كيف يضغط ملف المحتجزين على حكومة نتنياهو؟

في ظل العدوان الإسرائيلي على غزة عقب عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها “كتائب القسام” وفصائل المقاومة الفلسطيني في القطاع يوم السبت 7 أكتوبر 2023، ومع استمرار احتجاز عدد من الأسرى والمحتجزين لدى الفصائل كورقة ضغط لتنفيذ صفقة تبادل لإخراج كافة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، إلا أن تزايد النزاع وغياب أفق صفقة التبادل زاد الغضب والذعر في نفوس أهالي المحتجزين الإسرائيليين ضد حكومتهم مما دفعهم لإقامة الاحتجاجات والمطالبة برجوع أبنائهم وضمان السلامة لهم، مبدين السخط على النظام السياسي الإسرائيلي.

وتأسيسًا على ما سبق؛ يسعى هذا التحليل للإجابة على تساؤل رئيسي وهو: إلى أي مدى يؤثر موقف المحتجزين على حرب غزة والمشهد السياسي الإسرائيلي؟

الانقلاب على سياسة نتنياهو

تواجه الحكومة الإسرائيلية ضغطًا هائلًا من أهالي المحتجزين في إسرائيل والأجانب وحاملي جنسيات من الدول الغربية الأخرى الذي لديهم محتجزين في غزة منذ بداية الحرب على غزة، وذلك أدى إلى انقلاب في السياسة الإسرائيلية خاصة بعدما انتظر الأهالي من الحكومة معرفة المعلومات عن ذويهم، وانتقدوا عدم إعطائهم أي مؤشرات واضحة ولا موافاتهم بمستجدات المفاوضات، ويعتبر عدد المحتجزين نحو 239 محتجز في غزة، وحذروا من أن صبرهم قد نفذ ضد الحكومة الإسرائيلية في ظل إعلان الفصائل عن مقتل العشرات منهم تحت القصف العشوائي.

وفيما يأتي دور جال هيرش القائد العسكري الإسرائيلي الذي تم  تعيينه مسؤولًا عن ملف المحتجزين في الحرب بين الطرفين، وثار عليه الأهالي واعتبروا أن دوره غير مجدي بتلك العملية ولا يأتي بالإفاده على المحتجزين، عندما نُشرت  صورة  لهيرش من مكتب نتنياهو مع إحدى المحتجزات المفرج عنها من غزة، معتبرين أن ذلك “استخفاف بعقول الشعب”، إذ يُقحم نفسه في ذلك المشهد دون أن يكون له دور في الإفراج عنهم.

ويمكن الإشارة إلى مظاهر ذلك الانقلاب على النحو التالي:

(*) تصاعد الاحتجاجات: بدأت الاحتجاجات والمسيرات من السفارة المصرية في إسرائيل وميدان كابلان في 26 من أكتوبر والتي كان بها أهالي المحتجزين في غزة وكان عددهم 224 شخص ووالمئات من المتضامنين الإسرائيليين، وكانت الاحتجاجات التي بدأت في يناير قد انتظمت أسبوعيًا ضد حكومة بنيامين نتنياهو اعتراضًا على مشروع إصلاح النظام القضائي.

وصدت الشرطة الإسرائيلية بعض المحتجين الذين تظاهروا أمام مقر إقامة رئيس الوزراء في 4نوفمبر والتي تحمل الغضب الشديد من الإخفاقات في التعامل مع ملف المحتجزين وفي التقصير الذي قاد لهجوم السابع من أكتوبر، ونادى المئات منهم بـ “السجن لنتنياهو الآن” واستقالته الفورية، وطالب البعض منهم بإجراء انتخابات بعد انتهاء الحرب مباشرة.

وبعد مرور 30 يوم على ما حدث في السابع من أكتوبر والتي سماها الشعب الإسرائيلي بـ”المذبحة” اجتمع الإسرائيليون من أنحاء المدن في تجمعات تذكارية حاملين بها الشعارات بإحياء التاريخ بمرور شهر على ما حدث، وإقامة الصلوات عند “حائط البراق” أو ما يطلق عليه الإسرائيليون “جدار المبكى” في القدس من أجل إطلاق سراح المحتجزين، بينما يستمر جيش الاحتلال بالقصف العنيف على غزة.

وفي ذات الوقت استغل بعض الأهالي ذلك الحدث لإقامة احتجاج خاص على سياسة نتنياهو والمطالبة باستقالته، واعتصم في المخيمات إلى أن يترك نتنياهو الحكومة ونادوا بـ”الأمل الجديد” و”المساواة”.

وأقام المحتجون عرضًا يرمز للمحتجزين، باستخدام الدمى لتمثيل الأسرى ومطالبتهم بإعادة أبنائهم أمام مقر الجيش “هاكيريا” في تل ابيب، واستمرت المظاهرات مع ارتفاع غضب الأهالي على اختفاء أبنائهم  وعدم رد الحكومة الإسرائيلية إن كانوا أحياءًا أم أموات ومتى ستقوم الدولة بوضع الحلول لرجوعهم.

(*) دعوات الإضراب العام: مع تزايد الاحتجاجات تراجعت الحركة التجارية وعرقلة حركة القطارات، وتلك هي الخطة التي انتقل بها المحتجين على ما يحدث ومقاومة الخطط الحكومية و الانقلاب على الحكم السياسي للدولة، ومن ثم اتجهت إلى الإضراب العام عن العمل وأعلنت أنها ستظل حتى نهاية الحرب ؛منهم الأطباء رافعين الشعارات باسم “أطباء من أجل الديموقراطية”،  وتلك الشعارات توضح بأن الشعب الإسرائيلي لا يرى أية ديموقراطية في الحكم الحالي. وباشرت الاحتجاجات بالضغط على الاتحاد العام  للنقابات وأصحاب الصناعات لينضموا إليهم في حملة الاحتجاج والإضراب العام.

ومؤخرًا واصل المتظاهرون فعالياتهم الاحتجاجية يوم السبت 11 نوفمبر وهو الذي  ظهر به الآلاف من الإسرائيليين في تل أبيب للمطالبة بإطلاق سراح المحتجزين بغزة وذلك مقارنة بأول احتجاج فإنه يشير إلى أن المسيرات تزداد زخمًا، وأن الغضب يشتعل باستمرار الحرب دون نتائج ملموسة.

انعكاسات ملف المحتجزين على السياسة الإسرائيلية:

وجهت أسرة إحدى المحتجزات في غزة- كانت مهمتها مراقبة الحدود مع القطاع- رسالة غاضبةإلى حكومتهم محملين نتنياهو وحكومته مسئولية اختطافها تحت رقابتهم المباشرة ومسؤوليتهم، واتهموها بارتكاب مجازر أخرى (في غزة)، وأن الحكومة غير قادرة على إعادة أبنائهم، وظهرت بعض من مقاطع الفيديو للمحتجزين لدى حماس  يوجهون الرسائل لنتنياهو بأنه يجب عليه إيقاف الحرب وأن الشعب الإسرائيلي يدفع الضرائب سنويًا للدولة لكنه يجد بالمقابل إهمالًا في حماية حياتهم وعدم تحمل المسؤلية تجاههم، وأفاد الأهالي أن إطلاق سراح المحتجزين لدى الطرفين ضرورة وطنية.

وارتفعت النداءات لرئيس حكومة الاحتلال بعد تكثيف الضربات الجوية ودخول القوات البرية في وإعلان الغزو البري، بالخوف من تعرض أبنائهم للخطر في حال قصف المواقع الخاصة بالفصائل الفلسطينية، معتبرين أن ما يحدث هو فشل ذريع وصلت إليه حكومتهم وأن الحرب أظهرت أنها غير قادرة على وضع نهاية أو وضع حدود لها.

وردت الحكومة على تلك التساؤلات بأنهم يتقدمون في تحقيق أهداف الحرب ألا وهو؛ تفكيك حماس وحماية الحدود، مما أدى إلى  تأكيد الأهالي على اتخاذ موقف ضد الحكومة وعدم التنازل برفع شعارات تدعو لإنهاء الحرب.

وختامًا؛ يمكن القول إنه على الرغم من استمرار تحولات الحرب وتصعيدها والسيطرة على شمال غزة من قبل إسرائيل، إلا أن بداية الحرب وضغط ملف المحتجزين في غزة هي أيضًا بداية الضغط الشعبي الإسرائيلي والانقلاب السياسي على حكومتهم، وذلك سيؤدي إلى الخسارة  السياسية الحتمية في حال استمرار الحرب بإطاحة نتنياهو عن الحكم أو تفاوضه لأجل تبادل الأسرى لإنهاء الحرب.

حبيبة عبدالسلام

باحثة مساعدة بوحدة دراسات الأمن الإقليمي، خريجة كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة 6 أكتوبر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى