“لقاء خاص”.. هل انتهت “بوكو حرام” بنيجيريا؟
أعد اللقاء وحرره: محمد صابر
استضاف مركز “رع للدراسات الاستراتيجية”، المفكر السياسي الدكتور الخضر عبدالباقي، مدير المركز النيجيري للبحوث العربية في حلقة نقاشية، بحضور خبراء وباحثي المركز، للحديث عن واقع الظاهرة الإرهابية في غرب أفريقيا وفي دولة نيجيريا وتداعياتها على استقرار المنطقة. وتم خلالها التأكيد على وجود شبكة من المنتفعين من بقاء الظاهرة الإرهابية، وكذلك محدودية تأثير جماعة بوكو حرام في الواقع النيجيري بالمقارنة بما تتناوله وسائل الإعلام المختلفة عنها.
في البداية أشاد الدكتور”الخضر” برنين المركز الخاص، وأوضح في البداية بعض الملاحظات الأولية له حول مصر الآن في زيارته الكريمة:
أولها: أنه شعر بتغير كبير في مصر، وأنها شهدت الكثير من التطورات، قائلاً” بأمانًة هناك تطورات تطمئن، وإنجازات كُبرى، وتطور بالشكل المعماري الظاهري للأفضل، والخدمات، ونشكر صانع القرار عليه، صحيح أن هذه مهمته ولكن حقًا نشكره عليه، هذا الذي تحقق بالفعل يعد إنجاز لم أشهده خلال زياراتي التي تكررت خلال الـ 30 عاما الماضية”.
وثانيها: مازال هناك مشروعات قائمة- أي أن الإنجازات لا تتوقف، وهذا الأمر مطمئن بأن هذه الإنجازات لا تزال مستمرة.
وثالثها: السنوات الثمانية الماضية وأنا مراقب من الخارج، تتضح اهتمامات مصرية بأفريقيا، خلال فعاليات، خلال الوفود المصرية المتنوعة التي تزور بلدان أفريقيا، نيجيريا تحديدًا، وغيرها، خاصًة الاهتمام النوعي بجانب الأشغال الأفريقية، وتيرة متصاعدة جدًا غير مسبوقة، هذا يمكن في ستينات القرن الماضي مثلًا.
ورابعها: ضرورة تزايد الاهتمام بمسألة الشباب الأفريقي، هذه هي القوى الناعمة لمصر في أفريقيا، فإذا كانت هذه الكوادر من المتخصصين بالعلوم السياسية في الشئون الأفريقية، هذا يجعل مصر أقوى، أعتقد أن هناك اهتمامًا بذلك الموضوع، ولكن نطلب أن يكون الاهتمام أكبر بهذا الجزء.
وخامسها: الاهتمام بالمقاربة الثقافية للبعثات المصرية في الخارج، ودعم الدبلوماسية الشعبية غير الرسمية التي تعد واحدة من المؤثرين في العلاقات بين الدول، مؤكدا على ضرورة التواصل مع الذين يؤثرون بقوة في صنع السياسة في البلدان الأفريقية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن فريق عمل المركز طرح مجموعة من الأسئلة على الضيف، بهدف الخروج بمعلومات تفيد المهتمين.. حيث أجاب الدكتور “الخضر عبدالقادر” في كل منها على حدة..
وبسؤاله د.أكرم حسام “نائب مدير المركز”: ما هي الصورة الذهنية المتبلورة بين مصر وأشقاءها بأفريقيا؟ وكيفية معالجتها؟ وهل هي من جانب واحد؟
يعقب الدكتور “الخضر”، قد أتيت على الجرح الغائر “مسألة الصورة المتبادلة بين العرب والأفارقة”، التي هي موضوع مسألة دراستي، صورة مصر ثابتة من حيث الحضارة والأزهر، الأمة العربية، وكون مصر قائدة الأمة العربية، كل هذه الصور ثابتة عن مصر، ولكن بالنسبة للتطورات أيضًا بمصر تنعكس على هذه الصورة، خاصة أننا نتحدث عن شريحة محددة تتأثر بذلك، خاصًة حول التطورات البادئة في مصر من 2011 إلى الآن، أتكلم عن المثقفين الذين لهم ميل للقراءة في كتب عن ثقافة مصر، والذين يؤثرون في المجتمع، فهؤلاء هم الذين يخاطبون الناس، هم ليسو سياسيين ولكن لهم تأثير غير مباشر في السياسة، وهم متأثرين بنظريات الإسلام السياسي، وهم ليسوا منتمين لكنهم متأثرين أو متعاطفين أيضًا، وهم شريحة تأثرت الصورة الذهنية لمصر لديهم، يجب أن يكون الحديث معهم حديث مدروس ليس بحديث عاطفي، كباقي العامة.
فعندنا شريحة محددة هي التى تستطيع إقناع الجماهير، لذلك أقول أن يكون الخطاب موجه لشريحة معينة، مثقفين، مفكرين، خطباء، أدباء.. هؤلاء هم الذين أقترح أن يوجه إليهم، ونحن فى المركز النيجيرى حديثنا دائما عن النخب، عملنا على النخب، عدد بسيط من النخب الدينية، النخب فى مجال القضاء، وغيرها، هذا يؤدى خاصة للذين هم مستعربين، ولهم ثقافة عربية. نحن في المركز النيجيري حديثنا دائمًا للنخب.
بسؤال ضياء نوح رئيس برنامج دراسات الخليج: هل هناك أثر على العلاقات ما بين دول الخليج ونيجيريا فى مجال الإرهاب، على سبيل المثال مكافحة الفكر المتطرف فى نيجيريا؟
أجاب الدكتور الخضر عبدالباقي، نعم هذا موجود بالفعل بين الدول ومحسوم، لكن الرئيس “محمد بخارى” وحكومته، حكومة جادة، حديث الإرهاب فى نيجيريا حديث له ما له، لكن الإدارة الحالية جادة فى محاربة الإرهاب، والذين يسترزقون من المحاربة، لأن هناك شبكة كبيرة تسترزق من تلك المحاربة، والإرهاب وعمليات المحاربة تحقق للمنتفعين منها لأنها ضخمة، فبالتالى الإدارات السابقة حاربت الإرهاب، ولكن فى هذه المسألة مهما بذلت المليارات لم تظهر الحلول، لأن هناك حلقة فى الوسط هى التى تستنفذ كل تلك المحاولات.
إدارة الرئيس جادة فى هذا المجال، وبالتالى كانت الإجراءات التى اتخذتها فى هذا الخصوص حاسمة وقاسية على البعض، ولدى بعض المنتفعين ليست محبوبة.
دول الخليج وتحديدا السعودية، التعاون بينها وبين نيجيريا يعد جيداً فيما يتعلق بملف الإرهاب، وبعض التنظيمات ذات الولاءات مع إيران مثل حركة “زكزاكي” التي يصفها البعض بأنها محاولة لاستنساخ حزب الله جديد في نيجيريا.
وبسؤال وردة عبدالرازق – رئيسة برنامج الدراسات الأوروبية: تحدثتم من قبل عن دور تيار الإسلام السياسى فى نيجيريا.. هل ترون أنه يرجح كفة تركيا هناك، على حساب قوى أخرى مثل فرنسا؟..
أوضح الدكتور “الخضر”، أن أفريقيا بشكل عام، ونيجيريا بشكل خاص، هى منطقة مفتوحة، ومن الصعب أن نقول تركيا فقط، كما يقول المثل المصرى أو العربى (الشاطر يكسب)، أفريقيا مفتوحة، فتركيا دخلت، قطر موجودة، والسعودية أيضاً، لكن بالنسبة لمسألة تهديد الأمن القومي، وجدت الدولة ما تستطيع أن تواجه به ما هو مثل مسألة تهريب السلاح وتكميم المنظمات كالجيش، لكن طالما يعملون بالطريقة النظامية، فلا يوجد دستور يدين ذلك.
تركيا موجودة وبقوة، كما أن الدول الخليجية أيضا فى الآونة الأخيرة بدأت تتواجد بشكل قوى جدا، الإمارات، قطر، وسوريا موجودة، والأردن لها وجود اقتصادى وهكذا، فالدولة التى تريد أن تبقى على مصالحها داخل الدولة، الرئيس يكون محايد لكل الدول، هو يحرك فى حدود المسموح به، هكذا النظام النيجيرى، هو له حدود يتحرك فيها والبرلمان يحاسبه، فبالتالى سلطة أن يوقف الدولة الفلانية بدون سبب ليست من شأنه، الآن إسرائيل موجودة وبقوة، فبالتالي هناك مساحة للتنافس ولكن في الإطار القانوني.
رئيس تركيا كان في نيجيريا وعُدت الكثير من الاتفاقيات المؤثرة والهامة، بالتالي أرى أن زيارة واحدة للرئيس السيسي بالتأكيد سوف تقفز بالعلاقات مع أفريقيا إلى أعلى المستويات، فمصر قادرة على النفاذ بأفريقيا بل أنها في المقدمة، أنتم تعلمون أن زيارات القمة تفتح الكثير من الملفات دون أدنى شك، فتركيا موجودة ومصر أقوى منها لكن نريد حضور مصري أكثر.
وبسؤاله د. أشرف دبش: هل الصوفية تؤدى طقوسها وماهى حدود تأثير الصوفية عند متخذى القرار؟
يؤكد الدكتور “الخضر”، أن الصوفيين كثر بنيجيريا، وصحيح أن أكثر عدد منهم في بلادنا ولذلك المعلومة من الممكن أن تكون فيها مبالغة أن الصوفيون الذين يتبعون الطريقة التيجانية أكثر من 50 مليون فى نيجيريا، لكن هى مبالغة صحيح أن أكثر عدد يتبع الطريقة التيجانية هو فى نيجيريا، ولذلك فمسألة الصوفية، والتيار السلفى السنى، هذه من المشاكل عندنا، ولازلنا نعانى منها، وتؤثر فى الخطاب الدينى بشكل عام، والحالة الإسلامية بشكل عام، فهم يؤثرون على صانع القرار بطريقة غير مباشرة، ليس لهم علاقة مباشرة بالسياسة، لكن الساسة والقادة يلجأون للقيادات الصوفية بحكم الروحانية، والقادة والوزراء يمولونهم تمويلا كبيرا، ويستخدمون طائرات خاصة لزياراتهم للسنغال للشيخ ابراهيم الياز، وإلى الفاس فى المغرب، وقبل يومين الشيخ الكبير للطريقة الصوفية كان بالجزائر.
إذا جئت إلى مُلتقى صوفي لجماعة الصوفية، تظن أن نيجيريا كلها صوفيين، وأيضًا إذا ذهبت إلى ملتقى لجماعة من السُنة، لكن لا يوجد أحزاب سياسية لهم لدينا، فالأحزاب المعبرة دينيًا محرمة بنيجيريا، ولا يُرخص مثل هذا الحزب من الأساس الديني.
المنافسون في أفريقيا، الدول العربية الأفريقية مثل “المغرب” حضورها قوي جدًا كمنافس، للأمانة السياسة الأفريقية للمغرب في المقدمة، يكون حاضرًا بالمؤتمر أكثر من 50 دولة أفريقية، نجحت المغرب في تحقيق التنافسية الروحية.
وبسؤال د.أبو الفضل الإسناوي: كيف ترى حالة التنافس الجهادى- الجهادى في غرب أفريقيا، وأين تقف جماعة بوكو حرام في الواقع النيجيري الآن ومدى تأثير الحاضنة القبلية على تمددها؟
أكد دكتور الخضر أن هناك تراجع واضح لتنظيم القاعدة مقابل داعش وظهور واضح لـ”بوكو حرام” في الإعلام وذلك على غير الواقع، لأن سياسة الرئيس “بخاري” كانت توجه ضربات قوية، تلقتها “بوكو حرام”، نريد أن تكون السياسة مستمرة، خاصة في ظل أن الانتخابات على الأبواب، وقد يؤثر ذلك بالسلب على ملف الإنجازات.
هناك شبكة كبيرة من العمليات ضد “بوكو حرام”، ولكن تم قطع طريق تمدد بوكو حرام من خلال سياسة الرئيس “بخاري”، ويرى الكثيرون أن حالة الاختناق التي تواجها الحركة سببها سياسات الرئيس. ويضيف رغم تراجع بوكو حرام إلا أنه لا يزال هناك عمل جهادي بالفعل، وهم يرون الجميع كفارًا، وعلى الناحية الأخرى الجهود الاستخباراتية نجحت في مقاومتها باستمرار، وللقبيلة أحيانًا دور الحاضن لهذه التنظيمات، فهي من العوامل القوية جدًا، ففي بعض المناطق يعمل الأهالي دورًا مزدوجًا، رغم كونهم ضدهم فيساعدهم بعض القبائل، ولكن إذا اكتُشفت الخيانة بلا شك تتعامل الدولة معها، الآن بعض المناطق منذ خمس سنوات خالية، بعد تهجير أهاليها، لأن الدولة أو الجيش تطلب إخلاءها إذا شعرت بتهديد بها.
وبسؤال د.أكرم حسام: الوضع الاستراتيجي في منطقة “غرب نيجيريا”، من القوى الأخرى التي لها نفوذ بهذه المنطقة؟
يوضح الدكتور “الخضر عبدالقادر”، غرب أفريقيا 16 دولة، تقودهم “نيجيريا”، كقوة سياسية واقتصادية، وعسكريًا أيضًا، أي قرار تبته نيجيريا في أي دولة يُعد نافذًا، فلا يمكن أن تنافسها قوة أخرى، إلا أن الدولة الأقرب لهذه المنافسة يمكن أن تكون “السنغال”.
يتراجع الحضور الفرنسي بأفريقيا، فهناك حالة من الاضطهاد الشعبي سواء بالوضع في “مالي”، وبعض الدول الأفريقية، لا سيما الجزائر كذلك، بسبب سياسات فرنسا الاستعبادية، وسلطة السفير الفرنسي القوية في دول أفريقية، ومثال حي للتحولات في بعض البلدان العربية يمكن النظر للأوضاع الأخيرة في “تشاد”، الحالة الشعبية في تشاد ترى أن فرنسا لها يد في جميع الأزمات المتواجدة، وكذلك الوضع في مالي، فبالتالي فهانك حالة تزايد للاستياء وموجات الغضب المتصاعدة من الحضور الفرنسي.
وبالطبع، هناك دولًا أخرى مستفيدة من إضعاف النفوذ الفرنسي، الولايات المتحدة الأمريكية، والصين بالطبع فحضور الصين أيضًا قوي، ولكن بغض النظر عن صداقة الناتو بين واشنطن وباريس، فإن الولايات المتحدة أيضًا مستفيدة من ذلك التراجع الفرنسي بفرض نفوذ أمريكي.
وحول تساؤل د.أشرف دبش:هل أنت راضي عن دور “الأزهر الشريف” في دعم العلاقات المصرية الأفريقية ؟
يوضح الدكتور “الخضر”، الآن بدأ هذا الدور يتمحور جيدًا حول المسار الدقيق، فمنذ ثلاثة أسابيع كان هناك وفدًا من الأزهر بقيادة الدكتور نظير بنيجيريا، هذا الدور لم يكن كذلك من قبل، ومصر لديها الكثير من الأوراق، فهناك أيضًا شخصيات مصرية لها عراقة كبرى.
وبسؤال د.أبو الفضل الإسناوي: كيف تقيم علاقة مصر بدول أفريقيا في عهد الرئيس السيسي في الفترة الأخيرة؟
يشدد الدكتور “الخضر” تأكيده بأن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لدول أفريقيا هامة جدًا، ومؤثرة، بل ستغير الكثير بلا شك، فبالنظر إلى زيارات جلالة الملك “محمد السادس” المتكررة نرى العديد من الأمور والملفات تُفتح بها، فالرئيس لم يزر نيجيريا حتى الآن، فلزيارات مستوى القمة مفاتيح هامة ونؤكد أن زيارة الرئيس السيسي المحتملة مستقبلاً لنيجيريا ستلقى اهتماما كبير ليس على الجانبي الرسمي فقط بل على الجانب غير الرسمي المتمثل في لشعب النيجيري، خاصة وأن الرئيس السيسي يعيد أمجاد الرئيس عبد الناصر في أفريقيا وما قامت به مصر خلال رئاستها للاتحاد الأفريقي أدركته جميع الشعوب الأفريقية وما زال مؤثر وسيؤثر .