لواء أحمد زغلول يكتب: زهران مامداني.. أول مسلم يتولى عمادة نيويورك: «أنا منكم ولكم»

لحظة تاريخية تُعيد تعريف القيادة السياسية في أمريكا وتحرك الشارع نحو المستقبل.. من مقال إعلان الفوز إلى قراءة الخطاب
في المقال السابق حول إعلان فوز زهران مامداني بمنصب عمدة نيويورك، توقّفنا عند تلك اللحظة التاريخية التي كسرت الحواجز الدينية والثقافية في واحدة من أكثر مدن العالم تأثيرًا.
اليوم ننتقل خطوة أبعد، لنحلّل خطاب الفوز الذي ألقاه مامداني وما حمله من دلالات سياسية وإنسانية عميقة، بعدما تحوّل إلى حديث الشارع الأميركي والإعلام الدولي، خاصة عبارته الشهيرة بالعربية: «أنا منكم ولكم»
استكمالًا للمقال التحليلي السابق بعنوان «زهران مامداني •• حين تُعيد نيويورك تشكيل خارطة التمثيل السياسي والاجتماعي»، تأتي هذه المقالة لتُكمل الصورة، محلّلةً خطاب الفوز التاريخي وما أثاره من أصداء في الشارع الأميركي والعالمي، ورؤيته لمستقبل المدينة تحت قيادته.
«أنا منكم ولكم» •• قراءة موسّعة في الخطاب الذي أعاد تعريف القيادة في نيويورك
في مشهد غير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة، صعد السياسي الشاب زهران مامداني إلى منصة الاحتفال ليُعلن فوزه كأول مسلم وأصغر عمدة في تاريخ المدينة.
لكن ما جعل تلك الليلة استثنائية لم يكن الفوز وحده، بل اللغة التي اختار بها مخاطبة جمهوره حين قال بالعربية: «أنا منكم ولكم». تلك العبارة القصيرة تحوّلت إلى رمز يعكس انتماءً إنسانيًا يتجاوز الحدود والعرق والدين.
من كمبالا إلى نيويورك: رحلة الانتماء والتحوّل
وُلد مامداني في كمبالا – أوغندا لعائلة من أصول هندية، قبل أن تستقر أسرته في نيويورك؛ المدينة التي ستصبح لاحقًا مسرح أحلامه السياسية.
انضم إلى الحزب الديمقراطي، وفاز في الانتخابات التمهيدية ليصبح مرشحه الرسمي لمنصب العمدة في نوفمبر 2025.
تميّز بكونه مرشّح الناس العاديين والمهاجرين والطبقة العاملة وسكان الأحياء الذين طالما شعروا أن أصواتهم لا تُسمع.
«أنا منكم ولكم» •• معنى يتجاوز اللغة:
كلمتا منكم ولكم تختزلان فلسفة حكمه القادمة: منكم: تؤكد أنه واحد من أبناء المدينة وجزء من تجاربهم ونضالهم اليومي. ولكم: تشير إلى أن السلطة في نظره خدمة للناس وليست امتيازًا فوقهم، وأن قراراته ستكون انعكاسًا لمصالحهم. بهاتين الكلمتين أعاد مامداني تعريف علاقة الحاكم بالمحكوم، والممثل بالناخب.
أبرز ما جاء في خطابه التاريخي
«سأكون عمدة لكل سكان نيويورك، سواء صوّتّم لي أو فقدتم الإيمان بالسياسة من قبل.»، و«همومكم ستكون همومي، وآمالكم سأجعلها قبل طموحي الشخصي.» و«هذه المدينة مدينتكم، وهذه الديمقراطية لكم أيضًا.» و«في هذا الظلام السياسي، ستكون نيويورك هي النور.» واختتم بالعبارة الأيقونية: «أنا منكم ولكم». وفي موقف بدا موجهًا ضمنيًّا إلى الرئيس الأسبق دونالد ترامب، قال مامداني في خطابه: «هذه المدينة بناها المهاجرون، واليوم يقودها مهاجر ومسلم. هذا ليس تناقضًا مع روح أمريكا، بل تجسيدٌ لها.»
كانت تلك الجملة بمثابة ردٍّ تاريخي على سنوات من الخطاب المعادي للهجرة الذي ساد في عهد ترامب، حين وُصف المهاجرون بالعبء والخطر.
أما مامداني فقد أعاد تعريف المعادلة، قائلًا إنّ: «قوة نيويورك ليست في جدرانها، بل في تنوّعها.» وهكذا كرّس صورة العمدة الذي لا يتنصّل من هويته، بل يجعلها جسرًا يوحّد سكان المدينة بمختلف أصولهم.
قلق إسرائيلي ومتابعة عالمية
بثّ التلفزيون الإسرائيلي خطاب الفوز مباشرة، وسط تحليلات حول فوز سياسي أعلن دعمه لحقوق الشعب الفلسطيني وانتقد السياسات الإسرائيلية. القلق لم يكن من مواقفه فقط، بل من التحوّل في المزاج السياسي الأميركي، حيث لم يعد الولاء لإسرائيل مسألة مسلّمة في الخطاب العام.
رؤية الشارع الأميركي للحدث
تباينت ردود الأفعال، لكن القاسم المشترك كان الإحساس بولادة صفحة جديدة:
– في حي كوينز خرج العشرات من المهاجرين يهتفون بلغاتهم الأصلية.
– في أحياء مانهاتن تحدّث الناس عن «ظاهرة سياسية» قد تغيّر صورة العمدة التقليدية.
– الشباب والطبقة العاملة رأوا في فوزه انتصارًا لأصواتهم: «لأول مرة نشعر أن من يقودنا يشبهنا، ويتحدث لغتنا، ويفهم معاناتنا.»
مستقبل نيويورك في عهد مامداني:
تتجه الأنظار الآن إلى كيفية تعامله مع تحديات المدينة:
(-) أزمة السكن وارتفاع الإيجارات.
(-) تحقيق وعود النقل المجاني وتحسين الخدمات العامة.
(-) تطوير البنية الاجتماعية لتقليص فجوة الدخل بين الأغنياء والفقراء.
(-) نجاحه في هذه الملفات قد يجعل نيويورك نموذجًا عالميًا لمدينة تُدار بروح العدالة الاجتماعية.
رمزية الحدث وتحولات المشهد
(*) تحوّل ثقافي: وصول مسلم مهاجر إلى منصب عمدة نيويورك يعكس انفتاح المجتمع الأميركي.
(*) تجديد سياسي: يمثل الجيل الجديد من الديمقراطيين التقدميين الذين يربطون بين السياسة والعدالة الاجتماعية.
(*) قوة اللغة: حديثه بالعربية لحظة النصر كان بيان انتماء صريحًا إلى جذوره ولجميع المهاجرين.
التحديات المقبلة:
– معالجة أزمة السكن وارتفاع الإيجارات.
– تنفيذ وعود النقل المجاني ودعم الخدمات العامة.
– مواجهة ضغوط اللوبيات المالية والإعلامية التي قد تعرقل برنامجه التقدمي.
لكن عبارته «أنا منكم ولكم» تظلّ شعارًا يعكس استعداده لخوض هذه المعارك باسم الناس.
في الختام، لم يكن فوز مامداني مجرد حدث انتخابي، بل لحظة رمزية في تاريخ التنوع الأميركي.
عبارته الخالدة «أنا منكم ولكم» اختصرت ما لم تقله خطابات السياسيين منذ عقود: أن القائد الحقّ ليس من فوق الناس، بل من بينهم ولأجلهم.