قراءة في نتائج قمة العلمين الثلاثية
عقدت يوم الاثنين 14 أغسطس2023، القمة الثلاثية المصرية – الفلسطينية – الأردنية، بجمهورية مصر العربية وتحديدا في مدينة العلمين الجديدة، شمالي البلاد، والتي دعا لها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بشكل عاجل، وذلك بمشاركة الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبومازن، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، واستهدفت القمة مباحثات بين القادة الثلاث، بشأن إحياء عملية السلام، والتشاور تجاه القضايا المتعدة علي كافة المستويات، عربيا وإقليميا ودوليا، وأيضا من أجل توحيد الرؤى ووجهات النظر تجاه تلك القضايا وعلي رأسها القضية الفلسطينية. وبحث الرؤساء آخر مستجدات هذه القضية، والأوضاع الإقليمية والدولية المرتبطة بها، وتنسيق المواقف فيما بينهم لحشد الدعم الدولي لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، وإنجاز حقوقه الوطنية المشروعة في الحرية وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
في الغالب لا تأتي القمم الطارئة، إلا لمناقشة أمر كبير وترتيب وتوحيد مواقف دول لها دور هام ومحوري، كما هو الحال هنا في هذه القمة، التي يمكن أن نطلق عليها قمة التعاون لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، ودور مصر والأردن في دعم ومساندة هذه القضية، حيث يمثلان امتدادان للجبهة الفلسطينية وأنهما الدولتان الأكثر ارتباطا بها ودورا فعالا تجاهها.
كما يبدو أن الدعوة إلي هذه القمة جاءت من أجل اتخاذ موقف حاسم لمواجهة التحديات الراهنة ومحاولة التنسيق والتشاور في المواقف بين الدول الثلاثة المجتمعة والالتزامات المطروحة أيضا فيهم بينهم. إلي جانب كونها استكمالا للاجتماعات السابقة، لاسيما بعد التنكر الإسرائيلي لما جرى التفاهم عليه في الاجتماعين السابقين في مدينة العقبة الأردنية ومدينة شرم الشيخ المصرية.
انطلاقا مما سبق، نطرح عدة تساؤلات، نحاول الإجابة عليها، وهي: لماذا عقدت هذه القمة في الوقت الراهن وما أهدافها؟، مدي محورية الدور المصري في هذه القمة تحديدا والقضية الفلسطينية بشكل عام؟، ما هي مخرجات هذه القمة ومدي فاعليتها؟
قمة هامة وعاجلة:
جاءت هذه القمة العاجلة تأكيدا علي أهمية القضية الفلسطينية والدعم الكامل لها، والرفض العربي التام لانتهاكات وجرائم الاحتلال المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، كما أنها تعد رسالة واضحة للجانب الإسرائيلي، بأن الدول العربية وفي مقدمتها، جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية، تقفان بجانب القضية الفلسطينية من أجل مواجهة مخاطر وانتهاكات الاحتلال ومستوطنيه داخل الأراضي المحتلة. وأن أمن فلسطين واستقلالها يمثل أمن المنطقة العربية بأكملها، وهذه المواقف الداعمة من قبل القاهرة وعمان هي أيضا رسالة للمجتمع الدولي الذي يلتزم الصمت حيال عمليات العنف والاعتقال والجرائم التي ترتكب بحق الفلسطينيين والتي تعد بمثابة جرائم حرب، وكذلك التعدي علي مقدساته، من قبل حكومة يمينية فاشية، ومستوطنين عنصريين ومتطرفين.
هذه القمة التي أقيمت علي الأراضي المصرية، هي تأكيد أيضا للدعم المصري تحديدا لفلسطين المحتلة علي مر التاريخ، وثبات موقف القاهرة تجاهها، ودورها الفعال، حتى بتغير قياداتها، بالإضافة إلي الدعم من الشعب المصري الذي يتعامل مع القضية كأنها قضيته. ولا يغفل عن أحد دور القيادة السياسية المصرية وسعيها الحثيث في أن تضع القضية الفلسطينية في دائرة الضوء داخل المجتمع الدولي والمحافل الدولية، كما أن مصر استضافت العديد من الاجتماعات للأطراف الفلسطينية الفاعلة، فضلا عن الدعوات المتكررة، لعقد اجتماعات وقمم عربية بشأن هذه القضية علي أراضيها.
أهداف القمة:
تستهدف هذه القمة العاجلة، التأكيد علي عملية التشاور والتعاون الدائم والمستمر بين الأشقاء الثلاث، تجاه القضايا والملفات الشائكة علي كافة الأصعدة، عربيا وإقليما وعالميا، وأيضا من أجل توحيد الرؤى ووجهات النظر تجاهها، لاسيما ما يتعلق بأمن المنطقة واستقرارها، والهدف الأكبر لهذه القمة هو العمل علي إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني الشقيق وإنجاز حقوقه الوطنية المشروعة في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة الكاملة، وعاصمتها القدس على حدود ٦٧.
كما أن هذه القمة، تسعي أيضا لتنسيق المواقف فيما بين أطرافها، لمواجهة انتهاكات الاحتلال الذي انقلب على مخرجات اجتماعي العقبة وشرم الشيخ، حيث ناقشت القمة اعتداءات الاحتلال علي المقدسات الفلسطينية واقتحامها، والعنف الممارس من قبل المستوطنين تجاه الشعب الفلسطيني، وحالة التصعيد التي تشهدها الأراضي المحتلة بشكل عام في الفترة الأخيرة. لذا فإن قمة العلمين هدفها أيضا ترتيب الأوراق وتوحيد المواقف للضغط علي الجانب الإسرائيلي، حال عودة المفاوضات مرة أخري.
الدور المصري:
يتصف الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية، بكونه دورا تاريخيا ثابتا ومستمرا، بهدف التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية ودعم حقوق الشعب الفلسطيني الشقيق، كذلك الدفاع المصري الدائم في كافة المحافل الدولية عن سيادة دولة فلسطين وعاصمتها القدس والحفاظ علي مقدساتها وتاريخها، وفق قرارات الشرعية الدولية.
مصر طرف إقليمي محوري، تبنيه ودعمه للقضية الفلسطينية يعزز من وجود ضمانات للحد من تفاقم الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في حال التزام كافة الأطراف بما تم التشاور حوله، لا في حالة التنصل والتنكر كما يفعل الاحتلال.
لعل أبرز مظاهر الحرص المصري الكامل في دعم القضية الفلسطينية مؤخرا، هو العمل علي توحيد الصف الداخلي الفلسطيني،تم ذلك من خلال لقاء للفصائل الفلسطينية بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مدينة العلمين المصرية أيضا، بتاريخ 30 يوليو الماضي 2023م، للتقريب بين وجهات النظر بينهم وإنهاء حالة الخلاف المستمرة منذ عام 2007م، واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية،وذلك بدعم من الجانب المصري، وبدعوة من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي لا يدخر جهدا في تقديم المساندة للقضية الفلسطينية، لذا استضافت مدينة العلمين ذلك الاجتماع لدعم فكرة التماسك والوحدة، خاصة وأن الاحتلال دائما ما يستغل حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي ويتمادى في أطماعه وعدوانه، بدعوى أنه لا يوجد شريك فلسطيني واحد لعملية السلام.
كما اتسمت نتائج ذلك الاجتماع حينئذ بالإيجابية، حيث أن النقاشات التي دارت بين قادة الفصائل علي الأراضي المصرية، شهدت توافقات حول مبادئ وثوابت أساسية يؤمن بها الجميع، تتعلق بتقرير المصير، وإنهاء الاحتلال، وإقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة. ومن ثم فإن توافر الإرادة والثبات على الصمود، ومد جسور الوحدة، هو الرد التاريخي على أهداف ومخططات الاحتلال.
مخرجات القمة:
المتأمل في البيان الختامي لقمة العلمين الثلاثية المصرية – الفلسطينية – الأردنية، يجد أن مخرجات هذه القمة تحمل مواقف حاسمة، وتؤكد علي التزامات لا تراجع فيها ولا تهاون، مثلما اعتادت إسرائيل أن تفعله من تنصل لمخرجات القمم السابقة، بالإضافة إلي أن توقيتها مهم وحرج للغاية في ظل ما يقوم به الاحتلال من أجل إفشال وعرقلة الدولة الفلسطينية.
هذه القمة العاجلة قائمة علي توحيد الرؤى والمواقف فيما بين قادة الدول الثلاث تجاه القضية الفلسطينية والسعي لإنهاء الاحتلال وإعلان فلسطين دولة مستقلة ذات سيادة، والرفض التام للجرائم التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني، وإدانة الاحتلال بانتهاك أيضا الوضع القانوني والتاريخي في القدس لاسيما في إطار المستجدات الراهنة في الأراضي الفلسطينية المحتلة والتصعيد الذي يرتقي إلي جرائم حرب ضد الفلسطينيين ومقدساتهم. ولعل أبرز ما أكد عليه القادة بالإجماع في البيان الختامي للقمة ما يلي، هو الأولوية للمرجعيات القانونية الدولية والعربية لتسوية القضية الفلسطينية. وضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين العربية ضمن جدول زمني واضح. واستعادة الشعب الفلسطيني لكامل حقوقه المشروعة، بما في ذلك حقه في تقرير مصيره. كما شدد البيان علي ضرورة وقف الاقتحامات الإسرائيلية لمدن الضفة الغربية المحتلة، ورفع الحصار عن قطاع غزة، وعلي إسرائيل القيام بالإفراج عن الأموال الفلسطينية المحتجزة لديها دون سند قانوني. بالإضافة إلى التمسك بمبادرة السلام العربية والتي تستند إلي القانون الدولي وتمثل الطرح الأكثر شمولية من أجل إحياء عملية السلام العادل وتلبية تطلعات شعوب المنطقة إلي مستقبل مستقر يسوده التعايش والتنمية. هذا إلى جانب التأكيد علي أهمية الوصاية الهاشمية التاريخية علي المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس. كما شدد القادة الثلاث علي وجوب تنفيذ إسرائيل التزاماتها وفق القانون الدولي الإنساني، والاتفاقات السابقة، كقمة العقبة وشرم الشيخ.
ختاما، مما لا شك فيه أن القضية هي قضية كل العرب، وفي مقدمتهم كما ذكرنا سلفا، جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية وعلى ضوء ذلك تأتي تحركاتهم إقليما وعالميا للتعبير عن مؤازرة الشعب الفلسطيني في مواجهة ذلك الاحتلال الدموي الغاشم، والتشاور بشكل دائم من أجل اتخاذ الإجراءات والمواقف الموحدة لمواجهة سياساته العنصرية والتنديد بها في كافة المحافل الدولية. لذا نأمل أن يعتد بمخرجات هذه القمة العاجلة، خاصة من قبل المجتمع الدولي للضغط علي الاحتلال والعودة للمفاوضات والالتزام بما تم الاتفاق عليه، والذي هو في حقيقة الأمر حق مشروع للشعب الفلسطيني الشقيق.كما أن هذه القمة تعزز الثقة الكاملة في اعتماد فلسطين على كل من مصر والأردن في مواجهة التحديات والمخاطر التي تعصف بالقضية الفلسطينية، وتهدد المشروع الوطني الفلسطيني.