لماذا تجاهل ترامب إفريقيا في خطاب تنصيبه؟

في الـ 20 من يناير الجاري، ألقي الرئيس الأمريكي المُنتخب “دونالد ترامب” خطاب تنصيبه، الذي تناول العديد من القضايا الهامة، مثل الشرق الأوسط واستعادة قناة “بنما”، فضلاً عن تقويض المساعدات الخارجية، والانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، وطرد الملايين من المهاجرين غير الشرعيين، بالإضافة إلي الإعلان عن حالة طوارئ في قطاع الطاقة، وفرض رسوم جمركية على الدول الأجنبية، متلاشيًا الحديث عن القارة الإفريقية التي لم تحظي إلا باهتمام نسبي من قبل ترامب منذ فترة ولايته الأولي (2017-2021)، الأمر الذي أثار التساؤلات حول سياسة ترامب الخارجية تجاه القارة السمراء خلال فترة ولايته الثانية، خاصة وأن سياسية ترامب تقوم على مبدأ “أمريكا أولاً”. ومع ذلك قد تشهد استراتيجية ترامب تجاه إفريقيا خلال فترة ولايته الثانية العديد من التغيرات المرتبطة بعدة دوافع منها مواجهة النفوذ الصيني والروسي المتصاعد في القارة.
تأسيسًا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل لتفسير دلالات تجاهل ترامب المتعددة تجاه القارة الإفريقية، والإجابة على تساؤل مهم، وهو: هل يغير ترامب من استراتيجيته تجاه إفريقيا؟
دلالات متعددة:
على الرغم من الأهمية الاستراتيجية لإفريقيا، إلا أنها لم تحظي باهتمام ترامب خلال خطاب تنصيبه لولاية ثانية، وهناك بعض الدلالات المتعددة التي توضح ذلك التلاشي من خلال الآتي:
(*) تقويض المساعدات الخارجية: تضمن خطاب تنصيب ترامب، الإشارة إلى تقويض برنامج المساعدات الخارجية، حيث قرر الرئيس الأمريكي المنتخب تعليق البرنامج لمدة 90 يومًا لإعادة مراجعته، وفقًا لمدي استفادة واشنطن منه، وهناك تصريحات سابقة أيضًا لترامب تجاه المساعدات الخارجية، حيث يرغب ترامب في تخصيص أموال دافعي الضرائب الأمريكية لحلفاء واشنطن وليس للدول الأفريقية البعيدة عن المبادئ الأمريكية، الأمر الذي قد يؤثر على القارة السمراء بشكل كبير في عدة مجالات مثل الصحة والتعليم والبنية الأساسية.
أما بالنسبة لتقليص دعم الأمم المتحدة، فقد يؤثر ذلك على تمثيل إفريقيا في المنظمات الدولية، فقد يكون موقف الدول الإفريقية من الحصول على مقعدين في مجلس الأمن صعب، حيث أن الدعم والمساعدات يلعبان دوراً في قدرة الدول الإفريقية على تعزيز صوتها ومشاركة تجربة قضاياها في الساحة العالمية، الأمر الذي قد يتطلب من الدول الإفريقية أثناء اجتماع “إزولويني” التكاتف لتخصيص المقعدين لإفريقيا.
(*) الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ: يحمل قرار ترامب بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ آثار متباينة على العلاقات الأمريكية مع الدول الإفريقية، خاصة وأن العديد من دول القارة السمراء تعتمد على الدعم الدولي في مواجهة التغير المناخي، لذلك فإن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية قد يزيد من التحديات التي تواجهها هذه الدول في تحقيق التنمية المستدامة.
(*) فرض قيود على الهجرة غير الشرعية: إعلان ترامب إعادة “ملايين المهاجرين الأجانب” بطريقة غير شرعية إلى بلادهم، مؤكدًا على وقف جميع عمليات الهجرة غير الشرعية من خلال غلق الحدود الجنوبية للبلاد، الأمر الذي قد يعرض الآلاف من الأفارقة في الولايات المتحدة إلى مخاطر الترحيل، حيث وصل عدد المهاجرين غير الشرعيين في واشنطن إلى 375 ألف في عام 2022، مما قد يتسبب في عرقلة التحولات المالية من واشنطن إلى إفريقيا، وهو ما قد يؤثر على العديد من الأفارقة التي تعتمد على المساعدات الأمريكية.
(*) اختيار فريق عمل غير مناسب لإفريقيا: قد لا يهتم ترامب كثيرًا باختيار فريق عمل مناسب لإفريقيا، خاصة وأنه قد تم الإعلان عن اكتمال فريق عمل ترامب في القارة السمراء وفقًا لموقع “أفريكا إنتلجنس” الذي أشار إلي عدد من المرشحين من بينهم المبعوث الأمريكي الخاص السابق لمنطقة الساحل خلال فترة ولايته ترامب الأولي “ج. بيتر فام” المرشح لشغل منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون الإفريقية، في حين أشار الموقع إلى عدم موافاة “جو فولتر” الذي يعمل في اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي المعنية بأفريقيا لشروط الموافقة، كما قد يعاد تعيين “تيبور ناجي” وكيل لوزارة الخارجية الأمريكية للشئون الأفريقية وقد شغل هذا المنصب عامي 2018و 2021 ولم يُحقق أي نتائج ملموسة، وفي المقابل هناك أشخاص أخري أكثر كفاءه قد شغلت مناصب في إفريقيا من قبل مثل “كاميرون هدسون” الذي شغل منصب مدير الأمن القومي الأمريكي في إفريقيا في عهد “جورج بوش”، والأسوء من هذا أن ترامب قد يعتمد على أقاربه في بعض سياسته في القارة السمراء مثل “مسعد بولس” الذي قد يكون غير مؤهل لشغل هذا المنصب.
(*) تجاهل ترامب لإفريقيا خلال حملته الانتخابية: لم تحظي القارة الإفريقية باهتمام ترامب خلال حملته الانتخابية، بالمقارنة بمناطق أخري، حيث تركزت أولويات ترامب الخارجية بشكل كبير على قضايا مثل التجارة مع الصين وقضايا الشرق الأوسط خاصة الحرب في قطاع غزة، والعلاقات مع الدول الأوروبية، فضلاً عن القضايا الداخلية المرتبطة بالاقتصاد الأمريكي والهجرة غير الشرعية.
(*) تصريحات ترامب تجاه السود الأفارقة: واجه ترامب انتقادات حادة بسبب تصريحاته ضد الأفارقة السود التي اعُتبرت عنصرية ومهينة؛ ولكن قد لا تعكس مثل هذه التصريحات شكل سياسته الخارجية تجاه القارة السمراء.
عوامل دافعة:
بالرغم من أن سياسه ترامب تجاه إفريقيا تحظي باهتمام نسبي، إلا أن هناك عوامل دافعة قد تغير من استراتيجية ترامب تجاه القارة السمراء وفقًا للمصالح الأمريكية خلال فتره ولايته الثانية، ويمكن توضيح أبرز العوامل المهمة التي قد تؤثر على سياسة ترامب في إفريقيا، كالتالي:
(&) مواجهة النفوذ الروسي والصيني في إفريقيا: نظرًا لتنامي النفوذ الصيني والروسي في إفريقيا من خلال الاستثمارات والمشاريع التنموية، التي جعلت روسيا أكبر مورد للأسلحة في القارة، بينما تًعد الصين أكبر شريك تجاري في إفريقيا، قد تعزز الولايات المتحدة من وجودها في القارة السمراء، للحفاظ على نفوذها الجيوسياسي في المنطقة، من خلال استراتيجيات أكثر فاعلية لتعزيز العلاقات مع الدول الإفريقية وفقًا للمصالح الأمريكية، في محاولة لمواجهة النفوذ الروسي والصيني المتصاعد، فضلاً عن عودة النفوذ الأمريكي المُتراجع في غرب إفريقيا، خاصة بعد مغادرة قواتها للنيجر في أغسطس 2024، ونتيجة للانقلابات العسكرية المتتالية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، بالإضافة إلى سعيها لتعزيز علاقاتها الأمنية مع شرق إفريقيا والقرن الأفريقي في دول مثل الصومال وأرض الصومال وكينيا التي قد تكون على قائمة أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة، كونها الحليف الرئيسي لواشنطن منذ يونيو 2024.
علاوة على ما سبق، قد تواجه واشنطن النفوذ الصيني المتنامي من خلال ممر “لوبيتو” الاستراتيجي في أنجولا كونه يشكل أهمية استراتيجية كبري للولايات المتحدة في تصدير المعادن الأرضية مثل الكوبالت والنحاس والليثيوم.
(&) مكافحة الإرهاب والحفاظ على الأمن: تصاعد أنشطة التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل وعلى طول البحر الأحمر قد تضر بالمصالح الأمريكية، الأمر الذي قد يكون دافعًا قويًا لتغيير الاستراتيجية الأمريكية، التي قد تركز على تعزيز التعاون الأمني مع دول إفريقية مثل كينيا ونيجيريا؛ لمكافحة الإرهاب والحفاظ على أمن المنطقة، خاصة وأن إفريقيا تعاني منذ سنوات عديدة من ظاهرة الإرهاب في دول الساحل الإفريقي لا سيما مالي والنيجر وبوركينا فاسو والصومال وموزنبيق ودول بحيرة تشاد وشرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، من قبل جماعات مثل حركة الشباب الصومالية وتنظيم “داعش” وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم “القاعدة”. ومع ذلك، فإن تصريحات ترامب الخاصة بتقليص المساعدات الخارجية، قد ينتح عنها تقليل الدعم العسكري وتقليل الدعم المادي للمناطق النشطة بالتنظيمات الإرهابية، وهو ما قد يؤثر على المصالح الأمريكية في البحر الأحمر.
(&) الموارد الطبيعية: تُعد إفريقيا من الدول الغنية بالموارد الطبيعية مثل المعادن والنفط، الأمر الذي قد يجعل ترامب يعيد النظر في استراتيجيته تجاه القارة السمراء، خاصة وأن المعادن الأرضية النادرة في إفريقيا تُعد سلاحًا مهمًا لواشنطن عند نشوب أي حرب مع الصين، كما أن ترامب قد يرغب في السيطرة على الثروات المعدنية في إفريقيا للقضاء على النفوذ الصيني والروسي الساعي لعالم متعدد الأقطاب.
(&) الصراعات المتنامية في بعض الدول الإفريقية: قد يؤدي عدم الاستقرار في دول مثل السودان وليبيا والصومال وإقليم أرض الصومال إلى اتخاذ الولايات المتحدة خطوات استباقية لتعزيز علاقاتها مع دول إفريقية بديلة أو محاولة ترامب معالجة تلك الصراعات تماشيًا مع المصالح الأمريكية. ففي السودان قد يلعب ترامب دور محوري في عودة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى مفاوضات “منبر جدة”، خاصة بعد فرض عقوبات أمريكية على طرفي الصراع، وذلك لأهمية موقع السودان الاستراتيجي على البحر الأحمر بالنسبة لواشنطن. أما في إقليم أرض الصومال، فقد زادت التصريحات المؤيدة للاعتراف الأمريكي بإقليم” أرض الصومال” وفقًا لوثيقة “مشروع 2025″، وقد يكون الهدف من الاعتراف هو استخدام الإقليم في تقيد النفوذ الصيني المتنامي في جيبوتي من جهة، والاستفادة من الموقع الاستراتيجي لأرض الصومال لقربه من مضيق باب المندب من جهة أخري.
وختامًا، يُمكن القول إن سياسة ترامب الخارجية تجاه القارة السمراء، ستكون مرهونة في المقام الأول بالأولويات والمصالح الأمريكية المباشرة، وعلى الرغم من أن استراتيجية ترامب تجاه إفريقيا تتسم بالتجاهل، إلا أن هناك عوامل عدة قد تدفع ترامب لتغيير استراتيجيته وتحسين العلاقات مع الدول الإفريقية التي قد تخدم مصالح الأمن القومي الأمريكي والاقتصاد الأمريكي الذي يُعد أولولة ترامب الأولي، وقد يستخدم ترامب المساعدات كأداة ضغط لتحقيق أهداف واشنطن السياسية والاقتصادية ومن المُتوقع أن يعيد ترامب هيكلة توزيع المساعدات الخارجية دون تجاوزات للحفاظ على المصالح الأمريكية في المنطقة، ومن جانب أخر قد تسعي بعض الدول الإفريقية لتعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية بشكل استباقي مع ترامب، تلاشيًا لحدوث أي تغييرات أو صدمات في السياسات الأمريكية تجاه إفريقيا.