إلى أي مدى يتطور العدوان الإسرائيلي على غزة

أطلقت “كتائب القسام” الذراع المسلح لحركة “حماس” في السابع من أكتوبر عملية “طوفان الأقصى”، وشنت هجومًا مباغتًا على مستوطنات غلاف غزة مما أدى إلى مقتل أكثر 1400 إسرائيلي حسب التصريحات الرسمية، وفي المقابل أعلنت دولة الاحتلال عملية “السيوف الحديدية” للقضاءعلى حركة (حماس) في قطاع غزة وارتكبت مجازر ضد المدنيين.
وبدت كما أنها بداية لحرب جديدة على الوجود الفلسطيني في الأراضي المحتلة عمومًا بتكثيف قصف المباني السكنية واستهداف المستشفيات ومراكز الإيواء، مع وجود أزمة المحتجزين بالقطاع، إلا أن جيش الاحتلال يؤكد الاستمرار في خطة غزو قطاع غزة للقضاء على قدرات “حماس” العسكرية والسلطوية وتحرير المحتجزين دون الدخول بصفقة تبادل أسرى.
وتأسيسًا على ما سبق؛ يسعى هذا التحليل للإجابة على تساؤل رئيسي وهو إلى أي مدى يتطور العدوان على غزة ؟
ملامح العدوان الإسرائيلي:
في صباح السبت من 7 أكتوبر عندما انطلقت صفارات الإنذار في جنوب اسرائيل، شنت المقاومة الفلسطينية بشكل مفاجئ هجومًا مباغتًا بغطاء صاروخي تمثل بإطلاق 5000 قذيفة نحو مستوطنات غلاف غزة.
وبذلك ردت إسرائيل على تلك الضربات للإنتقام من ما فعلته حركة (حماس) وبدأت بالقصف و الضرب في قطاع غزة وتصويب الهجمات نحو المدنيين، ويمكن استعراض صور انتهاكات اسرائيل ضد المدنيين في قطاع غزة على النحو التالي:
(*) استهداف المباني والسكان المدنيين: سعت حكومة الاحتلال لتضخيم آثار هجوم المقاومة على المدنيين لتسويق الهجوم على أنه “11 سبتمبر الإسرائيلي” لإطلاق يدها في العدوان، وهو ما ظهر في حصيلة اليوم الأول، حيث أعلنت السلطات في غزة استشهاد أكثر من مائتي فلسطيني بضربات جوية إسرائيلية.
وتتالت الضربات الإسرائيلية في غزة على المدنيين بمساعدات ودعم عسكري من الولايات المتحدة الأمريكية من خلال تقديم الأسلحة و الذخائر للمساندة في خوض الحرب، حيث بلغ عدد الضحايا في 30 يومًا من بدء العدوان نحو 9770 شهيد وما يفوق 24808 مصاب، أكثر من ثلهم أطفالًا، وتنفيذ مجازر جماعية بحق 1031 عائلة مع تدمير مربعات سكنية، واستخدمت قوات الاحتلال أسلحة محرمة دوليًا مثل قنابل الفسفور، ومنها يأتي استشهاد الآلاف من المدنيين، دفعوا حياتهم ثمنًا للعقاب الجماعي والإبادة العرقية، وبذلك يعتبر ذلك الامر إبادة جماعية للشعب الفلسطيني.
وتتالت القصفات العنيفة على غزة التي لم تتوقف عند قصف المنازل المدنية، بل امتدت لمراكز الإيواء من المدارس، والمستشفيات ودور العبادة بواسطة الطائرات العسكرية الإسرائيلية، ومنها ضرب كنيسة الروم الأرثوذكس والتي كان يحتمي بها النازحين من غزة.
وفرضت سلطات الاحتلال حصارًا شاملًا على القطاع بقطع الكهرباء والمياه والوقود مما يؤدي إلى حدوث كارثة صحية في المستشفيات نتيجة لنفاذ جميع مصادر الطاقة في قطاع غزة، واضطر الناجين من الشعب الفلسطيني إلى استخدام الماء المالح لاحتياجاتهم اليومية، والاختباء والنزوح إلى المستشفيات والمدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا” التي لم تنج من العدوان الغاشم لقوات الاحتلال ومن ثم لم يتبقى مكان آمن للنزوح وأصبحت ساحة منفتحة للضربات والقصف.

(*) قصف المستشفيات: قصف جيش الاحتلال واستهدف المستشفيات والمواقع المحيطة بها مثل مستشفى المعمداني والتى تعتبر من أقدم المستشفيات في غزة من خلال غارة جوية شنتها إحدى طائرات الاحتلال مما أدى إلى ارتقاء أكثر من 500 شهيد فلسطيني أغلبهم من الأطفال والنساء والأطباء والمسعفين مما يوضح انعدام الإنسانية والرحمة.
ومع استمرار التصعيد خرجت بعض المستشفيات عن الخدمة بسبب العدوان على غزة ومنها مستشفى الصداقة التركي لأمراض السرطان، وذلك بالإضافة إلى 32 مركز صحي من أصل 52 مركز رعاية.
(*) تهجير الشعب الفلسطيني: كشفت وسائل الإعلام عن مخطط صادر عن وزارة الاستخباريةيتضمن تهجير الشعب الفلسطيني في غزة إلى أراضي شبه جزيرة سيناء المصرية، وهو ما رفضته مصر في أكثر من موضع وبلهجة حاسمة، وفرضت معادلة جديدة بتعزيز دخول المساعدات الإنسانية للقطاع مقابل خروج مزدوجي الجنسية.
ونصحت أمريكا إسرائيل بتأجيل الدخول البري في غزة لاكتساب الوقت ووضع خطة لكيفية المفاوضة بشأن المحتجزين لدى حركة “حماس” وإتاحة الوقت لدخول المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، وعندما تم إطلاق سراح اثنتين منهم من الجنسية الأمريكية، قبل أن يصعد الاحتلال بتطوير الهجوم بريًا.
أسباب تأجيل الغزو البري على غزة
بعد طول تردد وغموض، أعادت سلطة الاحتلال التفكير بخطة الغزو التي تستهدف استعادة الردع أولًا قبل أي هدف ثانوي آخر مثل إطلاق سراح المحتجزين وهو ما يتطلب عدم الانخراط في صفقة تبادل مشروطة بوقف العدوان ترسخ مشهد الهزيمة والانكسار، خاصة بعد إطلاق سراح المحتجتين الإسرائيليتين المسنتين عبر معبر رفح بعدما رفضت إسرائيل استلامهم، وكانت حكومة الحرب عازمة ومصرة على إكمال الضربات والحرب، وقد تعهد رئيس الحكومة نتنياهو بمقولة (القتال حتى النصر) وتلك المقولة كانت منافية لأسباب تأجيل الغزو.
من الممكن القول كذلك إن عدم استعدادية جيش الاحتلال، وعدم وجود المعلومات اللازمة لدى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وذلك كان واضح بشكل كبير، وكانت المخاوف بشأن الخسائر العديدة في صفوف جيش الاحتلال التي من الممكن أن تنتج من خلال التوغل والحرب من دون وضع أهداف دقيقة ومحددة.
وفي الوقت ذاته قد أطلقت طائرات الاحتلال منشورات على الشعب الفلسطيني قالت إن حماس منظمة إرهابية، وروجت فيها لمزاعم ذبح الأطفال واغتصاب النساء، ودعتهم للخروج من مناطقهم واتباع تعليمات الجيش للحفاظ على أرواحهم.
وشغل ملف المحتجزين من الإسرائيليين والأجانب وحاملي الجنسيات المزدوجة جانبًا من المعطلات للغزو، حيث أصدر الناطق باسم “كتائب القسام” بيانًا أنه في حال عدم وقف الضربات والغارات الموجهة إلى غزة سيكون هناك في مقابل كل ضربة من إسرائيل مقتل أحد من الأسرى.
وتزايدت الضغط الشعبية مع الوقت، حيث أعربت عائلات المحتجزين عن قلقهم وطالبوا الحكومة بوقف عمليات القصف العنيفة والشديدة على قطاع غزة ، بعدما أقرت فصائل المقاومة بمقتل نحو 60 محتجزًا جراء الغارات الإسرائيلية.
وفي مقطع فيديو مصور نشرته “كتائب القسام” وجهت ثلاث محتجزات إسرائيليات رسائل لاذعة إلى رئيس الحكومة نتنياهو متهمينه بالإخفاق السياسي والعسكري و المجازفة بحياتهم داعين لتنفيذوقف إطلاق نار فوري يمهد لصفقة تبادل مع الفصائل لإخراج جميع المحتجزين الإسرائيلين مقابل الأسرى الفلسطينيين.
مصير التوغل البري
صعدت قوات الاحتلال الإسرائيلي في 26 أكتوبر 2023 بتوسيع التوغل البري في قطاع غزة وحققت تقدمًا بقطع جميع الطرق بين الشمال والجنوب، تمكنت المقاومة بأسلحة بدائية الصنع وقذائف الهاون من إرباك قوات الاحتلال وتسببت بخسائر مادية ومعنوية، إلا أن تحقيق أهداف التوغل البري وتحديد مداه يتوقف على العوامل التالية:
(&) التطور الميداني: بحسب الأحداث من المحتمل أن يكون هناك هجوم تضليلي باستخدام حرب الإبادة لتنفيذ مخطط التهجير والتذرع باتخاذ الفصائل للمدنيين دروعًا بشرية، فمن الواضح أن إسرائيل لا تهتم بالخسائر البشرية بقولها في البداية إن الهدف الأساسي هو القضاء على حماس مما ظهر أنها مجزرة وإبادة جماعية بدون التفرقة بين المقاومة والميدانيين، وه ما يظهر العامل الحاسم لنتائج الاشتباك بين المقاومة وجيش الاحتلال في توسيع أو تقييد العمليات جنوبي وادي غزة.
(&) ملف المحتجزين: تنشط طائرات مسيرات فوق القطاع بحثًا عن المحتجزين لجمع المعلومات الاستخباراتية في غزة للمساعدة في جهود تحديد مواقع المحتجزين، وإلقاء منشورات بمطالبة كل من لديه معلومات عن المحتجزين سواء كانو أحياء أو أموات بإبلاغ السلطات الإسرائيلية وستقدم له المكافئة المادية وضمان الأمن الكامل والسرية التامة له.
(&) الموقف الدولي: في حالة تهجير الشعب الفلسطيني فقد أكدت مصر على موقفها الشديد بالرفض القاطع لمخطط التهجير أو تصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار، وأكد على الرئيس عبد الفتاح السيسي على وجوب اتخاذ موقف حاسم بوقف إطلاق النار الفوري وتدفق المساعدات الإنسانية، وعلى صعيد آخر فإن الأردن اتخذت موقفًا تجاه إسرائيل بتجميد جميع علاقتها حتى انتهاء الحرب، ومن الممكن أن يتسبب العدوان المتواصل وضغوط الرأي العام العالمي في تغيير مواقف الدول الداعمة للاحتلال.
وختامًا؛ يمكن القول إن التوغل البري المحدود يظل هو الأكثر ترجيحًا في ظل الخسائر التي يواجهها جيش الإحتلال على الرغم من تمكنه من السيطرة على شمال غزة، مع استمرار الضغط الشعبي لتحريك ملف إخراج المحتجزين والتحول التدريجي في المواقف الدولية نتيجة لتصاعد المجازر الإسرائيلية ضد المدنيين.