ركائز مؤثرة: هل تتأثر العلاقات الاقتصادية الخليجية الأمريكية في ظل إدارة “بايدن”؟

بعد فوز “بايدن” برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، بدأت تساؤلات كثيرة تطرح حول طبيعة العلاقات الأمريكية تجاه دول الشرق الأوسط والخليج، خاصة بعد أن شهدت علاقات دول الخليج تطوراً وتحسناً كبيرين في عهد الرئيس السابق “ترامب”.

ففي ظل توقعات تشير إلى شكل السياسة الخارجية الأمريكية للرئيس “بايدن” في المرحلة القادمة تجاه إيران، واستعداد الرئيس المنتخب جو بايدن للانضمام ثانية إلى الاتفاق النووي الإيراني، الذي يُعرف أيضاً باسم (خطة العمل الشاملة المشتركة بين إيران ومجموعة (5+1)، التي تضم الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، والتى وقعت في يونيو 2015 يبقى السؤال: إلى أين تتجه العلاقات الاقتصادية بين دول الخليج والولايات المتحدة الأمريكية؟، وما هي أهم ملامحها المستقبلية والتوقعات المحتملة في ظل أجواء سياسية تحمل فى طياتها الكثير من الضبابية؟.

 واقع العلاقات الاقتصادية بين الطرفين:

هنا يمكن قياس واقع العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليخ من خلال عدة نقاط، وذلك على النحو التالي:

(*) العلاقات الاستثمارية: يُعتبر الخليج العربي في الوقت الحاضر، وسيبقى في المستقبل نقطة تركيز أساسية للسياسات الامريكية في إدارة العلاقات الاقتصادي ، حيث اعتمدت الولايات المتحدة بشكلٍ نموذجيٍّ مقاربة ثنائية الأطراف. وقد كان هذا الميل واضحاً منذ عهد الرئيس جورج بوش، حيث سمحت الولايات المتحدة لعددٍ من صناديق الثروة السيادية في الخليج شراء حصص في شركات تصنيع ومؤسسات مالية ومشروعات عقارية أمريكية على أساس ثنائى الاطراف[i]

 

وقد بلغت استثمارات دول مجلس التعاون الخليجى فى الأوراق المالية الحكومية الأمريكية نحو 77.274 مليار دولار فى يوليو 2020 مقارنة ب 994.269 مليار دولار فى فبراير 2020 وذلك وفقا لبيانات وزارة الخزانة الأمريكية. حيث ارتفعت استثمارات المملكة العربية السعودية – أكبر الدول الخليجية المستثمرة في الأذون والسندات الأمريكية – بنسبة  2.7% لـ 167 مليار دولار في يوليو 2020 ؛ مقابل 162.6 مليار دولار في نفس الفترة من عام 2019، كما رفعت استثمارات دولة الكويت بتلك القائمة إلى 42.3 مليار دولار. ورفعت سلطنة عُمان استثماراتها بتلك السندات إلى نحو 8.851 مليار دولار وذلك في نهاية فبراير 2020 مقابل 8.643 مليار دولار بشهر يناير2019  . وارتفعت استثمارات دولة قطر بتلك السندات عند مستويات 1.238 مليار دولار مقارنة بـ 1.203 مليار دولار في شهر يناير2019. أما دولة البحرين فقد جاءت فى المركز الأخير من حيث القيمة فقد رفعت استثماراتها بتلك السندات إلى نحو 884 مليون دولار مقارنة بـ 796 مليون دولار قيمتها في شهر يناير 2019 [ii]. ومن هنا يظهر بشكل واضح استثمارات دول الخليج في أدوات الدين الأمريكية خلال عام 2020، مع الضغوطات المالية التي تعرضت لها نتيجة التبعات السلبية لتفشي فيروس كورونا، وهبوط أسعار النفط الا أن تلك الاستثمارات توجهت معظمها نحو الزيادة [iii].

يضاف إلى ذلك حجم ضخم من الاستثمارات فى المجالات الأخرى بين الخليج والولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة أكبر مستثمر عربي في السوق الأمريكية بإجمالي استثمارات تقدر بنحو 4.8 مليار دولار، وتتركز باستثمارات مهمة في القطاعات التجارية والمالية، كما تتواجد العديد من الاستثمارات الأمريكية فى الامارات بعدة قطاعات منها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والأمن السيبرانى والصناعات المتقدمة [iv].

كذلك الحال قاد صندوق الاستثمارات العامة السعودي عمليات الاستثمار في الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة، واستحوذ على عدد كبير من الأسهم الممتازة في الولايات المتحدة وأوروبا، وحقق أرباحاً في وقت لاحق. من ناحية أخرى، خصص كل من جهاز أبوظبي للاستثمار والهيئة العامة للاستثمار في الكويت، مبالغ كبيرة من رأس المال واختاروا الاستثمار المباشر في العقارات والبنية التحتية وفرص التملك في الشركات الخاصة[v].

(*) العلاقات التجارية: بلغ إجمالى حجم التبادل التجارى السلعى بين دول الخليج والولايات المتحدة الأمريكية نحو 90 مليار دولار لعام 2018 مقارنة ب 8 .84 مليار دولار عام 2017. وقد  بلغت إجمالى الصادرات السلعية من الخليج الى الولايات المتحدة نحو 38 مليار دولار، بينما بلغت اجمالى الواردات السلعية لدول مجلس التعاون الخليجى من الولايات المتحدة نحو 52 مليار دولار وهو ما يمثل 7.11% من اجمالى واردات دول الخليج من الأسواق العالمية.

أما بالنسبة للنفط ومنتجاته، فقد تصدر قائمة أكثر السلع المصدرة الى الولايات المتحدة لتستأثر على ما نسبته 9.71% من اجمالى الصادرات السلعية لدول الخليج فى عام 2018، ويليها الألومنيوم ومصنوعاته. ويوضح الشكل رقم (1) حجم واردات الولايات المتحدة الأمريكية من النفط ومنتجاته من دول الخليج العربى، ويظهر من خلاله توجه تلك الواردات نحو الانخفاض خاصة منذ عام 2018.

وعلى الرغم من كون الولايات المتحدة الأمريكية خامس أكبر مشترٍ لنفط الشرق الأوسط، إلا أن  وارداتها من المنطقة تراجعت مع إرتفاع معدلات إنتاج النفط محلياً، إثر طفرة استخراج النفط الصخري بالولايات المتحدة ، إلا أن نصيب دول الخليج من النفط الذي استوردته الولايات المتحدة في عام 2019 بلغ نحو 20 ألف برميل يومياً، واستمر فى النقصان ليصل الى ما يقل عن 15 ألف برميل بنهاية عام 2020.

[i] ) جيفري مارتيني ، واخرون : افاق تعاون بلدان الخليج العربى ، مؤسسة راند ، 2016 ، ص ص 66-67. متاح على الرابط التالى :- https://cutt.us/pRAFXAnd :-

 

د.أبو الفضل الاسناوي

المدير الأكاديمي لمركز رع للدراسات الاستراتيجية -حاصل على دكتوراه في النظم السياسية من جامعة القاهرة في موضوع الأداء البرلماني في دول الشمال الأفريقي. -حاصل على ماجستير في النظم السياسية عن موضوع النظام السياسي والحركات الإسلامية في الجزائر. -مدير تحرير مجلة السياسة الدولية بالأهرام. - مدير وحدة الدراسات بقطاع القنوات الإخبارية بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية. - أستاذ العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والإدارة ونظم المعلومات بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا. -كاتب في العديد من المجلات العلمية وخبير مشارك في العديد من مراكز الدرسات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى