رسائل الأمة العربية وتحديات ما بعد قمة المنامة
لقد تشـرفت الأمة العربية برسـالة إنسانية سامية حملها إبـن مـن أعظم أبنائها وأشرفهم نسبًا ومكانةً، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، الذي حمل راية التوحيد ودعا لتحرير الإنسان من كافة أشكال العبودية واضعًا أسسًا لحياة متحضرة راقية مبنية على قيم سماوية سامية أساسها العدل وآخرها الرحمة، وبينهـما تعاليم أخلاقيـة متصلة بعضها ببعض لبناء المواطن الصالح.
وما قررته الرسالة من نصوص واضحه وأوامر إلهية لا تقبل الجدل في وضع أسس جلية من أجل حقوق الإنسان وتحريره من كل ما يعيق حركته في حياة كريمة؛ سواءً في اختيار دينه أو أسلوب حياته، بشرط ألا يترتب على سلوكه إضـرارًا بنفسه أو بغيره.
وإذا كانت القمة العربية الـ33 بالمنامة، تعقد وسط ظروف استثنائية تمر بها المنطقة العربية، وإذا كانت النسخة غير الرسمية لمشروع البيان الختامي لها، يتضمن دعوة المجتمع الدولي إلى القيام بمسؤولياته لمتابعة جهود دفع عملية السلام وصولاً إلى تحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين، الذي يجسد الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على خطوط الرابع من يونيو (حزيران) 1967 وفق قرارات الشرعية الدولية والمرجعيات المعتمدة. كذلك إزالة جميع المعوقات وفتح جميع المعابر أمام إدخال مساعدات إنسانية كافية لجميع أنحائه، وتمكين منظمات الأمم المتحدة، من العمل والقيام بمسؤولياتها بحرية وبأمان، والرفض القاطع لأي محاولات للتهجير القسري للشعب الفلسطيني من أرضه بقطاع غزة والضفة الغربية، هذا بالإضافة إلى الرفض الكامل وبشدة لأي دعم للجماعات المسلحة أو الميليشيات التي تعمل خارج نطاق سيادة الدول وتتبع أو تنفذ أجندات خارجية تتعارض مع المصالح العليا للدول العربية،- فإنه لتفعيل هذه البنود، وتفعيل دور الجامعة العربية في انعقادات مقبلة في ظل الظروف الدولية الضاغطة، نضع مجموعة من الرسائل والتوصيات للقائمين على العمل العربي، لتفيل الدور والوقوف بصلابة مجتمعين كعرب في مواجهة ما هو قادم.
رسالة مؤثرة:
تلك مبــادئ السلوك الحضاري في طريقة التعامل بين الإنســان وأخيه الإنسـان، حيث نرى في القــرآن الكريم ونعيش معـه في أكمــل صور الحوار وعظمته بين الخالق سبحانه وملائكته، وبين الخــالق وعبـاده دون بطش أو مصادرة لرأي، فهو يعلمنا ســبحانه كيف يكون الحـوار الذي يخاطـب العقل بالمنطق تارة وبالأمثال تارة أخرى، ويقرب لنا النتائج من خلال العرض الرائع لأحداث من سبقنا من الأمم لنتجنب أخطاءهم حتى نأمن الطريق الذي نسير فيه.
ومن ذلك المنطلق فإن الأمة العربية كانت سباقة لكل الأمم في طرح أسلوب الحوار الهادف طريقًا لتحقيق مصلحة كل الأطــراف توفيرًا للجـهد والمال والدم، لموقف أكثر خطورة من خلافات وجهات نظر أو مشاكل حدود بين القادة العرب التي تكاد أن تنسف ما تبقى من روابط الأخوة وتقطع أواصر العروبة ورابطة المصير المشــترك، وإعطاء صــورة حضــارية مستمدة من تعاليم ديننا الحنيــف وقيمه في التعامل فيما بينهـم، حيث كل منهم يتقدم على صاحبه بمد يد المودة والســلام على أساس اتباع منهج محمد عليه الصـلاة والسلام تمشيًا مـع الآية الكريمة: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل: 125) .
والآية الكريمة: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت: 34).
ضرورة ملحة:
وأردت بهذه المقدمة كي تكون مدخلًا لمناقشة الواقع العربي والأوضاع السياسية استعدادًا لدخول القرن الواحد والعشرين وما يمثله من تحديات أخشى أن تقف الأمة العربية فيه موقفًا يزيد من معاناة أبنائها، ويضيف إليها مزيدًا من الكوارث والإحباط، حينما لن تقوى على مواجهة أعاصير التطور الاقتصادي الذي بدأ يتشكل منذ سنوات عديدة في كتل سياسية واقتصادية واجتماعية لمواجهة القرن القادم.
وأين نحن من ذلك؟ قرن ينسل من أمام أعيننا دون أن نستغل أوقاته فمرت أيامه غير نادمة علينا لأننا لم نستثمر طاقاتنا وإمكانياتنا كأمة واحدة ونقوم بتطوير علاقاتنا بعضنا ببعض لنحقق بها تكاملًا يجمع عناصر القوة فيه ويوظف كافة الوسائل المتاحة، لنتمكن من تحقيق الأمن القومي للأمة العربية اقتصاديًا وسياسيًا، ويحقق لكل مواطن العيش الكريم.
بل كانت أيامنا معارك كلامية دون هدف ودون مصلحة أيًا كانت وشعارات قومية دون مضمون وعقيدة ومصطلحات وزعت ألقابًا وصنفت شعوبًا، منها التقدمي ومنها الرجعي، ومنها المتخلف ومنها.. ومنها، فضاعت آمال بسطاء العرب أمثالي في كل مكان حيث كانوا يحلمون كل يوم بوحدة تصون عزتهم وتحقق أمنهم وتطور معيشتهم وتصد كيد أعدائهم وتحقق لهم في مجتمعاتهم مانصت عليه شريعة السماء من حقوق تحفظ لهم كرامتهم وتدافع عن قناعاتهم.
مسار ات مدروسة:
ونحن اليوم على أعتاب قرن جديد علينا أن نعود إلى أسلوب الحوار المنطقي والهادئ الذي دعانا إليه رسول هذه الأمة حتى نستطيع أن نخرج من حالة التمزق والتشتت ونتحرر من الحلقة المفرغة والمفزعة كيف؟
(-) المجال السياسي:
(1) لا بد من وضع ميثاق جديد تتحدد فيه العلاقات العربية بأسلوب واضح وملتزم، مع تحديد صريح لواجبات كل دولة عربية مما يضمن لها من حقوق ويستوجب عليها من التزامات في وقت السلم أو في وقت الاعتداء على أحدها من خارج المجموعة العربية.
وضع إطار لأسلوب التعامل فيما بين الدول العربية على أساس الاتصال المباشر والحوار المستمر لإنهاء أي خلاف وأن تتم معالجته بالسـرعة التي تجعل الأمـر محصـورًا بيـن القـادة منعـًا لأيـة تداعيات تنعكس سـلبًا على الشعوب وتزيد من ابتعـاد هـذه الأمـة عن أهدافها ويساعد ذلك أعداءها على استغلال أية نقطة ضعف.
وعلى مستوى مؤتمرات القمة، تلتـزم الـدول العربية بإجتماعـات منتظمة لمؤتمرات القمة في مكان مقر الجامعة العربية، ولا يجوز تحت أية مبررات أو حجج أو طواريء تأجيل اجتماعات القمة حتى تثبت الدول العربية جدية اللقاءات وما ستسفر عنها من نتائج لها بالغ الأثر على مصلحة الأمة العربية.
إعـادة النظر في قانون الجامعة العربية لتفعيلها وإعادة هيكلتها بحيث تكون لديها القـدرة علـى تحمل مسـؤوليات القرن القادم وما يتطلبه من مؤهلات وإمكانيات وسياسات تستوعب متطلباته كما يلي:
( أ ) تعيين الأمين العام للجامعة يكون دوريًا حسب الحروف الأبجدية على أساس ثلاث سنوات فقط، لا تجدد وتتاح الفرصة لأمين آخر بالتسلسل الأبجدي لتأخذ كل دولة عربية فرصتها بأسلوب يضمن عدالة التناوب للأمين العام.
(-) المجال العسكري:
إنشـاء مجلس الأمـن القومي العربـي بحيث يشـكل مـن قادة القوات المسلحة في الدول العربية وتتبعه أمانـة خاصة مقـرها في الجامعة العربية حيث يتولى المجلس القومي التخطيط الاستراتيجي والعسكري بحيث يكون مسؤولًا عن تنفيذ ما يلي:
(1) وضع النظم والإجراءات الكفيلة بتفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك والموقعة من قبل الدول العربية كافة.
(2) تحقيق الاتصال بالقيادات العسكرية في الدول العربية والقيام بالتنسيق فيما بينها.
(3) ترتيب التعاون بين القوات المسلحة في الدول العربية مع بعضها البعض بواسطة إجراء المناورات السنوية ضمن برنامج معد لذلك، لكي يتمكن كل فريق من التعرف على نوعية السلاح عند الفريق الآخر وتوحيد المصطلحات العسكرية إلى حين يتم التوصل إلى تحقيق وحدة كاملة في النظم والمعلومات، والتواصل المستمر عن طريق تبادل الخبرات بين الدول العربية وزيادة الكفاءات والقدرات القتالية للقوات المشتركه وتنظيم الدورات التدريبية في المدارس التعليمية للضباط وضباط الصف والجنود لرفع كفاءتها والنهوض بها.
(4) وضع الخطط اللازمة لاتخاذ أية إجراءات تتطلبها المصلحة القومية؛ سواء كانت للدفاع عن دولة عربية تعرضت للعدوان أو التدخل لمنع الاشتباك بين دولتين عربيتين حدث بينهما خلاف كاد أن يؤدي إلى تصادم؛ حتى نمنع ما يحدث من كوارث كما حدث في القرن المنصرم.
يتم تعيين أمانة عامة لمجلس الأمن القومي للقيام بالمسؤوليات المشار إليها أعلاه، وإعداد جدول أعمال اجتماعات المجلس وإعداد التقارير عن نتائج أعمال المجلس لرفعها لمجلس الدفاع العربي لاعتماد القرارات والمصادقة على جدول زمني لتنفيذها.
يتم تعيين أمين عام لمجلس الأمن القومي برتبة عالية ورفيعة وتقوم كل دولة بترشيح الأمين العام حسب التسلسل الأبجدي المعمول به في نظام الجامعة العربية؛ على ألا تتجاوز مدته ثلاث سنوات فقط، وذلك يتيح لكل دولة عربية أن يكون أمين عام المجلس القومي مرشحًا من قبلها، بحيث تضمن العدالة في توزيع المسؤوليات دون استثناء دولة دون غيرها، كما أنه يتيح ذلك الأسلوب فرصه للأمة العربية لإبراز الكفاءات والقدرات التي ستكون في خدمة المصلحة القومية للأمة العربية.
(-) المجال الاقتصادي:
إن الأسباب التي أدت إلى تخلف أكثر الدول العربية اقتصاديًا ليس بسبب عدم توفر ثروات طبيعية أو نقص في العمالة الفنية، ولكن السبب الحقيقي هو عدم توفر الموارد المالية التي تستطيع بها استغلال ثرواتها الطبيعية سواء كانت بترولية أو مواد خام مختلفة، ولو تحققت لها الموارد المالية لاستطاعت أن تستثمر مواردها وتحقق لشعوبها فرص العمل والعيش الكريم.
ولذا فإن المرحلة القادمة تتطلب إجراءات فعالة ونظرة علمية موضوعية في تفعيل إمكانات الدول العربية لتستفيد من ثرواتها وفوائضها المالية، لذا فإنه يتطلب ما يلي:
(1) إنشاء بنك عربي رأسماله لا يقل عن خمسين مليار دولار تكون مهمته تصحيح الهياكل المالية في الدول العربية وتطوير إمكانياتها الاقتصادية، حتى تستطيع الخروج من الكبوة الاقتصادية على أساس خطة خمسية تأخذ في الاعتبار الدول التي لديها إمكانيات وثروات يمكن استثمارها وتحقيق مردود اقتصادي، في وقت لا يزيد عن خمس سنوات، على أن يكون أداء البنك وسياسته التنفيذية تعتمد على الدراسات الاقتصادية حتى يستطيع معالجة الخلل المالي تباعًا في الدول العربية، مما يعني بأن الأمة العربية إذا استطاعت أن تضع الآليات العلمية العامة وتسخر فوائضها المالية في خدمة الاقتصاد العربي مما سيحقق لها ما يلي:
(أ) ستكون الاستثمارات العربية في مأمن من التجميد أو المصادرة أو التلاعب كما حدث في أمثلة كثيرة الكل يعلمها، حيث قامت الولايات المتحدة بتجميد أرصدة الجماهيرية الليبية على سبيل المثال.
(ب) المردود المالي على الاستثمار العربي ستكون مضمونه الفوائد ستفوق ما تحصل عليه الاستثمارات العربية في الدول الغربية من فوائد هزيلة، وأحيانًا فقدان رأس المال في الاستثمارات الدولية.
(ج) تملك الاستثمار العربي لمشاريع حقيقية منتجة وأسواقها موجودة في الدول العربية، ولو علمنا بأن الدول العربية تستورد من الخارج سنويًا ما قيمته أكثر من 65 بليون دولار في حقل الغذاء مثلًا، كان يمكن أن توجه تلك المبالغ للمنتج العربي وتكون عاملًا في ازدهار المجتمعات العربية المنتجة.
(د) تتحقق للدول العربية التي تواجه صعوبات مالية في تمويل مواردها الطبيعية استفادة عظيمة في تطوير ثرواتها وتحقيق أهدافها في التنمية، وتوفير فرص العمل مما يساعدها على الاستقرار والنمو ويمنع عنها الهزات السياسية والانقلابات العسكرية مما يغنيها عن طلب المساعدات والهبات، وتحفظ ماء الوجه وتنطلق لبناء المستقبل المشرق.
كما يتم إنشاء مكتب للدراسات الاقتصادية يتبع البنك للقيام بدراسة الأوضاع الاقتصادية وإعداد خطة عملية في كيفية استغلال الموارد الطبيعية في الدولة التي تقرر الموافقة على الدعم المالي لها، وعلى سبيل المثال فإن جمهورية السودان التي يتوفر فيها 200 مليون فدان قادرة أن تمد العالم العربي بالغذاء وتحقق له الأمن الغذائي، يستطيع البنك المقترح إعداد مشروع طموح لاستغلال ذلك وما يمكن أن يعود على السودان من نتائج اقتصادية كفيلة بحل مشاكله المالية وتوفير فرص للعمل قد تتجاوز عشرات الآلاف، بحيث يتيح لأبناء السودان حل مشكلة البطالة ويحولهم إلى طاقة منتجة.
وهكذا يستطيع السودان أن يخرج من مشاكله الاقتصادية ويعتمد على نفسه، وبنفس الأسلوب يتوجه البنك لدراسة اقتصاديات دولة أخرى والنهوض بثرواتها واستغلالها مما ينتج عن ذلك أنه في غضون خمسة وعشرين عامًا أو يزيد قليلًا أن تتعافى الدول العربية من أزماتها الاقتصادية، ولاستغلت ثرواتها الطبيعية التي تبحث عن التمويل المالي علاوة على المردود المالي الذي سيتحقق للأموال التي قام باستثمارها البنك المقترح.
(-) الاشتباك مع العولمة:
نظرًا للتطورات الاقتصادية المتلاحقة في عصرنا الحاضر، وانتهاء صراعات ومواجهات معسكرات القوتين الشرقية والغربية، فإن هذه التطورات والتغييرات قد فرضت أسلوبًا جديدًا في صراع البقاء، ألا وهو ما أسميه هنا بالصراع الاقتصادي، والذي أعتبره في رأيي المتواضع أشرس وأخطر أنواع الصراع في الحاضر والمستقبل، لأن هذا الصراع سيكون متمثلًا في صدام قدرات اقتصادية وإمكانيات تخطيطية، وأساليب تسويقية، تعتمد أساسًا على نوعية الإنتاج والسعر المنافس وسرعة الحركة ومرونتها، والتكيف مع متطلبات السوق بكل الأخلاقيات والقيم الجديدة التي تسوده في الوقت الحاضر وصولًا إلى هدف رئيسي وهو ضخ أكبر كمية من الإنتاج إلى أسواق جديدة، وأن ذلك الأمر يتطلب تخطيطًا بعيد المدى تشارك فيه جميع الفعاليات الاقتصادية سواء كانت حكومية أو شبه حكومية والقطاع الخاص، وذلك ببناء استراتيجية شاملة تستهدف في النهاية زيادة الإنتاج الذي من شأنه إتاحة الفرص لتشغيل أكبر عدد ممكن من أبناء الوطن العربي، وبالتالي يحقق مردوده على الاستقرار في الدولة، ويصبح الكل له دور في تسيير عجلة التطور والتنمية مما يحد من ظاهرة البطالة المستفحلة.
إن اتفاقية (الجات) ستفتح مجالًا واسعًا من التنافس والغزو السلعي اللا محدود، لأنها أعطت الحرية للسوق، والعرض والطلب هو أساس التعامل في النظام الدولي الجديد، فالقضيه لا بد أن تؤخذ بمأخذ الجد، حيث ستكون السيادة للقوي في الساحة الاقتصادية ويتراجع الضعيف، وتصبح الأسواق أسواقًا استهلاكية، وما سيترتب عليه من أعباء خطيرة؛ منها ما سيسببه من تفشي داء البطالة وما يشكله من أعباء على الدولة، وبالتالي تضطر الدولة إلى أن تضحي بأغلى ما عندها من مخزون استراتيجي وثروات طبيعية، فتبيعها مرغمة بأقل الأسعار حتى تتمكن من مواجهة مواقف عسيرة لم تعد لها العدة من قبل، ويستمر التراجع والتخلف الاقتصادي إلى مدى لا يعلمه إلا الله.
ومن هنا، يتضح بأنه لا بد من وضع خطة مستقبلية تستوعب كافة الطاقات الاقتصادية وتوظيفها توظيفًا علميًا سليمًا، وبنظرة شمولية وحياد إلى كافة قطاعات المجتمع، والذي في النهاية إما أن يكون مجتمعًا فعالًا كل له دوره في التنمية، وإما أن يتحول المجتمع إلى طاقات معطلة مبددة، ويتراجع التفكير الشمولي ليصبح تفكيرًا محدودًا ضيقًا يكون محيطه دائرة الفرد والأسرة فقط، مما يؤدي إلى تفتت الجهد المشترك لمواجهة متطلبات التطور؛ وعندها تبدأ الكارثة.
فالغرب وغيرهم يبحثون عن مصالحهم مستخدمين كافة السبل والوسائل لتحقيقها، ونحن من حقنا أيضًا استخدام كافة السبل والوسائل بما نملك من ثروة وخبرة وعلم، يجب أن تستثمر في تحقيق أهدافنا الوطنية، فلسنا بأقل من الدول المتقدمة، ولكننا وللأسف الشديد انشغلنا في صراعات هامشية وقضايا ثانوية لا تخدم مصالح شعوبنا ولا مصالح أوطاننا وإنما في حقيقة الأمر تكون نتيجة هذا كله أن تصب في مصالح القوى الأخرى، كما أن كافة المحاولات التي تبذلها الحكومات العربية مع بعضها بعمل اتفاقيات ثنائية تبقى في إطار التمنيات دون أن يكون لها تأثير فعال على الواقع، وانما هي إطار عام للتعاون يحتاج إلى آلية ذات مصلحة تعود عليها من جراء جهدها، ونتائج مادية ملموسة تدفعها دائمًا إلى البحث عن أسس جديدة لزيادة مواردها، وذلك يشكل حافزًا مهمًا لها بالبحث الدؤوب عن أساليب مختلفة وخطوات متتابعة لتحقيق أهدافها في النمو.
وأن ما يخيفني مع معركة السلام أن تستطيع إسرائيل بمالها من كفاءات وقدرات في المناورة والتخطيط توظيف فائض الأموال العربية لخدمة مصالحها، مما يمكن لها السيطرة الاقتصادية كما كان لها السيطرة العسكرية في السابق، وستكون لها الأمور ميسرة، حيث أننا لم نفق بعد، ولم ندرك أهمية التعاون والتنسيق في تشكيل مستقبل العالم العربي، حيث ستأخذ أشكالًا مختلفة ووسائل في ظاهرها البراءة وفي باطنها السيطرة والاستغلال، لذا يتطلب الأمر إنشاء الشركة العربية للتسويق كما يلي:
يتم تشكيل الشركة برأس مال لا يقل عن 5 مليار دولار تساهم فيها الحكومات العربية بنسبة 50% ورجال الأعمال في الدول العربية بنسبة 50%.
تكون مهمة الشركة كما يلي:
أ – تنمية التبادل التجاري بين الدول العربية.
ب- بحث إمكانيات تأسيس المشروعات المشتركة في مختلف أوجه النشاط الاقتصادي وتسهيل تدفق الأموال العربية.
ج- المساعدة في البحث عن أسواق جديدة لتصريف المنتجات المصنعة في الدول العربية.
د- إعداد الدراسات وتوفير البيانات والمعلومات اللازمة والمتعلقة بالأمور التجارية والصناعية والزراعية والاستثمارية.
ه- تذليل الصعوبات الناجمة عن انتقال البضائع بين الدول العربية.
و- دراسة فرص الاستثمار في الدول العربية وتوجيه فوائض الأموال العربية للاستثمار في مشاريع البنية التحتية على نظام (البوت) مما يحقق مردودًا أعلى من مردود الاستثمار في خارج العالم العربي، بالإضافة إلى حل مشاكل البنية التحتية للدول العربية.
(3) تشكيل مجلس إدارة يمثل القطاع الحكومي والقطاع الخاص لوضع خطة تهدف لتحقيق تلك الأهداف وأن يتم إنشاء أربعة فروع على أن يكون المركز الرئيسي مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، وذلك لما لها من مكانة اقتصادية وجغرافية مرموقه تؤهلها لذلك، والفروع الأخرى مقرها تونس في المغرب العربي / القاهرة/ بيروت في المشرق العربي / دبي في مجلس التعاون الخليجي.
(-) مصداقية الشعارات العربية:
ضرورة خلق مناخ منطقي وعقلاني للتصالح مع أنفسنا وإزالة التناقضات التي يعيشها كل مواطن عربي في أي دولة عربية وذلك ناتج مما تطرحه الدول العربية في الاجتماعات الرسمية وأجهزة الإعلام المختلفة، بالتأكيد الدائم على وحدة الأمة العربية، وأن مصيرها واحد ومستقبلها واحد واقتصادها يكمل بعضه البعض، في حين يرى المواطن العربي في التطبيق العملي والمعايشة اليومية تناقضًا خطيرًا في السلوك والممارسات اليومية التي تتعامل من منطلق تشريعات وقوانين ولوائح كل دولة تؤكد مفهوم الإقليمية البشعة، وتمارس التمييز العنصري بين العرب المقيمين في أية دولة عربية، مما يتناقض ذلك السلوك مع ما تعلنه الدول العربية وما نصت عليه دساتيرها، بأنها جزء من الأمة العربية، وأن ما يجمعنا وحدة مصير ووحدة لسان ووحدة جغرافيا ووحدة مصلحة، والتأكيد بأن مضمون العروبة أمر يكاد أن يكون موجودًا فقط في خيال الحالمين لدى بعض المواطنين العرب.
ومن هذا المنطلق فإنه لا بد لنا إذا أرادت الأمة العربية أن تواجه القرن القادم وتستعد له كما استعدت أوروبا التي وضعت نصب أعينها أهدافًا محددة وواضحة بأن الأمن المشترك ومصلحة التكامل الاقتصادي فيما بينها يعلو على كل الأنانيات الإقليمية الضيقة، ويجعل منها إذا اتحدت وتكاتفت قوة مرهوبة الجانب يحسب لها ألف حساب، واستطاعت أن تحقق لشعوبها استقرارًا في المعيشة ونموًا في الاقتصاد وتطورًا في التنمية، ذلك ما يتمناه كل عربي غيور على مستقبل أمته أن نصل إلى ذلك المستوى ونجعل المصلحة القومية فوق كل الاعتبارات؛ عندها يتحقق الأمن والاستقرار للجميع ونستطيع بناء مستقبل مشرق للأجيال العربية.
وما دام الأمر كذلك وما دام كل منا يفكر بأنانية وبإقليمية لا يرى غير نفسه ولا يعلم ما يدور حوله ولا ينظر إلى ما يحقق له مصلحة أمته بضمير يقظ وإدراك لمسؤوليته القيادية، وتقديرًا سليمًا لمجريات الأحداث وما قد تعكسه سلبًا على مصلحته، فإننا لن نستطيع أن نتجاوز العقبات التي تحول بين تمنيات القيادات العربية والتي تؤكدها دائمًا الشعارات الرنانة وتصيغها بصيغ مختلفة، لتوحي إلينا بأننا أمة واحدة، وبينما هو واقع في الممارسات اليومية التي تؤكد بكل القوة عدم الإيمان بتلك الشعارات، بل أن القوانين ذاتها تتعارض في موادها مع ما تطرحه الأجهزة الإعلامية في العالم العربي من بيانات وشعارات العروبة والمصير المشترك، مما يشكل نوعًا من ازدواج الشخصية وما يسمونه بـ«الشيزوفرونيا» الذي يحتاج إلى علاج طويل كي نتعافى منه، وآمل أن يتم الشفاء قبل فوات الأوان، لأننا على مر التاريخ لم نعط أهمية للفرص التي مرت علينا فضاعت.
(-) السوق العربية المشتركة:
لا بد من وضع استراتيجية للسوق العربية المشتركة، وذلك بإنشاء آليات يشترك فيها القطاع العام في الدول العربية والقطاع الخاص لتحقيق حركة التجارة بين الدول العربية واستغلال كافة الطاقات المالية والفنية والخبرات الاقتصادية في إنشاء السوق العربية المشتركة والتي يجب أن يتوفر لها ما يلي:
(1) تشكيل مجلس إدارة السوق من وزراء الاقتصاد في العالم العربي ورؤساء الغرف التجارية، وأن تتقدم كل دولة بترشيح (3) من أهم شركات القطاع العام لديها و(3) من أهم شركات القطاع الخاص.
(2) تعيين أمانة عامة للسوق ويتم اختيار مركز السوق في إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، بحكم موقعها الجغرافي وبحكم ما وصلت إليه من تطور وتوفر الخبرات المتخصصة للتسويق والاتصالات، بالإضافة إلى أنها أصبحت مركزًا عالميًا في المعارض الدولية، وتوفر البنية التحتية للتصدير إلى مختلف دول العالم، كما أن حكومة دبي وضعت أولوياتها للحركة الاقتصادية وانفتاحها على العالم مقدمة كل الدعم والمساندة اللا محدودة لتطوير مكانتها الاقتصادية العالمية.
يجتمع مجلس إدارة السوق كل 3 شهور لإعداد كافة التنظيمات واللوائح.
التنسيق بين كافة الشركات الملاحية ووسائل النقل الأخرى لتوظيفها في خدمة الحركة الاقتصادية والتسويقية بين الدول العربية.
متابعة المسؤولين في الدول العربية بشأن وضع الاتفاقية الاقتصادية الموقعة بين الدول العربية موضع التنفيذ.
تذليل كافة العقبات لمرور البضائع بين الدول العربية.
توظيف خطوط الائتمانات المالية المعتمدة من قبل صندوق النقد العربي في تغطية التجارة البينية وتشغيلها بين الدول العربية.
عرض تقرير كل ستة شهور على مجلس السوق المشتركة لشرح ما وصلت إليه إنجازات السوق العربية المشتركة وطرح المشاكل والعقبات لاتخاذ قرارات عملية من أجل حلها.
وضع أنظمه وقوانين لإعطاء الضمانات الكافية للمستثمرين العرب.
وخلاصة القول وحتى نستطيع أن نكون في موقف القدرة للاستعداد لدخول القرن الجديد على الدول والقيادات العربية مسؤولية تاريخية أمام شعوبها التي تشتت وتخلفت وضاعت ثرواتها دون طائل، وتردت في بعض الدول أوضاعها الاقتصادية وهي تعيش على أراضٍ حباها الله من كل الخيرات، ومع الأسف فإنها ترى ثرواتها تلك تضيع أمام أعينها دون أن توظف في خدمة أوطانهم لتحقق لهم بها العيش الكريم.
ومن أجل مستقبل مشرق لأبناء الأمة العربية، ومن أجل إنعاش الطاقات المبعثرة وتوظيفها في خدمة المشروع القومي على مستوى العالم العربي وصولًا به إلى تحقيق القدرة على مواجهة قرن جديد، لا نعلم ما يخفيه لنا القدر حيث أمرنا الخالق سبحانه بالاستعداد دائمًا والتخطيط لكل أمر، وعليه فإن ذلك يتطلب إعداد منهاج عمل عربي مشترك لمواجهة أعباء ومتطلبات القرن القادم وذلك كما يلي:
(-) المشروع القومي:
(1) تشكيل فريق عمل من وزراء التربية والاقتصاد والشؤون الاجتماعية والإعلام والخارجية ووزراء العدل، يشترك معهم ثلاثة من أعضاء البرلمانات العربية من كل قطر يتولى إعداد استراتيجية ترقى إلى تصور مشروع قومي للأمة العربية تتحد فيه المعالم التالية:
إعداد مشروع أساسي جديد للعلاقات بين الدول العربية وأساليب الاتصال فيما بينها لتحقيق وحدة في الموقف السياسي وترسيخ مفهوم وحدة الأمة ومصيرها المشترك.
(2) إعداد مشروع وثيقة شرف تلتزم بها الدول العربية وتضع أسلوبًا جديدًا للعلاقات السياسية بين الدول العربية وتحديد طرق الاتصال فيما بينها لتحقيق وحدة الموقف السياسي وترسيخ مضمون وحدة الأمة العربية والمصير المشترك، ومن ذلك استحداث آليات جديدة منها شبكة اتصالات خاصه تمكن الزعماء العرب من الاتصال المباشر وتبادل وجهات النظر في أي موقف طاريء لمنع مضاعفاته وما قد ينتج عنه من فتنة، أو الاتفاق على موقف موحد يخدم مصلحة الأمة العربية.
(3) تحرير المواطن العربي من الخوف والقلق ليكون آمنًا على حياته وعرضه ورزقه فلا يباغت ليلًا بتوقيفه أو مصادرة أمواله أو تقييد حريته إلا بناءً على جريمة ارتكبها وحكم صادر بحقه من المحاكم المختصة، ووضع كافة الضوابط القانونية لحمايته والمحافظة على كرامته وحماية حقوقه في حرية التعبير دون اعتداء منه على دين أو إنسان أو التحريض على عمل سلبي يضر بالمجتمع، فله كل الحق بعد ذلك أن يعبر عن قناعاته ويقدم النصيحة المخلصة لخدمة الوطن، وينبه للأخطاء والأخطار التي تهدد أمن مجتمعه، وأن هذا السلوك هو تشريع سماوي تؤكد عليه الآيات القرآنية، ومنها على سبيل المثال قوله تعالى ((وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) (آل عمران: 104) صدق الله العظيم.
وبذلك السلوك يستطيع المجتمع أن يعالج الأخطاء فور حدوثها ويتجنب مضاعفاتها، ليستمر المخلصون في إبراز أوجه النقص لتلافيه وحينها تستطيع المجتمعات العربية أن تقوّم نفسها وتصحح أخطاءها، وحين ينتشر الأمن والأمان فسنجد الكفاءات المخلصة والمواطنين الصالحين يتقدمون الصفوف في بذل التضحية وتقديم الحلول العملية لمعالجة ما يطرأ من مشاكل اجتماعية، والتي تعتمد أساسًا على بناء قاعدة العدل في كل الأمور وعندئذ لن ترى بائسًا محبطًا يندب حظه من عدم الحصول على حقه في السكن أو مواطن يبحث عن قوت لأطفاله، أو عمل يتكسب منه.
وإذا استطاعت الأنظمة وضع قوانين الضمان الاجتماعي؛ حينها نستطيع أن نرى المواطن يقدم كل ما لديه في خدمة مجتمعه ويضحي بكل ما يملك من وقت ومال وجهد، وحتى الزود بالروح عن الوطن الذي أعطاه الأمان واحتضنه في حمايته وضمن له عيشًا كريمًا له ولأسرته، واحترم قناعاته وسهل له وسائل التعبير عن رأيه فاستحق ذلك الوطن بجدارة كل الولاء وكل التضحيات.
(4) تتولى اللجنة إعداد مشروع قرار بإلغاء التأشيرات بين الدول العربية، وذلك لكي يتفق مع ما تصرح به الدول العربية ولكي تؤمن بما تعلنه ولكي تكون صادقة بما نعتقده بأننا أمة عربية واحدة، ومصيرنا واحد ومستقبلنا واحد، وما يحققه ذلك من نتائج مهمة في تأكيد مضمون الوحدة العربية وتبادل المصالح بين شعوبها وإمكانية انتقال العمالة العربية الفائضة إلى الدول العربية التي تفتقر للعمالة، بحيث سيساعد على تنشيط الحركة الاقتصادية بالإضافة إلى ما يمكن أن يتحقق من جراء ذلك من المحافظة على عروبة بعض الدول التي أصبحت نسبة العمالة الأجنبية الغير عربية تشكل خطورة على أمنها القومي وعلى عروبتها وثقافتها.
أن تلتزم القيادات العربية التزامًا قاطعًا وصادقًا ومخلصًا بعدم اتخاذ مواقف في السياسة الخارجية منفردة وما جره ذلك السلوك على الأمة العربية وأعاق تحقيق أهدافها القومية وضاعف من تشردها وتمزقها، ومن هنا فإن ذلك الموقف يفرض نفسه بشدة على تحقيق مبدأ التشاور بين الدول العربية، ويكون للجامعة العربية دور إيجابي في تحقيق التنسيق وسرعة الاتصال بعد إعادة تنظيمها وتعديل قوانينها ولوائحها التنظيمية، لتكون مؤهلة لتحمل مسؤولية القرن الجديد وما يتطلبه من حشد الطاقات وتوظيفها في خدمة الأهداف القومية.
(-) الخلافات العربية:
إن من أهم أسباب الخلاف بين الدول العربية القضايا الحدودية وهي من أهم التركات التي تركها لنا الاستعمار قبل خروجه من الوطن العربي، والتي تسببت في بعض الأحيان إلى حروب مدمرة وضياع فرص في التقدم والتعاون حينما نقوم بإحراق ثرواتنا في تلك المعارك وتقطيع أواصل الرحم فيما بيننا، وكائننا بالرغم من مرور أربعة عشر قرنًا والنور الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم لم يفلح في أن نغير من أسلوب التعامل فيما بيننا، حتى ظلت عقلية داحس والغبراء وحرب البسوس ما زالت تعشعش في عقولنا وتؤكدها تصرفاتنا وممارساتنا اليومية في التعامل مع بعضنا. ولحل تلك المعضلة لا بد وأن يتطلب ما يلي:
( 1 ) تشكيل محكمة عدل عربية يتم اختيار إحدى الدول العربية مقرًا لها، ويختار القضاة على أساس أن ترشح كل دولة عربية قاضيًا، ويتم تعيين خمسة قضاة للمحكمة بواسطة القرعة، حيث تجرى بين الأعضاء المرشحين على أن يُعاد الترشيح كل خمس سنوات.
تنظر المحكمة في كل القضايا الخلافية بين الدول العربية المعنية وترفع حكمها إلى مجلس الجامعة للمصادقة عليه حيث يكون ملزمًا لكل الأطراف وتلتزم الدول العربية بتطبيقه فورًا.
(2) دعوة كافة القيادات العربية وعلى كل المستويات إلى وقفة صريحة وأمينة مع النفس والضمير لتناقش سؤالًا واحدًا إلى أين نحن ذاهبون؟ ثم نلتفت إلى الوراء خمسون سنة فقط من عمر الجامعة العربية، ما هي حصيلة نصف قرن؟
أدعو الله أن يعين القيادات السياسية إلى أن نستطيع الإجابة قبل فوات الأوان، حينها لن ينفع الندم وفلسطين تعيش في قلوبنا مثلًا حيًا يدمى القلوب وتذرف العيون دمًا بدل الدموع، حتى لا تتكرر مأساة أخرى والسبب لأننا لا نقوم بعملية تقييم ما جرى ونتعرف على أسبابه حتى نستطيع أن نتجنبه في المستقبل.
تمامًا كما حدث أثناء غزو العراق للكويت فقدت الكويت حينها استقلالها واحتلت أرضها لأشهر معدودة وفي المقابل فقدت العراق سيادتها أكثر من 9 سنوات، وفقدت عتادها الذي كان يمكن أن يكون قوة للأمة العربية وفقدت مئات الآلاف من أبنائها ولا زالت تحت الوصاية. هل كلف مؤتمر القمة العربي بعد هذه المأساة مجموعة عمل متخصصة تبحث بحيادية وبضمير لا يعرف غير الله رقيبًا عليه ومصلحة الأمة العربية هي فوق كل الاعتبارات بحيث نعرف أسباب المشكلة وكيف نستطيع الخروج منها وكيف نمنعها أن تتكرر مرة ثانية دون محاباة لأحد أو خشية من بطش، ويكون أساس ذلك الدراسة الموضوعية على أساس أن كليهما أخوة لنا، فلا نفرط في أحد منهم وذلك تطبيقًا لشرع الله وما نص عليه القرآن الكريم بقوله تعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الحجرات: 9)
لماذا لا تكون هذه الآية قاعدة أساسية تلتزم بها الجامعة العربية وتحترمها الدول العربية التي أقرت في دساتيرها أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام؟ مما يعني ذلك بأن الدولة ملتزمة التزامًا كاملًا أمام أبناء شعبها بتطبيق شرع الله فيما يحقق المصلحه العليا لأبناء الأمة العربية المسلمة.
تلك خواطر وأماني مواطن يعيش هموم أمته ويتألم لما آلت إليه علاقاتها من خلافات لا تجد طريقًا لحلها وردود الفعل تعمق العزلة بينها، ولو اتخذنا الحوار طريقًا وحيدًا لمراجعة مواقفنا وتصحيح الأخطاء، لن نصل إلى ما وصلنا إليه من أوضاع لا نحسد عليها. فليكن الحوار المخلص سبيلنا لمعالجة ما يستجد من أمور والمصارحة طريقنا في مواجهة ما يطرأ من مشاكل والإخلاص سلوكنا في النصيحة والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وبأننا بإذن الله قادرون على تجاوز محنة الفرقة إذا استعادت القلوب صفاءها وتمسكنا بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) فليكن ذلك شعار المرحلة القادمة وعندها ستتحقق كل الأهداف وتتصافح الأيادي وتلتقي القلوب على المحبة والمودة والله قادر على أن يعيننا على ما ابتلانا به وهو السميع الخبير.