الفرص المُمكنة: لماذا تتعثر صناعة السيارات الكهربائية في مصر؟

تخطو الدولة المصرية خطوات هامة نحو تبني الصناعة المحلية للسيارات الكهربائية، استجابة للتطورات العالمية في إحلال التكنولوجيا في الصناعات المختلفة، خاصة التكنولوجيا نظيفة البيئة التي ترفع من معدلات الاستدامة البيئية داخل الدولة، ولكن هناك بعض التحديات التي تقف عائق أمام توسع السوق، وهو الأمر الذي لابد من مواجهته، إذ أنه بحساب التكلفة والعائد لصناعة السيارات الكهربائية، ستتضح المكاسب الكبيرة التي ستعود على الدول من التوسع في هذه الصناعة.

وتأسيساً على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى واقع صناعة السيارات الكهربائية في السوق المصري، فضلاً عن معرفة التحديات التي تواجه انتشارها والتوسع فيها والفرص المتاحة أمامها.

واقع الصناعة:

يُمكن التعرف على واقع صناعة السيارات الكهربائية في مصر من خلال النقاط التالية:

(*) عدد محطات الشحن: يوجد على مستوى محافظات جمهورية مصر العربية نحو 450 محطة شحن كهربائية، وذلك وفق رئيس لجنة السيارات النظيفة في شعبة السيارات، بغرفة القاهرة التجارية، وهذا يوضحه الشكل (1).  فعلى الرغم من ارتفاع عدد المحطات من 15 محطة في عام 2018 إلى 450 محطة في يناير عام2025 ، إلا أنه ارتفاع طفيف وغير متناسب مع عدد السيارات الكهربائية في مصر التي يصل عددها إلى أكثر من  14 ألف سيارة كهربائية، وحتى أنه في ظل وضع الدولة المصرية لخطة منذ 3 سنوات، بإنشاء 3 آلاف محطة مزدوجة تضم 6 ألاف نقطة شحن خلال 18 شهراً، لم يتحقق هذا الهدف؛ بسبب العوائق التي تواجه هذه الصناعة.

الشكل (1) يوضح عدد محطات الشحن الكهربائي في مصر

وفي هذا الإطار تُعتبر شركتي إنفينيتي وريفولتا من أكبر شركات شحن السيارات الكهربائية في جمهورية مصر العربية، فإنفينيتي تُعد أول وأكبر شركة شحن في مصر، التي بدأت عملها في مصر يناير 2022 في إنشاء محطات طاقة كهربائية سريعة داخل المدن، إذ حصلت على أول ترخيص لها في أبريل 2022، وتمتلك هذه الشركة أكثر من 90 نقطة شحن موزعة على جميع طرق السفر الرئيسية في القاهرة والإسكندرية والغردقة والإسماعيلية والعين السخنة، وعلى الطرق السريعة المؤدية إلى الغردقة وشرم الشيخ والعين السخنة. وتأمل الشركة في الوصول إلى عدد 300 محطة في عام 2025، ولكنها تحتاج إلى دعم مؤسسي وتشريعي شامل.

(*) التوزيع الجغرافي لمحطات الشحن: تتركز محطات الشحن الكهربائي في المحافظات الكبرى، إذ يوجد أكثر من 120 محطة، أكثرها في القاهرة الجديدة وضواحيها، والسادس من أكتوبر والشيخ زايد، إذ يوضح الشكل (2) توزيع محطات الشحن الكهربائية في مصر، حيث تتصدر القاهرة عدد المحطات بنحو 32 محطة، تليها الجيزة بنحو 24 محطة، ثم الإسكندرية بعدد 3 محطات، والسويس بعدد 4 محطات، ثم البحيرة بعدد 3 محطات، ويوجد في محافظات الشرقية والدقهلية والقليوبية عدد 3 محطات فقط، ونفس العدد في محافظة البحر الأحمر.

الشكل (2) يوضح توزيع محطات الشحن الكهربائي بين محافظات الجمهورية

وقراءة الشكل السابق، تشير إلى البيروقراطية الجغرافية في توزيع محطات الشحن الكهربائي في مصر، إذ لم يوجد هناك عدالة في التوزيع تسمح للمواطنين في مختلف المحافظات أن يملكوا هذا النوع من السيارات ويعملوا على إحلالها بسياراتهم التقليدية الغير صديقة للبيئة.

(*) حجم ونوعية الترخيص: ارتفع ترخيص السيارات الكهربائية خلال عام 2024 بنسبة 91.4%، إذ قفز من 3212 سيارة في عام 2023 إلى نحو 6150 سيارة في عام 2024.  ويُمكن توضيح أكثر العلامات التجارية ترخيصاً من خلال الشكل ( 3)، إذ تصدرت فولكس فاجن الألمانية بـ 2946 مركبة، تليها مرسيدس الألمانية بـ 1205 مركبة،  ثم بي واي دي الصينية بـ 1031مركبة، ثم بي إم دبليو الألمانية، ثم شيفروليه الأمريكية، ثم تسلا الأمريكية، ثم مرسيدس MCV ، ثم سوزوكي اليابانية، ثم هوندا اليابانية.

الشكل (3) يوضح أكثر المركبات ترخيصاً في مصر في أكتوبر 2024

تحديات وفرص:

تتبلور التحديات التي تواجه قطاع السيارات الكهربائية في النقاط التالية:

(&) ضعف البنية التحتية: لاتزال محطات الشحن محدودة العدد ومتركزة في المدن الكبرى، الأمر الذي يخلق صعوبة أمام مالكي السيارات الكهربائية في محافظات الوجه القبلي والمحافظات الحدودية، على شحن سياراتهم، فغياب شبكة متكاملة من محطات الشحن السريع، يجعل التنقل بين المدن لمسافات طويلة صعباً. كما أن بعض المناطق تُعاني من ضعف في شبكة الكهرباء، الأمر الذي يحد من القدرة على تشغيل محطات شحن عالية الكفاءة.

ومن ناحية أخرى معظم المباني السكنية القديمة لا تحتوي على تجهيزات لشحن السيارات الكهربائية، فعدم وجود تشريعات تلزم المشروعات العقارية الجديدة بدمج نقاط شحن كهربائية ضمن البنية التحتية، يُعتبر عائق أمام سوق السيارات الكهربائية في مصر بشكل كبير.

(&) انخفاض تعريفة الشحن: لما كان الاستثمار من العوامل الهامة لانتشار الصناعات المختلفة وتطويرها بالشكل الذي يتناسب مع التوجهات العالمية، فبالتالي يُعتبر معوقات هذا الاستثمار من الأساسيات التي لابد من مواجهتها؛ حتى تنتعش صناعة السيارات الكهربائية في مصر، فبسبب أن تعريفات الشحن غير مرضية للمستثمرين،  تحتاج مشروعات المحطات وقتاً طويلاً حتى تُحقق أرباح، وعند مقارنة التعريفات المُطبقة في مصر مع التعريفات التي تطبقها الولايات المتحدة الأمريكية، يتضح الفارق الكبير، ففي مصر تبلغ تعريفة التيار السريع نحو 3.75 جنيه لكل كيلوواط ساعة، وتعريفة الشحن بالتيار المتردد من النوع الأبطأ تبلغ 1.89  لكل كيلو واط ساعة، بينما تبلغ متوسط التكلفة في الولايات المتحدة الأمريكية نحو 17 سنتاً، وهو ما يُعادل تقريباً 8.5 جنيه.

ومن هنا، فإنه نتيجة للتكاليف المرتفعة لإنشاء محطات شحن كهربائي مع الانخفاض في مستوى الأرباح التي تُحققها هذه الشركات؛ بسبب التعريفة المنخفضة، تكبدت الكثير من شركات الشحن الكهربائي خسائر، ومن ناحية أخرى شكل رفض وزارة الكهرباء تجديد الترخيص للشركات عائق أساسي أمامها.

(&) قلة عدد السيارات: على الرغم من وجود أكثر من 14 ألف سيارة كهربائية في مصر، إلا أنه لا يُمكن القول بأن هناك سوق لهذه السيارات في مصر، إلا ببلوغه من 20 ألف سيارة  إلى أكثر، فالمشكلات التي تواجه المواطنون أمام امتلاك سيارات شحن كهربائي، تحد من رغبتهم على شرائها، ومع غياب الدعم الحكومي والتمويل مثل القروض المخفضة والإعفاءات الضريبية للمشترين، تجعل من الصعب على المشترين تبني السيارات الكهربائية.

(&) البيروقراطية المتفاقمة: تعاني الشركات العاملة في سوق السيارات الكهربائية من قلة وضوح الإجراءات المنظمة، فمسؤولي الأحياء في أجهزة المدن الجديدة، ليس لديهم دراية بكيفية إجراءات التعاقد، في ظل وجود اشتراط من شركات توزيع الكهرباء على موافقة هيئة المجتمعات العمرانية، ومن ناحية أخرى تواجه الشركات الراغبة في الاستثمار في محطات الشحن أو التصنيع المحلي تحديات في الحصول على التراخيص والتصاريح اللازمة، مما يؤدي إلى تأخير تنفيذ المشروعات.

(&) أحادية بروتوكلات الشحن: تعتمد مصر بشكل رئيسي على البروتوكول الأوربي CCS)) في محطات الشحن، بينما لا تسمح باستخدام بروتوكلات شحن أخرى، مثل تلك الخاصة بالسيارات الصينية، وبالتالي مع زيادة استيراد السيارات الكهربائية من الصين التي تعتمد على بروتوكلات شحن مختلفة، ظهرت تحديات تتعلق بالتوافق بين هذه السيارات ومحطات الشحن المتاحة، مما أدى إلى استخدام محولات كهربائية، تتسبب في أعطال فنية وزيادة تكاليف الصيانة.

أما فرص هذه الصناعة في مصر، فتتمثل في الظروف المتنوعة التي تتميز بها وتشجع على التوسع في صناعة السيارات الكهربائية، إذ أنها تتميز بكثافة سكانية مرتفعة، بلغت 107.44 مليون نسمة، يُمكن استغلالها في خلق سوق كبير لهذا الصناعة، ومن ناحية أخرى تتمتع مصر بإمكانيات كبيرة للطاقة المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مما يُعطي فرصاً هائلة للجمع بين المزايا البيئية للسيارات الكهربائية ومزايا مصادر الطاقة المتجددة، وكما تُعد مبادرة الحكومة لتشجيع استخدام السيارات الكهربائية حافز كبير أمام هذه الصناعة.

النموذج الصيني:

تقدمت الصين في صناعة السيارات الكهربائية بشكل كبير، وهو ما يمكن توضيحه في النقاط التالية:

(-) دعم حكومي قوي: تعتبر الصين عملاق صناعة السيارات الكهربائية على مستوى العالم، إذ تقدم الحكومة الصينية دعم حكومي قوي من خلال الإعانات المالية التي تقدمها لمشتري السيارات الكهربائية مثل الإعفاءات الضريبية والدعم المباشر للمصنعين، ومن ناحية أخرى فرضت الحكومة الصينية قيوداً على السيارات التقليدية في المدن الكبرى، مما حفز الطلب على السيارات الكهربائية، فكما يوضح الشكل (4) ارتفع حجم ترخيص السيارات الكهربائية في الصين من 833 ألف وحدة في مارس 2024 إلى 1.6 مليون وحدة في ديسمبر 2024.

فالصين لديها ثلاث شرائح من المركبات، سيارة خفيفة لا تتعدى سرعتها 65 كم في الساعة، والسيارة العادية التي تصل إلى 20 كم في الساعة، ثم فئة السيارات الفارهة التي تُشكل نسبة 6 % إلى 8% من شريحة مستخدمي السيارات في العالم، ومن هنا يتضح أن السوق الصيني للسيارات الكهربائية يلبي طلبات رغبات ومستويات جميع المواطنين.

الشكل (4) يوضح حجم ترخيص السيارات الكهربائية في الصين

(-) بنية تحتية متطور: يوجد في الصين أكثر من 6 مليون محطة شحن فائقة السرعة تدعم الانتشار الواسع للسيارات الكهربائية، كما أن بعض الشركات مثل NIO طورت محطات تبديل البطاريات بدلاً من الشحن، مما قلل من وقت الانتظار.

(-) تفوق في تكنولوجيا البطاريات: تُعد الصين أكبر منتج لبطاريات الليثيوم أيون عالمياً، إذ توفر أكثر من 50 % من الإمدادات، كما أن بكين تُعد موطناً لأربع من أكبر 10 شركات لتصنيع البطاريات في العالم، وهو ما جعلها تطور بطاريات جديدة مثل بطاريات الليثيوم- الحديد فوسفات (LFP) الأرخص وأكثر أماناً.

(-) الابتكار والذكاء الاصطناعي: اعتمدت الصين في تجربتها الرائدة على التكنولوجيا والابتكار بشكل كبير، إذ قدمت تقنيات متطورة للقيادة الذاتية تنافس تسلا، كما عملت على دمج الذكاء الاصطناعي، حيث تتميز السيارات الكهربائية الصينية بتطبيقات ذكية مثل التحكم في الأوامر الصوتية والتحديثات عبر الإنترنت (OYA)، وهو ما جعل الصين تهيمن على نحو 60% من المبيعات العالمية للسيارات الكهربائية في عام 2024.

دروس مستفادة:

يُمكن التغلب على التحديات التي تواجه صناعة السيارات الكهربائية في مصر من خلال النقاط التالية:

(1)- تنويع بروتوكلات الشحن:  مع اتجاه الدولة المصرية نحو إحلال السيارات التقليدية بالسيارات الكهربائية صديقة البيئة، يصبح من الضروري اعتماد بروتوكلات شحن متعددة؛ لتلبية احتياجات السوق المتنوعة، فهذا التنوع يسهم في تعزيز البنية التحتية؛ لشحن السيارات الكهربائية وتسهيل اعتماد المستهلكين لهذه التكنولوجيا النظيفة.

(2)- تطوير قوانين وتشريعات داعمة: إن الإطار التشريعي الداعم لصناعة السيارات الكهربائية، يُعتبر حجر أساسي لتطورها، إذ أنه لابد من إلزام الشركات بتوفير محطات شحن في المباني الجديدة والمولات التجارية، مع تحديد نسبة من السيارات الحكومية لتكون كهربائية بحلول عام 2030، مع وضع معايير واضحة لاستيراد السيارات الكهربائية.

(3)- توطين صناعة البطاريات: نظراً لأن البطاريات تمثل 40% من تكلفة السيارات الكهربائية، فبالتالي تأتي ضرورة إنشاء مصانع بطاريات محلية، إذ أن  تصنيعها محلياً سيُخفض الأسعار، خاصة أن مصر تمتلك معادن مثل الفوسفات والكوارتز والتي يُمكن أن تدخل في صناعة البطاريات، ويُمكن أن يتحقق ذلك من خلال الشراكة مع شركات صينية مثل CATL  و BYD.

(4)- بناء بنية تحتية قوية: يتعين على الدولة المصرية الاستفادة من التجربة الصينية في نشر ملايين محطات الشحن على مستوى محافظات الجمهورية والطرق السريعة، بالإضافة إلى الاستفادة من تكنولوجيا تبديل البطاريات مثل تجربة NIO؛، حيث يُمكن للسائقين استبدال البطاريات الفارغة بأخرى مشحونة خلال دقائق، ومن ناحية أخرى لابد أن تعتمد مصر على الطاقة المتجددة للشحن، خاصة الطاقة الشمسية، مما يُقلل الضغط على شبكة الكهرباء.

(5)- تقديم حوافز لملاك السيارات الكهربائية: يُمكن للدولة المصرية إعفاء السيارات الكهربائية من الجمارك أو تخفيضها لدعم انتشارها، فضلاً عن تقديم دعم مباشر للمشتريين؛ لتشجيع المستهلكين على التبديل، بالإضافة إلى تقديم إعفاءات من رسوم الطرق والتراخيص.

وفي النهاية، يُمكن القول إن إحلال السيارات الكهربائية بدلاً من السيارات التقليدية لم يعد خياراً في ظل التوجهات العالمية نحو الاعتماد على التكنولوجيا صديقة البيئة، والتي أصبحت معياراً هاماً لجذب الاستثمارات إلى الدولة، وهو ما تُدركه الدولة المصرية في الوقت الحالي، فالسوق في مصر يواجه تحدياتً وفرصاً كبيرة، فعلى الرغم من العقبات، هناك بوادر إيجابية تتمثل في اهتمام الدولة بتوطين الصناعة، وإدخال نماذج جديدة من السيارات الكهربائية، ولكن الأمر يحتاج إلى سياسات تكميلية تساعد على نمو سوق السيارات الكهربائية بشكل أسرع.

رضوى محمد سعيد

رئيس وحدة الدراسات المصرية، والمشرف الرئيسي على برنامج الدراسات المصرفية بالمركز. الباحثة حاصلة على بكالوريوس اقتصاد، كلية اقتصاد وعلوم سياسية- جامعة القاهرة، الباحثة مهتمة بتحليل القضايا الاقتصادية الكلية، عملت كباحثة متخصصة في تحليل السياسات العامة المصرية بالعديد من الشركات المتخصصة ومراكز الفكر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى