هلع الاحترار ورعب التغيرات المناخية
عبد السلام فاروق
الأمر جد خطير لا هزل فيه ولا تهاون..
عشرات ومئات لقوا حتفهم جراء التأثيرات الخطيرة للتغير المناخى الذى بات حقيقة دامغة لا ريب فيها. من انهيارات الهملايا بالهند إلى فيضانات ألمانيا إلى حرائق الغابات بتركيا والجزائر، والبقية تأتى.. والناس اليوم فى خوف وقلق بدليل مبادرة الديمقراطيين فى أمريكا لإعلان عزمهم تمرير تشريع لدعم خطة جو بايدن لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى بمقدار النصف بحلول عام 2030 بميزانية تصل إلى 3.5 تريليون دولار من خلال إنشاء برنامج لإنتاج الكهرباء النظيفة. فماذا عن العوادم والأدخنة والنفايات ؟ ستظل مشكلة بلا حل..
المسألة لم تعد مسألة علاج وشفاء لأسباب التغير المناخى المتهم فيها البشر أنفسهم، وإنما مجرد تخفيف تبعاتها. وحتى هذا التخفف غير مستطاع. حتى أن العبقرى الأمريكي الشهير بيل جيتس فى كتابه الأخير الصادر منذ شهور عن الكارثة المناخية القادم وكيفية تجنبها اكتفى برسم خطة شبيهة بخطة بايدن يدعو فيها لمجرد تقليل آثار الانبعاث الحرارى إلى النصف خلال عشر سنوات من خلال استخدام أساليب الطاقة النظيفة، وأن هذا يعد أقصى ما يطمح إليه الغرب الذى تسبب فى المعضلة من الأساس.
يا سادة إن العالم فى مواجهة مشكلة كبري حقيقية . لا سيما وأن كورونا نفسه هو أحد آثار التغير المناخى طبقاً لبعض النظريات؛ إذ أن موجات الاحترار والسخونة تتسبب فى تلوث الهواء على نطاق واسع وهو ما يسهل انتشار الأمراض المعدية، كما أن حرائق الغابات وهجرة الطيور والحيوانات وانتشار نواقل العدوى بين الناس كلها عوامل تسهم فى تفاقم الأمر.
لقد خرج تقرير الأمم المتحدة ممهوراً بتوقيع وصرخات أنتونيو جوتيرش الأمين العام للمنظمة بعنوان:(الكود الأحمر للإنسانية) فى أواخر يونيو الماضى يحذر من تعرض عدد من البشر يصل إلى نحو 2 مليار شخص للإصابة بحمى الضنك فى آسيا وإفريقا إذا زادت درجات الحرارة بمقدار 3 درجات، وهو ما يتوقعه المراقبون خلال العقود التالية.
إن الزيادة فى درجات الحرارة فى الماضى ، منذ نحو 50 عاماً ، لم تكن تزيد على نصف درجة مئوية ، واليوم هى أكثر من هذا الرقم بمقدار الضعف وأكثر. ومثل هذه الزيادة التى قد تبدو بسيطة للبعض كفيلة بإذابة جبال من الجليد وتعريض المحاصيل والغابات لخطر الحرق والناس لخطر الموت . لقد أعلنت كندا أن هناك 30 شخصا من مواطنيها بمدينة برنابى قضوا نحبهم جراء السخونة، وأن الحرارة فى مدينة ليتون وصلت إلى نحو 48 درجة! فإذا كان هذا ما حدث بسب ارتفاع لم يزد عن 1.5 درجة ، فكيف بنا والخبراء يبشروننا أن هذه الزيادة ستصل إلى 5 أو 8 درجات خلال العقود التالية. هذا هلاك مؤكد ولا بد للعالم أن ينتبه.
إننا فى انتظار نتائج المؤتمر البيئى العالمى COP26 المنعقد حاليا بمدينة جلاسكو بالمملكة المتحدة. فهل سيختلف عن سابقيه من مؤتمرات ؟!
المتفائلون يمتنعون:
على الناحية الأخرى من المنطق يقف بعض من يسمون أنفسهم خبراء يدعون العكس تماماً..
فالعالم الذى يعج اليوم أمامهم بالكوارث والبراكين والزلازل والفيضانات والسيول وموجات الجفاف والتصحر ، طبقاً لتصورهم ، سوف يصلح نفسه بنفسه . ولا داعى مطلقاً للقلق أو الخوف.
كان من أوائل من نادى بهذه الصيحة إيان بليمر فى كتابه: (العلم المفتقد) ، تحدث فيه عما أسماه “سقوط نظرية الاحترار الكونى” مستدلاً على مزاعمه بأن هناك موجات من البرودة تقف فى مواجهة السخونة والاحترار بدليل ما حدث عام 2008؛ حيث سجلت الأرصاد أعنف عاصفة ثلجية بالصين تسببت فى قتل 60 شخصا وقطعت الكهرباء عن نحو مليون مبنى ، ومثلها فى فيتنام ومومباى بالهند. بل حتى فى مينيسوتا بالولايات المتحدة وصلت درجات الحرارة لمستوى قياسى جديد بلغ 40 درجة تحت الصفر!
والحقيقة أن ادعاءات بليمر وأنصاره لا تثبت شيئاً إلا أن درجات الحرارة صيفاً وشتاءً باتت فى غاية التطرف وهو ما يدل على أن التغيرات المناخية وصلت لمستويات مهولة مفزعة. إلا أن آخر المتفائلين بيورن لومبورج فى كتابه: (إنذار كاذب) ما زال يري ويدعو إلى مزيد من التكاسل والتفاؤل والتناوم ، بل إنه يدعى أن لافتة التغير المناخى المرفوعة ليست إلا فزاعة كلفت العالم تريليونات وستكلفه المزيد بعد أن تؤذى الفقراء وتفشل فى إصلاح الكوكب! ومن رأى لومبورج أن الاحترار الكونى مفيد للبعض، وأن الغازات المنبعثة فى الجو تعمل بمثابة سماد طبيعى للتربة!
تظل مثل تلك الآارء الجانبية الأحادية ، رغم تفاؤلها المفرط، لا تمثل الواقع . وإلا فلماذا أًصدر جوتيريش صيحة الكود الأحمر؟!
الآن وفوراً.. وإلا ..
يؤكد العلماء أن للتغيرات المناخية الناتجة من تصاعد غازات الاحتباس الحرارى كالميثان وثانى أكسيد الكربون والفلوروكربونات(CFCs) مخاطر بلا حصر وسوف تصل فى المستقبل لمستويات هائلة.. فالغابات المطيرة ستنهار، والتصحر سيزداد بما سيؤثر على الزراعة والمحاصيل ويتسبب فى نزوح جماعات وهلاك آخرين. ثم هناك تأثير موجات السخونة على تلوث الهواء وانتقال الأمراض المعدية والمتوطنة كالملاريا والإسهال ناهيك عن ضربات الشمس وحالات الانتحار التى تم تسجيلها مؤخراً لدى عمال ومزارعين بسبب السخونة التى لا تطاق!
إن الدعوة التى أطلقها “جوتيريش” معناها أن نبدأ الآن وفوراً . حتى فى مصر هناك ضرورة للانتتباه للتغيرات الجيولوجية التى قد تصيب دلتا مصر كنتيجة لتناقص متوقع فى منسوب المياه بالمصب، وهو ما حذر منه الرئيس السيسي وينبغى التحسب له سريعاً ودون تباطؤ.
والحلول موجودة ومسطورة فى عشرات التقارير والمصادر والكتب. مثل كتاب إيف سياما: (التغير المناخى) الذى ذيله بفصل كامل يخاطبنا فيه بحلول ومقترحات توصل إليها الخبراء لمجابهة آثار التغير المناخى .حيث يعود ليؤكد ضرورة استخدام الطاقة النظيفة كبديل، وتقليل معدل الانبعاثات الحرارية من المصانع والمحارق والآليات. مع استخدام وسائل حديثة لدفن ثانى أكسيد الكربون بدلاً من إطلاقه. بل إن هناك دعوة لإحداث طفرة شاملة فى نمط الحياة الإنسانى كما حدث فى أعقاب جائحة كورونا بشكل استثنائى عندما توقفت أجراس العمل وصفت الأجواء واختفت الشبورة من عواصم الضباب والتئم ثقب الأوزون من تلقاء ذاته. فهل باستطاعة زعماء العالم المتقدم إحداث مثل هذه الطفرة البيئية المنشودة؟.