هل باتت الإطاحة بـ”نتنياهو” حتمية؟

بعد استئناف العدوان على غزة وما خلفته من خسائر بشرية في أرواح المدنيين الأبرياء، إلى جانب خسائر المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال، والتي أشعلت الاحتجاجات الشعبية الداعية لتنحي بنيامين نتنياهو من الحكم، فضلًا عن رفض الرأي العام العالمي للسردية الإسرائيلية بشأن الصراع ورفض استمرارية الحرب، ولم يكن المشهد السياسي والحزبي بعيدًا عن تلك المطالبات، حتى أتت دعوة زعيم المعارضة يائير لابيد بإقالة نتنياهو، وصولًا للخلافات التي دبت داخل حزب الليكود الحاكم على زعيمه، وتراجع الحزب في استطلاعات الرأي الشعبية وانعدام ثقة الجمهور في الحكومة والإعلام الإسرائيليين.

وتأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي تأثير الحرب على مستقبل حزب الليكود بالخريطة السياسية واحتمالات الإطاحة بـ”نتنياهو” من السلطة.

الخيار البديل

أدلى زعيم حزب يش عتيد المعارض يائير لابيد بتصريحات منتقدة لحكومة نتنياهو على تراجع مستوى الخدمات بذريعة الحرب، ونشر على منصة إكس تصريحات غاضبة، موضحًا حاجة الجمهور الإسرائيلي إلى “حكومة تتعامل مع الأمن والاقتصاد” وأضاف “لا يمكننا تحمل دورة انتخابية أخرى في العام المقبل لنستمر من خلالها في القتال”.

ودعا لابيد، حزب الليكود إلى تنحية نتنياهو واختيار بديل له من داخل الحزب لتولي منصب رئاسة الوزراء، وهو ما لاقى ردود فعل متباينة في صفوف النخب السياسية والحزبية في ظل استمرار الحرب، وهو ما يمكن إيضاحه وفق المعطيات التالية:

(*) استطلاعات الرأي حول شعبية نتنياهو: إن استطلاعات الرأي منذ بداية التصعيد تظهر تراجع شعبية نتنياهو نتيجة مسئوليته عن الإخفاق الأمني في التعامل مع “طوفان الأقصى” وصولًا لملف استعادة المحتجزين، ففي مطلع أغسطس وقبل بداية الأزمة بشهرين نشرت مؤسسة بيو للأبحاث استطلاع للرأي أجرته في الفترة بين مارس وإبريل الماضي، أظهر حجم الاستقطاب داخل المجتمع الإسرائيلي حول نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، حيث عبر 52% من المستطلع آرائهم عدم تأييدهم لنتنياهو، بينما بلغ رفض الائتلاف اليميني الحاكم ما نسبته 91% في أوساط الجمهور.

ومنذ شن عملية “طوفان الأقصى” وبعد إعلان “السيوف الحديدية” بهدف معلن وهو القضاء على حركة حماس واستعادة المحتجزين، شهدت شعبية حزب الليكود تراجعًا ملحوظًا، ففي استطلاع رأي أجري منتصف نوفمبر الماضي ونشرته جريدة “معاريف” العبرية سيحصل الائتلاف الحكومي على 41 مقعد بالكنيست إذا أجريت الانتخابات حاليًا، نزولًا عن 64 مقعدًا حصل عليها الائتلاف قبل عام، وعلى صعيد المقاعد الحزبية بموجب الاستطلاع تنخفض حصة حزب الليكود من 32 إلى 18 مقعدًا فقط، مقابل صعود حزب “المعسكر الرسمي” بزعامة بيني جانتس من 12 مقعدًا إلى 43 مقعدًا، كما يتراجع حزب يش عتيد المعارض من 24 إلى 13 مقعدًا فقط، يليه شاس بعدد 9 مقاعد نزولًا عن 11 مقعدًا في الكنيست الحالي، ويرتفع رصيد حزب إسرائيل بيتنا من 6 إلى 8 مقاعد، ويحافظ حزب يهودية التوراه على 7 مقاعد، بينما يخسر تحالف الصهيونية الدينية 7 مقاعد، بخروج حزب المتطرف بتسلئيل سوتريتش، مقابل حفاظ حزب عظمة يهودية بزعامة إيتمار بن جفير على المقاعد السبعة المتبقية.

ونتيجة لتراجع الثقة في الحكومة والجيش، ارتفعت معدلات الهجرة من إسرائيل لعدم وجود الأمن الداخلي في الدولة و تراجع الأداء الاقتصادي.

ومع زيادة العدوان على غزة في الحرب المستمرة ونتيجة للأزمة التي خلفها ملف المحتجزين منذ بداية الحرب، سادت المعارضة لحكومة نتنياهو بسبب انعدام الأمن الداخلي الدولي وعدم وضع الأولوية للمحتجزين في غزة وضمان سلامتهم وإعادتهم، تواصلت الاحتجاجات الأسبوعية منذ بداية الحرب وكان آخرها يوم السبت الماضي رفضًا لاستئناف الحرب وعدم استعادة كافة المحتجزين في غزة مطالبة بتنحية نتنياهو.

(*) المواقف الحزبية: ومع بروز الخلافات بين أطراف حكومة الطوارئ، ظهر نتنياهو منفردًا في مؤتمر صحفي يوم الأحد 4 ديسمبر 2023، كاشفًا تفضيل وزير الدفاع يوآف جالانت عقد مؤتمر صحفي منفرد، ورفض مشاركته في المؤتمر الصحفي لنتنياهو، ومن ناحية أخرى فقد انتقد بيني جانتس مشروع الميزانية وخاصة الجانب المتعلق بالنفقات لصالح المستوطنات في الضفة الغربية في إطار ميل الحكومة لسياسات اليمين المتطرف الذي يؤجج العلاقات مع الحلفاء الأمريكيين.

ولعل الشاهد الأهم في ذلك المؤتمر تركيز نتنياهو على خياراته في الحرب متمسكًا بما اعتبره شعبية كبيرة يحظى بها في الشارع؛ ولكن مع الرجوع إلى الاستطلاعات فالبعض بداخل الأحزاب مختلف مع بنيامين نتنياهو والبعض الاّخر من الشعب يطالب بإقالته وذلك يجعلنا نسلط الضوء حول الاّراء الجمعية التي باتت أقل تأييدًا لنتنياهو حتى عندما كانت إسرائيل في ظروف غير ظروف الحرب كانت شعبيته تتراجع مما يشير إلى إطاحته الحتمية وأن تصريحه الأخير حول ما يحظى به من شعبية، غير حقيقي .

وعلى صعيد حالة التخبط الحكومي والحزبي، تصاعد الغضب داخل حزب الليكود الحاكم والمعروف بتاريخه في الصراعات والانشقاقات الداخلية في ضوء صراعات الزعامة، وبدأت الشقوق الأولى في عام 2005 عندما انسحب أيرييل شارون من الليكود على الرغم من كونه أحد مؤسسي الحزب والذي كان رئيس الوزراء للحزب؛ ومن ثم أقام حزب “كديما” وانضم معه بعض من أعضاء الليكود، وبعد فترة من الوقت عندما أثبت بنيامين نتنياهو بأنه رئيسًا لليكود ورئيس للوزراء قامت بعض من الشخصيات الكبرى والوزراء السابقين بالانسحاب على الفور.

وذكرت القناة (13) الإسرائيلية، في تقرير لها في 14 نوفمبر 2023، أن عددًا من وزراء ونواب كنيست عن حزب الليكود يدرسون جديًا الإطاحة بنتنياهو من زعامة الحزب، وهو ما يتوقف على تأمين أكبر عدد ممكن أعضاء الحزب لتأمين استبدال نتنياهو عقب نهاية الحرب ودراسة الانفتاح على المعارضة باستثناء الأحزاب العربية.

وعلى صعيد مواقف الشخصيات والأحزاب المعارضة؛ وفي مقابل تأييد اليمين المتطرف لبقاء نتنياهو ودفعه لمزيد من التطرف، بل وتحذير أقطابه من الانسحاب من الحكومة إذا اتخذ نتنياهو قرارًا بوقف الحرب، أتى رأى (بيني جانتس) زعيم حزب المعسكر الرسمي وعضو حكومة الطوارئ في إسرائيل برفضه إقالة نتنياهو في ظل الحرب على الرغم من معارضته لسياسات اليمين المتطرف في الضفة والتي سبق ذكرها، وأشار جانتس إلى أنه لا يمكن استبدال رئيس الوزراء في وقت الحرب.

ومن الجانب الاّخر كان هناك رأي من عوفر كسيف العضو اليساري بالكنيست الإسرائيلي عن الجبهة العربية للتغيير، ينادي برحيل حكومة نتنياهو واعتبره أمرًا مؤكدًا لا يُختلف عليه وشبهه بالحياة أو الموت لأن (تلك الحكومة) تصر على الإبادة الجماعية في غزة.

في النهاية؛ وبعد استعراض كافة التصريحات والمواقف الحزبية والشعبية، يبقى مستقبل بنيامين نتنياهو على المحك بنسبة كبيرة، وأنه في حال استمرار ظروف الحرب أو نهايتها دون تحقيق نجاحات تذكر في سياق الأهداف المعلنة للحرب، فسيكون من المحتمل الإطاحة بـ”نتنياهو” من زعامة الليكود ومن منصب رئيس الوزراء، من بعد يوم 7 أكتوبر 2023، نظرًا لوجود حالة انقسام حول زعامته قبل الحرب على خلفية مشروع الإصلاح القضائي المثير للجدل، وبينما لا تعد تلك الحرب أولى المواجهات بين دولة الاحتلال وفصائل المقاومة، لكنها بالتحديد هي الأولى التي تحدد مصير نتنياهو السياسي والتي ستقود ربما لإبعاده عن العمل السياسي نهائيًا.

حبيبة عبدالسلام

باحثة مساعدة بوحدة دراسات الأمن الإقليمي، خريجة كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة 6 أكتوبر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى