المنسي من كتب التاريخ: الشيخ حسن العطار.. العقل المستنير وراء محمد علي وبناء مصر الحديثة

في صفحات التاريخ المصري يسطع اسم محمد علي باشا باعتباره مؤسس الدولة الحديثة وصانع نهضتها الكبرى، غير أن وراء هذا المشروع التنويري رجالاً عظاماً أسهموا في وضع أسسه الفكرية والعلمية، إلا أن كثيراً منهم لم ينل ما يستحقه من تقدير واهتمام. ومن أبرز هؤلاء الشيخ حسن العطار، شيخ الأزهر الشريف الأسبق والمفكر المجدد، والعقل المستنير الذي مهد الطريق أمام مصر الحديثة. فمن هو هذا الرجل؟ ولماذا غاب اسمه عن الذاكرة التاريخية رغم دوره الجوهري في صياغة وعي عصر النهضة؟

من هو الشيخ حسن العطار؟

الاسم الكامل: حسن بن محمد بن محمود العطار

الميلاد: 1766م – القاهرة

الوفاة: 1835م

المنصب: شيخ الأزهر (في أوائل ثلاثينيات القرن التاسع عشر حتى وفاته)

الصفة الأبرز: أول من أدخل الفكر العقلي التجديدي إلى الأزهر، وأحد المؤسسين الحقيقيين لنهضة الفكر المصري الحديث.

نشأ العطار في بيئة علمية وتلقى علومه في الأزهر، ثم تأثر بالحملة الفرنسية على مصر (1798–1801م) وما صاحبها من احتكاك بالمعارف الغربية الحديثة. وبعد خروجه من القاهرة أثناء الحملة أقام في الشام والأناضول، حيث اطلع على الكتب والمدارس الأوروبية، فبدأت تتشكل لديه رؤية إصلاحية تقوم على الجمع بين علوم الدين وعلوم العقل.

العطار والعقل المستنير

مثّل العطار تياراً عقلياً تجديدياً داخل المؤسسة الدينية في وقت كانت المناهج الأزهرية تعاني فيه من الجمود والانغلاق. كان يؤمن بضرورة إصلاح التعليم الأزهري وتطوير مناهجه لتشمل الرياضيات والطبيعة واللغات إلى جانب علوم الشريعة والفقه، كما رأى أن نهضة الأمة لا تقوم إلا على العلم الحديث والانفتاح على العالم، وهو فكر كان سابقاً لعصره.

تتلمذ على يديه رفاعة الطهطاوي الذي اعترف بفضل أستاذه قائلاً: “الشيخ العطار هو الذي زرع فيَّ حب العلم والسفر والتجديد، وهو أستاذنا في التنوير.”

العطار ومحمد علي •• علاقة فكرية أثمرت نهضة

غالباً ما تُنسب نهضة مصر الحديثة إلى محمد علي وحده، غير أن خلف هذه التجربة السياسية كان هناك تأثير فكري ممهِّد مثّله الشيخ العطار. فقد كان من أوائل المدافعين عن إنشاء المدارس الحديثة، ودعا إلى تأسيس مطبعة بولاق التي شكّلت ثورة فكرية وثقافية في ذلك الزمن. كما دعم فكرة إرسال البعثات العلمية إلى أوروبا، ورأى فيها طريقاً لا غنى عنه لاكتساب المعرفة الحديثة.

ورغم أنه لم يكن مستشاراً رسمياً لمحمد علي، فإنه مثّل المرجعية الفكرية التي أثّرت في جيل النهضة من أمثال الطهطاوي، ومن خلالهم انتقلت أفكاره إلى دوائر الحكم والتعليم.

لماذا غُيّب ذكر العطار من كتب التاريخ؟

1. تعارضه مع التيارات التقليدية: كان العطار عقلاً تجديدياً في مؤسسة يغلب عليها الطابع المحافظ، فواجه معارضة قوية من العلماء الرافضين لإدخال العلوم الحديثة في التعليم الديني.

2. هيمنة السرد السياسي للتاريخ: ركّزت الرواية التاريخية الرسمية على الجانب السياسي والعسكري من مشروع محمد علي، متجاهلة الجذور الفكرية والعلمية التي قام عليها، فغابت أسماء مثل العطار والطهطاوي.

3. تراجع دور الأزهر في توثيق رموزه التنويرية: لم يُعنَ الأزهر عبر تاريخه الطويل بإبراز رموزه الإصلاحية بالشكل الكافي، وهو ما ساهم في نسيان كثير من أعلامه المجددين.

العطار والتعليم •• البذرة الأولى لبناء الوطن

آمن العطار بأن النهضة الحقيقية تبدأ من إصلاح التعليم لا من الجيش أو الصناعة وحدهما، ورأى أن العلم لا ينفصل عن التنمية، وأن تعليم اللغات والعلوم التجريبية ضرورة لتقدّم الأمة. وقد سبق عصره بفكرة “التعليم من أجل التنمية” وهي الرؤية التي ستتجسد لاحقاً في السياسات التعليمية لمحمد علي.

شهادات وإنصاف من المفكرين والمؤرخين

رفاعة الطهطاوي: “الشيخ العطار هو الذي علّمني حب العلم والتجديد، وهو أستاذنا في التنوير.”

عبد الرحمن الجبرتي: “فقيه متفلسف جمع بين علوم الدين وعلوم العقل.”

هذه الشهادات تؤكد مكانته الفكرية كحلقة وصل بين الفكر الديني الأصيل والعقل العلمي الحديث.

توصيات لإعادة الاعتبار للعطار وبناء وعي وطني جديد

1. إدراج سيرته وأفكاره ضمن المناهج الدراسية في المرحلتين الإعدادية والثانوية.

2. إنتاج فيلم وثائقي أو مسلسل درامي يعرّف الأجيال بدوره في دعم مشروع النهضة.

3. إطلاق اسمه على إحدى جامعات الأزهر أو المراكز البحثية الكبرى.

4. عقد مؤتمر علمي بعنوان “العطار ورؤية الأزهر للنهضة الحديثة” بمشاركة باحثين في الفكر والتاريخ.

5. تشجيع الدراسات الأكاديمية التي توثّق دوره في الفكر الديني والإصلاحي.

في النهاية. لم يكن الشيخ حسن العطار مجرد عالم دين، بل كان عقلاً تنويرياً شارك في صياغة الوعي المصري الحديث، وأسهم في ترسيخ الفكرة التي قامت عليها الدولة الحديثة، وهي أن العلم والمعرفة هما أساس القوة.

إن إعادة قراءة سيرته ليست فقط إنصافاً لرجلٍ ظلمته كتب التاريخ، بل هي أيضاً دعوة لإحياء قيم العقل والاجتهاد التي شكّلت جوهر المشروع النهضوي المصري.

لقد آن الأوان أن نعيد إلى أمثال العطار مكانتهم اللائقة، فالأوطان لا تُبنى بالسيوف وحدها، بل بالعقول التي تُنير الطريق.

لواء أحمد زغلول

اللواء أحمد زغلول مهران، مساعد مدير المخابرات الحربية الأسبق، وعضو الهيئة الاستشارية العليا لمركز رع للدراسات الاستراتيجية. كما أنه خبير متخصص في الشؤون العسكرية والأمنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى