ماذا قدم “كوب 28” لحلحلة مربكات الأرض؟

تنتهي النسخة 28 من مؤتمر الأطراف باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ “كوب 28″، بمدينة دبي اليوم 12 ديسمبر 2023م، وقد ناقش المؤتمر في بداية جلساته قضايا تغير المناخ بحضور زعماء العالم ، حيث ناقشت الحكومات الكيفية والآلية لمعالجة ذلك وأيضا الاستعداد له مستقبلًا، ويأتي “كوب 28” عقب مرور عام شهد مزيجًا من حالات التطرف المناخي بمختلف بقاع كوكب الأرض، وتحطم فيها العديد من الأرقام القياسية المناخية. لذا هذه الجولة أحدث جولة للأمم المتحدة من محادثات المناخ العالمية بعد هذا التغير الشديد مناخيًا، وهذه القمم أهم الاجتماعات في العالم لمناقشة كيفية معالجة التغير المناخي. وتجهيزًا لاستقبال مؤتمر “كوب 28” علي الأراضي الإماراتية، عينت الدولة سلطان الجابر، رئيسًا لقمة المناخ، والذي يشغل منصب وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في البلاد.
استنادًا إلى ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى أهداف انعقاد القمة المناخية لهذا العام، ورؤية الدولة الإماراتية تجاه قضايا المناخ من خلال “كوب 28″، متناولًا حدود اختلافه عن سابقيه.
أهداف مشتركة:
من المنتظر أن يخرج هذا المؤتمر بإسهامات تساعد في الحفاظ علي هدف الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية على المدى الطويل إلى 1.5 درجة مئوية، فوفقًا لأمانة الاتفاقية الإطارية فإن هذا الهدف ضروري لتجنب التأثيرات الأكثر تدميرا لتغير المناخ. وحاليا يبلغ ارتفاع درجات الحرارة علي المدى الطويل تقريبا 1.1 درجة مئوية، أو 1.2 درجة مئوية، وذلك مقارنة بفترة ما قبل الثورة الصناعية، أي الفترة التي سبقت قيام الإنسان بحرق الوقود الأحفوري ( النفط والغاز والفحم) على نطاق واسع، حيث أنه من الأسباب الرئيسية لتغير المناخ لانطلاق الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري مثل ثاني أكسيد الكربون عند حرقها للحصول على الطاقة، إلا أن التقديرات الأخيرة تشير إلى أن العالم يسير حاليًا نحو ارتفاع درجات الحرارة بمقدار من 2.4 إلي 2.7 درجة مئوية بحلول عام 2100. ولذلك دائمًا تقول الأمم المتحدة إن فرص الحفاظ على درجة 1.5 مئوية قد تتضائل.
قمة مناخية شمولية:
تهدف رؤية دولة الإمارات من خلال مؤتمر مناخ “كوب 28” إلى تسريع الانتقال والتوسع في استخدام مصادر الطاقة النظيفة كطاقة الرياح والطاقة الشمسية، وهذا ما أعلن عنه سلطان الجابر، وهو ما يتناغم مع أهداف الأمم المتحدة فيما يتعلق بمعالجة التغير المناخي، من أجل خفض انبعاثات الغازات الدفيئة قبل حلول عام 2030م، والتأكيد أيضًا على إيصال الأموال اللازمة للعمل المناخي من البلدان الثرية إلي البلدان الأشد فقرًا واحتياجًا، والعمل علي التوصل إلي اتفاق جديد يتعلق بالدول النامية، إلى جانب التركيز علي الاهتمام بالطبيعة والصحة والتمويل والغذاء. كما يحسب أيضا لمؤتمر الأطراف بدبي، ولأول مرة في تاريخه، انطلاق فعاليات جناح الأديان، في خطوة تعزيزية نابعة من رؤية الدولة المضيفة والتي تسعى جاهدة لربط القضايا المناخية بكافة الأطراف المعنية والمؤثرة في المجتمعات.
وقد دعت دولة الإمارات أكثر من 200 حكومة، إلي جانب العديد من التكتلات البيئية والجمعيات الخيرية ومراكز الفكر والتطوع والشركات والجماعات والهيئات الدينية إضافة إلي بعض النشطاء المهتمين والباحثين في قضايا المناخ. وعلى الرغم من أن الإمارات دولة نفطية من الدرجة الأولي، وقضايا المناخ جميعها تتعلق بالوقود الأحفوري ومستقبله فيما يتعلق بعمليات حرقه، لذا دعا رئيس قمة المناخ، الجابر إلى “التخفيض التدريجي في استخدامه“.
تطورات جديدة:
لطالما وجهت الانتقادات من قبل بعض الناشطين في العمل المناخي، إلى القمم السابقة، علي سبيل المثال، في عام 2009 تعهدت الدول المتقدمة بمنح الدول النامية 100 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2020، لمساعدتها على تقليل الانبعاثات والاستعداد للتغير المناخي، ولكن ذلك لم يتحقق، ومن بين الانتقادات الموجهة للمؤتمرات السابقة أنها تمارس ما يسمى “الغسيل الأخضر” أي أن البلدان والشركات تروج لأوراق اعتمادها المناخية دون إجراء التغيرات اللازمة. لذا بدأ اليوم الأول من قمة المناخ 28، بكلمة قوية من السيد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، يحذر فيها من أننا “نعيش انهيارًا مناخيًا حقيقيًا”، حيث كان عام 2023م، الأكثر سخونة على الإطلاق ولذلك يجب أن يكون بمثابة “رسالة تحذيرية قوية لزعماء العالم“.
وفي إطار تقديم الحلول للحد من التغير المناخي، أعلن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، في كلمته في “كوب 28″، عن إنشاء صندوق بقيمة 30 مليون دولار للحلول المناخية علي مستوي العالم، وذلك من أجل سد فجوة التمويل المناخي وتيسير الحصول عليه بتكلفة مناسبة.
كما أنه من الإنجازات التي ظهرت حتى الآن عبر “كوب 28″، والتي تعد خطوة ذكية من قبل الدولة الإماراتية، هي طرح رئيس المؤتمر السيد سلطان الجابر قرار تنفيذ إنشاء “صندوق الأضرار والخسائر” وقد تمت موافقة ممثلو الدول المشاركة في المؤتمر على تنفيذ هذا الصندوق طال انتظاره لأكثر من ثلاثة عقود وهو أحد منجزات “كوب 27” بشرم الشيخ، وهو ما من شأنه أن يرفع تكاليف الأضرار الناجمة عن الفيضانات والعواصف وموجات الجفاف الناجمة عن التغير المناخي وغيرهم. والمفاجئ في الأمر أنه عادة ما يتم إبرام مثل هذه الصفقات في الساعات الأخيرة من إقامة المؤتمر وبعد أيام من المفاوضات. وعلي إثر هذا مباشرة تعهدت كل من الإمارات وألمانيا بضخ مبلغ 100 مليون دولار في هذا الصندوق، كما أعلن كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة عن مساهمات يبلغ مجموعها حوالي 400 مليون دولار للدول الفقيرة التي تعاني من آثار التغير المناخي.
هذه الخطوة التي بادرت بها دولة الإمارات تعد أحد أهم أجزاء هذا المؤتمر بالكامل، خاصة أنها لطالما كانت محط خلاف، وكانت بداية طرحها في تسعينيات القرن الماضي، وتم محاربتها من عدة دول غنية خوفا من الاضطرار إلي دفع تعويضات هائلة عن الانبعاثات الكربونية.
وفي مؤتمر صحافي عقد الاثنين 4 ديسمبر 2023م، للسيد سلطان الجابر رئيس المؤتمر، صرح فيه قائلًا: “في الأيام الأربعة الأولى من كوب 28، اعتقد أننا وضعنا بالفعل معايير عالية للانجاز، كما أن هناك شعور حقيقي بالإيجابية”، وأضاف “هذه هي فرصتنا لتحقيق نقلة نوعية وملموسة وتضعنا علي المسار الصحيح للحفاظ علي 1.5 درجة مئوية في متناول اليد”، وأشار إلي أنه “43 بالمئة من انبعاثات العالم يجب أن تخفض بحلول عام 2030م“.
ختامًا؛ إن الحد من تغير المناخ بالفعل يشكل قضية هامة يشهدها العالم، لذا نحن نحتاج إلى إسهامات فعلية واقعية، وهو المنتظر تحقيقه من مؤتمر الأطراف “كوب 28” وحتى تاريخه نحن بصدد مؤشرات إيجابية ناتجة عن الفترة الماضية من المؤتمر، وبانتظار المزيد من المعالجات مع انتهائه قبل منتصف ديسمبر الجاري.