إيران بين الدبلوماسية والعسكرة
فهد ديباجي
بعيدًا عن تصريحات ومواقف وتعليقات إيران، لا يمكن أبدًا إخفاء حقيقة احتياجها العاجل إلى التفاوض لرفع العقوبات.
هذه حقيقة، حتى لو أن قادتها يتحدثون بغير ذلك، فالإحصائيات والأرقام القاسية عن اقتصاد إيران هي الأكثر صدقًا من تصريحات الساسة الإيرانيين، لأن العقوبات المفروضة على إيران والناجمة عن تجاوزاتها، خاصة في الملف النووي، قد مارست الضغط الأكبر على الحكومة الإيرانية وجعلت الاقتصاد المدمَّر أصلا أكثر تدميراً، وجعلها تعاني أزمات كبرى، لكنها تأتي في إطار لعبة طويلة يُجيدها النظام الإيراني ويغامر فيها لدفع الغرب نحو أقصى قدر من التنازل وابتزازه كلما أمكن، وبالتالي رفع العقوبات، ويظهر ذلك جليًا عبر التوسع الكمي والنوعي في البرنامج النووي، مما يوضح الاتجاه والطريق، الذي سلكه هذا النظام ليصبح “دولة نووية”.
إيران إذاً بلد بلا أمل في المستقبل، وشعبها يرفض سياسات نظام يحكمه، خاصة فيما يتعلق بمغامراته العدوانية خارج حدوده عبر صنع مليشيات داخل دول أخرى بالمنطقة، وإنتاج الصواريخ وإمداد مليشياته الإرهابية بها ليعبثوا باستقرار بعض دول المنطقة، مستمرا في وهمه النووي، متجاهلا شعبه واحتياجاته وتنمية اقتصاد بلاده.
لا شك أن الغرب يتقاعس في تحركاته ضد إيران، ويغفل عن حقيقة أن حصول نظامها على قنبلة نووية سيكون خطراً كبيرا على أمن العالم وسلامته وليس على المنطقة فقط، ما يشجع حكومة الملالي على مواصلة الخداع النووي لفرض شروطها، التي تصعّب احتمالات نجاح المفاوضات بين الغرب وبينها، ما يؤكد أنها غير متعجّلة في الوصول إلى نتائج لهذا التفاوض، لتكسب خطوات أكبر في مشروعها النووي، رغم تحذير وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، من “نفاد وقت الدبلوماسية مع إيران”، عبر التلويح بـ”خيار بديل”، فهل حان الوقت لمعاقبة هذا النظام، الذي يمارس الإرهاب وينشر الفوضى ولا يعترف بحقوق الإنسان والشعوب أمريكيًا ودوليا؟ وما الخيارات الممكنة في ذلك؟
إيران، رغم ما تشيعه عن “حوار إقليمي” و”دبلوماسية جديدة” لا تزال كلامًا فقط، مستمرة في نشر فوضاها في العراق واليمن وسوريا ولبنان، دون أي اختراق ملموس للملفات الشائكة بين طهران ودول الجوار، فلم نلمس إيجابية بها، ولم نر أي نتائج عملية تقول إنها جادة في أي سلام تتحدث عنه، فها هي مليشيا الحوثي الانقلابية، المدعومة إيرانيا، تصعّد في اليمن، و”حزب الله” الإرهابي، المدعوم إيرانيا، يتوسع في لبنان، والمليشيات المدعومة إيرانيا في العراق تحاول قلب نتائج الانتخابات.
لا تزال إيران إذاً تمضي في استراتيجية تهديد جيرانها بالتوسع المليشيوي ونشر وترسيخ الطائفية، ومواصلة تفجير الحروب الأهلية في بعض الدول العربية، وما من مؤشر إلى أنها بصدد التنازل عن ذلك، فـ”حزب الله الإيراني” يُشهر سلاحه في الشارع اللبناني رفضا لاستمرار القاضي “البيطار”، الذي يحقق في انفجار مرفأ بيروت، وفي العراق رفضا لنتائج الانتخابات، وفي اليمن رفضًا لكل مبادرات السلام، لتضع طهران يدها على مأرب مهما كلفها الأمر، ما يؤكد أنه لا أمل لسلام وهدوء في المنطقة ما دامت طهران تحوّلها إلى ساحات مليشياوية تصنع وتصدّر الإرهاب، ليبقى السؤال: لماذا تطالب إيران بالدبلوماسية؟ وعلى ماذا تتفاوض؟ ولماذا تطالب وتوسّط آخرين لإجراء حوار مع جيرانها؟ وعلى ماذا ستتحاور؟ وهل تملك القدرة لكي ترضى بثمن تطبيع العلاقات مع العالم وتتنازل عن مشروعها وعسكرة المنطقة؟.
نقلاً عن العين الإخبارية.