، تسعى الجماعة و تخطيط لمحاولة تنفيذ نفس السيناريو التأمري ضد الدولة المصرية تحقيقاً لأهدافها استغلالًا لأحداث فلسطين الجارية، حيث سعت الجماعة وفق تصريحات إسرائيلية سابقة توطين الفلسطينيين في سيناء في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، حيث شرعت ونفذت دخول عناصر إرهابية تابعة لجماعات عدة، واعتبرت سيناء مسرح عمليات إرهابية مفتوح لتأمين تواجد الجماعة في الحكم، تمهيدًا لإحداث سيناريو الفوضى والتقسيم الذي لم يفارق مخيلة الجماعة إلى حينه.
بناء عليه؛ من الحكمة السياسية عدم الانسياق وراء المشاعر في تبنى الآراء، والتعقل والإيمان بأن فقه إدارة الدولة يجب أن يستمر يقظ لمؤامرات الخونة والإرهاب حتى لا يسقط الوطن في صراع ومخاطر غير مأمون عواقبها.