مصر والسودان.. نهر واحد وشعبان لا يفترقان

احتفالية مبادرة “إسناد السودانيين المتأثرين بالحرب” بجامعة الدول العربية

شهد مقر جامعة الدول العربية اليوم احتفالية مبادرة “إسناد السودانيين المتأثرين بالحرب”، التي جاءت تجسيدًا لروح العروبة والتكافل الإنساني في مواجهة المحن التي تمر بها دولة السودان الشقيقة، حيث أُقيمت الاحتفالية تحت رعاية الأمين العام لجامعة الدول العربية، وشارك فيها نخبة من الشخصيات الوطنية والعربية، تأكيدًا على أهمية الدور العربي المشترك في دعم الشعوب المتضررة من النزاعات.

وخلال الاحتفالية، ألقى السفير أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، كلمة تناول فيها عددًا من المحطات التاريخية والفكرية المهمة التي تربط بين مصر والسودان، مبرزًا عمق العلاقات الأخوية بين البلدين، ومشيرًا إلى أن قدر الجغرافيا وماء النهر وأخوة العروبة يفرض علينا كمصريين أن نقف دائمًا إلى جانب السودان في ظروفها الاستثنائية، وأن ما يحدث في السودان يجب أن ينتهي بتكاتف الجهود العربية والدولية لإنهاء هذه المحنة.

وقد تميزت الاحتفالية بحضور رفيع المستوى من القيادات الدبلوماسية العربية والسودانية، حيث شرف الحضورَ السفيرُ الفريقُ الركن مهندس عماد الدين مصطفى العدوي، سفيرُ جمهورية السودان بالقاهرة ومندوبُها الدائم لدى جامعة الدول العربية، الذي أكد في كلمته على عمق الروابط الأزلية بين الشعبين، مشيدًا بموقف مصر الثابت والداعم للسودان في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخه، ومعربًا عن تقدير بلاده لمبادرة “إسناد” وما تحمله من روح التضامن والمساندة.

كما قام السفير أحمد أبو الغيط بتكريم عدد من الرموز المشاركة في المبادرة، وكان من بين المكرمين اللواء أحمد زغلول مهران، عضو اللجنة العليا للمبادرة، تقديرًا لمشاركته الفاعلة وإسهاماته الإنسانية. وقد عبّر سيادته عن فخره بهذا التكريم، مؤكدًا أن دعم الأشقاء السودانيين واجب وطني وإنساني.

تأتي هذه المبادرة برئاسة معالي الدكتور عصام شرف، رئيس اللجنة العليا للمبادرة، وبمشاركة السفير الدكتور كمال حسن علي، الأمين العام المساعد السابق لجامعة الدول العربية ونائب رئيس المبادرة، اللذين أكدا أن مبادرة “إسناد” تُعد منصة عربية للعمل الإنساني المشترك تسعى لمد يد العون لكل من تضرر من النزاعات في المنطقة، وعلى رأسهم أهل السودان.

قدر الجغرافيا •• وحدة النيل والمصير المشترك

لم تكن العلاقة بين مصر والسودان يومًا مجرد علاقة جوار أو مصالح سياسية، بل هي علاقة قدرٍ جغرافي ومائي وإنساني؛ فالنيل الذي يشق قلب الدولتين هو شريان حياة واحد يربط الشعبين برباط لا ينفصم. ولطالما امتزجت الدماء المصرية والسودانية في مواقف البطولة والتاريخ المشترك. ومن أبرز المحطات التي تجسد هذا الارتباط:

انتقال الكلية الحربية المصرية إلى السودان عام 1969 حفاظًا على طلابها من مخاطر حرب الاستنزاف، وهو دليل على الثقة العميقة والتلاحم العسكري بين البلدين.

دور السودان في حماية الأسلحة المصرية إبان حرب الاستنزاف، ومن بينها قاذفات “تيو–16” التي استضافتها السودان حفاظًا عليها من الاستهداف الإسرائيلي، وهو موقف يسجله التاريخ بحروف من ذهب.

لقد ظلّ النيل شاهدًا على وحدة المصير بين البلدين؛ فكما كانت مصر سندًا للسودان في محنه، كان السودان دائمًا ظهيرًا لمصر في أزماتها، ليتجدد المشهد اليوم من خلال مبادرة “إسناد”، التي تمثل امتدادًا طبيعيًا لتلك الروابط التاريخية والإنسانية العميقة.

تداعيات الحرب في السودان •• جرح الأمة المفتوح

ما يحدث في السودان اليوم ليس مجرد صراع داخلي، بل هو نزيف إنساني يهدد النسيج العربي والإفريقي. فقد خلفت الحرب آثارًا مدمرة على الصعيدين الإنساني والاجتماعي، من بينها:

نزوح ملايين الأسر وفقدان مقومات الحياة الأساسية.

تدهور البنية التحتية والخدمات الصحية والتعليمية.

تزايد معاناة الفئات الضعيفة، وعلى رأسها النساء والأطفال الذين يدفعون ثمن الصراع بلا ذنب.

هذه التداعيات لا تخص السودان وحده، بل تمتد آثارها إلى الأمن القومي العربي والمحيط الإقليمي، مما يحتم تكاتف الجهود الرسمية والشعبية لإنهاء هذه المحنة وإعادة البناء والاستقرار.

مصر •• حضن العروبة وملاذ الأشقاء

لطالما كانت مصر الحاضنة الكبرى للأشقاء العرب، تفتح أبوابها دون تمييز، وتمد يدها لكل من يحتاج الدعم في أوقات الأزمات. وفي الأزمة السودانية، قدمت مصر نموذجًا فريدًا في الاحتضان والتكافل عبر استقبال مئات الآلاف من السودانيين النازحين، وتوفير الرعاية والخدمات الأساسية لهم في التعليم والصحة والسكن، انطلاقًا من واجب الأخوة ووحدة المصير.

ومن هنا جاء دور مبادرة “إسناد السودانيين المتأثرين بالحرب” لتكمل هذا الدور المصري الأصيل، حيث تعمل المبادرة على تقديم خدمات إنسانية وتنموية متكاملة للأشقاء السودانيين المقيمين في مصر. ومن بين أنشطتها:

توفير الرعاية الصحية والدعم النفسي والاجتماعي للنازحين.

المساهمة في تسكين الأسر الأكثر تضررًا وتأهيلها مجتمعيًا.

دعم فرص التعليم لأبناء السودانيين المقيمين بمصر من خلال شراكات مع مؤسسات تعليمية.

تنظيم برامج تدريب مهني وتنموي تساعد في دمج الشباب السوداني في سوق العمل المصري.

إنشاء منصات توعوية وإعلامية تهدف إلى نشر ثقافة السلام والتماسك الاجتماعي.

إسناد •• من السودان إلى كل أرض عربية تحتاج العون

لا تتوقف رؤية المبادرة عند حدود السودان، بل تمتد إلى رؤية عربية أشمل تسعى للوصول إلى الدول المتضررة من النزاعات المشابهة، انطلاقًا من إيمانها بأن الأمن الإنساني العربي لا يتجزأ.

ومن بين أهدافها المستقبلية:

تأسيس فروع للمبادرة في دول عربية وإفريقية أخرى تواجه تحديات إنسانية مشابهة.

بناء شبكة عربية للتضامن المجتمعي تُعزّز التكامل الإنساني بين الشعوب العربية.

إطلاق برامج تنموية عابرة للحدود تُسهم في إعادة الإعمار وخلق فرص عمل للمواطنين المتأثرين بالحروب.

بهذا المعنى، تمثل “إسناد” نواة حقيقية لمشروع عربي جامع يربط بين الإنسانية والتنمية والعمل المشترك، مستندًا إلى تاريخ من الأخوة والوفاء بين الشعوب.

التوصيات •• نحو مستقبل مشترك يسوده السلام والبناء

1. توحيد الجهود العربية والإفريقية لدعم مسار السلام في السودان.

2. إطلاق مبادرات تنموية مشتركة تعزز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في الدول المتضررة.

3. تفعيل الدبلوماسية الشعبية والمجتمع المدني في بناء جسور الثقة بين الأطراف السودانية.

4. تعزيز دور مصر كمحور استقرار إقليمي وداعم دائم لقضايا الأشقاء العرب والأفارقة.

5. التأكيد على أن الحل في السودان يجب أن يكون سودانيًا–عربيًا بعيدًا عن التدخلات الخارجية.

6. دعم مبادرة “إسناد” وتوسيع نطاقها الإقليمي لتصبح منصة عربية موحدة للإغاثة والتنمية وإعادة الإعمار.

النهر لا يعرف الحدود

إن ما يجمع مصر والسودان أكبر من الجغرافيا وأعمق من التاريخ، إنه قدر النهر والأخوة والمصير الواحد. ولذلك فإن الوقوف إلى جانب السودان اليوم ليس واجبًا سياسيًا فحسب، بل هو واجب إنساني وقومي تمليه علينا قيم العروبة ووحدة المصير.

إن مبادرة “إسناد” تأتي لتؤكد أن العروبة ما زالت حية، وأن مصر ستظل دائمًا حضنًا دافئًا لأشقائها، تمد يدها بالعون لكل من يحتاج، وتغرس الأمل في أرضٍ متعطشة للسلام والبناء.

لواء أحمد زغلول

اللواء أحمد زغلول مهران، مساعد مدير المخابرات الحربية الأسبق، وعضو الهيئة الاستشارية العليا لمركز رع للدراسات الاستراتيجية. كما أنه خبير متخصص في الشؤون العسكرية والأمنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى