زهران مامداني.. حين تُعيد نيويورك تشكيل خارطة التمثيل السياسي والاجتماعي

فوز زهران مامداني بمنصب عمدة مدينة نيويورك يوم 4 نوفمبر 2025 يُعدّ حدثًا تاريخيًا على أكثر من مستوى، فهو لا يمثل مجرد تغيير سياسي، بل انعكاسًا لتحولات اجتماعية وثقافية عميقة في واحدة من أكبر المدن العالمية وأكثرها تنوعًا.
مامداني، المسلم من أصول آسيوية، والداه من الهند، متزوج من أمريكية من أصل سوري، حصل على الجنسية الأمريكية عام 2018، وأصبح أصغر عمدة في تاريخ المدينة، وهو أول مسلم يتولى هذا المنصب عام 2025، مما يعكس قدرة الجاليات المسلمة والعربية على الوصول إلى أعلى مستويات التمثيل السياسي في الولايات المتحدة. هذا النجاح يطرح أسئلة مهمة حول أثره على المجتمع والسياسات المحلية والعلاقات بين الجاليات الدينية المختلفة، ولا سيما الجالية اليهودية.
زهران وبرنامجه الانتخابي
زهران مامداني (34 عامًا) صعد من العمل الاجتماعي والمجلس التشريعي لولاية نيويورك، حاملًا خطابًا يركز على:
(*) العدالة الاجتماعية والاقتصادية: رفع الحد الأدنى للأجور، وزيادة الضرائب على الأغنياء، ودعم الخدمات المجانية للطبقات المتوسطة والمهمشة.
(*) الإسكان: تجميد الإيجارات، ودعم المشاريع السكنية الميسّرة.
(*) النقل والخدمات العامة: توفير باصات مجانية، وتعزيز النقل العام.
(*) الطفولة والتعليم: برامج رعاية شاملة للأطفال والتعليم المبكر.
برنامجه الطموح يعكس فهمه العميق لمشكلات المدينة المعقدة، لكنه يواجه تحديات تنفيذية كبيرة بسبب الميزانية الضخمة والضغط من مؤسسات الأعمال الكبرى.
الرمزية والتأثير المجتمعي
(-) الجاليات العربية والإسلامية: ترى في فوزه انتصارًا تاريخيًا يرفع سقف المشاركة السياسية، ويحفّز شباب الجالية على الترشح والمساهمة في صناعة القرار.
يحمل فوز مامداني توقعات عالية، خصوصًا في ملفات الإسكان والعدالة الاقتصادية، لكنه يتطلب متابعة مستمرة لضمان ترجمة الوعود إلى واقع ملموس.
(-) الجالية اليهودية: انقسمت الجالية اليهودية: مجموعة دعمت برنامجه الاجتماعي معتبرةً أن العدالة الاقتصادية تتوافق مع قيمهم الدينية. ومجموعة أبدت قلقها من مواقفه تجاه إسرائيل وحقوق الفلسطينيين.
هذا بالإضافة إلي دعم بعض الحاخامات له يشير إلى إمكانية بناء قنوات حوار متعددة لضمان التعايش والاستقرار المجتمعي.
الإيجابيات الاستراتيجية
1. كسر الحواجز الدينية والسياسية: نجاح مسلم في منصب رئيس مدينة كبرى يُثبت أن التنوع يمكن أن يكون حقيقةً للتمثيل الديمقراطي.
2. تعزيز المشاركة المدنية: سيحفّز الشباب والجاليات المهمشة على الانخراط الفعلي في السياسة.
3. تجديد الخطاب الديمقراطي: يضع العدالة الاجتماعية والاقتصادية في صلب السياسات العامة.
4. فرص التعايش بين الأديان: نجاحه في التواصل مع الجاليات المختلفة قد يشكل نموذجًا للتعايش المدني في الولايات والمدن الكبرى.
السلبيات والتحديات
1. الجدل بشأن مواقفه من إسرائيل: يمثل تحديًا للعلاقات مع الجالية اليهودية المحافظة وقد يُستغل إعلاميًا.
2. تحديات مالية وتنفيذية: بعض برنامجه يحتاج إلى تمويل ضخم قد يصطدم بالواقع الاقتصادي لمدينة نيويورك.
3. تضخيم التوقعات الشعبية: قد تؤدي سرعة النتائج المحدودة إلى خيبة أمل لدى المؤيدين.
4. استقطاب سياسي محتمل: معارضة من التيارات المحافظة يمكن أن تحدّ من قدرته على تنفيذ برنامجه الكامل.
توصيات استراتيجية
1. للعرب والمسلمين: متابعة السياسات العملية وليس الرمزية فقط. والانخراط في لجان المجتمع المدني لضمان التمثيل والمساءلة.
2. لليهود والجهات المعنية: بناء حوار مباشر مع عمدة نيويورك لتوضيح المطالب والمخاوف. ومتابعة السياسات المتعلقة بالأمن والتعليم والخدمات الدينية لضمان الشفافية.
3. للعمدة وفريقه: التركيز على تنفيذ الملفات القابلة للقياس في أول 100 يوم. وإنشاء منصة حوار مجتمعي متعددة الأطراف تشمل جميع الجاليات لضمان مشاركة فعالة ومستدامة.
في النهاية، نجاح مامداني يمثل تحولًا استراتيجيًا في السياسة الأمريكية، لكنه ليس ضمانًا للتغيير.
على المستوى الرمزي: رسالته واضحة بأن التمثيل الشامل ممكن.
على المستوى العملي: نجاحه مرتبط بالقدرة على إدارة الملفات الكبرى والتوازن بين طموحات الجاليات المختلفة.
على المستوى المجتمعي: يشكل فرصة لتعزيز التعايش وإعادة تعريف مفهوم المواطنة في مدينة متعددة الثقافات.
وإذا نجح مامداني في تنفيذ برنامجه بحرفية، سيصبح نموذجًا قياديًا يُحتذى به عالميًا، وإن فشل فستظل اللحظة رمزية لكنها دفعة لجيل جديد من القادة من خلفيات غير تقليدية.
زهران مامداني ليس مجرد فائز في انتخابات نيويورك، بل هو رمز للتغيير والتحول الحضري والاجتماعي، ونجاحه سيحدد ملامح سياسة المدينة لعقود مقبلة، مع اختبار حقيقي لقدرة التنوع على إنتاج قيادة فعالة وشاملة. دعونا نراقب وننتظر.