ماذا بعد قمة شرم الشيخ الخماسية؟

سارة أمين – باحث في وحدة دراسات الأمن الإقليمي
تستضيف مدينة شرم الشيخ المصرية اليوم الأحد 19 مارس 2023، اجتماع بمشاركة مسئولين سياسيين رفيعي المستوي من مصر وفلسطين والأردن وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، في محاولة لاحتواء الأوضاع العنيفة في الضفة الغربية والمحتمل تصاعدها خاصة مع حلول شهر رمضان المبارك.
وصرحت وزارة الخارجية المصرية في بيان لها، قائلًا إن “الاجتماع يأتي بهدف دعم الحوار بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي للعمل على وقف الإجراءات الأحادية والتصعيد وكسر حلقة العنف القائمة وتحقيق التهدئة بين الجانبين، بما يمهد لخلق مناخ ملائم يسهم في استئناف عملية السلام”.
وسيشارك من الجانب الفلسطيني أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية (حسين الشيخ)، ومدير المخابرات العامة الفلسطينية اللواء (ماجد فرج)، والمستشار الدبلوماسي للرئيس (مجدي الخالدي)، والناطق باسم الرئاسة (نبيل أبوردينة).
وتجدر الإشارة إلى أن الوفد المشارك من الجانب الإسرائيلي، هو ذاته الذي شارك في اجتماع العقبة، ويترأسه مستشار الأمن القومي، (تساحي هنغبي)، إضافة إلى رئيس جهاز المخابرات (رونين بار)، ومنسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، (غسان عليان)، بالإضافة إلى مدير عام وزارة الخارجية، (رونين ليفي).
موقف غير مبرر:
أدانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة الجهاد الإسلامي، في بيان مشترك، “إصرار السلطة الفلسطينية على المشاركة في قمة شرم الشيخ الأمنية”، واعتبرتا ذلك “انقلابا على الإرادة الشعبية، وخروجا سافرا عن القرارات الوطنية ومخرجات الحوار الوطني”. كما صرحا بأن”العدو الإسرائيلي يستغل هذه اللقاءات الأمنية لشن المزيد من العدوان والمجازر ضد شعبنا، التي كان آخرها مجزرة جنين، إضافة لمواصلة استهداف المقاومين واغتيالهم”. ودعيا إلى “وقف التعلق بأوهام التسوية والمفاوضات والالتزام بالإرادة الشعبية وقرارات الإجماع الوطني، ووقف العبث بالأمن والسلم الوطني الفلسطيني”.
كما صرح رئيس دائرة العلاقات الوطنية في حركة الجهاد الإسلامي (خالد البطش)، قائلًا إن مشاركة السلطة في القمة “تشكل طوق نجاة لحكومة اليمين المجرم في تل أبيب”، وأضاف “هذه الخطوة وفي هذا التوقيت تحديدا، هي خدمات مجانية للحكومة الصهيونيّة اليمينية التي بات العالم يضيق ذرعا بممارساتها وسلوكها الفاشي، ومشاركة السلطة ستصب زيتا على نار الأزمات الداخلية، ومن ناحية أخرى تعطي الفرصة للكنيست الصهيوني للمضي قدما في إقرار قانون إعدام الأسرى الذي سيشكل عصا في مواجهة نتنياهو خصومه في أزمته الداخلية”.
اتجاهات العنف الإسرائيلي:
علي الرغم من الجهود الإقليمية والدولية المبذولة من أجل احتواء الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومنعها من الخروج عن السيطرة، صرح وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف (إيتمار بن غفير) “بمواصلة هدم منازل فلسطينيين بالقدس الشرقية خلال شهر رمضان”. وذكرت هيئة البث الإسرائيلية في 6 مارس الجاري أن “وزير الأمن القومي طلب من الشرطة الاستعداد لتنفيذ عمليات الهدم الواسعة للمنازل المقامة بدون تراخيص”. كما صرح بن غفير أيضا قائلا “ليس سرًا أن هناك تفاهما بين قواتنا الأمنية مفاده أنه خلال شهر رمضان لا ينبغي للمرء أن يتنفس، ولا ينبغي تطبيق القانون”، واستدرك: “لكن مفهوم الصمت هو الوحل. دعنا نتوقف عن هذا الموقف، لا ينبغي للمرء أن يخضع للمخالفين للقانون بسبب حلول هذا الشهر، تماما مثلما لا نتهاون في تطبيق القانون خلال أعياد اليهود”.
تنصل إسرائيلي:
في 26 فبراير الماضي، عقد اجتماع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بحضور ممثلين عن الأردن ومصر وأمريكا، في مدينة العقبة الأردنية، وتم الاتفاق على وقف الإجراءات أحادية الجانب لأشهر محددة. وكذلك اتفاق الأطراف أيضا على عقد اجتماع آخر في مدينة شرم الشيخ المصرية في مارس لتحقيق الأهداف التي جرى نقاشها في قمة العقبة آنذاك.
ولكن عقب اجتماع العقبة مباشرة، تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) بعدم تجميد بناء المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة. وتعرضت قرية حوارة جنوبي نابلس وقري وبلدات مجاورة أيضا، خلال الشهر الجاري، إلى هجوم نفذه مئات المستوطنين الإسرائيليين، ما أدى إلى مقتل فلسطيني وجرح العشرات إضافة إلى إحراق والتسبب بأضرار لعشرات المنازل والسيارات. وتم إدانة هذا الهجوم علي مستوي إقليمي ودولي واسع.
وفي زيارة لوزير الدفاع الأمريكي (لويد أوستن) في 9 مارس الجاري، دعا تل أبيب إلى العمل مع الأمن الفلسطيني للحد من العنف بالضفة الغربية، خاصة قبل حلول شهر رمضان والذي سيتزامن مع احتفالات عيد الفصح عند اليهود. كما أعرب أوستن عن “قلقه إزاء تدهور الوضع الأمني بالضفة الغربية”، في ظل تصاعد العنف من قبل المستوطنين اليهود ضد بلدات وقرى فلسطينية.
من هنا يأتي اتهام مسئولون فلسطينيون إسرائيل بعدم التزامها بما تم التوصل إليه في العقبة من ترتيبات وتفاهمات حول احتواء الأوضاع. لذا كان الرفض لاجتماع شرم الشيخ علي نطاق واسع، لأنهم يرون أنه لا طائل منه.
تخوف محتمل:
يبدو أن الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة المؤيدة للمستوطنين تشجع على العنف وكذلك الإفلات من العقاب. إذ بينما أصدر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بيانا في 2 مارس الجاري دعا فيه المواطنين إلى “عدم تطبيق القانون بأيديهم”، أعرب عضو يميني متطرف في ائتلاف نتيناهو عن دعمه لمثيري الشغب.
ورغم إدانة كل من الاتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة ، والإدارة الأمريكية لهجمات المستوطنين التي وصفت بالأعنف والأشرس ضد المدنيين الفلسطينيين، إلا أنه لم يتم الاكتراث لها، بل يزداد الأمر سوءا ، وتزداد معه المخاوف مما هو قادم ، ما ينذر بأيام ساخنة.
في النهاية، يمكن القول إن قمة شرم الشيخ الخماسية، تأتي في توقيت بالغ الأهمية، خاصة وأنها انطلقت في سياق إقليمي ودولي مختلف، بالإضافة إلى صعود حكومة نتنياهو الأكثر عداءا تجاه الفلسطينيين، وهو ما يرجح خروج تفاهمات عن هذه القمة، تكون أشد إلزاما لكلا الجانبين، وذلك من أجل احتواء الموقف وتهدئة الأوضاع.