تهديد الخليج: كيف تحول اليمن إلى ممر خطر للهجرة غير الشرعية؟

يمثل اليمن عمقًا استراتيجيًا لأمن دول الخليج العربي، إذ يُعد استقراره جزءًا لا يتجزأ من منظومة الأمن الإقليمي الخليجي. غير أن التطورات الأخيرة منذ مطلع ديسمبر 2025، ولا سيما تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي للسيطرة على مساحات واسعة من محافظتي حضرموت، المنتجة للنفط والمجاورة للمملكة العربية السعودية، والمهرة المحاذية لسلطنة عُمان، شكّلت مصدر قلق متزايد لدول الخليج. ويزداد هذا القلق في ظل احتمالات أن تؤدي هذه التحركات إلى تشجيع جماعة الحوثي على توسيع نفوذها شرق البلاد، بما يشمل المناطق الغنية بالنفط والغاز، بما يتيح لها الحصول على موارد إضافية وتوسيع قدرتها على تجنيد مقاتلين ومرتزقة خلال المرحلة المقبلة.

في هذا السياق، يبرز تساؤل مهم حول مدى إمكانية استغلال الحوثيين للتزايد الملحوظ في أعداد المهاجرين غير الشرعيين القادمين من منطقة القرن الأفريقي إلى اليمن خلال الفترة الأخيرة، وتوظيفهم ضمن مسار الصراع الدائر، سواء عبر التجنيد القسري أو الاستخدام غير المباشر في أنشطة عسكرية وأمنية.

اليمن بوابة تهديد لأمن الخليج:

شهدت الأسابيع الماضية تصاعدًا لافتًا في تدفقات المهاجرين غير الشرعيين الأفارقة من دول القرن الأفريقي إلى الأراضي اليمنية. وتشير بعض التقديرات إلى وصول أكثر من 300 مهاجر يوميًا، قادمين في الغالب من إثيوبيا والصومال وجيبوتي. كما أفادت المنظمة الدولية للهجرة، في تقرير صادر خلال أكتوبر 2025، بوصول نحو 17,600 مهاجر إلى اليمن خلال شهر واحد، وهو أعلى معدل شهري مسجل خلال العام.

ويُلاحظ أن النصف الثاني من عام 2025 شهد ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد المهاجرين غير النظاميين القادمين عبر المنافذ البحرية والبرية في محافظات أبين ولحج وشبوة وتعز، مدفوعين بتدهور الأوضاع الاقتصادية، واستمرار النزاعات المسلحة، وارتفاع مستويات الفقر والجفاف في بلدانهم الأصلية. وقد ساهمت هشاشة الوضع الأمني في اليمن، إلى جانب استغلال شبكات التهريب للمنافذ المفتوحة وضعف الرقابة الساحلية وغياب التنسيق الإقليمي المشترك، في تسهيل حركة هذه التدفقات.

ويُضاف إلى ذلك القرب الجغرافي لليمن وموقعه الاستراتيجي بين قارتي أفريقيا وآسيا، وكونه حلقة وصل طبيعية بين القرن الأفريقي ودول الخليج، خصوصًا المملكة العربية السعودية، ما جعله بوابة عبور رئيسية للمهاجرين الأفارقة نحو الخليج عبر البحر الأحمر وخليج عدن، في ظل غياب مؤسسات الدولة وتفكك المنظومة الأمنية.

أزمة إنسانية متفاقمة:

يعاني آلاف المهاجرين غير الشرعيين في اليمن من أوضاع إنسانية شديدة القسوة، تتمثل في انعدام الرعاية الصحية، وغياب المأوى، وتعرضهم للاستغلال من قبل شبكات التهريب والاتجار بالبشر، فضلًا عن المخاطر المرتبطة بحوادث الغرق أثناء العبور البحري، أو الزج بهم في مناطق النزاع واستخدامهم كدروع بشرية.

وفي هذا الإطار، كشف تقرير حديث صادر عن مركز الهجرة المختلطة (MMC) أن نحو 99% من المهاجرين اضطروا للاعتماد على مهربين لعبور البحر والوصول إلى اليمن، فيما استمر حوالي 56% منهم مع مهرب واحد طوال الرحلة، ما يعكس درجة عالية من التنظيم والتنسيق داخل شبكات التهريب العابرة للحدود. كما أوضح التقرير أن الغالبية العظمى من المهاجرين ينتمون إلى الفئة العمرية بين 18 و34 عامًا، مع تصدر الإثيوبيين قائمة الجنسيات، يليهم الصوماليون ثم الجيبوتيون.

وتُعد دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان، الوجهة النهائية لغالبية هؤلاء المهاجرين، بينما يتجه بعضهم إلى الإمارات والكويت. ورغم أن معظمهم لا ينوون الاستقرار في اليمن، فإن وجودهم دون حماية قانونية يجعلهم عرضة للعنف، والاستغلال، والتجنيد القسري من قبل أطراف الصراع.

استغلال الفرص في سياق الصراع:

على الرغم من أن الهجرة غير الشرعية من القرن الأفريقي إلى اليمن ليست ظاهرة جديدة، فإن عودتها إلى الواجهة بهذا الزخم تثير مخاوف متزايدة، لا سيما في ظل التطورات السياسية والأمنية الأخيرة. وتتصاعد هذه المخاوف مع احتمالات سعي الحوثيين إلى استغلال هؤلاء المهاجرين في الصراع القائم، سواء عبر تجنيدهم كمقاتلين أو استخدامهم في أنشطة غير نظامية، كوسيلة للضغط وتهديد أمن دول الخليج، خاصة على الحدود مع المملكة العربية السعودية.

كما لا يمكن استبعاد توظيفهم في عمليات التهريب أو القرصنة البحرية، بالتعاون مع شبكات التهريب المنتشرة في المنطقة. ويُضاف إلى ذلك أن العقوبات المالية المفروضة على الحوثيين من قبل الولايات المتحدة قد تدفع الجماعة إلى البحث عن مصادر بديلة للتمويل والضغط، وهو ما ألمحت إليه القيادة الحوثية قبل تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي في ديسمبر 2025، عبر التهديد بالسيطرة على مزيد من الأراضي أو انتزاع تنازلات مالية من الرياض.

في المحصلة، يشكل التزايد الأخير في أعداد المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين إلى اليمن تهديدًا مباشرًا لأمن دول الخليج، فضلًا عن انعكاساته السلبية على أمن الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن. وتتضاعف خطورة هذا التهديد إذا ما جرى استغلال هؤلاء المهاجرين من قبل الحوثيين في سياق الصراع القائم.

ومن ثم، تبرز الحاجة الملحة إلى تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة تداعيات هذه الظاهرة، من خلال تكثيف الجهود المشتركة لمكافحة شبكات التهريب، وضبط قوارب النقل غير القانونية، وتأمين السواحل والمنافذ الحيوية، مع تزويدها بالوسائل التقنية الحديثة، بما يسهم في حماية أمن المنطقة واستقرار حركة الملاحة الدولية خلال المرحلة المقبلة.

د. جهاد نصر

رئيس برنامج دراسات الجيوبوليتيك بالمركز- مدرس مساعد بقسم العلوم السياسية جامعة ٦ أكتوبر، متخصصة في مجال الجيوبوليتيكس، وشئون الأمن الإقليمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى