المؤشرات الـ6: كيف جاء الأداء المالي لبنك مصر في 2024/ 2025؟

يُعد بنك مصر من أكبر البنوك الحكومية داخل الدولة المصرية، إذ أنه يُقدم العديد من الخدمات المصرفية التي تتناسب مع احتياجات المواطنين على اختلاف فئاتهم، كما أنه قام بالعديد من الإجراءات التي تُساند الدولة المصرية في تحقيق استقرار سوق سعر الصرف ومواجهة معدلات التضخم، وهو ما يتطلب إجراء تحليل مالي عميق؛ حتى يُمكن الاطمئنان على السلامة المالية للمؤشرات الهامة داخل البنك.
تأسيساً على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى المؤشرات المالية لبنك مصر ومدى تناسُبها مع معايير بازل 3، وبالإضافة إلى ذلك سيعمل على استكشاف دور البنك في أزمتي الدولار والتضخم اللاتي يُعاصرهما الاقتصاد المصري.
تحليل المؤشرات:
(1) إجمالي الأصول: يوضح هذا المؤشر مدى حجم البنك في القطاع المصرفي المصري، إذ يضم كل ما يمتلكه من قروض و احتياطيات وأوراق مالية استثمارية وأصول مادية يُمكن تحويلها إلى نقد في حالة الحاجة إليها، ويتضح من الشكل (1) أن أصول بنك مصر ارتفعت بشكل كبير خلال الفترة محل الدراسة، إذ ارتفعت من 2.89 تريليون جنيه في يونيو 2023 إلى 3.82 تريليون جنيه في يونيو 2024، أي ارتفعت بنسبة 32.18%، وهي نسبة كبيرة توضح مدى التموضع الكبير لبنك مصر في السوق المصري، فارتفاع هذا المؤشر يعكس قوة نشاط البنك.
الشكل (1) يوضح حجم أصول بنك مصر خلال الفترة من يونيو 2023 إلى يونو 2024
المصدر: القوائم المالية لبنك مصر
(2) حجم القروض والودائع: توضح حجم القروض والودائع مدى ثقة العملاء في التعامل مع البنك، إذ أنه في حالة تراجع أداء البنك لم يتجه العملاء إلى الادخار به، وبالتالي لا يستطيع التوسع في حالات الإقراض، وعلى النقيض إذا كان أداء البنك قوي وقادر على استقطاب عدد كبير من العملاء إليه، إذ أنه يتضح من الشكل (2) أن بنك مصر ارتفع لديه حجم القروض والودائع، إذ ارتفعت القروض من 1.01 تريليون جنيه في يونيو 2023 إلى 1.43 تريليون جنيه في يونيو 2024، أي ارتفعت بنسبة 41.58%، كما ارتفع حجم الودائع من 2.2 تريليون جنيه في يونيو 2023 إلى 2.67 تريليون جنيه في يونيو 2024، أي ارتفعت بنسبة 21.36%، ويتضح من نسب ارتفاع كلاً من حجم القروض والودائع لدى بنك مصر، أن البنك حقق نمو كبير بهما خلال عام.
الشكل (2) يوضح حجم قروض وودائع بنك مصر خلال الفترة من يو نيو 2023 إلى يونيو 2024
(3) صافي الأرباح: يتضح من الشكل (3) أن بنك مصر حقق طفرة كبيرة في مؤشر صافي الأرباح، إذ ارتفع هذا المؤشر من 27.6% في يونيو 2023 إلى 59.12% في يونيو 2024، وهو الأمر الذي يوضح أن البنك حقق ارتفاع في صافي الدخل من العائد الذي يأتي من الفرق بين عائد القروض والإيرادات المشابهة و تكلفة الودائع والتكاليف المشابهة، إذ ارتفع من 58.48 مليار جنيه في يونيو 2023 إلى 72.99 مليار جنيه في يونيو 2024، بالإضافة إلى ارتفاع صافي الدخل من الاتعاب والعمولات من 9.003 مليون جنيه إلى 10.37 مليار جنيه، وهو الأمر الذي يوضح قدرة بنك مصر على توليد أرباح من الأنشطة التي يقوم بها.
الشكل (3) يوضح حجم صافي الأرباح من يونيو 2023 إلى يونيو 2024
(4) مؤشر السيولة: يُشير مؤشر السيولة إلى قدرة البنك على مواجهة التزاماته المالية، إذ أنه في بعض الأوقات يواجه البنك طلبات سحب كبيرة من قبل المودعين، وإذا لم يتحوط لهذا الأمر، سيواجه عثرات كبيرة، وهناك العديد من النسب التي يُمكن استخدامها للحصول على هذا المؤشر، منها صافي القروض إلى إجمالي الأصول، ونسبة القروض إلى الودائع، إذ تُعتبر هذه النسبة من النسب المهمة؛ لتقييم مخاطر السيولة والائتمان للبنك، إذ تدل هذه النسبة على نسبة القروض الممولة من الودائع، وبحسب المعايير التقييمية المُثلى يُفضل ألا تزيد هذه النسبة عن 35%، فمن الشكل (4) يتضح أنه هذه النسبة مرتفعة للغاية داخل بنك مصر، إذ بلغت 46.5 % و 53.46 % على التوالي، وهـو الأمر الـذي يعنـي احتمالية تعـرُض البنـك إلى ضغـوط ماليـة مـن خـلال تقديـم قـروض مُفرطـة، مـا يجعـل مـن الـضروري علـى بنك مصر أن يحـذر مـن تقديـم نسـبة كبيـرة مـن القـروض اعتمـاداً عـلى الزيـادة في حجـم الودائـع.
الشكل (4) يوضح مؤشر السيولة خلال يونيو 2023 و يونيو 2024
(5) مؤشر الربحية: يُمكن الحصول على هذا المؤشر من خلال قسمة صافي الأرباح إلى إجمالي الأصول، إذ تدل هذه النسبة إلى أي مدى يستطيع البنك توليد أرباح من الأصول التي يمتلكها، وهو ما يوضح أنه كلما ارتفعت هذه النسبة كلما أشار ذلك إلى قوة الوضع المالي للبنك، ويوضح الشكل (5) أن هذا المؤشر في وضع جيد داخل بنك مصر، إذ ارتفع العائد على الأصول من 0.95% في يونيو 2023 إلى 1.54% في يونيو 2024، وهو الأمر الذي يوضح فعالية نشاط البنك في تحقيق المزيد من الأرباح.
الشكل (5) يوضح العائد على الأصول في بنك مصر
(6) مؤشر المخاطر: يُساعد هذا المؤشر على تقييم مستوى المخاطر التي تواجهها البنوك في مختلف الجوانب التشغيلية والمالية، إذ يشمل هذا المؤشر عدة أبعاد لقياس قدرة البنوك على مواجهة الأزمات مثل عدم السداد وتقلبات السوق، وأزمات السيولة، ويُمكن تقييم هذا المؤشر لدى بنك مصر من خلال نسبة الودائع إلى إجمالي الأصول، التي توضح مدى اعتماد البنك على الودائع في تمويل الأصول، إذ ارتفعت هذه النسبة عن الـ 35% بنسبة كبيرة، إذ سجلت 76.15% في يونيو 2023، وانخفضت إلى 70% في يونيو 2024، وهو الأمر الذي لابد أن يلتفت إليه البنك، بأنه يعمل على تخفيض هذه النسبة إلى الحد الآمن من خلال زيادة حجم أصوله.
مواجهة الدولرة والتضخم:
سيتضح في هذا الجزء كيف يتعامل بنك مصر مع أزمة الدولار والتضخم في الدولة المصرية، وذلك على النحو التالي:
(*) شهادات طلعت حرب: أصدر بنك مصر كجزء من سياسات سحب السيولة من السوق المصري، شهادات طلعت حرب مرتفعة العائد، إذ أن العائد 27% يُصرف سنوياً، بينما 23.5% يُصرف شهرياً، وبعائد 23 % سنوياً ويُصرف العائد يومياً، فهذه الشهادات جعلت عدد كبير من المواطنين يدخروا أموالهم داخل البنك، الأمر الذي عمل نسبياً على تخفيض معدلات التضخم، التي انخفضت من 38.5% في نوفمبر 2023 إلى 26.3% في نوفمبر 2024.
(*) طرح شهادات استثمارية دولارية: قام بنك مصر في يوليو 2023 بالتعاون مع البنك الأهلي المصري في طرح شهادات استثمارية دولارية لمدة ثلاث سنوات، بعائد سنوي يصل إلى 7%، بهدف جذب المدخرات بالدولار من المواطنين والمستثمرين، وكان لهذه الشهادات الفضل في تحجيم السوق السوداء في الاقتصاد المصري.
(*) تخفيض حدود استخدام بطاقات الائتمان في الخارج: اتخذ بنك مصر هذا الإجراء في يناير 2024، إلى جانب عدد من البنوك الأخرى، إذ قام بتخفيض حدود استخدام بطاقات الائتمان في المعاملات بالعملة الأجنبية خارج مصر، لتتراوح بين 50 إلى 300 دولار يومياً، في ظل تفاقم أزمة نقص الدولار، ويُعد هذا الإجراء من الإجراءات الاستثنائية التي تُتخذ في سبيل مواجهة أزمة الدولار التي حدث شق منها؛ بسبب التوترات الجيوسياسية في المنطقة، والتي أثرت على الملاحة في البحر الاحمر، ومنها على إيرادات قناة السويس، ولكن الجزء الأكبر من هذه الأزمة حدث بسبب الاعتماد الكبير على الاستيراد وضعف عمليات التصنيع المحلي.
(*) رفع حدود استخدام البطاقات بالعملات الأجنبية: قام بنك مصر برفع حدود استخدام البطاقات الائتمانية بالعملات الأجنبية، سواء للمشتريات من الداخل أو المشتريات والسحب النقدي من الخارج، وهذا حدث مع تحسُن السيولة الدولارية مع الصفقات التي أجرتها الدولة المصرية في الفترة الأخيرة.
ومن هذه الإجراءات التي قام بها بنك مصر، يُمكن القول أن البنك اتخذ خطوات تتصف بأنها خطوات قصيرة المدى أي أنها تتعامل مع الأزمة في وقتها الراهن، فكان من الضروري على البنك أن يُشارك في الحلول بعيدة المدى لهذه الأزمة، والتي تتمثل في تقديم قروض بفوائد مُخفضة للغاية للقطاعات الصناعية الاستراتيجية؛ حتى يُمكن زيادة الطاقة الاستيعابية للاقتصاد المصري، ومن ثم زيادة الصادرات بالشكل الذي يعود على الاقتصاد بارتفاع الإيرادات الدولارية.
وفي النهاية، يتضح من قراءة المؤشرات المالية لبنك مصر أنه حقق نمو في معظم المؤشرات، وهو الأمر الذي يرجع إلى وجود قاعدة كبيرة من المتعاملين لدى البنك، ولكن لابد أن يأخذ في الاعتبار ارتفاع مؤشر السيولة لديه، إذ أنه لا يُمكن زيادة الأرباح داخل البنك على حساب مؤشر السيولة، بالإضافة إلى الارتفاع الكبير في نسبة المخاطر الذي يُمكن أن يُعالجها البنك من خلال زيادة حجم أصوله، ومن ناحية أخرى تبين من إجراء مسح للمعلومات المتداولة بين المتعاملين على صفحات التواصل الاجتماعي، أن هناك العديد من المشاكل الفنية والبشرية لدى البنك يُعاني منها العملاء، وهو الأمر الذي لابد من تداركه، فالمنافسة بين البنوك أصبحت كبيرة للغاية، ومن السهل أن يتم استقطاب العملاء.