أهمية التوقيت.. ما دلالات زيارة ملك البحرين إلى مصر؟

في الخامس من أغسطس 2023، زار العاهل البحريني، الملك حمد بن عيسي آل خليفة، جمهورية مصر العربية، وتحديدا مدينة العلمين الجديدة، وخلال الزيارة التقي الزعيمان، وبحثا سبل التعاون والعمل المشترك، وتعزيز أطر وآليات العلاقات الثنائية بين الجانبين، إلي جانب المناقشات حول مستجدات الأوضاع والقضايا علي الصعيدين الإقليمي والدولي، ومدي تطابق وجهات النظر بين مصر والبحرين، خاصة فيما يتعلق بمواجهة التحديات المحيطة بالمنطقة والجهود المبذولة من أجل تحقيق الاستقرار ودعم عملية التنمية.

تناولت الزيارة، التي ودع فيها الرئيس عبدالفتاح السيسي، الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين، لدى مغادرته مدينة العلمين في الـ 6 من أغسطس،- العلاقات الأخوية والتعاونية بين القاهرة والمنامة، على المستويين السياسي والاقتصادي، كما تطرق هذا اللقاء إلي الوضع الإقليمي الراهن والمواقف المشتركة بين البلدين.

يذكر أن العلاقات الثنائية بين مصر والبحرين تتميز بقوتها وصلابتها، كما أنها تقوم علي المساندة المستمرة، حيث يزخر التاريخ بالمواقف التي تعكس العلاقات الودية بينهما حكومة وشعبًا، ويؤكد هذا الأمر، الدعم المقدم من كلا الجانبين للآخر، والذي ساهم بالأساس في تعميق أواصر العلاقات الرسمية بين البلدين الشقيقين. حتى أنه في إحدى الزيارات السابقة للعاهل البحريني إلي مصر، جرى إطلاق اسم ملك البحرين في زيارة قام بها إلى مدينة شرم الشيخ، على شارع في منطقة خليج نعمة السياحية في محافظة جنوب سيناء، وأصبح اسم الشارع شارع “جلالة ملك مملكة البحرين”.

استنادًا إلي ما سبق، يحاول هذا التحليل قراءة أهمية الزيارة في الوقت الحالي، وما ستضيفه إلي سجل العلاقات المحمودة بين البلدين، خاصة في ظل الأوضاع الراهنة في المنطقة، والقضايا محل الاهتمام المشترك، وأشكال التعاون بين القاهرة والمنامة علي كافة الأصعدة.

أهمية الزيارة:

تأتي أهمية زيارة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل مملكة البحرين الشقيقة إلي مصر، لتؤكد علي متانة العلاقات المصرية البحرينية وأنها علاقات متأصلة ذات تاريخ مؤثر، على اعتبار أن مصر من أوائل الدول التى اعترفت بدولة البحرين بعد حصولها علي الاستقلال عام 1971م، ومن الملاحظ أن أنه منذ تولي الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الحكم، وهو يوجه اهتمامات الدولة المصرية نحو توطيد العلاقات مع الأشقاء العرب بصورة خاصة، والبحرين خير الأمثلة في ذلك.

كذلك تعمل هذه الزيارة علي بيان أهمية الدفع نحو استمرار العمل على تعزيز آليات التعاون العربي المشترك، في إطار السعي لدعم وحماية حالة السلم والأمن في مواجهة شتى التحديات والقضايا الخلافية الشائكة والمتصاعدة في المنطقة، ومدي تطابق الرؤى العربية لمواجهة هذه التحديات. وظهر ذلك من خلال استعراض الزعيمين أثناء هذا اللقاء، عددا من الملفات والتطورات الإقليمية والدولية وتم تبادل وجهات النظر بشأنها، حيث تم تأكيد أهمية تكثيف التنسيق بين البلدين الشقيقين لدعم حالة الأمن والاستقرار في الإقليم.

علاقات متأصلة:

تاريخ العلاقات بين البلدين الكبيرين، هو تاريخ حافل بالدعم والود المتبادل، فقد تفاعل الشعب البحريني مع ثورة 23 يوليو 1952، وشهدت مدن المملكة أيضا مظاهرات حاشدة تضامنا مع الشعب المصري أثناء العدوان الثلاثي علي مصر 1956، كذلك حملة التبرعات البحرينية الواسعة المقدمة لصالح المجهود الحربي المصري عقب نكسة 1967. وبالمثل، منذ حصول البحرين علي استقلالها عام 1971، كانت مصر من أوائل الدول التي سارعت للاعتراف بالاستقلال البحريني ودعمته بشكل رسمي، وذلك في إطار مواجهة الادعاءات الإيرانية في البحرين حينئذ، كما أنها أيضا من أوائل الدول التي أرسلت سفيرا لها إلي المنامة عام 1973م.

يعتبر الدعم بين البلدين متبادل بشكل كبير خلال العقود الخمسة الماضية، ويشهد تقدما ونموا ملموسا، فنجد علي سبيل المثال القيادة المصرية لا تدخر جهدا في الوقوف بجانب المملكة البحرينية في أزماتها، لاسيما السياسية منها، وكان من أبرز مظاهر ذلك الدعم، أثناء الأحداث والاحتجاجات التي شهدها الداخل البحريني في عام 2011، حيث توالت البيانات الرسمية الصادرة من قبل وزارة الخارجية المصرية دعما للمملكة الشقيقة، كما أصدرت وزارة الخارجية المصرية أيضا أكثر من بيان، أدانت خلالهم استخدام العنف في البحرين خلال تلك الفترة.

بالإضافة إلي ذلك، كانت لقاءات القمة بين زعماء البلدين حاضرة علي الساحة وبصورة متتابعة، خاصة في ظل القيادة السياسية الحالية في مصر، وكان أبرزها لقاء القمة الذي عقد في يونيو 2022، في مدينة شرم الشيخ المصرية بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وملك البحرين حمد بن عيسي آل خليفة، وملك الأردن عبد الله الثاني بن الحسين. وتناول ذلك اللقاء حينها العلاقات الاستراتيجية ومسارات التعاون الثنائي بين الدول الثلاث والتنسيق المتبادل في مختلف القضايا محل الاهتمام المشترك على المستويين الإقليمي والدولي، والتحديات التي تواجه المنطقة.

كان ذلك اللقاء بمثابة التأكيد علي الروابط الوثيقة التي تجمع بين البلدان الثلاثة، وحرصهم على الارتقاء بالتعاون إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، بما يعظم من استفادة الدول الثلاث من الفرص والإمكانات الكامنة فيما بينهم. كما أن هذه العلاقات تمثل حجر أساس للحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي وإعادة التوازن للمنطقة، في ظل الأهمية المحورية لمصر والبحرين والأردن إقليميا ودوليا. وتنقسم العلاقات بين البلدين إلي ما يلي:

(*) علاقات سياسية: دائما ما تشترك كل من مصر والبحرين في وجهات النظر السياسية وتبني مواقف موحدة، فيما يتعلق بقضايا المنطقة وملفاتها الشائكة، ودعمهما للجهود الرامية إلي التوصل إلي حلول سياسية لتلك القضايا ودعم حالة الاستقرار والأمن، حيث تدعمان القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني المناضل وحقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، من خلال التأكيد علي ضرورة تكثيف الجهود من أجل التوصل إلي تسوية شاملة وعادلة للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والعودة إلي مفاوضات جادة لتحقيق عملية السلام، كما تعملان أيضا علي حفظ سيادة العراق واستقلاله السياسي وحفظ أمنه واستقراره وعروبته، كما تشددان علي ضرورة إخلاء منطقة الشرق من أسلحة الدمار الشامل، كذلك تنسيق الجهود المشتركة بينهما لمواجهة حركات الإرهاب والتطرف، وكذلك التصدي للتدخلات الخارجية في الشأن العربي، بالإضافة إلي أزمة سد النهضة وموقف الملك البحريني الداعم لكل من مصر والسودان، حيث أعلن مرارا وتكرارا تضامن بلاده معهما، وتأييد كل ما يحفظ حقوقهما المشروعة وأمنهما المائي في نهر النيل، فضلا عن دعم الجهود الرامية إلي التوصل إلي اتفاق ملزم وعادل لكافة الأطراف بما يتسق مع قواعد القانون الدولي.

(*) علاقات عسكرية: هنالك تنسيق أمني وسياسي تحظي به العلاقات المصرية البحرينية، مما شكل تضامنا عربيا من أجل حماية المنطقة وتقوية جبهاتها الداخلية العسكرية من جهة، وتقوية أدوارها السياسية نحو الخارج من جهة أخري، فالعلاقات العسكرية بين القاهرة والمنامة تتسم بالتعاون والتماسك في كافة القطاعات العسكرية، حيث توجد مناورات وتدريبات عسكرية مشتركة، سواء بشكل ثنائي بين البحرين ومصر، مثل فعاليات التدريب المصري البحريني المشترك “خالد بن الوليد2018” أو جماعية كفعاليات التدريب المشترك “سيف العرب2020” والذي تتشارك فيه البحرين والسعودية والإمارات والأردن والسودان مع مصر، والذي يعد واحدا من أرقي التدريبات العسكرية التي تنفذ داخل المنطقة العربية وذلك من أجل ترسيخ أسس التعاون العسكري العربي المشترك.

(*) علاقات اقتصادية: تشهد العلاقات الاقتصادية بين مصر والبحرين تطورا كبيرا، تجاريا واستثماريا، وتنمويا، مما أدي إلي توطيد العلاقات بينهما، ولعل هذا ما ترمي إليه بالفعل القيادة السياسية في البلدين، حيث أن التعاون العربي والإقليمي، يعزز حالة الترابط بين دول المنطقة ودعم الجهود المبذولة في التجارة والاستثمار وتحقيق التنمية الاقتصادية.

وشهدت حركة التبادل التجاري بين البلدين نموا متزايدا في السنوات القليلة الماضية، حيث أعلن الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء فى يونيو 2022، عن ارتفاع حجم التبادل التجاري بين مصر والبحرين إلى 917.2 مليون دولار خلال عام 2021، مقابل 401 مليون دولار خلال عام 2020.

كما بلغت قيمة الصادرات المصرية إلى البحرين 450.7 مليون دولار خلال عام 2021، مقابل 139.3 مليون دولار خلال عام 2020، وبلغت قيمة الواردات المصرية من البحرين 466.5 مليون دولار خلال عام 2021، مقابل 261.7 مليون دولار خلال عام 2020. ومن أهم الصادرات المصرية إلي البحرين، (الأثاث، الحديد، الآلات، المعدات، الخضروات، البقول، المواد الغذائية، مستحضرات التجميل، القطن، والسيراميك) ومن المتوقع أن تقوم مصر بفتح أسواق جديدة للمنتجات المصرية في السوق البحريني من خلال تصدير السجاد والمنسوجات والأقطان والرخام والجرانيت والأسمنت. ومن أهم الواردات المصرية من البحرين، (المشتقات النفطية، الزيوت، منتجات بلاستيكية، الألومنيوم ومصنوعاته، مستحضرات التنظيف والحديد والصلب).

علي صعيد الاستثمار، تحتل المملكة البحرينية المرتبة 16 في قائمة الدول المستثمرة في السوق المصري، حيث بلغ حجم الاستثمارات البحرينية في مصر 3.2 مليار دولار لنحو 216 مشروعا. كما أن هناك 10 شركات بحرينية كبرى تستثمر 753.3 مليون دولار في مصر من بينها عدد من الاستثمارات القائمة بالقطاع المالي والمصرفي. وفي مايو الماضي 2023، التقى الدكتور محمود عصمت وزير قطاع الأعمال العام، رئيس مجلس إدارة شركة ألومنيوم البحرين “ألبا” الشيخ دعيج بن سلمان آل خليفة، ومعه عدد من قيادات الشركة، إلي جانب قيادات شركة مصر للألومنيوم، وذلك من أجل بحث سبل دعم وتعزيز التعاون بينهما وكذلك إتاحة فرص جديدة للاستثمار في مجال صناعة الألومنيوم.

ختاما، يمكن القول إن زيارة العاهل البحريني إلي مصر في هذا التوقيت، تؤكد على قوة ومتانة العلاقة بين البلدين، وامتداد لتاريخ طويل من التعاون والدعم بين القاهرة والمنامة، بل تشير إلى أهمية وحدة الصف والتنسيق الدائم بينهما، والذي يقف في وجه أزمات المنطقة سواء كانت سياسية أو اقتصادية، هذا بالإضافة إلى أن زيارة جلالته إلي مدينة العلمين الجديدة علي وجه التحديد، ترمي إلي نموذج ترويجي للتنمية والسياحة في مصر ودعمها أيضا.

سارة أمين

سارة أمين- باحث في شئون الشرق الأوسط، الباحثة حاصلة علي ماجستير في العلوم السياسية، شعبة العلاقات الدولية، متخصصة في دراسة شئون الشرق الأوسط والخليج العربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى