فرص البقاء.. هل يصمد اتفاق غزة في مرحلته الثانية؟

مثلت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي للولايات المتحدة ولقائه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقطة فارقة في مسار اتفاق غزة واختبارًا جديًا لفرص نجاح استكمال الاتفاق في مرحلتيه الثانية والثالثة في ظل التحديات التي يواجهها طرفيه المباشرين (حماس وإسرائيل)، والأطراف الوسيطة التي انقسمت بدورها إلى فريقين هما الوسيطين المصري والقطري من جهة والجانب الأمريكي في عهد ترامب من جهة أخرى والذي بات معنيًا بترجيح كفة الحليف الإسرائيلي في المقام الأول وتصدير معضلة اليوم التالي لحرب غزة إلى الأطراف العربية.
وتأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي محددات الانتقال للمرحلة الثانية وفرص صمود اتفاق غزة في ضوء المتغيرات التالية.
محددات الصمود
في مواجهة استحقاقات المرحلة الثانية من الاتفاق ينصب اهتمام الأطراف المنخرطة على تشكيل اليوم التالي في غزة بينما يمثل الشاغل الأول لنتنياهو كيفية إنقاذ حكومته من الانهيار عبر استغلال هامش المناورة المتاح زمنيًا وموضوعيًا، ويمكن تفصيل مواقف الأطراف على النحو التالي:
(*) معضلة الداخل الإسرائيلي: يضيق الاستقطاب السياسي الحاد بشأن استكمال الحرب في ظل وجود محتجزين في غزة خيارات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فمن جهة يهدف لانتزاع الهدف السياسي للحرب وهو تقويض سلطة حماس وقدراتها العسكرية وتقديم تنازلات لليمين المتطرف لمنع انهيار الحكومة وهو ما يمكن ترجمته في الضغط ببنود الاتفاق الأخرى وعلى رأسها البرتوكول الإنساني لتسريع عمليات تبادل الأسرى والمحتجزين وتأخير مفاوضات المرحلة الثانية مع تغيير فريق التفاوض لإدخال وزير الشئون الاستراتيجية رون ديرمر وإزاحة رئيس الشاباك رونين بار وبحث آفاق مخطط التهجير مع الإدارة الأمريكية وإعداد خطة لـ”التهجير الطوعي” عبر الأراضي الإسرائيلية. بينما تمثل ضغوط الشارع الإسرائيلي المؤيد لاستمرار الصفقة لحين عودة جميع المحتجزين عاملًا مثبطًا لدعوات استئناف الحرب وضغطًا إضافيًا لصالح الإدارة الأمريكية يمكن استغلاله في احتواء نتنياهو.
(*) الترتيبات الفلسطينية: على مدار 15 شهرًا من المواجهة والوصول لصفقات التبادل في نوفمبر 2023 ويناير 2024، ركزت حماس وفصائل غزة على إدخال المجتمع الإسرائيلي طرفًا في معادلة الصراع عبر عمليات تبادل الأسرى والمحتجزين وتوسيع جبهات المواجهة إقليميًا في محاولة لإدارة مخاطر الحرب والدفع باتجاه إسقاط الحكومة اليمينية رغم التكلفة المرتفعة على المواطنين الغزيين، ومع الارتدادات السلبية للتصعيد الإقليمي على إيران ومحورها، بات المحتجزون الإسرائيليون هم الورقة الأهم في يد الحركة أمام توجه فلسطيني وعربي داع لإنهاء الحرب، وهو ما يرتبط باستحقاقات سياسية داخلية وتنازلات ضرورية لاستشراف مرحلة إعادة الإعمار والتي تحتاج لدعم عربي ودولي يضمن هدوء مستدام وانسحاب حماس من إدارة غزة، بالتوازي مع إجراءات واسعة في السلطة الفلسطينية لتلبية المطالب بالإصلاح الداخلي والاستعداد لتولي مسئولية إدارة قطاع غزة جنبًا إلى جنب مع الضفة الغربية باعتبارهما وحدة واحدة في الدولة الفلسطينية المستقبلية، شملت تشكيل حكومة جديدة والمرسوم الرئاسي بتولي رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح مهام الرئاسة في حال شغور المنصب.
(*) دور المفاوض الأمريكي: مع إبداء الدعم المطلق للحليف الإسرائيلي في تقويض النفوذ الإقليمي لإيران وإخراج حماس وحزب الله من المعادلة، تبدو الإدارة الأمريكية معنية بإنهاء الحرب في غزة بأقل الأثمان بممارسة الضغوط على كافة الأطراف المعنية بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي وفق محددات رئيسية، أولها استئناف مسار السلام الإقليمي مع إسرائيل مع تولي العرب الترتيبات الاقتصادية والأمنية بشأن مستقبل غزة والفلسطينيين وتحييد أي تهديدات تعيق ذلك التوجه وثانيها إدارة التصعيد في المنطقة لمنع اندلاع مواجهة إقليمية تعطل أهدافه بالتوصل لاتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي. ورغم التماهي الواضح في التصريحات مع الحكومة الإسرائيلية إلا أن التحدي الأبرز للإدارة الأمريكية يكمن في توجهات اليمين الإسرائيلي المتطرف، إذ يعبر نهج الشراكة مع إسرائيل عن مخاوف جدية من سلوك نتنياهو الذي قد يفسد أي صفقة إقليمية على وقع وضعه الداخلي المتأزم بين محاكمته المستمر في قضايا فساد إلى جانب تهديد بتسلئيل سموتريتش بالانسحاب من الحكومة في المرحلة الثانية من الصفقة ومخاوف البحث عن قيادة إسرائيلية بديلة تكون أكثر تواؤمًا مع السياسة والتوجهات الأمريكية في الشرق الأوسط.
مستقبل الاتفاق
على وقع المواقف السابق ذكرها، ينطوي مستقبل اتفاق وقف إطلاق النار على أحد السيناريوهين التاليين:
السيناريو الأول؛ نجاح الاتفاق: ويتضمن الانتقال للمرحلة الثانية والتوصل لاتفاق بشأن إنهاء الحرب عبر إزالة تعقيدات اليوم التالي في غزة تباعًا، مما يعني تولي إدارة وطنية مؤقتة تؤول تبعيتها للسلطة الفلسطينية مع توحيد غزة والضفة ضمن جدول زمني محكم تحت حكومة وطنية مدعومة عربيًا ودوليًا تسهم في خفض التوتر بالضفة الغربية والشروع في عمليات إعادة الإعمار في المناطق المتضررة من آثار العدوان.
ويتصدر ذلك السيناريو الالتزامات السياسية والمتمثلة في إيجاد سلطة بديلة في غزة تحظى بالقبول العربي والدولي ونتائج المفاوضات بشأن نزع سلاح القطاع مقابل الالتزام الإسرائيلي بتطبيق “الخطوط العريضة” للاتفاق ومنها تخفيف القيود على المساعدات الحيوية في إزالة الركام وإعادة الإعمار. وقد ينتج عن ذلك السيناريو انهيار حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل وإيجاد صيغة للتهدئة في الضفة الغربية والقدس.
السيناريو الثاني؛ العودة للتصعيد: ويتمثل في فشل المفاوضات بشأن سلاح الفصائل أو تصعيد الخروقات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار بدفع من اليمين المتطرف، بالتوازي مع توسع العدوان في مناطق الضفة الغربية وجمود الموقف الفلسطيني الداخلي وتلاشي الأفق السياسي لحل الدولتين. وتكمن خطورة ذلك السيناريو في امتداد الصراع بالمنطقة في ظل معادلة أمنية هشة تخدم أجندة “اليمين الإسرائيلي” ولا تراعي الشواغل الأمنية لدول الجوار والقوى المرتبطة بإيران.
وإجمالًا؛ يمثل أي تقدم في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ابتعادًا عن سيناريو عودة الحرب مرة أخرى، ويعد السيناريو الأول أقرب للتحقق مع مواجهة بعض الصعوبات والعراقيل التي تعترض كل خطوة في تنفيذ المرحلة الثانية. ويتطلب تحقيق ذلك أن يستمر الحوار الفلسطيني-الفلسطيني والعربي-الفلسطيني حول تنسيق الخطوات المقبلة لتمهيد الطريق لانتخابات رئاسية وتشريعية والتوجه في إطار موحد للتحدث مع المجتمع الدولي لإقامة الدولة الفلسطينية. ويقع على عاتق الجانب العربي توحيد المقاربة الاستراتيجية لمعالجة أزمات المنطقة واحتواء الفواعل ما دون الدولة وتسوية النزاعات الأهلية والإقليمية عبر تعزيز دور الدبلوماسية غير الرسمية بالاستفادة من دور مراكز الفكر كدعامة رئيسية في تلك الجهود على المستوى الإقليمي ولضمان عدم العودة للتصعيد في أي من دول الأزمات العربية. ولا ينفصل ذلك عن إطلاق مقاربة شاملة لمكافحة الإرهاب والأنشطة المزعزعة للاستقرار.